لم تكد أصوات الانفجارات تهدأ في قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع في مايو من العام الماضي، 2021، ويقبل الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني بالهدنة التي رعتها مصر، حتى أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأول مرة عن منحة تُقدر بـ 500 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة.
ولا تأتي أهمية هذه الخطوة من حجم المبلغ المرصود فقط، بل لما تحمله من رؤية مبنية على ضمان الاستقرار طويل الأمد في قطاع غزة، ضمن خطوات لبناء الثقة لحين خلق انفراجة في مسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والتي تتطلب توافقات عدّة؛ فلسطينية – فلسطينية، وإسرائيلية – فلسطينية، وإسرائيلية – إقليمية ودولية.
أرقام تمهيدية
وبحسب تقرير أولويات المشاريع التنموية لقطاع غزة الصادر عن وزارة الأشغال الفلسطينية، تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كم مربع، تمثل 1.35% من فلسطين، ويعيش 2.1 مليون نسمة في القطاع بحسب إحصاءات العام 2021، ويعتمد 80% من السكان على المساعدات الإنسانية، وتبلغ نسبة الفقر 53%، والفقر المدقع 33.8%.
وتبلغ نسبة البطالة 53.7% بشكل عام، ولدى الشباب 71.1%، ومنذ دخل القطاع في أزمة العام 2007 حتى العام 2021 تم إغلاق أو تدمير 90% من المنشآت الصناعية، وتراجعت قيمة الإنتاج الزراعي بنسبة 34.4% حتى العام 2020.
وبخصوص قطاع الإسكان، يبلغ إجمالي عدد الوحدات السكنية 334 ألف وحدة، وفي السنوات العشر المقبلة سيحتاج 62% من الأسر الفلسطينية إلى بناء وحدات إضافية، وهو ما يجعله من أهم القطاعات الحيوية لإعمار القطاع، وفي الوقت ذاته أشدها حاجةً إلى المنح؛ حيث 70% من هذه الأسر ليس لديها القدرة على إعادة البناء بمواردها دون مساعدة الغير.
وفي ملف الإسكان، منذ عدوان 2014 تضررت 175 ألف وحدة سكنية حتى عام 2020، وتحتاج 27 ألف وحدة سكنية مأهولة لإعادة بناء لتكون صالحة للسكن، وتحتاج 60 ألف وحدة لإعادة ترميم وتأهيل، ويقدر العجز في السكن بحوالي 82 ألف وحدة سكنية، ويقدر الاحتياج السنوي بحوالي 14 ألف وحدة سكنية.
وبالإضافة إلى ذلك، تضررت 60 ألف وحدة سكنية جزئياً وباتت 1700 وحدة في حاجة إلى هدم كلي وإعادة بناء، ضمن خسائر القطاع خلال حرب مايو العام 2021.
وجاء في التقرير السابق، يمثل قطاع البنية التحتية 40% من متطلبات إعادة الإعمار، وعلى رأس المشروعات، الطرق بنسبة 37% من القطاع. ويمثل قطاع التنمية الاجتماعية 35% من متطلبات إعادة الإعمار، وعلى رأس مشروعات القطاع، الإسكان بنسبة 41%. ويحتاج القطاع إلى 4 مليارات دولار لتنفيذ خطط إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، منها مليار دولار لتراكمات نتائج الحروب على القطاع دون احتساب خسائر حرب مايو 2021.
المنحة المصرية لإعمار غزة
اندلعت الحرب الأخيرة على قطاع غزة في 11 مايو 2021، حين دخلت حركات المقاومة في القطاع؛ حماس والجهاد وغيرهما، على خط المواجهات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في القدس فيما عُرف بأزمة حي الشيخ جراح، بإطلاق عملية “سيف القدس”. ورداً على القصف الصاروخي من قطاع غزة، أعلنت إسرائيل في اليوم نفسه عن العملية العسكرية “حارس الأسوار” على قطاع غزة، واستمرت حتى إعلان الطرفان الالتزام بالهدنة التي رعتها مصر ودول أخرى في 21 مايو 2021.
وخلال زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا عُقد لقاء ثلاثي بين الرئيس المصري، ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وعبر تقنية الفيديو كونفرانس انضم إليهما العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، لبحث الحرب على قطاع غزة، وفي يوم 18 مايو 2021 أعلن الرئيس السيسي عقب اللقاء الثلاثي عن تخصيص مصر منحة قدرها 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، ودعت القاهرة المانحين الدوليين إلى المساهمة في جهود إعمار غزة عقب دخول الهدنة حيز التنفيذ.
وعلى المستوى الإنساني أعلنت الحكومة المصرية حالة الطوارئ الصحية في سيناء ومحافظات القناة لاستقبال الجرحى من قطاع غزة، ومع دخول وقف إطلاق النار حيز النفاذ بدأت طواقم طبية مصرية في نقل الجرحى من داخل قطاع غزة لتلقي العلاج في مصر. وموازاةً بذلك سيرت الرئاسة عبر صندوق تحيا مصر وبالاشتراك مع مؤسسات مصرية قوافل إغاثة من مئات الشاحنات تنقل آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية والوقود. وتبع ذلك قوافل إغاثة تحمل مواد إنشائية قدمتها الشركات الصناعية المصرية.
مراحل إعادة الإعمار وفق المنحة المصرية
قبيل وضع مخطط إعادة الإعمار، أرسلت مصر عقب انتهاء الحرب في غزة بعدة أيام، وتحديداً في الثاني من يونيو 2021 وفد هندسي إلى قطاع غزة لبحث عملية إزالة المخلفات والركام التي نتجت عن القصف الإسرائيلي على الأبراج والوحدات السكنية والمنشآت في قطاع غزة، كخطوة أولى تسبق عمليات الإعمار. وعقب وصول الوفد الهندسي المصري بيومين دخلت نحو 35 آلية تضم؛ شاحنات، كاسحات، ناقلات، وحفارات من مصر عبر معبر رفح البري للمشاركة في إزالة الركام الذي قدرته، وزادت الآليات إلى عدد 51 آلية إنشاءات متنوعة المهام.
المرحلة الأولى
بدأت المرحلة الأولى من إعادة الإعمار بوصول الوفد الهندسي المصري، ودخول آليات هندسية شرعت في العمل في إزالة الركام، بالتنسيق مع وزارة الأشغال الفلسطينية التي تملك عدد محدود من الآليات من طرازات قديمة.
تعتبر عملية إزالة الركام ضمن “المرحلة الأولى لإعادة الإعمار” وانتهت في بشكل كامل في شهر سبتمبر 2021.
وبحسب مصدر في اللجنة المصرية لإعمار غزة، تم رفع 85 ألف متر مكعب من الركام. وتبع ذلك دخول شركات استشارية مصرية لمعاونة وزارة الأشغال الفلسطينية في إجراء الدراسات الميدانية لتحديد مشاريع الإعمار، وكانت الأولوية لدى وزارة الأشغال الفلسطينية إعادة بناء الأبراج التي دُمرت أثناء الحرب، وفضلت القاهرة بناء مدن سكنية بكامل خدماتها بدلاً من إعادة بناء الأبراج، كوّن المدن السكنية تساهم في التنمية بما تتضمنه من خدمات تغطي أماكن خارج مدينة غزة، بحسب تصريحات وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية – قطاع غزة، ناجي سرحان.
وضمن المرحلة الأولى قرر فريق إعادة الأعمار المصري – لم يكن مقر لجنة إعادة الإعمار اُفتتح بعد – توجيه الطواقم الفنية المصرية إلى عدة مواقع فلسطينية؛ شارع الرشيد (كورنيش غزة)، والأرض المخصصة لبناء التجمعات السكنية (دار مصر 1، 2، 3)، للقيام بأعمال المساحة والتجهيزات للتربة، وأعمال الحفر والردم في منطقة الكورنيش، تمهيداً لتسليم الأرض جاهزةً للمقاولين الفلسطيين لتنفيذ المشاريع عليها، كما أعلنت اللجنة في مؤتمر تدشين أعمالها في شهر ديسمبر 2021 من قطاع غزة.
المرحلة الثانية
أُعلن عنها مع افتتاح مكتب مصري في غزة لمتابعة شؤون إعادة الإعمار باسم مكتب “اللجنة المصرية لإعمار غزة”، وذلك في 20 أكتوبر 2021، وتم تدشين العمل رسمياً في المرحلة الثانية في ديسمبر 2021، وتتضمن 6 مشاريع:
1- تطوير الواجهة البحرية للكورنيش (محافظة شمال غزة)، شارع الرشيد الساحلي الذي يمتد من مفترق السودانية حتى منطقة الواحة غرب بلدة بيت لاهيا شمال القطاع، وبدأت الآليات المصرية العمل به في 22 من سبتمبر 2021، ويبلغ طوله 4.5 كم، وعرضه 40 م، ويشمل التطوير عمليات الإنارة والتمديدات الكهربائية والصرف الصحي والاتصالات. وتمت ترسية أعمال المقاولات في شهر ديسمبر 2021 على شركة سكلز آند كوالتي للإنشاءات الفلسطينية. ويتضمن المشروع إنشاء شارع بيت لاهيا العام، بدءاً من لواحة وحتى منطقة المدرسة الأمريكية.
2- إنشاء مدينة سكنية باسم (دار مصر 3) في مدينة بيت لاهيا بمحافظة شمال غزة، وهي المنطقة الأشد كثافةً سكانياً في المحافظة.
3- إنشاء مدينة سكنية باسم (دار مصر 2) في منطقة جباليا بمحافظة شمال غزة.
4- إنشاء مدينة سكنية باسم (دار مصر 1) في منطقة الزهراء، في محافظة غزة، وتمت ترسية أعمال الإنشاءات في المدن الثلاث على عدد 9 شركات مقاولات فلسطينية، وتقسيم العمل عليهم عن طريق تخصيص عدد من العمارات لكل شركة. وتبلغ عدد العمارات السكنية في المدن الثلاث 117 عمارة سكنية، وبعدد 2200 وحدة سكنية، وستضم التجمعات السكنية الثلاثة مشافي ومساجد ونوادي ومدارس وخدمات تجارية.
5- مشروع إنشاء جسر الشجاعية في مدينة غزة، بهدف تطوير التقاطعات الحيوية وفك الاختناق المروري داخل المدينة، ويبلغ طوله 500 م، ويشمل أعمال تطوير الطرق التي سيتم ربطها بالكوبري.
6- مشروع حل أزمة منطقة السرايا المروية في مدينة غزة، عبر إنشاء كوبري على غرار كوبري الشجاعية أو إنشاء نفق مفتوح، وهو أمر مازال تحت الدراسة من الجانبين الفلسطيني والمصري، بحسب تصريحات وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية.
التفاصيل العملياتية للخطة المصرية لإعمار غزة
تعتبر اللجنة المصرية لإعمار غزة هي الجهة المصرية المسؤولة عن كل ما يتعلق بمشاريع إعادة الإعمار المصرية، ومن الجانب الفلسطيني تتولى وزارة الأشغال العامة والإسكان المسؤولية، وتشترك الجهتان في أعمال التخطيط والإشراف والمتابعة.
ويتم تنفيذ مشاريع المنحة المصرية المُعلن عنها، والمشاريع اللاحقة التي سيُعلن عنها، لصالح وزارة الأشغال الفلسطينية، والتي قامت عبر الهيئة الحكومية “سلطة الأراضي الفلسطينية” بتخصيص الأراضي لبناء المدن السكنية، ولدى الوزارة هيئات مهمتها الإشراف على عمليات إعادة الإعمار، ومتابعة التنفيذ مع الجهات المانحة، وصولاً إلى تسليم الوحدات السكنية على مستحقيها، والذين أعلنت الوزارة أنّهم سيكونون من المتضررين من الحرب الأخيرة في مايو 2021.
وتتولى ثلاث شركات مصرية المهام الاستشارية للمشاريع الستة بالتعاون مع وزارة الأشغال الفلسطينية، التي تضع كافة الخطط لإعمار القطاع، وهي شركات؛ مينتور جروب للاستشارات وتشرف على (دار مصر 3، تطوير كورنيش البحر)، والمكتب الهندسي للعمارة والتخطيط ويشرف على (دار مصر 1)، ومكتب كوزموس للاستشارات ويشرف على (دار مصر 2).
وبحسب لافتات المشاريع وما أعلنته اللجنة المصرية لإعمار غزة، فالجهة المالكة هي وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية – قطاع غزة، والجهة المنفذة: شركة مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستشارات، والشركة المنفذة: شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء، على أنّ يتم إسناد أعمال المقاولات على الشركات الفلسطينية المعتمدة لدى وزارة الأشغال العامة الفلسطينية.
وبالنسبة للمواد الخام والإنشائية اللازمة للمشاريع، تقوم اللجنة المصرية لإعمار غزة بالتنسيق لتوريد المواد الإنشائية اللازمة بطريقتين؛ الأولى التوريد المباشر لمواد إنشائية لا يملك قطاع غزة القدرة على تصنيعها مثل تجهيزات إنشاء كوبري الشجاعية، والثانية توريد المواد الخام للمصانع الفلسطينية عبر معبر رفح لتصنيعها إلى منتجات ومواد بناء تعيد شرائها لصالح المشاريع الجاري العمل فيها، بحسب تصريحات مدير شركة سكلز آند كوالتي للإنشاءات، سهيل السقا.
ومن المتوقع أنّ تكتمل المشاريع المصرية الجاري العمل فيها في العام المقبل 2023، بحسب تصريحات وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية، وجاري العمل بين وزارة الأشغال الفلسطينية واللجنة المصرية لإعمار غزة لإكمال الدراسات اللازمة تمهيداً لطرح مشروعي حل الاختناقات المروية في ميداني الشجاعية والسرايا، واللافت هو الحوار المجتمعي الذي ترعاه الوزارة واللجنة مع أهالي المنطقتين بشأن هذه المشاريع، خاصةً وأنّها تتطلب عمليات إزالة لبعض المباني، والتي يتم تعويض السكان عنها.
ومن المتوقع أنّ يكون هناك مشاريع لاحقة ستعلن عنها اللجنة المصرية لإعمار غزة، ضمن مراحل جديدة، ومن المرجح أنّ يكون للمحافظات الجنوبية القريبة من الحدود مع مصر نصيبٌ كبير منها.
تأثير عمليات إعادة الإعمار المصرية على قطاع غزة
تختلف جهود الإعمار المصرية في قطاع غزة عن نظيرتها من التجارب العربية والدولية الأخرى؛ وحتى مقارنةً بالمنحة القطرية التي تبعت المصرية بنفس المبلغ المرصود وهو نصف مليار دولار؛ فبينما تذهب المنح الأخرى لتلبية احتياجات تطرحها وزارة الأشغال الفلسطينية، وتركز بشكل أساسي على إعادة إعمار الوحدات السكنية المتضررة، وتقديم مساعدات نقدية، اتخذت اللجنة المصرية لإعمار غزة مساراً آخر، فبدلاً من إعادة بناء الأبراج السكنية التي دمرها القصف الإسرائيلي، اختارت اللجنة إنشاء تجمعات سكنية مستقلة، وحل أزمة الاختناقات المرورية في القطاع، كتوجه “تنموي” بحسب ما قاله وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية، ناجي سرحان، وفضلاً عن ذلك لجهود الإعمار المصرية أهداف وتأثيرات إيجابية على العديد من الجوانب في غزة، ومنها:
1- الجانب الاقتصادي
استفاد القطاع الاقتصادي في غزة من خطط الإعمار المصرية سواء بطريق مباشر عبر تولي شركات الإنشاء الفلسطينية مهام المقاولات للمشاريع التي تمولها اللجنة المصرية، واعتماد الشركات الفلسطينية العاملة في مجال تصنيع المواد الإنشائية لتوريد جزء كبير من متطلبات عمليات الإنشاءات.
وساهمت المشاريع الممولة مصرياً في زيادة الحركة التجارية بين غزة ومصر، عبر قيام اللجنة بتوريد مواد البناء الخام إلى المصانع الفلسطينية لتجرى عليها عمليات صناعية تحويلية وتعيد توريدها إلى المشاريع الممولة مصرياً.
وتساهم جهود الإعمار المصرية في التخفيف من البطالة المرتفعة في قطاع غزة عبر التوظيف المباشر وغير المباشر من خلال تولي الشركات والمصانع الفلسطينية أعمال التوريد والمقاولات لمعظم المشاريع الممولة مصرياً. ويستفيد قطاع المقاولات الفلسطينية من المشاركة في المشاريع المصرية عبر اكتساب خبرات جديدة وزيادة حجم الأعمال بما ينعكس إيجاباً على فرصه في نيل حصص أوسع من مخططات الإعمار الأخرى التي تمولها جهات مانحة ودول عربية وعلى رأسها قطر.
2- الجانب الأمني والسياسي
بخلاف جهود الإعمار الأخرى، تتبنى مصر رؤية شاملةً لإعمار غزة، تبدأ من إقرار هدنة طويلة الأمد بين الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي تدير القطاع ودولة إسرائيل، ولهذا تتزامن جهود الإعمار مع حراك أمني واسع لإنجاح صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل كخطوة هامة نحو التهدئة طويلة الأمد. وتتخذ القاهرة خطاً سياسياً واقعياً في معالجة أزمة قطاع غزة، يقوم على تعزيز حضور السلطة الفلسطينية عبر إيجاد توافقات بينها مع حركة حماس والفصائل، ولهذا رعت قبل وعقب انتهاء حرب أيار الماضية اجتماعات الفصائل في القاهرة.
ويُسهم الحضور المصري الكبير في جهود الإعمار في تحويل دفة التوجهات لدى حركة حماس من التصعيد مع إسرائيل إلى فسح المجال لمتنفس اقتصادي في القطاع الذي عانى سكانه من تداعيات مدمرة لأربع مواجهات بين الفصائل في القطاع والجيش الإسرائيلي. وتفرض خطط الإعمار التي تشمل إنشاءات حيوية كبيرة مثل الجسور والأنفاق على الفصائل عدم الانجرار وراء التصعيد حرصاً على عدم استهداف إسرائيل لهذه المنشآت الحيوية.
ويساهم الحضور المصري في كسر عزلة حركة حماس نسبياً، وهي خطوة من شأنها تقوية موقف الرؤى الأقرب للواقعية داخل الحركة، بما يُسهم في تجنب الانجرار وراء أعمال تصعيدية لا يجنى القطاع منها أية مكاسب، وربما تهدف القاهرة إلى أنّ يكون الهدوء طويل الأمد في غزة مقدمة للبناء عليها لاحقاً من أجل استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
ولا يمكن فصل إعلان مصر عن تقديم منحة 500 مليون دولار لإعمار غزة والشروع القوي في وضع خطط إعادة الإعمار وتنفيذها على مراحل عن مواجهة آثار الانسحاب المصري الطويل من إدارة شؤون القطاع نسبياً والذي جعل دولاً على رأسها الولايات المتحدة في عهد إدارة ترامب السابقة تطرح مشروعات حول القضية الفلسطينية تمس السيادة المصرية مثل الحديث عن توطين جزء من سكان القطاع على أرض سيناء، بما له آثار كبرى سواء على القضية الفلسطينية والأمن القومي المصري، ولهذا فالرسالة المصرية بجهود الإعمار للعالم هي أنّ السبيل الوحيد لمعالجة القضية الفلسطينية هي القرارات الدولية وحل الدولتين، وعلاج أزمة غزة السكانية بتنمية القطاع وليس بتفريغه من جزء من سكانه.
3- الجانب الاجتماعي
اتسمت حرب مايو / أيار 2021 بطابع تدميري كبير جراء القصف الإسرائيلي المتعمد، ما يمكن عزوه إلى هدف إسرائيلي لتحميل قطاع غزة تكلفة مادية كبيرة تجعل سكان القطاع ينفرون من أي تصعيد تقدم عليه الفصائل الفلسطينية، خاصةً وأنّ الفصائل كانت سبباً في الحرب على القطاع بإعلانها عن عملية “سيف القدس” للاستثمار في الاشتباكات في مدينة القدس، وهو الأمر الذي ظهر من خلال الفرحة العارمة التي شهدها قطاع غزة بإعلان إسرائيل والفصائل الالتزام بالهدنة التي رعتها مصر.
وبجانب ذلك ساهمت القوافل الإغاثية المصرية عقب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وما سبقها من الإعلان عن منحة الإعمار في خلق حالة من الانفراجة الاجتماعية في غزة، تُرجمت بالاستقبال الشعبي الكبير لدخول آليات إزالة الركام المصرية من معبر رفح، والمتابعة اليومية لأعمال هذه الآليات من الشباب الفلسطيني الناشط على يوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعية، وكذلك من التفاعل اليومي المرحب من كافة سكان القطاع مع الطواقم الهندسية المصرية منذ أول يوم دخلت القطاع حتى اليوم.
وارتباطاً بالحضور المصري على المستويات الأمنية والسياسية وإعادة الإعمار، حدثت انفراجة تتعلق بالتشغيل شبه الدائم لمعبر رفح البري، الذي يعتبر أهم شرايين الحياة لسكان قطاع غزة، ويمكن القول أنّ خطوة إعادة الإعمار كجزء من معالجة مصرية شاملة لأزمة قطاع غزة عززت من المكاسب الاجتماعية لسكان القطاع.
معوقات تواجه عملية الإعمار
بحسب تصريحات وزارة الأشغال الفلسطينية – قطاع غزة فإن عملية الإعمار تسير بوتيرة بطيئة، وحجم الأعمال التي تم انجازها لا تتجاوز 17% من الجهود المطلوبة لإعادة إعمار ما خلفته حرب مايو 2021، ويرجع ذلك إلى ضعف تمويل الجهات المانحة لإعادة الإعمار، والتقدم البطيء في عمل المنحة القطرية التي تبلغ 500 مليون دولار.
وبغض النظر عن طرح وزارة الأشغال، فمعظم المعوقات أمام إعادة الإعمار تقع على عاتق الفلسطينيين أنفسهم، بسبب؛ الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني الذي أدى إلى انقسام في وزارة الأشغال نفسها، ودخول الخلافات بين حركتي فتح وحماس على خط إعادة الإعمار.
فضلاً عن غياب الإدراك لدى حركة حماس لمتطلبات إعادة الإعمار من إنجاز صفقة تبادل الأسرى كي تستطيع الجهات المانحة تحويل الأموال إلى الجهات المسؤولة عن إعادة الإعمار، ولكسب زخم دولي لهذا الغرض.
ويجب على حركة حماس التي تدير قطاع غزة التخلي عن تضخيم الذات الفلسطينية في التعامل مع الجهات والدول؛ بحيث تدرك الحركة أنّ قضية فلسطين على الرغم من أهميتها ومحوريتها إلا أنّ للدول الأخرى سياسات وقضايا محورية ورؤى يجب على الحركة احترامها وتفهمها.
وارتباطاً بما سبق دعا وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية – قطاع غزة، ناجي سرحان، القاهرة إلى استضافة مؤتمر دولي لإعمار غزة على غرار مؤتمر العام 2014، والذي شهد تعهدات تنموية بقيمة 5.4 مليار دولار، وهو أمر قد تُقدم عليه القاهرة، بعد تهيئة الظروف المواتية والتي تتطلب إحراز تقدم في ملف المصالحة الفلسطينية، وفي إدارة الصراع بين حركة حماس وإسرائيل، والعلاقات العربية بالفصائل الفلسطينية والتي تضررت خلال الأعوام الأخيرة بشدة نتيجة علاقات هذه الفصائل بإيران وحزب الله، وعدم مراعاة متطلبات الأمن القومي العربي، خصوصاً للسعودية والإمارات وهما من أكبر الدول المانحة.
المصادر
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني
وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية – قطاع غزة
تقرير أولويات المشاريع التنموية لقطاع غزة (تقرير ملخص) صادر عن وزارة الأشغال الفلسطينية.
صفحة شركة أبناء سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار على فيسبوك.
تصريحات وكيل وزارة الأشغال الفلسطينية، ناجي سرحان، ومسؤولي الوزارة، ومسؤولين من اللجنة المصرية لإعمار غزة، التي نشرتها وسائل الإعلام المصرية والفلسطينية والدولية.