ليس من قبيل المبالغة وصف قمة مجموعة بريكس، التي تستضيفها جنوب إفريقيا خلال الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، بالأهم منذ قمتها الأولى التي عقدت العام 2009، وكانت بمثابة الإعلان الرسمي عن ذلك التكتل السياسي الاقتصادي.
وكلمة بريكس هي اختصار للدول الأعضاء هي روسيا، البرازيل، الهند، الصين إلى جانب جنوب إفريقيا.
أهمية تلك القمة تكمن في استعداد بلدان المجموعة الصاعدة لبحث إنشاء عملة مشتركة كأحد الموضوعات الرئيسة التي سيتم طرحها على جدول الأعمال، في محاولة للحد من هيمنة الدولار عالميا.
هذا إلى جانب دراسة طلبات العديد من الدول الانضمام للمجموعة، وفق ما كشفه، مندوب جنوب إفريقيا في مجموعة بريكس أنيل سوكلال بأن 22 دولة تواصلت رسميا مع دول بريكس لتصبح عضوا بشكل كامل، وهناك عدد مماثل من الدول التي سألت بشكل غير رسمي عن الانضمام لبريكس.
ورأى سوكلال أن بريكس ليست مجرد “قوة سياسية ..عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، لكنها تغير أيضا ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم”.
وتحدثت تقارير عدة عن طلبات تلقتها المجموعة للانضمام إليها من دول، أغلبها شرق أوسطية، وبينها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب مصر والجزائر.
وتسعى دول بريكس بالأساس إلى تشكيل قوة اقتصادية تحد من هيمنة النظام المالي العالمي الراهن، وبدأت خطوة جريئة في هذا الصدد العام 2014 عندما دشنت بنك التنمية الجديد برأس مال ابتدائي قدره 50 مليار دولار كبديل للبنك الدولي وصندوق النقد الولي.
ولم يتوقف الأمر على ذلك بل قامت المجموعة بإنشاء صندوق احتياطي للطوارئ لدعم الدول الأعضاء التي تكافح من أجل سداد الديون بهدف تجنب ضغوط السيولة.
المفاجأة أن تلك المشاريع لم تجذب دول المجموعة وحدها، بل أيضا العديد من الاقتصادات النامية والناشئة الأخرى التي عانت من تجارب مؤلمة تحت وطأة برامج التقشف القاسية من قبل صندوق النقد الدولي.
لكن يبقى السؤال الأهم هل تنجح بريكس في وقف هيمنة الدولار عالميا وتتحرك فعليا في خطوة إنشاء عملة موحدة؟.
والحقيقة بشأن تأثير بريكس على الدولار يمكن أن يكون متنوعا ويعتمد على العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية، ويمكن تلخيص ذلك في بعض النقاط لفهم التأثير المحتمل:
- التجارة والاستثمار: تتمتع الدول الأعضاء في بريكس بقوة اقتصادية كبيرة، وتعتبر الصين والهند إلى جانب روسيا تحديد، من أكبر الاقتصاديات في العالم، تزايد التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء يمكن أن يؤدي إلى زيادة الاستخدام المشترك للعملات المحلية وتقليل الاعتماد على الدولار في التجارة والاستثمار.
- الاحتياطيات النقدية: يمكن لبريكس أن يؤثر على الدولار من خلال إدارة احتياطياتها النقدية، إذا قررت الدول الأعضاء في بريكس زيادة استثماراتها في العملات الأخرى بدلاً من الدولار أو إنشاء عملة موحدة، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الطلب على الدولار وتأثيره على قيمته.
- السياسة النقدية: قد تتبنى الدول الأعضاء في بريكس سياسات نقدية تهدف إلى تعزيز استخدام العملات المحلية وتقليل الاعتماد على الدولار في الصفقات التجارية والمالية، هذا يمكن أن يؤثر على الطلب على الدولار والتأثير على قيمته.
مع ذلك، يجب ملاحظة أن الدولار لا يزال العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم ويحتفظ بمكانته كأكثر العملات استخداماً على نطاق واسع في التجارة العالمية والاستثمارات. تأثير بريكس على الدولار يمكن أن يكون تدريجيًا ويرتبط بالتطورات الاقتصادية والسياسية في العالم.
مستقبل بريكس وطموحات التغيير
يتوقف مستقبل بريكس على عدة عوامل وتحديات، وثمة بعض النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار:
- التعاون الاقتصادي: يمكن لبريكس أن يعزز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء من خلال زيادة التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة وتعزيز التكامل الاقتصادي. يمكن تعزيز الروابط التجارية وتسهيل التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والبنية التحتية.
- الدور السياسي: يمكن لبريكس أن يلعب دورًا مهمًا في الشؤون السياسية العالمية وتعزيز صوت الدول النامية في المحافل الدولية. يمكن لبريكس أن يعمل على تعزيز العدالة والمساواة في النظام الدولي وتعزيز الحوار والتفاهم بين الدول.
- التحديات الداخلية: تواجه دول بريكس تحديات داخلية متنوعة، بما في ذلك الفقر والتحديات الاجتماعية والبيئية والتنمية الاقتصادية. من المهم أن تعمل هذه الدول على تعزيز الاستقرار الداخلي وتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز حقوق الإنسان وتقليل الفوارق الاجتماعية.
- التعاون مع الدول الأخرى: بريكس يمكن أن يعزز التعاون مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، مثل التغير المناخي ومكافحة الإرهاب والتحديات الأمنية الأخرى.
مستقبل بريكس سيتأثر بالتطورات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الدول الأعضاء وفي الساحة العالمية بشكل عام، ومن المهم أن يعمل بريكس على تعزيز التعاون والتحالفات وإيجاد حلول مشتركة للتحديات الراهنة والمستقبلية.