عقد وزير الخارجية المصري ونظيره العراقي، فؤاد حسين، والأردني، أيمن الصفدي، اجتماع في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك على هامش الاجتماعات الوزارية لجامعة الدول العربية، والتي أتت بشكل استثنائي بناء على دعوة كل من مصر والسودان لبحث سُبل الدعم العربي الموحد فيما يتعلق بملف سد النهضة.
وحسب البيانات الرسمية، فإن الاجتماع أتى بشكل دوري ضمن إطار التعاون بين الدول الثلاثة، والمضي قدماً نحو عقد قمة ثلاثية كانت قد أرجئت مرتين خلال الشهور القليلة الماضية، وذلك في إطار تعزيز التعاون بين العواصم الثلاث على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية.
وطبقاً لوسائل إعلام عراقية وأردنية، فإن الاجتماع شهد اتفاق على التحضير للقمة الثلاثية المرتقبة منذ الربع الأول من العام الجاري، بين الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني، عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي. حيث تم الاتفاق على تهيئة بغداد لموعد جديد في المدى القريب وفق آلية تنسيق مشتركة تلائم أجندة حكومته من كافة النواحي الأمنية والسياسية.
خلفية
وكان شكري قد التقى نظيره العراقي في اجتماع ثنائي قبل ذلك بيومين، حيث ناقش الوزيرين عدة نقاط منها بحث آلية مستدامة لتعزيز التعاون والدعم العربي للدول التي تشهد تدخل خارجياً في شؤونها وتهديد أمنها القومي، على غرار ما تفعله تركيا في شمال العراق، وهو ما كان قد نوقش في وقت سابق ضمن سلسلة من الاجتماعات الدورية بين مسؤولي القاهرة وعمان وبغداد على مدى العامين الماضيين، وصولاً لتنسيق على مستوى قمة قد بدأ التحضير له منذ أواخر العام الماضي.
فشهدت العاصمة العراقية زيارات متتابعة لوفود مصرية وأردنية على مستوى رؤساء الوزراء في الشهور الأخيرة؛ فزار رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، بغداد في أكتوبر الماضي على رأس وفد حكومي رفيع المستوى، ضمن أعمال اللجنة العليا للتنسيق المشترك بين البلدين. وهو الإطار الذي تم توسيعه لاحقاً بضم عمان إليها، وذلك في زيارة تالية لرئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، نهاية يناير الماضي.
وتم الإعلان عن مجريات وأهداف اقتصادية وتنموية وسياسية لهذه الاجتماعات المتتابعة في مارس الماضي، حيث التقى وزراء خارجية الدول الثلاث بالإضافة لرئيس المخابرات العامة المصرية، الوزير عباس كامل؛ حيث أعلن وقتها عن حزمة مشاريع تتنوع بين مجالات الطاقة والنقل البري والبحري والانشاءات وغيرها بلغت تقديراتها المالية في مرحلتها الأولى مليارات الدولارات، بخلاف بحث آليات تنسيق أمني وسياسي على كافة المحاور المعنية بها الثلاث عواصم.
وتتميز العلاقة بين مصر والأردن والعراق بطفرة ملحوظة على مستوى دورية الاجتماعات التي تهدف لتعزيز التعاون الثلاثي والإقليمي بينهما، والتي ركيزتها الاقتصادية في مشروعات طموحة تحت عنوان “الشام الجديد“، الهدف منها ربط مصر بالعراق عبر الأردن، وذلك في مجالات الطاقة والنقل ولا سيما مشاريع ربط كهربائي -قد تشمل السعودية أيضاً- وإعادة تنشيط خطوط نقل بحري وخط بترول عبر خليج العقبة ومواني نويبع المصري والعقبة الأردني، واستعاضة بغداد به عن مجمل صعوبات مزمنة تتعلق بخطي تصدير نفطها الرئيسيين عبر الخليج جنوباً وميناء جيهان التركي شمالاً، وذلك بالإضافة لمشروعات عملاقة في مجالي الانشاءات والبُنى التحتية بما في ذلك مد طريق بري بين مصر والعراق مروراً بالأردن، ناهيك عن تنسيق عسكري وأمني رفيع المستوى.
دلالات
وتأتي اللقاءات والمشاورات الأخيرة بين مسؤولي الدول الثلاث كتفعيل وإعادة تنشيط للمقررات والتفاهمات التي تم الاتفاق عليها على مدار جولات الشهور الماضية التي أعقبت المبادرة التي طرحها الكاظمي أواخر العام الماضي، والتي كان من المزمع تفعيلها وإعلانها البدء فيها رسمياً من خلال عقد قمة بين حكام الثلاث عواصم، والتي تم تأجيلها مرتين بسبب عدد من الأحداث في كل من العراق ومصر والأردن، بالإضافة لعدد من التعقيدات والتموضعات الإقليمية والتي تتعلق في مجملها بمتغيرات الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.
وحسب مراقبين ومحللين، فإن المشروع الثلاثي يحظى بدعم أميركي لأهداف متنوعة حدها الأدنى استراتيجياً تخفيف عبء التدخلات الإيرانية والتركية في العراق، ودعم استقرار الأردن اقتصادياً وسياسياً، واستحداث حوامل إقليمية جديدة تستوعب تموضعات السياسة الأميركية الجديدة في المنطقة وخاصة المتعلقة بمستقبل العراق وسوريا، وربما لبنان لاحقاً.
ويأتي السابق وفق أولويات تتقاطع مع مصالح وتطلعات كل من القاهرة وعمان وبغداد، لاسيما وأن الأولى تصدر دورها الإقليمي والخارجي عموماً، وفق أولويات ومحددات مثل تحقيق الاستقرار الاقليمي والحفاظ على الأمن القومي العربي واستعادة المؤسساتية في العلاقات بين الدول، وتنويع مصادر وأطر التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق السابق، وهو ما يمكن تلخيصه في لملمة فوضى العقد الماضي وما يتعلق بها من انهاء مظاهر التدخل الخارجي وتفكيك المجتمعات، بالإضافة لتقويض نمط تصدير الأزمات من دول مثل تركيا وإيران وأثيوبيا وإسرائيل لمحيطها العربي.
أما الدلالة الأبرز المتعلقة باستئناف المشاورات والتحضيرات الخاصة بتفعيل مجريات الشراكة السابق ذكرها بين الدول الثلاث، هو اعتمادها كنواة لشراكة عربية أوسع على مستويات اقتصادية وأمنية مستدامة بمعزل عن متغيرات سياسية إقليمية على مختلف الأصعدة، لاسيما المرتبطة بما يُسمى إعلامياً بصراع المحاور، وتداعياته على أمن واستقرار دول المنطقة.