مئات المقالات تنشر يوميا في صفحات الرأي في مختلف المواقع والصحف في العالم العربي، وربما لا يتعدى معدل قراءة البعض منها حاجز المئة قراءة، فضلا عن قلة مشاركة وتداول المقال.
ربما كان كاتب المقال شخصية مشهورة، وربما كان محتوى المقال جيدا، إلا أن هذه العوامل قد لا تساعد وحدها في إيصال الرسالة إلى الرأي العام بالشكل الكافي، فقد تغيرت طرق التأثير على الرأي العام منذ ظهور السوشيال ميديا، بل قد تغيرت خلال السنوات القليلة الماضية مع تغير الـ Pop culture، أو الثقافة الشعبية.
مظاهرة في العراق استخدم المحتجون خلالها ميم شهير بين أوساط الشباب العراقي، للفنان المصري هاني رمزي، تعبيرا عن يأسهم من أداء حكومتهم
كيف أصبحت الميمز لغة العصر؟
هذا ما فطن إليه رجل الأعمال الشهير والمرشح الرئاسي الديمقراطي السابق في الانتخابات الأميركية مايك بلومبيرغ، والذي وجه أنظاره إلى الطريقة الأسرع في التأثير على الرأي العام، وهي الميمز أو الكوميكس والتي أصبحت جزءا لا يتجزأ من ثقافة الجيل الحالي ولغة تواصله.
وقد تعاقد بلومبيرغ مع بعض أكبر صانعي الميمز على الإنترنت في بداية العام الحالي قبل انسحابه من سباق الرئاسة، لنشر محتوى ترويجي لحملته الانتخابية، بحسب تقرير سابق لصحيفة “نيويورك تايمز“.
مع انطلاق حملة بلومبيرغ الانتخابية، سخر مغردون من كم الميمز التي أغرق بها شبكة الإنترنت ومواقع التواصل- مصدر الصورة: Business Insider
ولأهمية حرفة الميمز وصناعتها، أصبحت شرطا في وظائف السوشيال ميديا على الوظائف المدرجة في أكبر منصات التوظيف في الولايات المتحدة، خاصة في شركات التسويق والدعاية، وقد بدأت شركات في الترويج لمنتجاتها وتطبيقاتها من خلال الميمز داخل الولايات المتحدة.
وقد لجأت شركات وماركات وأسماء عالمية في استخدام الميمز من أجل الترويج لسلعها مثل شركة Uber, Gucci, Vogue, Netflix تطبيقات المواعدة Hinge, Bumble، كما يقول تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية.
بل استطاعت سلسلة مطاعم Wendy في الولايات المتحدة رفع أربحاها بنسبة 50 بالمئة، منذ أن استخدمت الميمز في عمليات التسويق في عام 2017.
الصورة الأولى: حساب نتفليكس نشر الميمز كنوع من التسويق الإلكتروني، والصورة الثانية لحملات إعلانية في الشوارع لتطبيق تندر للمواعدة، استخدم فيها الميمز
في عالمنا العربي، ورغم انتشار ثقافة الميمز بين أوساط الشباب والمراهقين، فإنها لم تجد طريقها للتوظيف السياسي أو في مجال الأعمال بعد بشكل ممنهج، رغم وجود صفحات يديرها هواة.
ما أثبتته صناعة الميمز والكوميكس، بأنه بالإمكان إيصال فكرة مقال رأي أو تقرير خبري طويل أو رسالة سياسية معينة، من خلال ميم أو كوميك يتم توظيفه سياسيا بأبسط الطرق.
نماذج لميمز سياسية لبعض الصفحات على فيسبوك
عن ماذا تبحث الأجيال الجديدة؟
لا تكتسب الميمز أهميتها فقط من حيث عمليتها وبساطتها في نفس الوقت فقط، وإنما لتأثيرها وانتشارها السريع، فوسائل التواصل الاجتماعي التي يتداول من خلالها الميمز، أصبحت أكثر تأثيرا من وسائل الإعلام التقليدية كالتلفزيون والراديو.
هذا ما أثبتته دراسة “Global Web Index“، التي أجرت دراسة حول نسب مشاهدات وسائل الإعلام وما يبحث عنه المستخدمون، خلال مكوثهم في بيوتهم خلال أزمة كورونا.
الدراسة أجريت على 4 آلاف مستخدم لوسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية في الولايات المتحدة وبريطانيا، وقسمت المستخدمين إلى أربعة فئات، Baby Boomer وهم مواليد الفترة من 1946 إلى 1964، وGeneration X، وهم مواليد الفترة من 1965 إلى 1989، وMillennial، وهم مواليد الفترة من 1981 إلى 1996، ثم وأخيرا Generation Z، وهم مواليد ما بعد عام 1996.
الدراسة قسمت أيضا نسبة استخدام وسائل الإعلام لكل فئة، وبينما يأتي أجيال الـBoomers وGeneration X، في مقدمة مستخدمي شبكات التليفزيون بنسبة 42٪ و45٪ من إجمالي استهلاكهم لوسائل الإعلام، فإن الأمر كان مختلفا مع الأجيال اللاحقة.
رسم بياني لاهتمامات جيل الألفية الثانية – المصدر: Visual Capitalist
رسم بياني لاهتمامات الجيل “Z” – المصدر: Visual Capitalist
وسجل الـ Millennials نسبة مشاهدات تليفزيونية أقل وصلت إلى 35 بالمئة، فيما سجل Generation Z، نسبة أقل وصلت إلى 24 بالمئة، لكن سجلت وسائل إعلام أخرى كالفيديوز عبر الإنترنت، والمواقع الإخبارية، وخدمات التليفزيون أو البث على الإنترنت نسب أعلى.
يبدو من الإحصائية أن مشاهدات شبكات التليفزيون والراديو التقليدية تتراجع باستمرار أمام وسائل الإعلام والتواصل الحديثة على الإنترنت، كما هو الحال مع الصحافة الورقية التي تكاد تندثر بالفعل أمام الصحافة الإلكترونية.
الأمر الآخر المثير بشأن دراسة “Global Web Index”، هو تسجيلها أنشطة المستخدمين منذ بداية أزمة كوفيد-19، حيث جاء البحث عن الميمز في المركز السادس من بين 20 نشاطا على الإنترنت، فيما حل البحث عن أخبار الاقتصاد والفنانين في مراكز متأخرة، باستثناء البحث عن أخبار كورونا الذي حل في المركز الأول، وذلك نظرا للظروف الراهنة.
أنشطة مستخدمي الإنترنت من كل الأجيال والأعمار خلال فترة الحجر الصحي – المصدر: Visual Capitalist
كان الجيل Generation Z، الأكثر بحثا عن الميمز بنسبة 54 بالمئة، يليه الـ Millennials بنسبة 41 بالمئة، ثم Genx بنسبة 21 بالمئة، ثم حل الـ Boomers في مؤخرة الباحثين عن الميمز، بنسبة 9 بالمئة.
ما مدى شعبية الميمز؟
دراسة أخرى أجرتها مجموعة “YPulse” المهتمة بإجراء أبحاث وإحصاءات حول جيل الألفية الثانية و”Z”، وفي عام 2018، وجدت أن 75 بالمئة من الأشخاص الذين يتراوح عمرهم بين 13 إلى 36 عاما، و79 بالمئة من أولئك الذين يتراوح أعمارهم بين 13 إلى 17 عاما، يتشاركون الميمز عبر الإنترنت.
كما وجدت الدراسة أن 55 بالمئة من أولئك الذين يتراوح عمرهم بين 13 و35 عاما، يتشاركون الميمز بشكل أسبوعي، فيما يرسل 30 بالمئة منهم الميمز بشكل يومي.
وأفادت دراسة المجموعة بأن وسائل التواصل الاجتماعي كانت الوسيلة الأكثر استخداما لمشاركة الميمز، حيث وصلت نسبة المستخدمين عليها إلى 29 بالمئة، فيما كانت النسبة على تطبيقات المراسلة حوالي 15 بالمئة، كما قالت نسبة 31 بالمئة من المستخدمين أنهم يتشاركون ويرسلون الميمز من خلال الوسيلتين.
وأوضحت الدراسة 38 بالمئة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعون صفحات الميمز، فمن بين كل 5 مراهقين، هناك اثنان يقولان إنهم يتابعان حسابات الميمز على مواقع التواصل.
شعبية الميمز أصبحت أعلى من يسوع المسيح على الإنترنت في 2016 – المصدر: صحيفة Mirror البريطانية اعتمادا على إحصائيات Google Trends
ويقول 43 بالمئة من الأشخاص الذين يتراوح أعمارهم بين الـ 13 والـ 17 عاما، أنهم يتابعون صفحات وحسابات الميمز على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما قال 56 بالمئة من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين الـ 18-20 عاما، أنهم يفعلون نفس الأمر.
74 بالمئة من مشاركي الميمز، يرسلونها إلى أصدقائهم أو أفراد عائلاتهم من أجل إضحاكهم، فيما يرسلها 53 بالمئة من أجل التفاعل معهم أو لتلقي رد فعل منهم حولها.
ويقول مؤسس شركة Memeois لصناعة الميمز، أنوشك ميتال، لمجلة “فوربس” الأميركية، إن الباحثين بشركته توصلوا إلى أن هناك أكثر من عشرة مليون تفاعل على مواضيع شتى من الميمز.
وأوضح ميتال أن أفراد جيل Millennials، ينظرون من 20 إلى 30 ميم بشكل يومي، مضيفا أنهم استطاعوا تحقيق مشاركة عضوية بنسبة 60 بالمئة بعد أن كانت 5 بالمئة فقط على فيسبوك وإنستغرام، من خلال استخدام الميمز في عمليات التسويق.
خلاصة الأمر، أن الميمز أصبحت جزء لا يتجزأ عن حياتنا اليومية بدون أدنى مبالغة، وهي أداة مؤثرة للغاية وطيعة، خاصة مع الأجيال الجديدة، وتنتظر من يستغلها في عالمنا العربي للتأثير على الرأي العام، في شتى المجالات سواء السياسية أو الاجتماعية وغيرها.