شهدت الساحة الليبية تصاعد ملحوظ للتدخل التركي في الشأن الداخلي على كل المستويات، سواء سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً. ما ساهم في تأزيم الأوضاع بالميدان الليبي من حيث تسليح السياسة وتخصيب بيئة جديدة حاضنة للإرهاب، وهي كلها أمور تُلقى بظلالها على الأمن القومي المصري.
وفي هذا الشأن عقد مركز الإنذار المبكر ندوة لمناقشة مخاطر التدخل التركي في ليبيا على الأمن القومي المصري، حيث شارك في الندوة عدة خبراء في الشؤون الأمنية والدولية والإعلامية.
ضمت قائمة المتحدثين كل من، بكر الشرقاوي، الباحث المتخصص في الشأن الليبي، خالد البرماوي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد العربي الباحث في العلاقات الدولية، يوسف بدر الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وأدار الندوة أحمد الباز الباحث في الدراسات الأمنية وشؤون الشرق الأوسط.
استعرض بكر الشرقاوي الباحث المتخصص في الشأن الليبي موقف الشعب الليبي من التدخل التركي، حيث أكد أن هناك حالة رفض شعبية للعدوان التركي، في ظل تنامي حركة التظاهر في عدة مدن ليبية مؤخراً لرفض التدخل التركي بكل أشكاله. لافتاً إلى أن الخوف هو المسيطر على موقف الشارع في الغرب الليبي بسبب سيطرة ونفوذ الميليشيات الإرهابية التابعة للوفاق واحتمالات ردعها لأي تظاهرات شعبية مُحتملة.
وعن النفوذ التركي مالياً، قال الشرقاوي أن تركيا هي المستفيد الأكبر في ليبيا، حيث تذهب عوائد النفط إلى خزائن أنقرة من أجل تعويض خسائر الشركات التركية في ليبيا عن عقود أبرمتها الحكومة التركية في عهد القذافي، بقدر 16 مليار دولار عن مشروعات لم تتم في عهد القذافي .
وفيما يخص التناول الإعلامي التركي والتابع للإخوان المسلمين للأزمة الليبية، قال خالد البرماوي المتحصص في الإعلام الرقمي في معرض إجابته عن سؤال “لماذا يوجد تعمد لدى الإعلام التركي والتابع للإخوان المسلمين في دفع الناس نحو التركيز على أزمة سد النهضة مقابل التغاضي عن الأزمة الليبية” أن القنوات الموجودة في تركيا والممولة قطرياً لا يوجد لديها شاغل سوى التركيز على الشأن المصري ومحاولة هز ثقة الجمهور في الدولة، ويتم استغلال الأزمة الإثيوبية لهذا الغرض، وبالتالي لا يمكن وصف هذه المحطات بأنها تمتهن الإعلام بقدر ما أن شغلها الشاغل هو إصدار بيانات حرب من تركيا باللغة العربية.
وعند الإجابة عن سؤال ( لماذا يوجد تعمد لدى الإعلام التركي والتابع للإخوان المسلمين في الزج بعبارة “المعترف بها دوليا” عند كل حديث عن الوفاق؟)، فإن البرماوي قد فسر هذا الأمر من زاوية إعلامية بقوله أن الطرف الذي يعاني من عجز ما أو يشعر بوجود خلل لديه فإنما يحاول دائماً تعويض هذا العجز ببديل لفظي وتكراره دائماً بما يساهم في تثبيت فكرة غير صحيحة في أذهان الجمهور. مشيراً إلى أن هذا الزج بعبارة “المعترف بها دولياً” في كل المؤسسات الإعلامية التركية أو الإخوانية أمر لا يتناسب والمعايير الصحفية المتعارف عليها، باعتبار أنه وأثناء صياغة العناوين الصحفية فإنه يُفضل أن تكون عدد كلمات العناوين قليلة كلما كان ذلك ممكناً. ولكن باعتبار أن هذه المؤسسات الإعلامية لا تتبع معايير مهنية من الأساس فإنه ليس أمراً مستغرباً القيام بهذا السلوك. مُشيراً إلى الغرض السياسي من هذا السلوك وهو توفير مبرر للتدخل التركي بأنه يأتي بناء على طلب حكومة مُعترف بها دولياً، رغم أن حكومة الوفاق فاقدة شرعيتها بموجب المخرجات الزمنية لاتفاق الصخيرات عام 2015 .
وفيما يخص تداعيات التدخل التركي في ليبيا على الأمن القومي المصري، قال محمد العربي الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية أن وجود تركيا على مقربة من الحدود التركية يندرج تحت أبجديات تعريف تهديد الأمن القومي بشكل عام. لافتاً أن الوجود التركي في ليبيا إنما يستكمل المساعي التركية في تشكيل حزام تهديد أمني حول مصر، من البحر الأحمر ومنطقة المحيط الهندي من خلال القاعدة التركية في الصومال، وشمالاً عبر التلويح باستخدام القوة ضد دول منتدى غاز شرق المتوسط، وشرقاً في شمال سوريا والعراق، وغرباً عبر الانتشار والتوغل العسكري في ليبيا، حيث لا تخفي أنقرة نيتها عن إنشاء قاعدة عسكرية في مصراته، عوضاَ عن أنها تفتح مسار جديد لتجنيد المتطرفين في ليبيا. كما عمل العربي أثناء حديثه على استعراض مظاهر الاختلاف بين القوى الأوروبية وخصوصاً إيطاليا وفرنسا بشأن التعاطي مع الأزمة اللليبية.
وعند طرح سؤال بشأن هل تستهدف تركيا ليبيا فقط أم أنها مجرد محطة في إطار إقليمي أوسع، فإن يوسف بدر الباحث في شؤون الشرق الأوسط قد لفت إلى أن الوجود التركي في ليبيا متعلق بمشروع أوسع، حيث بالنظر إلى الوراء نجد أن الولايات المتحدة عندما طرحت مشروع الحزام الأخضر لتحييد الحكومات الاشتراكية في المنطقة فإن نموذج الإسلام التركي كان هو المطروح لتطبيقه في المنطقة برعاية أمريكية، وإذا نظرنا إلى استراتيجية الوطن الأزرق التي تستهدف من خلالها تركيا التوسع بشكل أفقي في كامل المنطقة، فإنه يمكن القول أن التدخل التركي في ليبيا مجرد محطة لمشروع توسعى أكبر ، وهو الأمر الذي تحاول تركيا تحقيقه في ليبيا حالياً. وقد لفت بدر إلى نقطة أخرى وهي أن سقوط الإخوان المسلمين في مصر قد اثر سلباً على المصالح الاقتصادية لتركيا في المنطقة، حيث خسرت تركيا مصر كمرفأ هام لنقل بضائعها إلى الداخل الأفريقي، وبالتالي فإن تركيا تعمل على تعويض خسارة المرفأ المصري بمد النفوذ في ليبيا لتصبح المرفأ البديل، خصوصاً وأن كلا البلدين –مصر وليبيا- لهاما نفس المميزات الجغرافية من حيث كونهما بلدين ساحليين ولهما امتداد جنوبي نحو العمق الأفريقي.
كما فكك بدر النقطة الخاصة بقبول قطاعات الاسلاميين بل وقطاعات عربية غير مؤدلجة للتدخل التركي في بلادهم، لافتاً إلى أن تركيا تُجيد استغلال الطموحات التاريخية لدى المسلمين من حيث رغبتهم في استرجاع الخلافة الإسلامية، وهو ما أجاد الرئيس التركي استغلاله، حيث تعمل تركيا في ظل حكم إردوغان على تخصيص خطاب سياسي وثقافي للمنطقة العربية والإسلامية بما يساهم في إسناد الطموحات التوسعية التركية.