كشف مهرجان البحر الأحمر السينمائي عن رغبة السعودية سحب البساط من تحت أقدام دبي في تنظيم الاحتفالات والمهرجانات الكبرى؛ خاصة مع إغلاق مهرجان دبي منذ 2019 نظرا لظروف كورونا. ولكن حقيقة الأمر أن المنافسة لا تقتصر فقط على المهرجانات. إذ تسعى الرياض أيضًا إلى استضافة المقرات الإقليمية للشركات العالمية على أراضيها بحلول 2024.
يعرف موقع وزارة الاستثمار السعودية هذه المقرات مقرّات لشركات متعددة الجنسيّات أنشأت وفقًا لأحكام القوانين السعودية بهدف تقديم الدعم والإدارة والتوجيه الاستراتيجي لفروعها والشركات التابعة لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. واشترطت على الشركات التي تتعامل مع الحكومة أن تنقل مقارها أو تخاطر بهذه العقود. وهو ما يثر بعض التساؤلات حول رد فعل هذه الشركات من نقل المقر أو خسارة العقود الحكومية، وكذلك حول قدرة السعودية على توفير المقومات اللازمة لانتقال هذه الشركات.
كما أن هناك بعض التحديات من الاستثمار في البينة التحتية فتوفير بعض الخدمات كالمدارس -حيث تعتزم الحكومة خلال الخمس سنوات القادمة الاستثمار في المدارس والمستشفيات والمواصلات وغيرها ستسهل من كيفية انتقال هذه الشركات، فالأمر غير واضح حتى الآن رغم تأكيد وزارة الاستثمار على ضرورة التسجيل والحصول على شهادة، كما أن ذلك ينطبق على العقود الحكومية فقط وليس القطاع الخاص كما أنه لا يشمل العقود الممتدة لما بعد 2024.
أداء الاقتصاد السعودي في ارقام
يأتي هذا التوجه في ظل تركيز القيادة السعودية على إجراء إصلاحات اقتصادية عميقة بناء على الانفتاح والتنوع. ويأتي السعي إلى رفع مستوى استضافتها لمقار الشركات الدولية، والتي تبلغ أقل من 5%، كخطوة لتعزيز التنافسية وتوطين الصناعات وتوفير فرص العمل لمواطنيها خاصة وأن خفض معدل البطالة الحالي من 11.6% إلى 7% هو أحد أهداف رؤية 2030، وأن السوق السعودي هو الأكبر حجما كما أن مجموع سكان المملكة يوازي مجموع جميع دول منطقة الخليج مجتمعة (35 مليون نسمة من بينهم 13.49 مليون مغترب). كما أعلنت الحكومة أنها ستقوم باستثمار 220 مليار دولار في مشروعات لتصبح الرياض من أقوي 10 اقتصادات عالميًّا كما ستوفر إعفاءات ضريبية لمرتبات للموظفين الذين سيقومون بالانتقال اليها، بالإضافة إلى أن المملكة لديها عمقًا جغرافيًّا، كما أنها الدولة الوحيدة في المنطقة العضوة في مجموعة العشرين.
وفقًا للبنك الدولي 2019، فإن أشهر الصناعات القائم عليها الاقتصاد هي البترول الخام والمنتجات البترولية وتكرير البترول والصناعات الكيماوية والأسمدة والبلاستيك وغيرها وهى أكبر دولة منتجة للبترول عالميا وقد اتجهت لتنويع مصادر الاقتصاد خاصة بعد التقلبات في أسعاره بعد عام 2014 حيث تهدف رؤية 2030 إلى تنويع مجالات الاقتصاد وزيادة مشاركة القطاع غير النفطي الي 5% بدلا من 1% في الناتج القومي الإجمالي وزيادة مشاركته في الصادرات لتصبح 50% بدلا من 16% زيادة الحكومة الرقمية وترتيبها لتكون من أفضل 5 عالميا، وزيادة كفاءة الحكومة من 80 الي 20 ولتصبح من أكثر عشر دول في مؤشر التنافسية العالمي بالإضافة الي تضمين ثلاث مدن سعودية لتصبح من أفضل 100 مدينة عالميًّا.
تستخدم إيرادات الحكومة السعودية الناتج المحلي الإجمالي للسعودية المعتمد بشكل كثيف على البترول -ما يقرب من 700 مليار دولار- في تنمية القطاعات غير النفطية مثل البناء والتعليم والسياحة والصناعة، كما تعمل على تحسين مناخ الاستثمار وتسهيل الوصول إلى التمويل. كما تخطط الحكومة إلى بناء مدن اقتصادية صغيرة عبر المملكة لتصبح مراكز للصناعات التعدينية والكيماويات واللوجستية بالإضافة إلى مجالات الاقتصاد المعرفي؛ حيث عانت المملكة من التأثير المزدوج السلبي على الاقتصاد من الإغلاق نتيجة جائحة كورونا، وأيضا من انخفاض أسعار البترول الاقتصاد السعودي. وقد أدى هذا إل زيادة ضريبة القيمة المضافة 3 أضعاف، وأيضا وقف المنح الشهرية للموظفين الحكومية لتقليل الزيادة المتضخمة في عجز الموازنة.
تشهد المملكة استثمارات في مجال التكنولوجيا المالية بقيمة 347 مليون دولار، وارتفع عدد شركات التكنولوجيا المالية إلى الثلث خلال عام 2020. في المقابل، تضاعف حجم التجارة الإليكترونية في المملكة، ونما الاقتصاد الرقمي وتسارع التوجه نحو الرقمنة بشكل سريع كاتجاه عالمي ناتج عن تداعيات وباء الكورونا. ووفقًـا لتقريـر صنـدوق النقـد الدولـي الصـادر فـي أكتوبـر 2021، يتوقـع نمـو الناتـج المحلـي الإجمالي للمملكـة بنسـبة 8.4 ٪ فـي عـام 2022.
كما تزايدت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل منذ عام 2018 خاصة (سن 40-54)؛ نظرًا للإصلاحات في قانون العمل والوصاية والسماح بقيادة السيارة الامر الذي يسهل ذهابها إلى العمل، بنسبة بلغت 20%وانخفضت البطالة من 32 إلى 24% (2018-2020) وكان التوظيف الأكبر عن طريق القطاع الخاص في قطاعات الصناعات الغذائية والسكن ازداد بمعدل 40% كما أن البناء والصناعة شهدت زيادة بالإضافة الي قطاع التجزئة الذي قام بتعيين 5% من السيدات. وفي ضوء وصول المملكة لهذا الهدف قبل 2030 لذا من المهم ضمان الحفاظ على تلك النسبة والعمل على زيادتها وأيضا التأكد من اندراج هذه الوظائف تحت “عمل لائق”.
الإجراءات والتسهيلات الحكومية المتوقعة لنقل مقار الشركات
من المتوقع أن تضيف عملية إقامة المقرات 18 مليار دولار للاقتصاد وتوفر 30 ألف فرصة عمل بحلول عام 2030 فالهدف هو 480 شركة بحلول 2030؛ حيث وقعت 44 شركة اتفاقية المكاتب الإقليمية من بينها بيبسي وشلمبرجير وديلويت وبريسووترهاوس وتوم هورتونز ويونيليفر وبيكرهيوز وشركة الطواحين الهوائية الدنماركية فيتاتس، على أن تستكمل عن بعد في دبي. كما قامت بعض الشركات السعودية الإعلامية المملوكة للدولة ومقرها دبي بنقل فريقها إلي الرياض منذ سبتمبر الماضي، كما تقدمت المملكة لتنظيم اكسبو 2030.
بشكل عام سعت الحكومة خلال الفترة الماضية إلى تقليل الإجراءات الحكومية وزيادة الاعتماد على الرقمنة والخدمات الرقمية حيث أعلنت وزارة الاستثمار عملية من ثلاث خطوات لجذب المستثمرين إلى المملكة والتسهيل عليهم، تم اعتماد العديد من الإصلاحات الأساسية خلال الفترة الأخيرة من خلال الملكية الكاملة للمستثمر الأجنبي في قطاعات متعددة وتوفير نفس حقوق المستثمر المحلي كما يمتلك المستثمر الأجنبي الرخصة عن طريق وثيقتين بدلاً من 12 وأيضا خلال ثلاث ساعات وليس ثلاثة أيام.
تتمثل الميزة الأساسية في الاقتصاد السعودي حاليًا أنه سوق ناشئ ويمكنه استيعاب كل الاستثمارات في القطاعات المختلفة. ويهدف تطوير مشروع “أوكساجون” لبناء ميناء ومركزًا لوجستيًا؛ حيث ستكون “مدينة معرفية شاملة” تركز على الروبوتات والذكاء الاصطناعي، وتحويل المنطقة النائية على الساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر للمملكة إلى مركز تكنولوجي يحركه الروبوتات. وهذه المدينة الصناعية هي واحدة من عدة مناطق أخرى مخطط لها في مناطق أخرى من “نيوم”، ومن المخطط لها أن تقع في الركن الجنوبي الغربي من منطقة “نيوم.” وستشمل هذه المدينة مصنع هيدروجين أخضر بقيمة خمسة مليارات دولار.
أما الصناعات التي تعتمد عليها مدينة “نيوم،” فهي الطاقة المستدامة، التنقل المستدام، الابتكار في مجال المياه، الإنتاج الغذائي المستدام، والصحة والرفاهية والتكنولوجيا والتصنيع الرقمي. كما تسعى لتعظيم فكرة ريادة الأعمال. ومن المخطط إنشاء مناطق صناعية أخرى بجانبها، ولكن هناك تخوفات من إمكانية توفير الاستثمارات المتوقعة بـ 500 مليار دولار كما حدث في الجهود الرامية لإنشاء مناطق حرة حيث اشتمل نقل السكان على أعمال عنف وقبض على العديد منهم. ذلك الذي جعل الشركات تتردد في الاستثمار فيها.
تحديات انتقال الشركات العالمية
من أبرز هذه التحديات قصر الفترة المطلوبة لتنفيذ قرار الانتقال مع وجود قدر من عدم اليقين والثقة في اللوائح والضرائب مثلما حدث مع القرار المفاجئ في مايو 2020 بزيادة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف. ومن أبرز التحديات أيضًا ارتفاع تكلفة التشغيل بتعريفة الكهرباء التي تصعب الانتقال على للشركات المصنعة أكثر من الشركات المالية، ونقص القوى العاملة المحلية الماهرة المدربة خاصة مع اشتراط تشغيل العمالة السعودية عشر سنوات.
كذلك يحتاج قطاع المواصلات والاتصالات والإنترنت والبنية التحتية واللوجستية لضخ استثمارات؛ وهو ما جعل بناء شبكة مترو متكاملة من الأولويات. ومن المعروف ان الانتقال في المملكة يعتمد بشكل كبير على السيارات الخاصة في الانتقال، وأن والحصول على رخصة قيادة من أولويات الحصول على فرصة عمل في المملكة- خاصة وان نسبة 62% من السيدات و44.9% من الرجال الغير عاملين قد أعلنوا أنهم لا يقبلون بأكثر من ساعة واحدة للانتقال في العمل.
كما أنه يتوقع التوسع في سلاسل الامداد والتوريد قطاع التجزئة والتجارة الاليكترونية التي تمثل حاليا 3.8% في السعودية مقارنة ب4.2% في الامارات، كما يتوقع الانعكاس السلبي على ارتفاع أسعار الإيجارات خاصة مع ارتفاع أسعار ايجارات المكاتب في الرياض 2.9% بعد قرار نقل المقرات. كما يوجد إلى حد كبير نقص في البيانات المتاحة عن وضع البلد باللغتين، تقديم المستندات يستدعي ترجمتها إلى اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية- الأمر الذي قد يجعل هناك حاجة لتوفير قاعدة بيانات وتصريحات واضحة عن وضع الاقتصاد والفرص المتاحة حتى يمكن للشركات الاستقرار.
نحو تعاون خليجي لتشجيع الانتقال؟
عدلت المملكة العربية السعودية قواعدها بشأن الواردات من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى؛ لاستبعاد السلع المصنعة في المناطق الحرة من الامتيازات التعريفية التفضيلية؛ وتعزيز التنافسية وربط مكونات الاقتصاد السعودي بالاقتصاد العالمي، ودعم المحتوى المحلي السعودي توطين التقنية، ونقل الخبرات.
ويطرح البعض إمكانية وجود منافسة خليجية-خليجية على استقطاب الشركات الأجنبية، خاصة بين السعودية والإمارات؛ حيث تستضيف الأخيرة 150 شركة من أصل 200 تتخذ من دول الشرق الأوسط وشرق أفريقيا مجالاً لعملها. ويرى اتجاه آخر أن هناك مساحة للتعاون بين دول الخليج في هذا الصدد. ويعزز هذا الاتجاه حجم التداخل الاقتصادي بين الإمارات والسعودية. فتعتبر الإمارات ثاني أكبر شريك اقتصادي للسعودية بعد الصين. ويلقى المستثمرون الإماراتيون خاصة في قطاعات العقارات والتجزئة مثل الفطيم والاتصالات ونون -أكبر شركة للتجارة الاليكترونية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا- دعمًا من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
على المدى القصير قد تنشأ بعض الخلافات نظرًا لتغيير السياسات والقواعد المنظمة المفاجئ مثل تعديل تعريفة السوق الحرة، ولكن السياسات العامة على المدى الطويل والتعلم بالممارسة ستجعل المنافسة والدور الأكبر للقطاع الخاص حيث تعمل المملكة على خلق مرونة أكبر في التعامل مع القطاع الخاص. ويتضح هذا من خلال استراتيجية 2030 التي تعطي الدور الأكبر للقطاع الخاص للتعامل مع الاقتصاد زيادة مساهمة القطاع الخاص لتصبح 65% بدلا من 40% -الأمر الذي يعني تعزيز الدور الذي يقوم به الصندوق الوطني للتنمية- وزيادة مساهمة الاستثمار الأجنبي في الناتج القومي الإجمالي لتصبح 5.7% بدلا من 3.8%.
إن الشركات العالمية تتبع مصلحتها الخاصة والاستفادة من التسهيلات بغض النظر على الموقع، وليس هناك مجال للمجاملات لأي دولة انه في النهاية يصب في مصلحة المنطقة باعتبارها أسواقًا أساسية لزيادة الاستثمارات والتوظيف، فالتنسيق بين الدول هو السبيل الأساسي، فالتعقيد سيؤثر على قدرة القطاع الخاص على التطور وجذب رأس مال الشركات متعددة الجنسيات وأيضا رواد الأعمال والذين عادة ما يواجهوا مشاكل التعقيدات الإجرائية وبالتالي توسيع حجم السوق سيساعد على المنافسة.