أتت تصريحات إبراهيم منير([1]) القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حول عدم خوض الجماعة صراعا جديدا على السلطة بعد الإطاحة بها من الحكم، وتأكيده موقف الجماعة الرافض للعنف لتثير تساؤلا حول أسباب تلك التصريحات ومدى قدرتها على إحداث تطور في مسار الصراع السياسي القائم منذ عقد.
-
سياقات التصريحات
لفهم تلك التصريحات من المهم الإِشارة إلى سياقاتها والتي تأتي في إطار بيئة سياسية و إدارية تتباين رؤيتها تجاه موقع الجماعة في المشهد السياسي.
أ. فيما يتعلق بالبيئة الإدارية؛ يبرز منها قطاعين رئيسيين يتنازعان قيادة الجماعة وهما جبهة إبراهيم منير، وجبهة محمد حسين ، إَضافة إلى قطاع ثالث يرفض مسارات كلا الجبهتين ويرى أنهما لا يعبران عن أزماته الحقيقية. فمنذ أكتوبر 2021 والجماعة تعيش “حرب بيانات” مُتعارضة دون حسم، حيث أصدر مُنير قرارًا بإيقاف 6 من قيادات الجماعة منهم “حسين” وإحالتهم للتحقيق بدعوى مُخالفته اللائحة الداخلية([2]) لترد القيادات الموقوفة بإعفاء منير ([3]) ولتسمر تلك المُمارسات بين الطّرفين حيث يستهدف كلاهما؛ التأكيد على استمرار سيطرته التنظيمية وهيكلة جناحه بتعيين نواب ومتحدثين اعلاميين وقرارات بفصل وبيانات، واتهام الآخر بإضعاف التنظيم وبث الفرقة به. وكل جبهة تحاول القول إن الشرعية معها. في مقابل تلك التباينات لا يزال أطراف الصراع التنظيمي عاجزين عن طرح مشروع سياسي، فضلاً عن فقدانه أي أدوات ضغط له في ظل مجمل أدائه السياسي والانقسام التنظيمي الذي يشهده، وكذا عدم وجود أي تواصل للتنظيم في الخارج مع قياداته في السجون المصرية مع انعدام رغبة النظام الحاكم في تحريك الصراع الصفري القائم، فمجمل التحديات وموازين القوى السياسية تغيرت، دون أن يتفاعل التنظيم جديا أمام أيّ من تلك المتغيرات.
ب. فيما يتعلق بالبيئة السياسية نجد السياق الرئيسي فيها هو دعوة الرئيس السيسي لإجراء “الحوار الوطني” حيث رحبت جبهتا الصراع التنظيمي بالفكرة إجمالا مع اختلاف في التفاصيل والأهداف. ففي حين يرى “منير” أن مثل تلك الدعوة متوافقه مع مُطالباته القديمة بالحوار والمصالحة، دون استجابة فعلية من النظام، حيث أصدر القيادي البارز “يوسف ندا” رسالة مفتوحة إلى النظام المصري”([4]) أشار فيها إلى أن “باب الجماعة مفتوح للحوار والصفح بعد رد المظالم”. لتُصدر جبهة محمود حسين بيانًا([5]) أكدوا فيه الموافقة على حلحلة الوضع القائم على أن تتم تنفيذ الدعوة عبرهم كقيادة شرعية بعدة شروط أبرزها إلغاء الأحكام القضائية ضد المُعتقلين منذ 2011 ، وهي تستهدف بموقفها ذلك سحب تفرد منير بالحوار مؤكده ضمنيا بذلك رفضها لاتهامها بدعم العنف ضد النظام.
إلاّ أنّ الموقف الرّسمي كان واضحًا حيث أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي “أنّ الحوار الوطني الأول في عهده هو لــ”للجميع” باستثناء “فصيل واحد -جماعة الإخوان المسلمين- حيث سبق ودعاه في 3 يوليو 2013 لإجراء انتخابات رئاسية ولم يستجيب له، كما أن الأرضية المشتركة التي تجمعنا في الحوار والنقاش ليست موجودة”([6]) ليُعلن المُنسق العام للحوار الوطني أن “اللجنة استبعدت كل من لم يقبل الدستور، فهو أساس الشرعية.. من يقاتل ليس له مكان في الحوار”([7]).
-
ردود الأفعال
التبريرات المقدمة لدعوة “إبراهيم منير” باعتزال العمل الساسي عبر عنها بيان مُتحدثه الإعلامي “صهيب عبد المقصود” في سياق تمرير القرار بين القواعد والذي أشار إلى أن تلك الدعوة ([8]) أتت: لشعور الجماعة بالمسؤولية تجاه مصر ومصلحتها، وأن العمل السياسي سيستمر كجزء من عمل الجماعة.. والسياسة أوسع بكثير من العمل التنافسي. كما أن ملف المعتقلين أولوية قصوى لذا الجماعة مستعدة لتقديم خطوات جادة تجاه أي فرصة لتحسين الأوضاع. كما أن أولويات الجماعة إصلاح الأحوال الاجتماعية للشعب وليس الصراع على السلطة، إضافة إلى أن الجماعة اتخذت قرارا بتقييم أدائها منذ 25 يناير 2011 حتى الآن”.
أما جبهة “محمود حسين” فرفضت تلك الدعوة حيث([9]) أتت بتوصيف للمتحدث غير دقيق لأن منير تم إعفاءه من مهمته، كما أن تلك القرارات هي حصرية لمُؤسسات الجماعة وعلى رأسها مجلس الشورى العام، وأنّ تلك الدّعوة غير مَطروحة على جدول أعماله في ظل الظّروف التي تَعيشها الجماعة ومصر الآن، كما أن قضية المعتقلين على رأس أولويات الجماعة”.
في حين عكس القيادي أشرف عبد الغفار مواقف الأصوات المخالفة لكلا الجبهتين حيث يرى أن الطرفين فاسدين مستبدين ولا وجود للمؤسسية في قراراتهما، ولا وجود حقيقي لمصالح القواعد، وكلاهما غير مؤهل للقيادة.. ومعركة السيطرة بينهما ليبقي كل منهم في موقعه بعدما ذاع طعم القيادة فموقف منير ([10]) اعلان استسلام كامل للنظام في وقت يعلم أي عاقل أن السيسي لن يأبه بهذا القرار”، أما محمود حسين و جماعته فلا أحد فيهم متمسك لا بقيم و لا ثوابت بل بكراسي و مناصب. نحن نحصد ما سكت جل الاخوان عليه من فساد و صمت… و ضياع و فقدان بوصله و عدم تقدير موقف وًعمي بصر و بصيره سويا لمده 7سنوات و بعدها فراق”.
-
سيناريوهات المستقبل
يرتبط مستقبل الجماعة في ظل الجدل الحالي بعدة محددات أبرزها؛
- موقف القواعد من الجدل المتعلق بحدود دور الجماعة
- موقف قيادات السجون من تلك الدعوات
- مواقف النظم المحلية والاقليمية من تلك الدعوات
وعليه فإن أبرز السيناريوهات المطروحة على النحو التالي؛
السيناريو الأول: الاشتباك الايجابي مع دعوة “منير” بدعم قرار اعتزال العمل السياسي: ويشترط لتحقيق ذلك؛ توافر دعم من كلاً من قيادات السجون والقواعد في الداخل والخارج، مع دعم اقليمي ودولي لذلك التوجه. إضافة إلى قيام النظام المصري بخطوات استباقية في ملف مُعتقلي الجماعة. وتتمثل أبرز الفرص المُتحققة جراء ذلك في تجاوز حالة الصراع الصفري القائمة ومدخل لإدماج الاخوان المسلمين وعموم الحالة الاسلامية وفق قواعد مختلفة، وضوابط حاكمة لحدود ذلك الحضور وفق تصورات النظام الحاكم، ومدخل لتفكيك الاحتقان السياسي القائم.
إلا أن أبرز القيود على ذلك السيناريو يتمثل في تعمّق الصراع السياسي وغياب أدوات ضغط من قبل الجماعة وحلفائها وهو يعيق الاندماج الفعلي في ذلك المسار. كما تتمثل المخاطر المحتملة في عدم ضمان تحقق الاجماع للمسار الجديد في ظل المتغيرات الفكرية التي لحقت بالجماعة، الأمر الذي لا يحول دون تنفيذ موجات عنف جديدة لاحراج قيادات الجماعة. أضافة إلى أن تلك الدعوة مدخل لتجديد صفوف الجماعة بتجنيد أعضاء جدد، وإعادة بناء قواعد اجتماعية لها.
ونرى أن هذا السيناريو صعب التّحقق على المدى المنظور في ظل غياب أدوات ضغط ومزايا مركزية حقيقيّة تدفع تجاه تغيير قواعد اللعبة السياسية خاصة في رؤية الدولة المصرية. كما أن تجاوز الأحكام القضائية الصادرة ضد الجماعة يُضعف من سردية الدولة بتورطهم في عمليات العنف. إضافة إلى تراجع الوزن السياسي للجماعة في تصورات حلفائها.
السيناريو الثاني: الاشتباك السلبي مع دعوة “منير”؛ ويُشترط لتحقيق ذلك قُدرة جبهة “محمود حسين” على حشد التّنظيم حوله، بطرحها تصورًا جامعًا للمسار السياسي المُستهدف تحقيقه كبديل لطرح “منير” مع توافر داعم دولي وإقليمي لذلك التصور. ومع غياب الفرص السياسية للدولة المصرية تجاه هذا السيناريو نجد أن أبرز القيود المتوقعة تجاه تفعيل هذا الطرح تتمثل في تعمق المَوقف السّلبي من جبهة “حسين” والتي تفتقد التأثير الحقيقي لها على أرض الواقع اليومي لسابق صداماته مع قطاعات مُختلفة من الجماعة بسبب مواقفه السّياسية والإدارية والشخصية وتضرر قطاعات مختلفة من تلك الممارسات، وبالتالي لا يملك مصداقية حقيقية سواء من قبل القيادات المعتقلة لسابق تجاهل تنفيذ قراراتها -في الصراع الاداري عام 2015 وما بعدها-كذلك القواعد لسابق مواقفه. ولذلك فإن هذا السيناريو لا يملك فرص للتحقق.
السيناريو الثالث: تجاهل الدعوة واستمرار الصراع: ويشترط لتحقق ذلك غياب أي اشتباك جدي مع الدعوة من قِبل من طرحها بتطويرها أو من قبل منافسيه بطرح مضاد أو من قبل الدولة، وبالنظر إلى الفرص المُتحققة نرى أنها حكراً على النظام المصري حيث تُقوي من سابق طرحه عن ضعف مستوى الجماعة وهامشية وزنها السياسي، كما أن تجاهله التّفاعل يعمق من أزمات التنظيم الذاتية ويدفعه لمزيد من الضعف والتفكك الذاتي.
وعليه؛ نُرجح تَحقق هذا السيناريو خاصة مع عدم حدوث اشتباك جدّي مع قبل أي طرف مع دعوة “منير” والتي نرى أنها لا تخرج عن كونها أداة في صراعه الدّاخلي ومُوجهة للدّاخل التّنظيمي -أكثر من خارجه- بدعوى حفظ حقوق أبناء التّنظيم لسحب الثّقة من مُنافسيه، والدّفع بقدرته على تحريك مسار الجماعة الراكد للأمام بأطروحاته التي تعكس بعض من رغبته في استمرار تقديم نفسه كعراب الجماعة السياسي المنتظر، وهو ما يتفق في مضمونه مع رغبة النظام في الاستبعاد السياسي للجماعة.
وختاما؛ وفي ظل المعطيات الراهنة نرجح استمرار أوضاع التّنظيم كما هي دون حسم على المدى المنظور، لعجز أي طرف على حسم الصراع له، مع غياب موقف ترجيحي للقواعد تجاه صراع القيادة. فعلى الرغم من تغيير مجمل التحديات وموازين القوى السياسية، لم ينجح التنظيم في التغيير مقابل ذلك، وفقد كثير من أدوات ضغطه على مدار السنوات. داخليا يعاني من غياب رمز حقيقي ومشروع سياسي. يُنهي الانقسام القائم، وهو ما حال دون طرح مشروع سياسي في ظل مجمل أدائه السياسي والانقسام الاداري الذي يشهده للعام السابع. خارجيا؛ اختلفت موازين القوى الدولية والاقليمية عما كانت عليه الأوضاع قبل عقد. فلم يعد ورقة ضغط رئيسة في ظل التحولات في المنطقة، كما أن مجمل أوضاعه في الدول الداعمة متأزمة. وهو ما يُقصي بالتالي الاخوان المسلمين عمليا من المعادلة السياسية المحلية والاقليمية والدولية، ويصعب بالتالي من فرص وجود استجابة لأي طرح يخرج من التنظيم.
مصادر
[1]– القائم بأعمال مرشد الإخوان_ لن نخوض صراعًا جديدًا على السلطة في مصر، الجزيرة نت، 29يوليو2022، على الرابط التالي: https://cutt/Qe8gW
[2]– القائم بأعمال مرشد “الإخوان” يوقف 6 من قادة الجماعة، عربي21، 10 أكتوبر 2021، على الرابط التالي: https://cutt.us/Trkzk
[3]-كلمة طلعت فهمي المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمون بشأن قرارات مجلس الشورى العام، إخوان أونلاين، 13 أكتوبر 2021، على الرابط التالي: https://ikhwan.online
[4]– رسالة مفتوحة إلى النظام المصري، 30 أبريل 20122، على الرابط التالي: https://ikhwan.site/p-222470
[5]– بيان للناس”، 10 مايو 2022،على الرابط التالي: https://cut.us/GGMui
[6]– تصريحات رئيس الجمهورية، 21 مايو 2022 ، على الرابط التالي: https://youtu.be/9w_UVx1PrpI
[7]– المؤتمر الصحفي الأول للحوار الوطني، 5 يوليو2022، على الرابط التالي: https://cut.us/rb7wn
-[8]صهيب عبد المقصود: أولوياتنا هي إصلاح أحوال الشعب وإنقاذ مصر وليس الصراع على السلطة،1اغسطس2022، على الرابط التالي: https://ikhwan.site/p-222506
[9]– بيان من جماعة “الإخوان المسلمون” بشأن ما نشر على وكالة رويترز، إخوان أولاين، 31 يوليو 2022 ، على الرابط التالي:
www.ikhwanonline.com/article/255112
-[10]أشرف عبد الغفار، 29 يوليو 2022، على الرابط التالي: https://cutt.us/S5g7a