ركزت العديد من الصحف الأجنبية هذا الأسبوع على زيارة وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» للمنطقة؛ حيث زار الضفة الغربية، والجولان، واجتمع برئيس الوزراء الإسرائيلي «نيامين نتنياهو»، كما زار المملكة العربية السعودية، وقابل ولي العهد محمد بن سلمان، ويرى المحللون أن هذه الزيارات قد تحمل دلالات عديدة حول إنهاء ملفات معلقة لإدارة الرئيس الأمريكي السابق «دونالد ترامب» قبل تركه للبيت الأبيض في مطلع العام القادم.
تطرق أحد المراكز البحثية الإسرائيلية إلى موضوع التطبيع الجزائري مع إسرائيل؛ حيث عرض عددًا من التطورات التي طرأت مؤخرًا على المجتمع الجزائري، وتحديدًا فترة الاستفتاء الدستوري الذي أُجري الشهر الجاري، والتي اعتبرها بمثابة مؤشرات قد تجعل من التطبيع أمرًا محتملاً خلال الفترة القادمة.
تداولت العديد من الصحف الأجنبية الاستضافة الافتراضية للمملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين G-20 هذا الأسبوع، والتي استغلتها العديد من المنظمات الحقوقية للتنديد بسياسات المملكة تجاه قضايا حقوق الإنسان بشكل عام، وحرب اليمن بشكل خاص.
أيضًا لا تزال حرب ليبيا مسار حديث مراكز الأبحاث الأجنبية، ومن أبرز ما ورد في هذا الشأن هذا الأسبوع، الدراسة التي صدرت عن معهد الشرق الأوسط Middle East Institute، والتي ركزت على التدخل العسكري الموسع لتركيا في الحرب، واعتبرته السبب الرئيسي وراء إنهائها في يونيو 2020.
أولاً: ما ورد بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي:
أشارت بي بي سي البريطانية[1] BBC إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» إلى مستوطنة بساجوت بالصفة الغربية، وإلى هضبة الجولان، وذلك في سابقة لمسئول أمريكي رفيع المستوى.
جاءت تلك الزيارة بعد عام من إعلان «بومبيو» بـأن «المستوطنات لا تشكل انتهاكًا للقانون الدولي»، مخالفًا بذلك موقف الولايات المتحدة الثابت تجاه هذا الأمر منذ فترة طويلة.
أثار التصريح سخط الفلسطينيين الذين يعترضون على الاستيطان في الأراضي التي يعتبرونها جزءًا من دولتهم. كما أدان مسئول بوزارة الخارجية السورية الزيارة، ووصفها بالاستفزازية، واعتبرها انتهاكًا سافرًا لسيادة سوريا.
وفيما يلي عرض لأبرز النقاط التي تم تطرق إليها خلال الزيارة:
- اعتبرت الخارجية الأمريكية نشاط حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات (BDS) Boycott, Divestment and Sanctions Movement الداعية إلى مقاطعة شاملة لإسرائيل بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين، معاديًا للسامية.
- أشار «نتينياهو» إلى أن حركة المقاطعة تعارض وجود إسرائيل كدولة، أما الحركة فترى أن إسرائيل تستخدم هذه المزاعم للتغطية على ما تمارسه من انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني.
- طالب «بومبيو» بتسويق السلع المُنّتَجة في الأماكن الخاضعة للسيادة الإسرائيلية بعلامة «صنع في إسرائيل» أو «إنتاج إسرائيل»، وينطبق هذا الأمر على 60% من أراضي الضفة الغربية التي يُطلق عليها مناطق (ج) وفقًا لاتفاقية أوسلو، التي تخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، وتضم: غور الأردن، والكثير من التجمعات الفلسطينية.
- استنكر «بومبيو» ما يُردد داخل صالونات أوروبا، والمؤسسات النخبوية الأمريكية بإعادة الجولان إلى سوريا، وأشار إلى خطورة تبعيتها للرئيس السوري بشار الأسد.
تباينت آراء المحللين حول تفسير هذه الزيارة؛ اعتبرها البعض لفتة وداع من الرئيس الأمريكي «ترامب» إلى صديقه «نتنياهو» قبل أن يغادر الرئاسة. أما البعض الآخر – وفقا لما جاء بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية[2] New York Times The – فقد فسَّرها على أنها محاولة لـ «بومبيو» للحصول على دعم الناخبين المسيحيين الإنجيليين، لاسيما وأنه كان يتودد لهم منذ فترة للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة في عام 2024.
في ضوء ذلك، تشير أغلب الآراء إلى أنه رغم الدعم الأمريكي الكامل لمشروع المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية إبان إدارة «ترامب»، إلا أنه من المتوقع أن يلغي الرئيس الأمريكي «جو بايدن» إعلان «بومبيو»، مع عدم التراجع عن القرار الذي اتخذه «ترامب» عام 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ثانيًا: ما ورد بشأن الجزائر:
لفت مقال نشره مركز بيجن – سادات للدراسات الاستراتيجية [3] BESA النظر إلى إمكانية انضمام الجزائر إلى موجة التطبيع مع إسرائيل التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وأرجع السبب في ذلك إلى الأحداث التي أحاطت بالاستفتاء الدستوري الذي أُجري الشهر الجاري، والتي أكدت على التغيرات الكبيرة التي طرأت على المجتمع الجزائري خلال السنوات الأخيرة.
ومن أبرز تلك التغييرات، التركيز شبه الكامل على الشئون الداخلية؛ كالفساد الحكومي والمحسوبية، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور منظومة التعليم، والتوترات الكامنة المستمرة بين الإسلاميين والعلمانيين.
مثَّلت تعديلات الدستور الأخيرة محاولة من قبل النظام لتهدئة المحتجين بعد خلع الرئيس السابق «بوتفليقة» وتولي الرئيس الحالي «عبد المجيد تبون»، ومن أبرز التعديلات التي تضمنها الدستور الجديد تقليص سلطة الرئيس؛ حيث يلزمه باختيار رئيس الوزراء من الأغلبية البرلمانية.
أحدث الاستفتاء حالة من الانقسام داخل المجتمع الجزائري؛ فهناك من طالب بمقاطعة الاستفتاء (حركة احتجاجية)، وهناك من بارك الاستفتاء، وحث الجمهور على التصويت لصالحه (النخبة)، أما الإسلاميون، فقد حثوا المواطنين على التصويت بـ «لا»؛ احتجاجًا على الأجزاء العلمانية في الدستور الجديد.
تبين من النتائج فوز المحتجين؛ حيث شارك أقل من ربع الناخبين في التصويت (23.7%)، كما خسر الإسلاميون؛ حيث لم تستجب الغالبية العظمى لدعواتهم للمشاركة في التصويت، بالإضافة إلى بلوغ نسبة من صوتوا بالموافقة 66%.
في ضوء تلك الأحداث، حدد المقال مجموعة من المؤشرات التي قد تجعل مسألة التطبيع مع الجزائر أمرًا ممكنًا خلال الفترة القادمة، وهذه المؤشرات هي:
- تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وذلك بسبب الرغبة الملحة في تغيير الوضع السياسي الراهن، والاهتمام شبه الكامل بالقضايا الداخلية على حساب القضايا الإقليمية، والدولية.
- إن هزيمة الإسلاميين في الاستفتاء هو دليل على استمرار تراجع الإسلام السياسي في المنطقة منذ عام 2013، بعد إطاحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
- على الرغم من انتصار المحتجين في الاستفتاء، إلا أن النخبة الحاكمة لا تزال في السلطة، ولا يزال لديها شعور بالقلق، والخوف، من عودة الاحتجاجات مرة أخرى.
- يشهد الجزائر الآن حالة من الهدوء النسبي، على عكس حالات العنف التي اعتاد عليها، وهذا الهدوء بمثابة الخطوة الأولى نحو تعزيز الديمقراطية.
ثالثاً: ما ورد بشأن ليبيا:
نشر معهد الشرق الأوسط[6] Middle East Institute هذا الأسبوع دراسة بعنوان «قلب الموازين: كيف انتصرت تركيا في الحرب من أجل طرابلس؟». ألقت الدراسة الضوء على الصراع الأهلي الذي شهدته ليبيا خلال الفترة من إبريل 2019 وحتى يونيو 2020، والمعروف باسم «الحرب من أجل طرابلس».
أشارت الدراسة إلى أن الدخول واسع النطاق للقدرات العسكرية التركية في يناير 2020، هو السبب الرئيسي وراء إنهاء الحرب؛ حيث أعطى تحالف حكومة الوفاق الوطني قدرة كبيرة للسيطرة على سماء طرابلس.
بدايةً من مارس 2020، كان الجيش الوطني الليبي بقيادة «حفتر» على وشك الهزيمة، إذا لم يتلقَ دعمًا خارجيًا كبيرًا للقضاء على الدفاعات الجوية التركية، وكان المرشحون المحتملون لتزويد الجيش الوطني الليبي هم: مصر، وروسيا، والإمارات، ولكل دولة مصالحها الخاصة للمشاركة في الحرب. وفيما يلي عرض لتلك المصالح، وفقًا لما جاء بالدراسة:
مصر:
تمثلت المصالح الأمنية الحيوية لمصر في ليبيا في إبعاد القوات التركية، والميليشيات الإسلامية الليبية عن الحدود المصرية بشكل عام، وتعطيل قدرتها على العمل في برقة بشكل خاص، وبالفعل تم التعبير عن ذلك صراحةً من خلال إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن «خط أحمر حول سرت»، وأن تجاوزه من قبل تركيا أو الميليشيات الليبية التابعة لها، سيؤدي إلى تدخل مصري حاسم.
- روسيا:
تمثلت الأهداف الروسية في ليبيا في تعزيز مكانتها الإقليمية، والحصول على عقود إنشاء البنية التحتية، وتحصيل مدفوعات متأخرة، وتقويض الهيمنة الغربية والأمريكية على نطاق أوسع. وفي ضوء ذلك، اتبعت موسكو سياسة مزدوجة؛ حيث دعمت في المقام الأول الجيش الوطني الليبي، كما حاولت التوفيق جزئيًا بين حكومة الوفاق الوطني، والجيش الوطني الليبي من خلال وزارتي الخارجية والدفاع على التوالي، وفي نهاية المطاف تخلَّت عن هذا التوازن، وألقت بثقلها وراء هجوم «حفتر».
- الإمارات:
تمثل الهدف الأساسي لمشاركة الإمارات في الحرب في منع نشوء دولة ليبية فوضوية، يمكن أن يكون لها آثار ممتدة على المنطقة بأكملها؛ فالإمارات ترغب في الحفاظ على مكانتها العالمية كفاعل يحظى بالاحترام، ويرتبط بعلاقات مالية، ودبلوماسية مع جميع القوى العالمية الكبرى.
- تركيا:
كانت المصالح التركية في غرب ليبيا ذات طبيعة وجودية؛ ففي ظل عزلة متزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط، واقتصاد متراجع، وفرت الساحة الليبية للأتراك القدرة على إنعاش مواقعهم الجيوستراتيجية، مع احتمال تقديم مزايا اقتصادية كبيرة على المدى المتوسط في شكل مدفوعات متأخرة بعشرات المليارات من الدولارات من عقود البناء، والاكتشافات المحتملة للغاز في شرق المتوسط، والحفاظ على علاقة فريدة طويلة الأمد مع مصرف ليبيا المركزي، مما يجعل إسطنبول المركز الرئيسي لمجموعة كاملة من الخدمات المالية المشروعة، وغير المشروعة المرتبطة بالاقتصاد الليبي.
توقفت الدراسة عند القدرات العسكرية غير المتكافئة التي قدمتها تركيا في الحرب، والتي ترتب عليها نجاح تركيا في تحطيم التفوق الجوي للجيش الوطني الليبي، وفي هذا الخصوص اعتبرت الدراسة أن الحرب في ليبيا قدمت دروسًا للصراعات العالمية في الوقت الراهن، مثل:
- لم تعد المعايير الدولية، ولا حتى قرارات الأمم المتحدة قادرة على منع الإدخال غير المقيد لأنظمة الأسلحة المتطورة.
- عندما يميل أطراف الصراع على وجه الخصوص إلى تجنب وقوع الضحايا أو يقاتلون في مساحات مفتوحة إلى حد كبير من التضاريس شبه الصحراوية، يمكن أن يمثل التفوق الجوي العامل الحاسم في الحروب الأهلية المعاصرة.
- أظهرت «الحرب من أجل طرابلس» أن نتيجة النزاع يمكن أن تصبح حتمية بمجرد أن يكون رعاة أحد الأطراف مستعدين للتفكير في تصعيد يتجاوز الحدود التي يتقبلها خصومه، مع مراوغة المجتمع الدولي أو افتقاره للعزم على معاقبة التصعيد.
- على الرغم من نظرة البعض إلى الجيش الوطني الليبي ورعاته وهم: مصر، والإمارات، وروسيا، باعتبارهم المعتدين في الصراع، إلا أنهم أظهروا لاحقًا عدم استعدادهم للتصعيد. وفي الوقت نفسه امتلكت تركيا القدرات العسكرية المطلوبة للانتصار ثم أصبحت مستعدة لتوظيفها.
- إذا نأت إحدى الجهات المعنية العالمية الرئيسية، مثل الاتحاد الأوروبي ، بنفسها عن نزاع في جوارها – سواء لأسباب قانونية أو أخلاقية – فعليها فيما بعد أن تتعلم كيفية التعايش مع النتائج التي سيتمخض عنها هذا النزاع، وهذا لم يحدث في الحرب الليبية؛ فعلى الرغم من انخراط بعض من الدول الأوروبية جزئيًا في الحرب الليبية سواءً على المستوى العسكري أو الدبلوماسي، إلا أن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة لم يجد طريقة فعَّالة لترك بصمته حيث كان سلبيًا بشكل ملحوظ طوال الحرب، وهو الآن يواجه تحديًا أساسيًّا يتمثل في كيفية إيجاد طريقة لتخفيف الأثر السلبي للوجود التركي، والروسي، المستمر في ليبيا.
في ضوء ذلك، أشارت الدراسة إلى أن «الحرب من أجل طرابلس» هو نوع جديد من الصراعات العسكرية؛ حيث أن الطريقة التي نشرت بها تركيا الطائرات بدون طيار، والقدرات المضادة للطائرات تستحق الدراسة، ومن المحتمل تقليدها في ساحات القتال الأخرى.
أكدت الدراسة على أن نجاح الأتراك في الدفاع عن طرابلس لا يعني أبدًا أنهم قادرون على غزو معقل الجيش الوطني الليبي في شرق ليبيا أو يريدون مواجهة رد الفعل السياسي العالمي الناجم عن هذا الفعل.
وفي الختام شددت الدراسة على أهمية دور المجتمع الدولي خلال الفترة القادمة، وخاصةً الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والبدء في معالجة الأسباب الحقيقية الكامنة وراء الصراع في ليبيا، والنتائج السلبية الناجمة عن الحرب خاصةً النظام الاقتصادي المتدهور.
المصادر
[1] https://www.bbc.com/news/world-middle-east-54999008
[2] https://www.nytimes.com/2020/11/19/world/middleeast/pompeo-bds-golan-heights-west-bank.html
[3] https://besacenter.org/perspectives-papers/algeria-referendum-democracy/
[4] https://www.bbc.com/arabic/middleeast-55036908
[5] https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/saudi-yemen-missile-jiddah-missile/2020/11/23/138f3278-2d5c-11eb-9dd6-2d0179981719_story.html?itid=sf_world-middle-east
[6] https://www.mei.edu/publications/qlb-almwazyn-kyf-antsrt-trkya-fy-alhrb-mn-ajl-trabls