تترقب تركيا خلال الفترة المقبلة ما يمكن وصفه بالمعركة المؤجلة مع عودة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحديث بقوة عن ضرورة وضع دستور جديد للبلاد.
لا خلاف على أن تلك الدعوة ستشعل معركة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة وذلك رغم توافق الحزب الحاكم والمعارضة على مبدأ تغيير الدستور، إلا أن الأهداف بينهما متباينة تماما.
ويتوقع أن تثير الخطوة جدلا واسعا خاصة عند مناقشة ملفات عدة بينها هوية الدولة، تعريف المواطنة، المرجعية الإسلامية، الحجاب، الأكراد، صلاحيات الرئيس، طبيعة نظام الحكم ما بين رئاسي وبرلماني.
ويدافع أردوغان عن دعوته لتعديل الدستور بأن الدستور الحالي تم تعديله أكثر من 20 مرة حتى أصبح مترهلا، مشددا على أن بلاده تريد دستورا مدنيا جامعا وشاملا، يوضع بالتوافق والحوار، ويليق بمئوية تركيا الحديثة التي أعلنت عام 1923
كما انتقد الرئيس التركي أحزاب المعارضة، قائلا “إنها شكت من الدستور الانقلابي (أي الموضوع تحت سلطات الانقلابات العسكرية منذ عام 1982) ولكنها لم تقبل مشاركتنا في صياغة دستور جديد”.
ويرجح خبراء في الشأن التركي أن يسعى أردوغان بقوة إلى صياغة بعض المواد في الدستور الجديد أبرزها:
- ترسيخ الحكم الرئاسي الذي يجمع الصلاحيات في يدرئيس الدولة
- إضافة فقرة تسمح لأردوغان بالبقاء رئيسا لأكثر من فترتين
- ربما يقبل بمواد تقلل من صلاحياته في بعض المجالات
- سيتوازن وسيكون له تعويض بزيادة صلاحياته في مجالات أخرى
- تحسين العلاقات مع الغرب وأن يحظى أردوغان بشرعية أكثر كفاعل في النظام الدولي
- تغييرات تدعم الشريحة المتدينة مثل ما يخص الحجاب.
- حق ارتداء الحجاب نصا دستوريا
- أن تكون المراجع الإسلامية واحدة من مصادر صياغة القوانين
مطالب أحزاب المعارضة بالدستور الجديد
في المقابل، تطالب أحزاب معارضة بالعودة لنظام الحكم البرلماني الذي تم إلغائه في التعديل الدستوري لعام 2017، كما تسعى لإعادة تعريف المواطنة للتفريق بين الانتماء العرقي والوطن، والذي هو السبب الأساسي في الخلاف بين الأتراك والأكراد، زقد يتم الاعتراف باللغة الكردية كلغة ثانية.
كما ترفض المعارضة بشدة نقاش المساس بعلمانية الدولة، وتتهم المعارضة أردوغان بأنه سيحاول في الدستور الجديد دعم النظام الرئاسي، وتكريس سياسة الرجل الأوحد بتوسيع صلاحياته.
ويتطلب وضع دستور جديد موافقة 400 نائب من أصل 600، بينما يحتاج إلى 360 صوتا على الأقل لإحالته إلى الاستفتاء؛ وبذلك يحتاج الحزب الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية إلى دعم 40 نائبا.
وبدأت الحياة الدستورية في تركيا في القرن 19، وشهد القرن 20 وضع عدة دساتير، منها دستور 1921 الصادر خلال حرب الاستقلال، وعقب إعلان مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية صدرت دساتير 1924 و1961 و1982
وشهدت تركيا، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر مرورًا بدستور 1921 الذي صدر خلال حرب الاستقلال، وعقب إعلان الجمهورية، صدور 3 دساتير مختلفة في 1924 و1961 وآخرها 1982، وهو الدستور الذي بقي ساريًا حتى اليوم.
لكن مع ذلك فقد طال الدستور التركي تسعة عشر تعديلًا منها نحو 12 تعديلًا تمّ خلال عهد العدالة والتنمية الحالي.
ويضم الدستور في تركيا مبادئ عامة ولا يجوز المساس بأربع مواد أساسية فيه تتعلق بالنظام الجمهوري للدولة، الديمقراطية التمثيلية والعلمانية كمبدأ حاكم وفق مبادئ القومية الكمالية، نسبة إلى مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، كذلك منع الاعتماد على القواعد الدينية ضمن نظام الدولة الاجتماعي أو الاقتصادي.
أبرز التعديلات بالدستور التركي الحالي
من أبرز التعديلات التي جرت على الدستور الحالي، منها ما حصل في 1987 حيث رفع الحظر عن عمل الأحزاب، وفي 1995 تعززت حرية العمل الحزبي في البلاد، إذ نص تعديل على ضمان حرية تكوين الجمعيات وإعطاء حق التصويت للمقيمين في الخارج والسجناء، إضافة إلى إلغاء الحظر على نشاط الأحزاب السياسية في الخارج.
بعد ذلك بأربع سنوات قلّصت تعديلات إضافية نفوذ الجيش مجددا، إذ تم التنصيص على تعيين قضاة مدنيين بدلا من العسكريين في اللجان الأمنية العليا.
بعد ذلك بعامين وفي 2011، تم إقرار المساواة بين الرجل والمرأة في الدستور، إضافة إلى اعتماد الأسرة كأساس للمجتمع.
وفي 2013 نجحت جهود إلغاء القيود على الحجاب، لتشارك أربع نائبات من العدالة والتنمية في الجمعية العمومية للبرلمان وهن مرتديات للحجاب للمرة الأولى في تاريخ تركيا.
وسبق ذلك محاولات تعديل فاشلة أبرزها في 2008 هدفت لارتداء الحجاب في مرحلة التعليم العالي، لكن تلك المحاولة أجهضها حزب الشعب الجمهوري عبر قرار من المحكمة الدستورية.
أما تعديلات 2017 وهي الأهم في تاريخ تركيا فقد حوّلت نظام الحكم إلى رئاسي كما طالت صلاحيات البرلمان، إذ رفعت عدد النواب إلى 600 ومنعت ترشح العسكريين.