“قمة الفرصة الأخيرة”، هكذا وصف المراقبون المؤتمر السادس والعشرين لأطراف اتفاق الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيير المناخ COP26، والذي يُعقد في الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021 بمدينة جلاسجو الأسكتلندية، بالشراكة بين المملكة المتحدة ودولة إيطاليا، بمشاركة 196 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي. وذلك ضمن سلسلة مؤتمرات مثيلة تُعقَد سنوياً منذ عام 1995، تطبيقاً للاتفاقية الإطارية بشأن تغيير المناخ 1992، والتي دَعَت إلى العمل على تقليل الغازات المُتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري، من أجل منع “تغير المناخ الخطير الناجم عن النشاط البشري.” وكان من المقرر إجراء COP26 في عام 2020، غير أنه تم إرجاؤه إلى عام 2021، بسبب ظروف جائحة كوفيد 19.
وسُميت القمة بـ”الفرصة الأخيرة”؛ كونها جاءت بعد السنوات السبع الأكثر حرارة في التاريخ الحديث. كما أنها تأتي إبان حالة الانكماش التي يشهدها الاقتصاد العالمي نتيجة للجائحة؛ ما دعا الأمم المتحدة إلى دعوة دول العالم إلى اتباع نهج مستدام وصديق للبيئة في تنفيذ سياسات التعافي الاقتصادي، ويُسمى هذا النهج بـ”التعافي الأخضر”.
كما يكتسب المؤتمر أهميته من كونه يشهد المراجعة الدورية الأولى لخطط الدول الخاصة بخفض انبعاثات الكربون، والتي من المفترض مراجعتها كل خمس سنوات بموجب “اتفاق باريس عام 2015،” والذي أقر ضرورة إعداد الدول استراتيجيات وسياسات وطنية لتخفيض كمية الغازات الضارة. ويعد المؤتمر كذلك الأول بعد عودة الولايات المتحدة الأمريكية- ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الكربونية في العالم بعد الصين- إلى اتفاق باريس عقب انسحابها منه في عام 2017 بقرار من إدارة دونالد ترامب. ويقود استمرار هذه الانبعاثات إلى كارثة مناخية، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش. وقد أشار دليل المؤتمر المُعَد من قِبل اللجنة المُنظمة إلى أنه عادةً ما تشهد مؤتمرات المناخ مفاوضات مُعقَّدة، ويُشارك بها ممثلو منظمات المجتمع المدني والدول.
أهداف المؤتمر
ضمن إطار دعم الأمم المتحدة لجهود المُشاركة العالمية في السياسات الرامية إلى مكافحة الـتأثيرات الضارة للتغيير المناخي، يستهدف مؤتمر جلاسجو صياغة توصيات واتفاقات دولية تقود إلى تحقيق أربع نقاط رئيسية. وهي كما يلي:
- مراجعة سير عملية خفض انبعاثات الغازات الدفيئة
تتوقع الدراسات العلمية ارتفاع درجة حرارة الأرض ثلاث درجات مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الصناعة بحلول عام 2100، وهو ما قد يسبب العديد من الكوارث، مثل الفيضانات وحرائق الغابات، وانقراض فصائل من الحيوانات والنباتات. ونجحت جهود الأعوام الماضية بالفعل في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وعلى رأسها الكربون، بشكل جعل الدرجة المتوقعة للانخفاض درجتين فقط بدلاً من ثلاث. إلا أن هذا يظل غير كافي، فقد استهدف اتفاق باريس 2015 خفض مستوى الارتفاع إلى 1.5 درجة فقط، ما يقتضي خفض انبعاثات الكربون بمعدل النصف بحلول عام 2030، وبمعدل “صفر انبعاثات” بحلول 2050.
ويهدف المؤتمر، في هذا السياق، إلى مُشاركة الخطط الوطنية لخفض الانبعاثات ومُراجعتها، وهو ما قد يساهم في التوقُف التدريجي لاستخدام الكربون في مجالات الطاقة، سيما في مجال توليد الكهرباء، والاعتماد على الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كبديل للطاقة الأحفورية، إلى جانب العمل على حماية الغابات، والاستثمار في بعض المحاصيل الزراعية، وتحويل وسائل النقل إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة.
ويُشار إلى مجموعة دول العشرين الصناعية الكُبرى باعتبارها المسئولة عن نحو 80% من الغازات المُسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، وعجزت هذه الدول عن التوصل لالتزامات جديدة خلال اجتماعات تم عقدها قبيل ساعات من انطلاق مؤتمر Cop26.
- دعم جهود التكيف العاجل للمجتمعات والدول
يهدف كذلك COP26 إلى تشجيع المجتمع الدولي على تقديم الدعم الفني والمادي لجهود الدول الفقيرة الخاصة بالتكيف مع التغييرات المناخية المتوقعة، عبر تدشين أنظمة الإنذار المبكر، والدفاعات ضد الفيضانات مثل السدود، فضلاً عن تأسس بنية تحتية وزراعية ملائمة.
ويعمل المؤتمر، في هذا السياق، على دفع كافة الدول إلى تقديم بيان بخطط التكيف الوطنية الخاصة بها، وعلى وجه التحديد عرض موجز لكل خطة، والتحديات التي تواجهها، وتحديد المجالات التي تحتاج فيها إلى المساعدة، بشكل يُيسر من عملية تبادُل التجارب الوطنية. ويبرز في هذا الإطار مجموعة “تحالف العمل من أجل التكيف”، والذي شَكَّلته دول بريطانيا ومصر وبنجلاديش ومالاوي وهولندا وسانت لوتشيا بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويرغب التحالُف في استثمار مؤتمر جلاسجو للتوسع وضم كافة الدول إليه.
- دفع الدول الصناعية الكبرى إلى الالتزام بتعهداتها المالية
بسبب ضعف مواردها، وتدهور السياسات البيئية بها، تعد الدول والمجتمعات الفقيرة هي الأكثر عرضة لمخاطر التغيير المناخي المتوقعة رغم إنها الأقل تسبباً في حدوثه، مقارنة بالدول الصناعية الكبرى أو بالدول المُنتجة للنفط، وتعجز هذه المجتمعات عن مواجهة أثر التغيير المناخي. وفي تكامُل مع الهدف السابق، يهدف المؤتمر إلى دفع الدول الصناعية الكبرى إلى الإيفاء بكافة التزاماتها المالية الخاصة بدعم مكافحة المناخ في الدول الفقيرة.
كانت الدول الكبرى قد تعهدت في مؤتمر الأطراف COP15 الذي جرى عقده في عام 2009 بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لدعم الدول النامية، وأكَّدت اتفاق باريس على هذا التعهد، في مقابل مطالبة الدول النامية بالعمل على الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة، ومشروعات مواجهة المناخ. وتدعم عمليات التمويل المتوقعة لجهود بناء أسواق جديدة، وتحسين النُظم المالية، والربط بين الاستثمارات والتمويل الدولي والوطني بمعايير الاقتصاد الأخضر.
ويُشار إلى أن هذا المبلغ لم يتم الإيفاء بيه بشكل كامل بعد، ووصل إلى 79.6 مليار دولار فقط في عام 2019، بزيادة 2% من عام 2018. وباستثناء دول النرويج وألمانيا والسويد، لم توفِ أية دولة بالتزاماتها العادلة من المبلغ، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد قدَّمت 4% فقط من النسبة المتوقعة منها خلال الفترة السابقة، بسبب انسحابها من اتفاق باريس كما سبقت الإشارة.
ويبرز في هذا الإطار “تحالف جلاسجو المالي”، والذي يضم 160 شركة تدير أصول تزيد قيمتها عن 70 تريليون دولار، ويرغب التحالف في توظيف المؤتمر في تعظيم فُرص التمويل. ويُذكر أن تقريراً صدر من برنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2020 قد توقَّع وصول تكاليف التكيف في البلدان النامية إلى 140-300 مليار دولار أمريكي في عام 2030، و280-500 مليار دولار أمريكي في عام 2050.
- تعضيد العمل الجماعي لتحقيق الأهداف السابقة
بسبب صعوبة مجابهة التأثيرات الضارة للتغيير المناخي دونما تعاون بين مختلف دول العالم، يستهدف المؤتمر تعميق مستوى التعاون الدولي، والاتفاق على الصيغة النهائية للائحة التنفيذية الخاصة باتفاق باريس، بطريقة تضمن الوصول إلى حلول تنظيمية لأسواق الكربون، من خلال إنشاء نظام قوي لإدارة عملية بيع وشراء أرصدة الكربون، بهدف الوصول إلى صافي صفر انبعاثات. فضلاً عن الاتفاق على نظام عالمي يُساعد جميع الدول على الوفاء بالتزاماتها بشكل شفاف.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن حكومات العالم قد اتبعت طريقتين مختلفتين لخفض انبعاثات الكربون تدريجياً. تتمثل الأولى في منح المنشآت حداً معيناً من حصص استخدام الكربون، مع إعطائه حرية بيعه إلى غيرها، وذلك بشكل يضمن عدم تخطي انبعاثات الكربون الحدود المتوقعة. بينما تتمثل الطريقة الثانية في فرض ضرائب على انبعاثات الكربون لحث المُنشآت على ترشيد استخدامه والاستغناء عنه.
وفي إطار تشجيع العمل الجماعي، يعمل المؤتمر على حشد الدعم لمساعدة المجتمعات المُعرضة للتغير المناخي، وتكثيف التعاون بين الدول والفاعلين من غير الدول لتنفيذ سياسات الطاقة النظيفة، وتحسين جودة الطعام وتطوير البنية التحتية.
جدول وفعاليات المؤتمر
يمتد المؤتمر لأسبوعين يتضمنا عقد مفاوضات بين الأطراف المُشاركة بهدف تحقيق الأهداف سابقة الإشارة؛ على أن يتم إعلان نتائج المفاوضات في نهاية المؤتمر، بالتزامُن مع عقد بعض الفعاليات المختلفة التي تضم ممثلي الدول والمنظمات والناشطين في مجال المناخ. ومن أبرز هذه الفعاليات عقد قمة لقادة العالم لبحث سُبل دفع الوصول إلى الأهداف سابقة الإشارة. ويُشار إلى أن المؤتمر قد شهد مشاركة أبرز رؤساء الدول والحكومات، باستثناء دولتي الصين وروسيا- الصين هي المصدر الأول حالياً للانبعاثات في حين تقع روسيا في المركز الخامس- حيث تشاركان بوفدين دون مستوى الرئاسة لأسباب تتعلق بظروف جائحة كورونا، وفقاً للمعلن من جانب هاتين الحكومتين.
ويعقد المؤتمر جلسات يومية يُشارك بها ممثلو الدول والمنظمات والخبراء وأصحاب المصلحة، وتتناول قضايا مختلفة تتعلق بمجال المناخ، ومنها قضايا مثل سُبل تعبئة التدفقات المالية العامة والحكومية لدعم خطط التكيف، وتسريع الانتقال العالمي إلى الطاقة النظيفة، إلى جانب بحث وسائل دعم دور الشباب والتعليم والأطراف غير الحكومية في جهود مكافحة التغيير المناخي، ومناقشة أهمية دور الطبيعة والحلول المستدامة في التعافي الأخضر. وذلك على مدار الأسبوع الأول من المؤتمر. بينما تُناقش جلسات الأسبوع الثاني قضايا مثل شرح الحلول العملية اللازمة لخفض أضرار عملية التكيف، وتطوير المساواة النوعية عبر إبراز أهمية مشاركة المرأة في جهود مواجهة التغيير المناخي، فضلاً عن مناقشة دور العِلم والابتكار في تسريع وتحسين الحلول المناخية، إلى جانب تناول تطورات التحول العالمي في استخدامات وسائل النقل النظيف، وتحديد التحركات التي يُمكن القيام بها في البيئات المكانية المختلفة، مثل المنازل والمدن والأقاليم.
وتُقام فعاليات COP26 في منطقتين مختلفتين، الزرقاء والخضراء. وتُخصَص الأولى للفعاليات التي يشارك بها الأفراد المُسجلين لدى الأمم المتحدة، بما في ذلك ممثلي الدول والمنظمات والوكالات ذات الصلة، ويُجرى في هذه المنطقة المفاوضات الرسمية والاستشارات غير الرسمية. فيما تُخصص المنطقة الخضراء لعموم الأفراد، وتشهد فعاليات مثل ورش عمل ومعارض وأعمال فنية، ومحاضرات، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية وتقديم عروض عن أنواع التكنولوجيا.