خبر
في لقاءه الأول مع الإعلام كرئيس لإيران، صرح إبراهيم رئيسي بأنه “لا توجد عقبات في طريق استعادة بلاده للعلاقات الدبلوماسية مع السعودية”، مؤكداً على أن الجانب الإيراني “ليس لديه ما يمنع” إعادة فتح السفارتين بشكل متبادل، مشيراً إلى أن الحوار وتقريب وجهات النظر مع دول الخليج والدول العربية عموماً أولوية قصوى لإدارته.
وأشار رئيسي (60 عام) إلى ما اسماه بـ”إمكانية توسيع العلاقات” مع الرياض، وذلك في معرض إجابته عن سؤال حول نمو وتطوير العلاقات الاقتصادية بين إيران ومختلف الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين؛ حيث عقدت طهران اتفاقية تجارية/استراتيجية طويلة الأمد مع بكين مطلع العام الجاري.
التصريح أتى ضمن مجمل إجابات حول أسئلة متنوعة عن ملامح سياسات الرئيس الإيراني الجديد، شملت عدة ملفات داخلية وخارجية، أبرزها بالطبع مصير الاتفاق النووي ومفاوضات عودة واشنطن إليه ومردودات ذلك إقليمياً خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع دول الخليج؛ نافياً أن يكون هناك حوار مباشر بين طهران وواشنطن في الوقت الراهن، وكذلك بينه وبين بايدن، واحتفاظ بلاده بمبدأ الفصل بين الملفات على طاولة التفاوض.
خلفية
كانت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران قد تدهورت في 2016 إلى حد القطيعة الكاملة، وذلك على أثر احداث اقتحام السفارة السعودية في طهران في يناير من العام نفسه، وذلك من قبل حشود احتجت على إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر.
وشهدت الشهور القليلة الماضية، وخاصة بعد دخول جو بايدن للبيت الأبيض، محادثات حثيثة بين السعودية وإيران لما سُميَ إعلامياً بـ “كسر الجليد”، كانت بدايتها المعلنة ما صرح به ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في لقاء تليفزيوني في إبريل الماضي؛ حيث قال “أن بلاده ترغب في إقامة علاقات طيبة ومميزة مع إيران”، وذلك في تحول جذري عن تصريحات سابقة له في 2017 حول “نقل المعركة لداخل إيران”.
ورحبت طهران بهذا التحول في الخطاب السعودي، وتبع ذلك تصريحات ايجابية متبادلة بين مسؤولي البلدين، اعقبها جولة محادثات -غير معلنة وقتها- في بغداد والدوحة وربما مسقط، وصفها في وقت لاحق وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بـ”الاستكشافية”، ووصفتها الخارجية الإيرانية بـ” الجيدة والبناءة”، والتي تعلقت في مجملها بتمهيد آلية تواصل ومحادثات دورية حول مختلف القضايا محل الخلاف بين البلدين، وعلى رأسها حرب اليمن؛ حيث طرحت الرياض مبادرة بإنهاء الحرب فيها بالتوازي مع أجواء المحادثات الاستكشافية المشار إليها.
وبخلاف السياق التي أتت فيه تصريحات رئيسي؛ يشهد مثلث العلاقات بين الولايات المتحدة-إيران-السعودية نشاطاً خلال الأسابيع الأخيرة ولو بشكل يبدو ظاهرياً متناقض؛ مثل مطالبة الرياض بالتفتيش على المواقع النووية الإيرانية، وسحب واشنطن لقواتها ومنظومات باتريوت الدفاعية من السعودية، وتصاعد وتيرة هجمات الحوثي داخل العمق السعودي، وهو التناقض الظاهري الذي يرجعه بعض المحللين والمراقبين للأولويات المختلفة لكل من الثلاث عواصم، وخاصة من حيث التوقيتات والتراتبية التي فيما يتعلق بأولوية الوصول لحل أولاً تجاه أياً من النقاط الخلافية الكبيرة، وعلى رأسها الملف النووي وحرب اليمن.
وكان وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، قد صرح عشية الانتخابات الرئاسية بأن “لا مشكلة في إرسال سفير إيراني إلى الرياض واستقبال طهران لسفير سعودي”، مشيراً إلى توجه عام لدى السلطة في إيران بكافة تياراتها واجنحتها على أولوية الحوار والتقارب مع دول الجوار العربي، وذلك كجزء من ما وصفه وزير الخارجية السعودي في وقت سابق بـ”السياسة الخارجية التي يقررها المرشد الأعلى علي خامنئي والتي لا تتأثر بنتائج الانتخابات الرئاسية”.
استنتاجات
طبقاً لخلفية رئيسي وتصريحات سابقة له إبان انتخابات 2017 الرئاسية، وكذلك تصريحاته قبيل وخلال الانتخابات الأخيرة، فإن الرئيس الإيراني الجديد يؤكد على اتباعه للخطوط العريضة للسياسة الخارجية لبلاده التي يحددها المرشد، وهو ما يعكس أن دوره كرئيس لن يكون مشابهاً لسلفه، حسن روحاني، الذي كانت رئاسته لفترتين مؤثرة في استحداث استدارت وتموضعات خارجية لم تألفها السياسة الإيرانية منذ مطلع الألفية الجديدة.
وحسب مجمل سوابق تصريحات واحداث على مدار السنوات القليلة الماضية، فإنه يمكن القول بأن سياسة الحوار البناء والتعاطي الإيجابي مع دول الجوار العربي وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، ستكون سياسة إيرانية مستدامة بغض النظر عن اختلاف شخوص وتوجهات ومنهجية منفذيها، وبالتالي فإن تصريح رئيسي عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية يأتي في سياق سبق انتخابه هو شخصياً كرئيس للجمهورية، وليس توجهاً مستحدث مرتبط بانتخابه.
ولكن الفاصل في المدى القريب هو منهجية التدرج وضبط الأولويات لكل من الولايات المتحدة وإيران والسعودية؛ فمن ناحية تسعى الرياض كقاطرة عربية/خليجية منذ فترة ليست بالقصيرة بالدفع نحو تسوية شاملة مع طهران بضمانة أميركية ودولية، فيما تتمسك الأخيرة بمبدأ الفصل بين الملفات والتفاوض التدريجي بخصوص ملف واحد ذو أولوية مطلقة بالنسبة لها ولواشنطن وهو الملف النووي، فيما تكون باقي الملفات تالية له؛ فمثلاً حرب اليمن التي ترتهن مفاوضات التهدئة الخاصة بمؤشر الوصول لتسوية ثنائية بين واشنطن وطهران بخصوص رفع العقوبات والعودة للاتفاق النووي، وبالتالي فإنه من المستبعد طبقاً لقرارات بايدن الأخيرة بسحب بطاريات باتريوت أن يكون التطبيع بين الأخيرة والرياض بموازاتها، وذلك لارتباط السابق أيضاً بإعادة هيكلة شاملة للعلاقات بين واشنطن والرياض.