“يُأخذ الطعام من الجياع لإطعام من يتضورون جوعًا” جاء هذا في كلمة برنامج الأغذية العالمي في الكلمة التي ألقاها مدير البرنامج أثناء تسلمه لجائزة نوبل للسلام في 2020. في ذاك العام كان أزمة جائحة “كورونا” تلقي بظلالها على سلاسل التوريد خاصة في القطاع الغذائي وغيره، فضلاً عن استمرار الصراعات في مناطق مختلفة من العالم.
ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية في مطلع هذا العام لتضاعف من المخاطر التي كانت تلوح في الأعوام الماضية على قطاع الغذاء في العالم. ويأتي التأثير العميق لهذه الحرب من حقيقة الدور المركزي لكل من روسيا وأوكرانيا في توريد القمح للعالم، فضلاً عن الاستخدام المكثف من قبل الغرب لسلاح العقوبات. ويتضح التأثير الأكبر لهذه الأزمة في العالم العربي الذي يستورد النسبة الأكبر من غذائه من خارج حدوده، فضلاً عن التأثيرات المستمرة لأزمات الطاقة والمياه.
وضع الأمن الغذائي قبل الأزمة
حدد التقرير الأخير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم 2021 الصادر عن مؤسسة الفاو أن عناصر تراجع الأمن الغذائي حول العالم هي ضعف الكفاءة في الإنتاج والتصنيع والتخزين والتوزيع والنزاعات وتقلب المناخ والانكماش الاقتصادي؛ الأمر الذي انعكس على تفاقم الفقر وعدم المساواة سواء في الإنتاجية، أو الدخل، أو التكنولوجيا أو التعليم أو الصحة. وهناك بعض الأسباب المحلية المؤثرة على بعض الأقاليم مثل ارتفاع الأسعار وانتشار أسراب الجراد أو ضعف جودة الخدمات.
لقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مجاعة من 80 مليون إلى 276 مليون خلال السنوات الأخيرة بسبب الحروب، وأزمة التوريد والتغير المناخي بآثاره على التصحر وانتاجية المحصول ونقص الأمطار، وأزمة المياه، والجفاف الذى يؤدى إلى تلف المحاصيل أو نفوق المواشي.
بالإضافة إلى بعض الأزمات الهيكلية التي تعاني منها اقتصادات منطقتنا العربية من ارتفاع فاتورة الدعم وصعوبة تعديله لضمان وصوله لمستحقيه، وازدياد أعداد السكان وانتشار الفقر وعجز الميزانيات، وإجراءات تخفيض قيمة العملة وصعوبة توفير الإمدادات الدولارية، مما يزيد من أزمة التضخم لتجد البنوك المركزية مضطرة لتشديد السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة، ويترتب على ذلك ارتفاع تكلفة خدمة ديون للدول المدينة بالفعل .وكورونا جميعها أمور تهدد أمن الدول العربية غذائيا، فالدول العربية حاليا -عدا لبنان – تعتمد على مخزونها الاستراتيجي.
انخفض المعروض العالمي من الغذاء بسبب الجفاف في كندا والبرازيل واختناق حركة النقل في بعض المناطق في العالم، وإضرابات في إسبانيا. وتفاقمت الصدمة بسبب الحرب في أوكرانيا. اذ يمثل انتاج أوكرانيا وروسيا 30% من صادرات القمع العالمية و20% من الذرة و75% من زيت دوار الشمس.
ولا يقتصر ذلك على المنتجات الزراعية، بل تعد روسيا بحصة 12.6% من أهم مصدري الأسمدة الزراعية. فالمخزونات العالمية من السلع الأساسية الثلاث – الأرز والقمح والذرة – ما تزال كبيرة بالمعايير التاريخية. واتخذت مجموعة السبع مؤخراً خطوة مهمة تمثلت في التعهد بعدم فرض حظر على تصدير المواد الغذائية.
المصدر: اقتصاد الشرق (بلومبرج) نقلا عن توقعات مجلس الحبوب العالمي لصادرات الحبوب في موسم 2021/2022
الأزمة الأوكرانية تهدد قطاع الغذاء في العالم
فضلاً عن توقف التوريد بشكل كبير، كان القطاع الغذائي في قلب العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا. على سبيل المثال، أعلنت أوكرانيا أن روسيا تستهدف زرع ألغام أرضية في الحقول الأوكرانية، كما تدمر المعدات ومرافق التخزين والآلات الزراعية. وفقًا للادعاءات الأوكرانية، فإن هذا يعمق معاناة الفلاحين في الحصول على الأسمدة للقمح الذي يزرع في فصل الخريف.
كما أن تراجع محاصيل الربيع مثل الذرة وعباد الشمس يهدد إنتاج وتوريد الزيوت، فضلاً عن وجود نقص في نقص وقود الديزل اللازم للميكنة الزراعية، وسرقة الجرارات الزراعية. أدى عمق واتساع الأزمة إلى تحدث البعض عن وجود خطر بحدوث مجاعة في العديد من مناطق العالم.
وصل حجم صادرات الحبوب منذ بدء الحرب حالياً عند 500 ألف طن شهريا ً من أوكرانيا، مقارنة بـ 5 ملايين طن قبل اندلاع الحرب، وعلى الرغم من استمرار صادرات المحاصيل من روسيا إلى الأسواق العالمية، إلا انه هناك عدم يقين من التسليم والدفع للشحنات المقبلة. وتوقعت مجموعة البنك الدولي، استمرار تضرر أسعار الغذاء تأثرا بأزمة أوكرانيا حتى نهاية عام 2024. وصعود أسعار الزراعة والمعادن بنسبة 20% في عام 2022، قبل أن تستقر عند مستويات مرتفعة في السنوات التالية. وتعتبر هذه الأزمة أكبر صدمة سلعية منذ السبعينات. وكان حين عانى العالم بالفعل من أزمة شبيهة عام 2008 في ظل ارتفاع أسعار الوقود والجفاف وإجراءات الحماية الوطنية.
المصاعب التي ستتولد في بلد مثل الصين -والتي تعد وإلى جانب تركيا الدولتين الرئيستين في صادرات روسيا وأوكرانيا من السلع الغذائية- قد تكون أزمات في مناطق أخرى. ستعوض الصين النقص بزيادة الطلب من استراليا، مما سينعكس بالطبع على صادرات استراليا لباقي الدول.
أضف إلى ذلك أنه إذا شهد جنوب الولايات المتحدة جفافاً هذا العام، فإن العالم قد يواجه أزمة حادة في سوق الحبوب. وتكتظّ صوامع الحبوب بنحو 15 مليون طن من الذرة من محصول الخريف الماضي في أوكرانيا كان ينبغي أن مطروحًا في الأسواق العالمية حالياً.
في مناطق أخرى، سيكون الوضع سيئًا للغاية. تعتمد دول منطقة البحر المتوسط على الأمطار في الزراعة التي توجه نسبة 85% من استخدامها للمياه للزراعة، وهبي من أكثر المناطق جفافاً في العالم، وتتأثر بشكل كبير بموجات الاحترار كما حدث في أثناء موسم جني بعض المحاصيل الصيفية العام الماضي كما تعاني من محدودية الأراضي الزراعية والعقبات البيئية الذي يجعلها تعتمد بشكل رئيس على استيراد غذائها فتوقعت
وفي ظل سعي العالم لتطبيق الأهداف الإنمائية بالقضاء على الجوع بحلول 2030 فإن هذا الهدف يبدو طموحا وغير واقعي؛ فمن المتوقع تعاظم الأزمة،
استجابة الدول العربية للأزمة
يمكن تفصيل أشكال استجابة الدول العربية للأزمة الغذائية من خلال التالي:
تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح عالميا حيث تستورد 50% من استهلاكها بنحو 12.9 مليون طن في 2020 للحكومة، والقطاع الخاص بقيمة 3.2 مليار دولار. وظلت على مدى الخمس سنوات الماضية تشتري ما يزيد على 80% من وارداتها من روسيا وأوكرانيا- اتبعت سياسات متنوعة؛ فقد كان العام الحالي الأكبر في زراعة القمح على الإطلاق في تاريخها – 3.62 مليون فدان في إطار سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح بحلول عام 2025 وفقًا لتصريحات وزارة التخطيط المصرية.
كما رفعت الحكومة سعر شراء القمح المحلي عدة مرات لتشجيع المزارعين -الذين يطالبون بزيادة 22% في السعر على توريده خوفا من استهلاكه ذاتيًّا أو توريده للقطاع الخاص خاصة في ظل أن السعة التخزينية للحكومة المصرية 3.8 مليون طن- كما حظرت وزارة التجارة والصناعة تصدير 6 سلع غذائية أساسية وهى العدس، المكرونة، القمح، الدقيق، الفول. وخصصت 170 مليار جنيه في ميزانية السنة المالية الحالية احتياطي لمواجهة تداعيات أي أزمة علما بأن الحكومة تخصص 87 مليار جنيه من ميزانيتها لدعم السلع التموينية والخبز سنويا.
كما نظرت مصر لبعض البدائل مثل الأرجنتين وفرنسا وأمريكا، والهند -والتي قامت بتصدير قمحا في السنة المالية المنتهية في مارس 2022 بزيادة نسبتها 275% على العام السابق. إلا أنه من المتوقع مع ارتفاع درجة الحرارة المفاجئة تقلص حجم الإنتاج رغم عدم الإعلان الرسمي حتى الآن عن تخفيض التوقعات. كما مددت مصر المهلة الاستثنائية لقرار ألا تزيد نسبة الرطوبة المستوردة في القمح -والذي يؤثر على كمية الدقيق المستخرجة- عن 13.5% إلى 15.5 % حتى أبريل ،2023 وذلك حتى يمكن التوريد من فرنسا. وتدرس الحكومة المصرية رفع سعر الخبز المدعوم لأول مرة منذ أربعة عقود ومقايضة الأسمدة بالقمح الروماني.
المصدر: اقتصاد الشرق (بلومبرج) نقلا عن الفاو ووزارة الزراعة الأمريكية
أما تونس، المستوردة لنسبة 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا وروسيا، فقد أعلنت توافر المخزون حتى يونيو المقبل، وفي ضوء هشاشة الاقتصاد بسبب التضخم والبطالة وارتفاع نسبة الدين العام، وعدم قدرة السلطات على توفير السيولة بالعملة الصعبة اللازمة لسداد ثمن الحبوب، تتطلع إلى الحصول على إمدادات بديلة من أوروغواي وبلغاريا ورومانيا.
في الوقت نفسه، اتجهت لجزائر -التي بدأت استيراد القمح من منطقة البحر الأسود فقط في العام الماضي وتعود إلى فرنسا بعد الأزمة- إلى شراء نحو 700 ألف طن من القمح. كما رفعت الحكومة الجزائرية أسعار شراء القمح والشعير من المزارعين المحليين للتشجيع على الإنتاج، على حين المغرب التي تستورد 31% من قمحها من روسيا وأوكرانيا، و56% من سكانها لا يستطيعون توفير إمدادات غذائية مستقرة، تتجه إلى الأرجنتين وفرنسا وبولندا لتعويض أي مشكلات في الإمدادات.
أما الدول العربية الأكثر استيراداً هي الصومال-حيث ترد 70% من مساعدات القمح للصومال من أوكرانيا.. حيث إن الأمن الغذائي كان يعاني بالفعل من نقص التمويل وتشتري الأمم المتحدة نصف القمح للمساعدة الغذائية من أوكرانيا.
كما نجد أن لبنان، بعد تدمر البنية التحتية في مرفأ بيروت وأزمة الدولار والكهرباء خلال الفترة الماضية، قد تجد صعوبة في القدرة على توفير مخزون خاصة مع نقص الامدادات، مما جعلها أول دولة تحصل على قرض طارئ من البنك الدولي لدعم استيراد القمح بمبلغ 150 مليون دولار.
كما تتعمق أزمة الغذاء في اليمن وسوريا والسودان من حيث الانتشار. في سوريا، من المرجح أن تزيد المعاناة جراء ارتفاعات أسعار القمح والحبوب الزراعية، فضلاً عما تواجهه من أزمة الجفاف والمياه منذ سنوات، كما أن ليبيا-التي تستورد أكثر من نصف احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا- لديها بنية تحتية هشة لا تسمح بتخزين كميات من القمح.
وتأتي دولة جنوب السودان بعد سوريا بنسبة 55 % كما أن مخزون القمح في السودان منخفض للغاية؛ فمنحة القمح الروسية الأخيرة سيتوقف تأثيرها على المدى القصير ولا يتوقع استمرارها، تليها اليمن – التي تعاني منذ الحوثيين من تأخير إعادة تأهيل قطاع النفط المحلي المصدر الرئيس للعملة الأجنبية وتستورد ثلث احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا- يوجد 16 مليون شخص مُعرضون لخطر المجاعة بنسبة 45%.
الخطة المستقبلية
من العرض السابق يتضح أن تأثير الأزمة متباين على دول المنطقة، فعلى حين أن تصاعد أسعار الطاقة قد يخلق فوائض لبعض الدول النفطية مثل قطر والإمارات والسعودية لتمويل ارتفاع أسعار الغذاء، أو ليبيا والعراق – في حال الاستقرار السياسي في الأولى وتمكن الثاني من إصلاح البنية التحتية اللازمة لرفع حصتها في السوق العالمية، إلا أن بعض الدول الأخرى مثل مصر ولبنان ستعاني من التأثير المزدوج السلبي من دعم فاتورتي الطاقة والغذاء.
وأثبتت الأزمة ضرورة وجود استراتيجية زراعية وغذائية طويلة الأجل. وعلى الرغم من عدم الاهتمام الجدي من قبل بالأمن الغذائي أو إدراجه في السياسات لكن أظهرت الازمة الحاجة الى الاستثمار في ممارسات زراعية أكثر استدامة ومقاومة للتغيرات المناخية مع توفير تقنيات زراعية جديدة والاستثمار في سلاسل التوريد القائمة على منهجيات سريعة مقاومة للاضطرابات وتضمين ذلك في اتفاقيات التجارة الدولية.
فنجد الاتحاد الأوروبي، قد سعى لتخفيف قواعد الاستيراد حتى يمكن التوجه الى أمريكا الجنوبية؛ كما قامت إسبانيا –ثانية أكبر مستورد للذرة من أوكرانيا– بتخفيف شروطها الخاصة بالمبيدات حتى تسمح باستيراد الأعلاف من الأرجنتين والبرازيل. ففي الأجلين القصير والمتوسط، ستلجأ الدول المُستوردة إلى تكوين احتياطي مناسب من السلع الغذائية لتلافي حدوث صدمات والتنويع في مصادر الاستيراد عبر شراء عقود الخيارات والعقود المستقبلية للمنتجات الزراعية. كما يتضمن أسواق شرق آسيا وأمريكا الجنوبية في الأساس بدلا من أوروبا. أما في الأجل الطويل، فيمكن أن تلجأ الدول إلى زيادة حجم الاكتفاء الذاتي من الإنتاج المحلي للمنتجات الغذائية الرئيسية وتقصير سلاسل التوريد من خلال الاعتماد على الموردين المحليين وزيادة حجم المخزون.
ويتطلب الأمر من الدول العربية إعادة ترتيب أولويات الإنفاق. إلا أن هذا الشرط لن يكون يسيرًا على كثير من الدول خاصة ذات الموارد المالية المحدود أو متوسطة الدخل. ففضلاًً عن القيود العامة على الإنفاق العام.
هنالك تحديات أخرى تفرضها ظروف مواجهة أزمة وباء كورونا، وسعي كثير من الدول العربية للتقشف وتقليص الإعانات الاجتماعية ودعم الفئات السكانية الأكثر عرضة للخطر من خلال دعم وتمويل شبكات الأمان الاجتماعي.
كذلك، تفرض الأزمة المالية العالمية الحالية بعض التحديات النقدية على موازنات الدول العربية وهو ما يظهر في سعيها الحثيث للسيطرة على التضخم من خلال تعديل السياسة النقدية وحماية الأسعار من التقلبات، وموازنة السياسة المالية العامة بما يضمن استدامة القدرة على سداد الدين وخلق إيرادات مستدامة.
إلا أنه من المؤكد أن السياسات الغذائية العربية تمثل ضرورة لا بديل عنها؛ وينبغي للدول العربية أن تبدأ في إصلاح شبكات الأمان، وإعادة النظر في الدعم وتوجيهه نحو المستحقين. والتنسيق بين السياسات المالية والنقدية والزراعية فهي لا تعمل في معزل عن بعضها.
من الضروري أيضًا دعم القطاع الزراعي وصغار المزارعين من خلال الزراعة التعاقدية وتوفير الأسمدة بأسعار مقبولة وتفعيل دور البنوك الزراعية والخدمات الاستشارية للمزارعين ورفع أسعار التوريد أثناء الأزمات والاستثمار في البحوث والتطوير واستخدام الأسمدة الحيوية، مع العمل على تنويع مصادر الإمدادات المنتجات الغذائية.
وكذلك، من الضروري تسريع تمكين القطاع الخاص؛ حتى يساهم في البنية التحتية التخزينية، وإصلاح نظام الحوكمة والشفافية في توفر المعلومات سواء عن المخزون أو الفرص المتاحة لتحفيز مشاركة القطاع الخاص، ففي ظل ازدياد درجة عدم اليقين يصعب تحقيق التوازن بين العرض والطلب، والاستفادة من الدور الذي يقوم به القطاع غير الرسمي.
كذلك من اللازم الإفادة من تجارب بعض الدول الأخرى في إدارة المخزون الغذائي والزراعي. على سبيل المثال، هناك تجربة الفلبين الرائدة في إدارة مخزون الحبوب، من خلال امتلاك نظام شامل لجرد مخزون الأرز والذرة. وإجراء مسوحات شهرية للمخزون العام والمنزلي.
وفي حين تتنوع الطرق لإدارة المخزون من جمع البيانات عن المخزون والصرف من الحكومة في فيتنام أو القطاع الخاص في إندونيسيا لإجراء جمع البيانات للمخزون السلعي، أو تحديد أحجام مستهدفة للمخزون أو معدلات قياسية، وإعادة التخزين بانتظام كل 6-8 أشهر لضمان الحفاظ على جودة المخزون.
وفقًا للتجارب السابقة، فهناك حاجة ماسة لتطوير البحث وتطوير طرق التخزين وتوزيع السلع وأيضًا إعادة النظر في السياسات المخزون في منطقتنا وتوفير ميزانيات تسمح بتحسين أنظمة مراقبة المخزون الحالية وتنويع سياسات المخزون السلعي، واستخدام العقود المستقبلية مع التحوط من المضاربات.
فضلاً عن السياسات الداخلية، فمن الضروري للدول العربية أن تبحث إمكانيات التعاون الدولي والإقليمي لمنع أي تقييد واستمرار تدفق المواد الغذائية لتجنب اثارة الذعر وبالتالي ارتفاع الأسعار. لقد دعت مجموعة الدول السبع البلدان كافة إلى إبقاء أسواق المواد الغذائية والزراعية لديها مفتوحة، والحماية من أي قيود غير مبررة على صادراتها.
و أظهرت أزمة الغذاء في 2008 أن القيود من هذا النوع تحدث نتائج عكسية، ضرورة التكيف مع تغير المناخ الزراعة الذكية والتي تعتمد على استخدام مساحة اقل من الأرض والمياه للحصول على إنتاجية أكبر وتوفير إنتاج زراعي مستدام والتحكم الإلكتروني في معدلات البخر ورفع كفاءة البخر. يمكن أن يؤدي تحويل النظم الغذائية إلى إعادة 12 تريليون دولار ينفقها العالم على التكلفة الخفية للغذاء، من النقل إلى الأسمدة.
يمكننا أيضًا القضاء على ما يقرب من 8.5٪ من الانبعاثات التي تأتي من الزراعة. تحسين التوسع الأفقي والرأسي والجودة وتعظيم الاستفادة والاستثمار في الري وتطوير نظم الري.
ختامًا، لقد أجبرت أزمة الغذاء العالمية عام 2008 قادة الدول الصناعية الثماني الكبرى على تقديم تعهدات لتمويل الإغاثة الغذائية، إلا أن هذه التعهدات اختفت من أجندة المؤتمرات العالمية الكبرى أو مؤتمر المناخ عام 2015 -فيما عدا دافوس 2021- أو بين الأونكتاد. ولعل هذه الأزمة تظهر مجددا لدول المنطقة وللعالم الحاجة إلى التعاون حتى بعد انتهاء هذه الأزمة. من المهم للدول الأكثر تأثرًا بالأزمات والتقلبات العالمية، وفي القلب منها دول العالم العربي أن تعيد النظر في حقيقة أو خطورة امتلاك سبع دول فقط لإمدادات السوق العالمية من القمح، وامتلاك ثلاث دول فقط للنسبة الأكبر من الاحتياطي العالمي. ولعل هذه الأزمة تعيد التركيز على أمن الغذاء باعتباره جزءًا رئيسًا في الأمن الدولي وأمن الدول على السواء.