أثار الهجوم المصري السوري المفاجئ في السادس من أكتوبر عام 1973 دهشة الإسرائيليين؛ فقد جاء في وقت كان ميزان القوى فيه لصالح إسرائيل، لاسيما بعد المكاسب العسكرية الكبرى التي حققتها بعد نكسة يونيو 1967، وأسطورة «الجيش الذي لا يُقهر» التي نجح الإعلام الغربي في تصديرها للعالم بصفة عامة، والعرب بصفة خاصة.
كان من الصعب على الإسرائيليين تقبل فكرة الهزيمة التي سرعان ما تحولت إلى صدمة، لا تزال عالقة في أذهانهم حتى وقتنا هذا؛ فعلى الرغم من مرور ما يقرب من خمسين عامًا على الحرب، إلا إنها مازالت محل اهتمام العديد من المحللين السياسيين، والعسكريين الإسرائيليين.
صدرت العديد من الدراسات الأكاديمية والتحقيقية الإسرائيلية والغربية عن حرب «يوم كيبور» أو «عيد الغفران» – كما يسميها الإسرائيليون – للبحث في أسباب الهزيمة، والكشف عن جوانب القصور خاصةً بعدما رُفع ستار السرية عن الأرشيف الإسرائيلي، بما يحتويه من وثائق تتضمن بروتوكولات جلسات الحكومة الإسرائيلية وقادتها إبان تلك الفترة.
في ضوء ذلك، يحاول هذا المقال التعرف على الأصداء التـي ما زالت حرب أكتوبر تثيرها من خلال استعراض عدد من أبرز الدراسات المنشورة حول الحرب.
نُشر هذا الكتاب لأول مرة عام 1975 لمؤلفه «حاييم هرتسوغ» – الرئيس السادس لإسرائيل (1983 – 1993)، والمدير الأسبق لجهاز المخابرات العسكرية، وأُعيد نشره فيما بعد؛ نظرًا لأهميته بالنسبة للإسرائيليين الذين يعتبرونه أحد أفضل الكتب التي تناولت الحرب؛ لاحتوائه على معلومات دقيقة بحكم حساسية المناصب التي تقلدها مؤلفه.
أشار الكتاب إلى أن الحرب لم تكن بين إسرائيل ومصر وسوريا فقط – كما يعتقد الكثيرون – ففي نهاية الحرب واجهت إسرائيل قوات عراقية، ومغربية، وأردنية. خاضت مصر وإسرائيل في تلك الحرب أكبر معركة دبابات منذ معركة «كورسك» عام 1943التي نشبت بين ألمانيا، والاتحاد السوفيتي إبان الحرب العالمية الثانية.
اعتبر الكتاب أن تلك هي الحرب الأولى التي شارك فيها المقاتلون في معارك بحرية باستخدام الصواريخ الموجهة من سفينة إلى أخرى بدلاً من البنادق البحرية أو الطوربيدات. كذلك، قدم الكتاب وصفًا تفصيليًّا للمعارك الرئيسية التي شهدتها الحرب، بالإضافة إلى معلومات عن القادة السياسيين، والجنرالات من الجانبين.
ألقى الكتاب الضوء على شحنة الصواريخ FROG الباليستية التي قدمها الإتحاد السوفيتي إلى سوريا، وكذلك صواريخ «سكود» المقدمة إلى مصر قبل الحرب، وتنبأ بخطورة هذا الدعم على السكان المدنيين بدرجة لا تقل عن القوات العسكرية في أي حرب مستقبلية ضد إسرائيل، وهذا ما حدث بالفعل في حرب الخليج عام 1991 عندما أطلقت العراق 39 صاروخًا من طراز سكود على المدن الإسرائيلية، وكذلك حرب لبنان الثانية عام 2006، عندما تم إطلاق أكثر من 1000 صاروخ وقذيفة.
أرجع الكتاب هزيمة الإسرائيليين في الحرب إلى سببين أساسيين؛ أولهما الفشل الاستخباراتي في التنبؤ بالحرب، رغم تهديد الرئيس محمد أنور السادات بها قبل عام ونصف، وذلك بعد رفض الحكومة الإسرائيلية سعيه عام 1971 لإقامة اتفاقية سلام معها بشرط أن تُعيد الأراضي التي اكتسبتها في حرب 1967. أما السبب الثاني فكان الاستخفاف الإسرائيلي بالقوات العربية بعد هزيمة 1967.
حاول مؤلف الكتاب «إبراهام رابينوفيتش»، الذي كان محررًا عسكريًّا لصحيفة «جيروزليم بوست» خلال الحرب على جبهة الجولان، في هذا الكتاب الصادر عام 2004 البحث في أسباب هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر، مشيرًا إلى أن المكاسب العسكرية التي حققتها إسرائيل في يونيو 1967 أقنعت المسئولين الإسرائيليين باستحالة نشوب حرب جديدة ضد العرب.
أكد الكتاب على وجود حالة من الترهل والاسترخاء أصابت القوات الإسرائيلية، على عكس العرب الذين تمكنوا من الخروج من أجواء النكسة والانكسار، وأعادوا بناء قواتهم المسلحة، وتدربوا على أساليب القتال الحديثة.
يشير المؤلف إلى إنه في ظل هذا التقصير والاسترخاء فوجئت إسرائيل في الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر 1973 باندفاع الجيوش العربية عبر «خط بارليف» الذي زعم الإسرائيليون أنه خط دفاعي منيع، يصعب على أي جيش في العالم اختراقه حتى أن السلاح الجوي الإسرائيلي لم يتمكن من وقف تدفق هذه القوات.
وعلى جبهة الجولان وحدها دفعت سوريا بنحو 1460 دبابة لتواجه 177 دبابة إسرائيلية فقط، وبنحو 115 بطارية مدفعية في مواجهة 11 بطارية إسرائيلية.
اعتمد المؤلف في سرد أحداث الحرب على العديد من الوثائق العسكرية الإسرائيلية التي تم رفع إطار السرية عنها، وسلسلة من اللقاءات، والحوارات التي أجراها مع كبار المسئولين العسكريين الإسرائيليين الذين كانوا في دائرة صنع القرار خلال الحرب.
تطرق الكتاب للأجواء الدولية التي سادت خلال تلك الفترة، وخاصةً المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، والدور الذي لعبته واشنطن في إنقاذ اسرائيل من هزيمة تاريخية عبر بناء الجسر الجوي الهائل لإعادة التوازن للقوات الإسرائيلية التي انهارت في ساعات.
يرى الكتاب أن نتيجة الحرب كانت بالنسبة للعرب قمة الانجاز، بينما كانت بالنسبة لإسرائيل زلزالاً هدد وجودها نفسه. وفي هذا الصدد يقول «رابينوفيتش»:
«إن صدمة بداية الحرب لم تكن مجرد كابوس يمكن التخلص منه، ولكنها ستظل ذكرى سواء ستستمر لتذكر الاسرائيليين بعواقب التقصير، والاهمال، والعجرفة، وحالة الفوضى، والتخبط، والقرارات الخاطئة والمتناقضة لقيادة الجيش، والتقويم الخاطئ لجهاز المخابرات».
أكد الكتاب على أن الحرب كانت ضرورة ملحة بالنسبة لمصر لتغيير حالة اللاسلم واللاحرب التي سادت بعد حرب 1967، وذلك في الوقت الذي رأت فيه الحكومة الاسرائيلية أن العرب لا يملكون خيارًا عسكريًّا جديًّا، وأن عليهم قبول هذا الوضع.
أعلنت رئيس الوزراء «جولدا مائير» قبل الحرب «رفضها الانسحاب الكامل إلى حدود ما قبل حرب 1967»، كما رفضت اقتراح وزير الدفاع الإسرائيلي «موشيه ديان» بالانسحاب لمسافة 30 ميلاً من قناة السويس، اعتقادًا منه أن هذا الانسحاب كان من الممكن أن يسمح لمصر بإعادة افتتاح القناة، وبالتالي يتراجع الحافز المصري عن خوض الحرب ضد إسرائيل.
في الختام أكد الكتاب على إنه كان من الضروري أن تنشب الحرب لتغيير الوضع، وأن تذهب مصر لاستعادة كرامتها وأراضيها، وبالفعل كان الحافز لديها كبيرًا، على عكس إسرائيل التي كانت غائبة تمامًا عن الساحة، أو كما قال أفراد الاستطلاع المصريين ليلة الحرب «الإسرائيليون نائمون».
اعتمد الكاتب والصحفي الأمريكي «هوارد بلوم» في هذا الكتاب الصادر في أكتوبر 2004 على الأسلوب القصصي في عرض حرب أكتوبر، من خلال مجموعة من المقابلات التي أجراها مع عدد من المشاركين في الحرب. حاول «بلوم» في هذا الكتاب الإجابة على سؤال رئيسي وهو: كيف حققت الدول العربية هذه المفاجأة؟ ولماذا لم تكن إسرائيل مستعدة للحرب؟
يشير الكتاب إلى أن إسرائيل كانت لديها معلومات باقتراب موعد الحرب، واستدلَّ على ذلك باللقاء السري الذي أجرته «جولدا مائير» بالملك حسين؛ ملك الأردن، وأخبرها فيه بنوايا مصر وسوريا بشن هجوم مقترب.
تجاهلت المخابرات الإسرائيلية تلك المعلومات لعدم توافقها مع استراتيجيتها، وتحليلها، هذا بالإضافة إلى الخديعة التي تعرضت لها إسرائيل من قبل مصر بمؤامرة عميل مزدوج قدمت من خلاله معلومات مضللة وحاسمة لإسرائيل قبل بدء الهجوم.
نجح الهجوم العربي الأول في توجيه ضربة قاضية للإسرائيليين لمدة 72 ساعة ترنح الإسرائيليون، وسعوا لصد الجيوش المتقدمة من الشمال، والجنوب.
وصف الكتاب الوضع بالنسبة للإسرائيليين في الساعات الأولى للحرب بالكئيب حتى أن وزير الدفاع «موشيه ديان» استنتج أن إسرائيل على وشك السقوط، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء «جولدا مائير» إلى إجازة استخدام ترسانة إسرائيل النووية. لكن مثلما أخطأ الإسرائيليون التقدير في بداية الحرب، أخطأ الرئيس المصري «أنور السادات» خطأً غيَّر مجرى المعركة.
تمثلت استراتيجية «السادات» في استعادة محدودة للأراضي الواقعة في جميع أنحاء قناة السويس. افترض «السادات» أن الإسرائيليين سيهاجمون الجيش المصري لاسيما وأنه كان على أهبة الاستعداد. كانت خطة السادات هي إنهاك الجيش الإسرائيلي، والحصول على موقف المنتصر في المفاوضات.
تبنى الإسرائيليون استراتيجية مختلفة؛ حيث أزالوا التهديد السوري ثم تحولوا إلى الجبهة المصرية، ونجحوا في محاصرة المصريين، وعبروا قناة السويس. في النهاية تدخل الأمريكيون لوقف الحرب التي كادت أن تعرض إسرائيل لهزيمة ساحقة.
في الختام، أكد الكتاب على إنه في الوقت الذي غيَّرت فيه حرب يونيو عام 1967 ميزان القوى في الشرق الأوسط، قلبت حرب أكتوبر عام 1973 ذلك التوازن، وتحول الصراع من مجرد معركة إلى حرب طويلة الأجل، لا تزال مستمرة حتى وقتنا هذا.
أراد «يوري بار جوزيف»؛ أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حيفا الإسرائيلية، في دراسته المنشورة في خريف عام 2013 بمعهد الشرق الأوسط، الإجابة على السؤال الذي طرحه «مناحم بيجين»؛ زعيم حزب الليكود المعارض إبان الحرب، على المسئولين الإسرائيليين وتأتي على رأسهم رئيس الوزراء «جولدا مائير»، ووزير الدفاع «موشيه ديان»، وذلك في أول جلسة سياسية عُقدت عقب حرب أكتوبر، وتحديدًا في نوفمبر 1973، وهو:
«لماذا لم يتم استدعاء الاحتياط، وحشد السلاح خلال الفترة الممتدة بين رأس السنة اليهودية في 27 سبتمبر 1973، ويوم كيبور في 6 أكتوبر 1973؟»
لم يستطع المسئولون الإسرائيليون وقتها الدفاع عن هذا التصرف الذي لا يزال معظم الإسرائيليين حتى وقتنا الحالي يعتبروه القرار الأسوأ على الإطلاق من قبل قادتهم.
أشارت الدراسة إلى أن كبار صانعي السياسة في إسرائيل قد أجروا مجموعة من النقاشات قبل الحرب بيوم (5 أكتوبر 1973) حول احتمالية هجوم مصري محتمل، إلا أنه خلال تلك النقاشات أعرب «أليعازر»؛ رئيس الأركان عن ثقته الكبيرة في المخابرات الإسرائيلية ممثلة في جهاز أمان أو جهاز الاستخبارات العسكرية الذي تم تأسيسه عام 1953 بهدف جمع المعلومات العسكرية وتحليلها، وتقديم التحذيرات من الحرب أو أية عمليات عسكرية محتملة.
كان «أليعازر» على يقين أنه سيتلقى تحذيرًا قبل الهجوم بعدة أيام خاصةً وأن جهاز «أمان» كانت يمتلك أدوات جمع بيانات ملموسة تهدف إلى توفير مؤشرات الحرب، ولذلك لم يتجه «أليعازر» إلى تعبئة الاحتياط.
أفاد جهاز «أمان» قبيل الحرب بانخفاض احتمالية الهجوم المصري، وافتقار مصر للطائرات الهجومية للصواريخ، الأمر الذي ترتب عليه تجنب صنَّاع القرار في إسرائيل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة التهديد، وتم تقليص الجيش الإسرائيلي في الوقت الذي بدأت فيه الحرب.
قدمت الدراسة بعض التفسيرات حول تلك المعلومات غير الدقيقة، وربطتها بشكل أساسي بالسمات التي اتسم بها المسئولون الإسرائيليون آنذاك وهي: الغطرسة، والثقة بالنفس، وتجاهل القدرات العربية، والاتجاه إلى الارتجال كحل للمشكلات غير المتوقعة. هذا بالإضافة إلى المعتقدات الراسخة في قدرة سلاح الجو الإسرائيلي (IAF) على تقديم الدعم للقوات البرية.
حمَّلت الدراسة المسئولية الأكبر لأداء المخابرات الإسرائيلية قبيل الحرب، معتمدة على تقرير لجنة «أجرانات»، التي تم تشكيلها في نوفمبر 1973 للتحقيق في القصور الذي تصرف به الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب.
استشهدت الدراسة بشهادات، وتصريحات كبار المسئولين الإسرائيليين آنذاك؛ فعلى سبيل المثال؛ أفاد نائب رئيس الوزراء «إيجال آلون» خلال شهادته أمام لجنة «أجرانات» بأن رئيس الأركان أخبره بأنه عندما علم بعدم تفعيل وسائل جمع المعلومات قبيل الحرب، أدرك بأن شيء مروع سوف يحدث للإسرائيليين.
وعندما سأل أعضاء اللجنة «يسرائيل جاليلي»، الذي كان يشغل منصب وزير دون حقيبة، ومستشار لرئيس الوزراء لـ «جولدا مائير» عما إذا كان سيتفاجأ بمعرفة أن تلك الأدوات لم يتم تفعيلها قبيل الحرب، أجاب بأنه لن يتفاجأ بل سيُصدم.
أيضًا جاء رد مدير المخابرات العسكرية «إيلي زعيرا» متوافقًا مع تلك التصريحات؛ حيث أفاد في مقابلة له بعد الحرب بأنه «على عكس المفهوم السائد لدى الجمهور، الخطأ القاتل متجذر في فشل استخباراتي خطير نتيجة عدم تفعيل وسائل جمع البيانات».
في ضوء ذلك، أكدت الدراسة على إن الانتصار العربي وقع بسبب خطأ استخباراتي إسرائيلي، وهو عدم القدرة على التنبؤ بتوقيت الهجوم المصري الذي وصفته الدراسة بالمفاجئ في حين أن كبار المسئولين الإسرائيليين كانوا على يقين وثقة تامة بقدرة المخابرات الإسرائيلية وجهاز «أمان» على التنبؤ بالهجوم قبل عدة أيام من اندلاعه.
تناول هذا الكتاب، الصادر بالعبرية عام 2012 الحرب من منظور مختلف؛ حيث حاول مؤلفه «إيجال كيبنيس»؛ الطيار السابق بسلاح الطيران الإسرائيلي، وأستاذ التاريخ الحالي بجامعة حيفا، الإجابة على سؤال: كيف كان من الممكن تجنب الحرب؟
قدم الكتاب رؤية مغايرة تمامًا عن باقي الدراسات التي تناولت حرب أكتوبر 1973 حيث أكد على إن الفشل السياسي هو السبب في الهزيمة وليس الاستخباراتي – كما هو سائد في الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية. تمثل هذا الفشل في رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي «جولدا مائير» الدخول في مفاوضات سلام مع العرب.
ركز الكتاب على الدور الذي لعبه «هنري كسينجر»؛ مستشار الأمن القومي الأمريكي في دعم موقف «جولدا مائير»، مشيرًا إلى إنه كان يتعامل من أجل المصالح الإسرائيلية أكثر من مصالح الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد حرص على تقوية إسرائيل عسكريًّا؛ اعتقادًا منه بأن ذلك سيمنع الدول العربية من شن هجوم لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
تطرق الكتاب إلى مبادرة السلام المصرية السرية التي طرحها «حافظ إسماعيل»؛ مبعوث الرئيس السادات، على هنري كيسنجر في فبراير 1973 ورفضتها «جولدا مائير» بعد أن حاول «إسحق رابين» – سفير إسرائيل بالولايات المتحدة آنذاك – إقناعها واعتبرتها مناورة سياسية من قبل المصريين لإلهاء الإسرائيليين عن الحرب، والجدير بالذكر أن هذا الأمر تسبب في إعفاء «رابين» من منصبه.
تقوم المبادرة على فتح قناة للتفاوض بين مصر وإسرائيل بواسطة الولايات المتحدة، وانسحاب إسرائيل من قناة السويس، والاعتراف بسيادة مصر على كل سيناء، والإعلان عن حالة سلام بين الدولتين التي ستتحول إلى سلام كامل عندما توقع إسرائيل على اتفاقيات مع الدول العربية الأخرى.
ألقى الكتاب الضوء على نقطة هامة وهي الموعد الذي حددته المبادرة للتوصل إلى التسوية السلمية الشاملة (سبتمبر 1973) أي قبل الحرب بشهر واحد، وهذا الموعد يحمل دلالة كبيرة وهي أن الرئيس السادات أراد تحريك المسار السياسي لإعادة سيناء، وحينما وصل هذا المسار إلى طريق مسدود بسبب الرفض الإسرائيلي، وتجنب الولايات المتحدة الأمريكية ممارسة الضغط على إسرائيل، اتجه السادات إلى مسار الحرب.
يشير الكتاب إلى خطأ آخر ارتكبته «جولدا مائير»، وهو إطلاع تفاصيل المبادرة فقط على وزير الدفاع «موشيه ديان»، والوزير بلا وزارة «يسرائيل جاليلي»، وإخفائها عن وزير الخارجية «أبا إيبان»، ورئيس الأركان «أليعازر» ومدير المخابرات العسكرية «إيلي زعيرا»، ورئيس الموساد «تسفي زامير».
والغريب أن كلاً من رئيسي المخابرات، والموساد فوجئا عندما عرض عليهما مؤلف الكتاب الوثائق التي تتحدث عن اتصالات بشأن المبادرة، أقرا بأنهما لم يضطلعا عليها من قبل.
في الختام يتضح من العرض السابق ما يلي:
- أن هناك إجماعًا على إن حرب أكتوبر كانت مفاجأة غير متوقعة بالنسبة للإسرائيليين، الأمر الذي يفسر إجماع الإسرائيليين على أن الفشل الاستخباراتي هو السبب الرئيسي وراء الهزيمة.
- ما تزال تلك الحرب مصدر دهشة للإسرائيليين الذين لم يتقبلوا فكرة الهزيمة حتى الآن خاصةً وأن ميزان القوى وقتها كان لصالح إسرائيل.
- ساعد رفع طابع السرية على الوثائق الإسرائيلية والأمريكية على غزارة الإنتاج الأكاديمي الإسرائيلي الخاص بالحرب – رغم مرور ما يقرب من خمسين عامًا على اندلاعها.
- يعترف الإسرائيليون بالأخطاء التي ارتكبها قادتهم قبيل الحرب، وحصرت الدراسات تلك الأخطاء فيما يلي:
- الفشل الاستخباراتي عن التنبؤ بالحرب – رغم ثقة القادة الإسرائيليين التامة بجهاز المخابرات – وخديعة المصريين لهم بتقديم معلومات حاسمة ومغلوطة من خلال عميل مزدوج قبيل الحرب.
- حالة الاسترخاء التي تعرض لها الإسرائيليون قبل الحرب؛ نتيجة الغطرسة، والثقة بالنفس، والاستخفاف بقدرات العرب ويقينهم التام باستحالة شن هجوم على المواقع الإسرائيلية.
- الفشل السياسي المتمثل في الموقف المتعنت لرئيس الوزراء «جولدا مائير» من أية محاولة سلمية من جانب المصريين، والذي تكرر عامي 1971، و1973.
- يعترف الإسرائيليون بالنجاح الذي حققه العرب في حرب أكتوبر؛ حيث تمكنوا من خلالها الخروج من حالة الانكسار التي تعرضوا لها بعد حرب يونيو 1967، واستعادة الكرامة. فقد كان أحد الأخطاء الرئيسة التـ] ارتكبها الإسرائيليون قبل الحرب هو التقليل من الإمكانيات التي قد يتمكن العرب من تحقيقها في حال توفر الإرادة والأدوات اللازمة لتحويل الهزيمة إلى نصر.