الخبر
كان وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قد وصل إلى نيويورك منذ يومين، حيث مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك للمشاركة في الاجتماع المتوقع لمجلس الأمن بخصوص أزمة سد النهضة، حيث قدمت مصر والسودان طلباً لانعقاد جلسة للمجلس لبحث التوصل لاتفاق ملزم يراعي مصالحهم وحقوقهم بالإضافة لأثيوبيا، التي أصدرت خارجيتها بياناً اعترضت من خلاله على توجه البلدين لمجلس الأمن، وذلك في إطار سياسة التسويف والمماطلة التي تتبعها أديس أبابا بشكل منهجي تجاه أزمة السد.
وأشارت البيانات والتصريحات الرسمية لكل من الخارجية المصرية والسودانية، أن شكري وكذلك وزيرة الخارجية السودانية، مريم الصادق المهدي، سيجرون مشاورات مكثفة وسلسلة من الاجتماعات مع نظرائهم ومندوبي الدول لدى الأمم المتحدة وممثليها لدى مجلس الأمن، وذلك في إطار التحضير والشرح والحشد لموقف البلدين، وذلك قبيل الاجتماع المتوقع انعقاده نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع القادم.
وكانت أثيوبيا قد أعلنت بشكل رسمي بدء مرحلة الملء الثاني لخزان سد النهضة، وذلك بعد إرجاء حثيث خلال الأسابيع القليلة الماضية، بررته اديس أبابا بأنه ناتج عن “مشاكل فنية”، وذلك بالتوازي مع إعادة تموضع القوات الاثيوبية في مختلف انحاء البلاد على خلفية اشتعال أكثر من جبهة داخلية، آخرها إقليم تيجراي، الذي شهد هزيمة وانسحاب قوات الجيش الاثيوبي، وأسر ما يربو عن 8 آلاف من جنوده وضباطه.
وتصف القاهرة والخرطوم موقف أديس أبابا بالتعنت والمماطلة، فيما تتمسك الأخيرة بخطاب معاد تدويره مفاده ان حصص مياه مصر والسودان ناتجه عن اتفاقيات تعد في حد ذاتها “إرث استعماري”، وهو ما تطور مؤخراً إلى تصريحات وتلميحات لمسؤولين أثيوبيين حول تحديد أسس جديدة للتفاوض من بينها ما يشرعن بيع مياه النيل لمصر والسودان.
خلفية
وتقدمت تونس بصفتها الدولة العربية في مجلس الأمن، بمشروع قرار يطالب أثيوبيا بتأجيل الملء الثاني، ودعوة مصر والسودان وأثيوبيا إلى المضي قدماً في مفاوضات ثلاثية برعاية أممية للوصول لاتفاق ملزم يضمن حصص البلدين من مياه النيل، ويضمن كذلك لأديس أبابا الاستمرار في توليد الطاقة الكهربائية من السد دون الإضرار بحصص دولتي المصب.
ويتضمن مشروع القرار آليات إشراف ومراقبة وتحقق بخصوص التفاصيل الفنية المتعلقة بملء وتشغيل سد النهضة، وذلك خلال فترة يحددها مشروع القرار ب6 أشهر، والتوقف خلال هذه الفترة عن الخطوات أحادية الجانب وكذلك اصدار البيانات والتصريحات الاستفزازية التي عطلت الوصول لاتفاق على مدى سنوات مضت.
وصرح المندوب الدائم عن الجامعة العربية في الأمم المتحدة، أن لجنة ممثلة عن 4 دول عربية هي السعودية والأردن والمغرب والعراق سيعملون على اجراء مشاورات واجتماعات مع الدول ال15 الأعضاء بمجلس الأمن لشرح أبعاد ملف سد النهضة، وتداعياته الإقليمية والدولية لحشد 9 أصوات ملزمة لتمرير القرار، مشيراً إلى ضآلة فرصة تصويت أي من الدول دائمة العضوية في المجلس بالفيتو.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد صرح على هامش عدد من الأنشطة واللقاءات أخرها افتتاح قاعدة 3 يوليو ومناورات قادر 2021، أن “مصر لا يمكن أن تستمر في المفاوضات إلى ما لانهاية”، مكرراً تصريحات سابقة عن مخاطر تداعيات التعنت الاثيوبي فيما يخص حصص مياه مصر والسودان وعدم الوصول لاتفاق ملزم بتشغيل سد النهضة على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وفيما تعتمد أديس أبابا نمط تصدير أزمات الداخل للخارج، وكذلك الهرب للأمام من مشاكل داخلية مزمنة أخرها مخاطر تفكك الاتحاد الاثيوبي عبر اختلاق انتصار زائف للاستهلاك المحلي بالاستمرار في تعلية وملء خزان السد، فإن القاهرة باتت تربط استقرار المنطقة وأمنها، وخاصة أمن الملاحة في ممراتها المائية وتحديداً في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، بأفق حل أو تعقد أزمة سد النهضة، والذي يمتد وفق الاعتبارات السابقة إلى مآلات الصراع بين بكين وموسكو وواشنطن في الإقليم.
توقعات ودلالات
ووفق تصريح مندوب فرنسا في مجلس الأمن، والذي تشغل بلاده رئاسة دورة المجلس لشهر يوليو الجاري، فإنه من غير المرجح الوصول لقرار يلزم أديس أبابا في الانخراط في مفاوضات جدية مشروطة بالوصول لاتفاق ملء وتشغيل يراعي مصالح دولتي المصب، ولكن وفق سوابق عمل مجلس الأمن مؤخراً فيما يتعلق بدول القرن الأفريقي والمنطقة عموماً، فإن تمرير المشروع من عدمه مرتبط بالمصالح والعلاقات بين دوله ال15 وأطراف القضية المعروضة عليه، وهو ما لمح له شكري في عدد من تصريحاته الأخيرة بأن التوجه لمجلس الأمن يعد رسالة مصرية باستنفاذ كافة الطرق التفاوضية والسلمية التي من شانها تجنيب المنطقة والمصالح الدولية تداعيات سلبية على أصعدة تتعلق بملفات مثل الملاحة والهجرة والنزاعات الأهلية طويلة الأمد.
ويدل الاعتراض الروسي والصيني على مسودة بيان إدانة ضد أديس أبابا في مارس الماضي على خلفية من معارك إقليم تيجراي، أن القوى الدولية لها حسابات خاصة بتموضعات واشنطن الإقليمية والدولية الجديدة في المنطقة، والتي ترتبط بشكل كبير بمستقبل القرن الأفريقي واهميته الجيوسياسية من ناحية الملاحة الدولية، وهو الأمر الذي يرتبط بدوره بمألات الأوضاع الداخلية في دوله وكذلك أثيوبيا بصفتها الدولة ذات الكثافة السكانية الأعلى.
وكمحصلة عامة، فإن الخطوة المصرية الأخيرة بالتوجه لمجلس الأمن تأتي في سياق إدارة القاهرة لتوازن خارجي يخدم مصالحها النابعة من المحافظة على مقدرات أمنها القومي وعلى رأسها الحدود ومياه النيل، وهو ما يدل على أنه من الرغم من عدم توقع فاعلية كبيرة لهذه الخطوة بشكل يلزم أديس أبابا ويلجم تعنتها المستمر، فإن هكذا خطوة تأتي بمثابة رسالة وإيضاح لكل الأطراف المعنية إقليمياً ودولياً بالقرن الافريقي واستقرار المنطقة وعلى رأسها واشنطن وبكين وروسيا، مفادها إعلان القاهرة عن دخول مسار التفاوض السلمي للوقت الضائع، وذلك كتمهيد لما يلي ذلك من مسارات أمنية وعسكرية.