على الرغم من تصاعد وتيرة المواجهات بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، على خلفية عملية “طوفان الأقصى، التي أطلقتها حركة حماس، غير أن الجانبين يحرصان تماما على قواعد الاشتباك وتجنب توسيع رقعة الاشتباكات.
فمنذ اندلاع الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، هددت إسرائيل حزب الله، بأنه سيرتكب “أكبر خطأ في حياته” إذا قرّر مواجهتها عسكريا.
وبدأ حزب الله قصف مواقع إسرائيلية من جنوب لبنان، وردت إسرائيل بقصف مماثل، من دون أن يخرج الطرفان عن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ نحو 16 عاما.
واستهدف حزب الله يومها موقعا إسرائيليا في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، وردّت إسرائيل بقصف مصادر النيران.
ويتحدث الإعلام باستمرار عن هذه “القواعد” غير المعلنة التي تنص عمليا على تجنب توسع رقعة التصعيد، في حال حدوث مواجهة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وذلك منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي أنهى حرب 2006، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
وينضوي حزب الله مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفيلق القدس، الموكل العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، في غرفة عمليات مشتركة، وفق ما أفادت مصادر عدة لوكالة فرانس برس، تنسّق من خلالها تحركاتها، وبينها الهجوم الأخير ضد إسرائيل.
وتنسّق هذه الأطراف مع مجموعات أخرى مناوئة لإسرائيل منذ سنوات تحركاتها، بقيادة إيران، التي حذّرت من اتساع نطاق النزاع في المنطقة على وقع القصف الإسرائيلي الكثيف على قطاع غزة.
ما هي قدرات حزب الله العسكرية؟
ويشكلّ حزب الله القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، وهي المجموعة الوحيدة التي احتفظت بسلاحها بعد انتهاء حرب لبنان وتخلص كل الأحزاب والميليشيات من أسلحتهم (1975-1990).
ويمتلك ترسانة ضخمة من السلاح، لا يُعرَف، حجمها بالتحديد وتتضمّن صواريخ دقيقة. ويقول خبراء إن قوتها تفوق قدرات الجيش اللبناني. وتمدّ طهران الحزب بالمال والسلاح والعتاد، فيما تسهّل سوريا نقل الأسلحة إليه.
عام 2021، أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أنّ لدى حزبه مئة ألف مقاتل مدربين ومسلحين. لكن معهد الدراسات للأمن الوطني آي أن أس أس (INSS) الإسرائيلي يرجّح أن عدد المقاتلين هو نصف ذلك.
ويمتلك الحزب في الوقت ذاته قدرة على تجنيد مناصرين له إذا دعت الحاجة.
ومنذ العام 2006، ليس لحزب الله أي وجود عسكري مرئي في المنطقة الحدودية اللبنانية، بموجب القرار 1701 الذي منع أي تواجد مسلح في المنطقة، باستثناء الجيش اللبناني وعناصر قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل).
لكن خبراء وتقارير تفيد عن نقاط ومخابىء وأنفاق للحزب يتحرك عناصره فيها. كما يحظى الحزب بحاضنة شعبية وتأييد في الجنوب.
وأكد نصرالله مراراً خلال السنوات الماضية أن الأسلحة التي يمتلكها حزبه قادرة على أن تصل حتى أسدود في جنوب إسرائيل.
وقال في منتصف أغسطس الماضي إنّ في إمكانه “ببضعة صواريخ دقيقة” تدمير لائحة أهداف بينها مطارات مدنية وعسكرية ومحطات توليد كهرباء ومياه، إضافة الى “مفاعل ديمونا” النووي في إسرائيل.
ويقدّر مركز الأبحاث الإسرائيلي عدد الصواريخ التي يمتلكها الحزب بين 150 ألفا ومئتي ألف.
هل يشارك الحزب في حرب ضد إسرائيل؟
خلال تفقده قواته على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع لبنان، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من أن حزب الله “سيرتكب أكبر خطأ في حياته”، إذا قرر الدخول في حرب ضد بلاده.
وقال “سيترحمون على حرب لبنان الثانية”، في إشارة إلى حرب يوليو/تموز 2006 المدمرة التي استمرت 33 يوما وأوقعت 1200 قتيل في الجانب اللبناني و160 قتيلاً في الجانب الإسرائيلي.
وصعّد الحزب في الأيام الأخيرة وتيرة استهدافه لمواقع عسكرية إسرائيلية في المنطقة الحدودية، وللمرة الأولى منذ العام 2006 على الأقل، وربما قبل ذلك، تبنت مجموعات أخرى فلسطينية ولبنانية عمليات ضد إسرائيل عبر الحدود، وهناك إجماع على أن أي تحرك مسلح في الجنوب لا يمكن أن يحصل من دون ضوء أخضر من حزب الله.
وترد إسرائيل على العمليات بقصف مناطق حدودية تمتد من جنوب غرب البلاد إلى جنوب شرقها، وتقول إنها تستهدف مواقع ومجموعات لحزب الله.
وقتل 40 شخصاً في لبنان منذ بدء التصعيد، غالبيتهم الساحقة من مقاتلي حزب الله، وبينهم أربعة مدنيين، أحدهم مصور وكالة أنباء “رويترز”، وقُتل أربعة أشخاص على الأقل في الجانب الإسرائيلي.
وتزداد المخاوف من تدخّل أكبر لحزب الله في حال شنّت إسرائيل هجوماً برياً تستعد له منذ أسبوعين على قطاع غزة.
وبحسب مراقبين فإن حزب الله يهدف من خلال تصعيده بشكل أساسي إلى “إبعاد قوات إسرائيلية” عن غزة، وإذا تم ذلك بطريقة ما، فإن أهدافه ستتحقق، لأنهم يريدون جذب ما يكفي من القوات بعيداً عن غزة، بحيث تتم فرملة التقدم في غزة أو إحباطه.
وكذلك الهدف الثاني خلق خوف من حريق إقليمي يدفع الى ضغوط داخل الأمم المتحدة، وربما بدعم من الولايات المتحدة، للدعوة إلى وقف إطلاق نار.
ويأتي التصعيد جنوباً فيما يغرق لبنان في انهيار اقتصادي غير مسبوق منذ أربع سنوات شل قدرة المؤسسات العامة والمرافق على تقديم الخدمات الأساسية، وفي أزمة سياسية متجسدة خصوصا في شغور في الرئاسة وحكومة تصرّف أعمالاً وضعيفة غير قادرة على اتخاذ القرارات، ولن يكون لها كلمة بالتأكيد في قرار “السلم والحرب”، كما يقول منتقدوها.