ركزَّت أغلب الصحف الأجنبية هذا الأسبوع على موضوع التطرف في الشرق الأوسط؛ حيث تم إحياء الحديث عن تنظيم القاعدة من جديد، والسبب في ذلك التقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز The New York Times عن اغتيال الرجل الثاني في التنظيم بالعاصمة الإيرانية طهران، والذي أثار اهتمام العديد من الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية.
لم يقتصر الحديث هذا الأسبوع عن القاعدة فحسب، إنما امتد ليشمل تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أو النسخة المطورة من تنظيم القاعدة – كما وصفها الكتاب الصادر هذا الأسبوع بالولايات المتحدة الأمريكية، تحت عنوان «من الداخل: داعش في الولايات المتحدة الأمريكية»، والذي لاقى أصداءً واسعة داخل مراكز الأبحاث الأجنبية.
خصصت العديد من الصحف الأجنبية جانبًا كبيرًا للحديث عن الشأن السوري، وتحديدًا قضية «عودة اللاجئين» التي فجَّرها النظام السوري خلال المؤتمر الذي عقده بالعاصمة السورية دمشق في نهاية الأسبوع الماضي، في محاولة من قبل النظام لإعادة أكثر من ستة ملايين لاجئ تركوا سوريا إبان الحرب الأهلية.
لم يتوقف الحديث هذا الأسبوع عن الإدارة الأمريكية الجديدة، والتوقعات بشأن سياساتها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وربما سيستمر هذا الجدل لحين تسلم الرئيس الأمريكي «جو بايدن» السلطة رسميًّا في مطلع العام القادم، والبدء في تنفيذ سياسات فعلية تجاه المنطقة.
أولاً: ما ورد بشأن الإرهاب:
- إيران وتنظيم القاعدة:
نشرت صحيفة نيويورك تايمز[1] The New York Times تقريرًا عن الإرهابي «عبد الله أحمد عبد الله»؛ الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، والمعروف باسم «أبو محمد المصري»، أشارت فيه إلى اغتياله بالعاصمة الإيرانية «طهران» مع ابنته؛ أرملة أحد أبناء أسامة بن لادن، وذلك في 7 أغسطس من العام الجاري على يد عملاء إسرائيليين، بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقًا للتقرير، واكب تاريخ اغتياله ذكرى تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا، وتنزانيا، في 7 أغسطس عام 1998، على اعتبار أنه كان أحد المتهمين بارتكاب هذا الحادث الذي أسفر عن مقتل 224 شخصًا، وأكثر من 5000 جريح.
أشار التقرير إلى أن إيران سعت منذ البداية إلى التستر على الحادث؛ حيث وصفت تقارير إعلامية إيرانية، ولبنانية – تابعة لحزب الله – ضحايا حادث إطلاق النار في 7 أغسطس بأنهما أستاذ التاريخ اللبناني، والعضو في حزب الله؛ حبيب داوود، وابنته.
ترى إيران أن الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، تحاولان دائمًا ربط إيران بهذه الجماعات من خلال تسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام من أجل التنصل من المسئولية عن الأنشطة الإجرامية التي تمارسها تلك الجماعات في المنطقة.
أثار هذا التقرير الجدل حول علاقة إيران بتنظيم القاعدة، وانقسمت الآراء إلى اتجاهين:
الاتجاه الأول: يرى استبعاد وجود علاقة بين إيران، وتنظيم القاعدة؛ بسبب كثرة الحروب، والنزاعات بين الطرفين، هذا بالإضافة إلى الاختلاف العقائدي بينهما؛ فإيران تمثل الإسلام الشيعي، أما القاعدة فهي جماعة جهادية سنية. والجدير بالذكر أن هذا الرأي يتفق مع الرد الإيراني على الحادث، الذي فسرته إيران على أنه اغتيال إسرائيلي لأحد قيادات حزب الله في العاصمة الإيرانية طهران.
الاتجاه الثاني: لا يستبعد وجود علاقة بين إيران، وتنظيم القاعدة؛ حيث يرى أنصار هذا الاتجاه أن إبقاء بعض مسئولي القاعدة في طهران، قد يضمن عدم قيامها بتنفيذ أية عمليات إرهابية داخل إيران، وفي الوقت نفسه يساعد على التنسيق لإدارة بعض العمليات ضد الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الخصم المشترك للطرفين، وأكد أنصار هذا الفريق على أن هذه ليست المرة الأولى التي تنضم فيها إيران للمقاتلين السُنَّة، فقد سبق وأن دعمت إيران بعض التنظيمات مثل: حماس، والجهاد الإسلامي الفلسطيني، وطالبان.
في ضوء ذلك، أشار التقرير إلى أنه في حالة تأكد خبر اغتيال الرجل الثاني للقاعدة فإن ذلك سيمثل ضربة قاسمة للتنظيم؛ حيث سيساهم في قطع الروابط بين المدرسة القديمة للتنظيم، والجهاد الجديد، ومن ثمَّ لا مركزيته، وتفتيت وحدته.
داعش في الولايات المتحدة الأمريكية:
قدم موقع دبلوماتيك كورير[2] Diplomatic courier عرضًا لكتاب صدر هذا الأسبوع بعنوان «من الداخل: داعش في الولايات المتحدة الأمريكية» «Homegrown: ISIS in America»، لثلاثة باحثين أمريكيين متخصصين في شئون الجماعات المتطرفة بجامعة جورج واشنطن، وهم: بينيت كليفورد Bennett Clifford، وأليكساندر هيتشنز Alexander Hitchens، وسيموس هيوز Seamus Hughes.
وفيما يلي عرض لأبرز النقاط التي تناولها الكتاب:
- يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» نسخة مطوَّرة من تنظيم القاعدة، فعلى الرغم من وحدة المنهج الذي أرساه تنظيم القاعدة في الماضي، إلا أن تنظيم داعش نجح في تطوير وسائل الانتشار، والتجنيد، مستفيدًا بشكل كبير من تطور مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الانترنت.
- ليست هناك جذور حقيقية لداعش في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن التنظيم قد تغلب على هذا الضعف من خلال تطوير شبكات تجنيد عبر الانترنت؛ حيث لم يعد الجهادي في حاجة للسفر إلى أفغانستان أو سوريا – على سبيل المثال – لدعم التنظيم بل يمكنه البقاء في المنزل لتطوير الدعاية، والعمل كوسيط للاتصالات.
- نجح عدد قليل من الأمريكيين في السفر إلى العراق أو سوريا لاكتساب الخبرة في ساحة المعركة، إلا أنهم غير قادرين على تنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والسبب في ذلك بعد المسافة بين الولايات المتحدة الأمريكية، وسوريا – على سبيل المثال – وذلك على العكس من أوروبا حيث أن قرب المسافة يجعل من تنفيذ هجمات داخل أوروبا أسهل من الولايات المتحدة الأمريكية. هذا بالإضافة إلى أن المجتمعات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون أفضل حالًا من الناحية الاجتماعية، والاقتصادية من نظيراتها في أوروبا.
- تضم أوروبا شبكات تجنيد راسخة، لديها المهارة الكافية لتعبئة، ونشر الجهاديين، تم تشكيلها عبر سنوات في البلقان، والشرق الأوسط، وأفغانستان، وأماكن أخرى. وعلى الرغم من مخاوف تكوين شبكات مماثلة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها لن تكون بنفس الدرجة التي تجعلها قادرة على تنفيذ عمليات في الداخل الأمريكي، فضلاً عن بعدها عن مسرح العمليات.
في ضوء ذلك، لم يستبعد المؤلفون أن تنجو الولايات المتحدة الأمريكية من نفوذ التنظيم حيث توقعوا إمكانية إنشاء شبكات تجنيد، ودعم في الداخل خلال الفترة القادمة؛ تعويضًا للخسائر التي لحقت بالتنظيم في العديد من أراضيه في العراق، وسوريا.
ثانيًا: ما ورد بشأن سوريا:
تطرقت صحيفة نيويورك تايمز[3] The New York Times في مقال لها هذا الأسبوع إلى قضية «عودة اللاجئين السوريين»، وهو العنوان الرئيسي للمؤتمر الذي استضافته الحكومة السورية في نهاية الأسبوع الماضي بدمشق، والذي شهد حضورًا روسيًّا تفوق على حضور الحكومة السورية، ومقاطعة لعدد من الدول مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، ولبنان، والأردن، وتركيا.
تمثل الهدف الأساسي من المؤتمر في محاولة إعادة أكثر من ستة ملايين لاجئ تركوا سوريا إبان الحرب الأهلية؛ فوفقًا للأمم المتحدة، هناك أكثر من 5.5 مليون لاجئ سوري، معظمهم في لبنان، وتركيا، والأردن، بالإضافة إلى أكثر من مليون شخص هاجروا إلى أوروبا.
أشار المقال إلى أن مسألة عودة اللاجئين لن تحدث بدون إحداث تغييرات أساسية داخل سوريا. وعلى الرغم من الهدوء النسبي للرئيس السوري «بشار الأسد» إلا أن ذلك لن يساعد في عودة اللاجئين، رغم الفقر المدقع الذي يعانون منه في البلدان التي تستضيفهم.
ووفقًا للأمم المتحدة، منذ عام 2016، عاد حوالي 65 ألف لاجئ فقط إلى سوريا من لبنان، بينما اختار أكثر من 879 ألفًا البقاء. هذا بالإضافة إلى أن هناك أكثر من 400 ألف لاجئ في تركيا انتقلوا – في السنوات الأخيرة – للعيش في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا، إلا أن هذا مجرد جزء بسيط من إجمالي عدد اللاجئين في تركيا، والمقدر بحوالي 3.6 مليون لاجئ.
أشار المقال إلى أن هناك رغبة مُلِحَّة من قبل اللاجئين أنفسهم للعودة إلى سوريا، إلا أن هناك عدة أسباب تحول دون تحقيق ذلك، أبرزها؛ الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه سوريا الآن، وفقدان الثقة في نظام الرئيس السوري «بشار الأسد» بسبب حالات الاختفاء القسري، والاعتقالات العشوائية، والتجنيد الإجباري.
يقول أحد اللاجئين السوريين بلبنان «إذا دعتنا الحكومة السورية للعودة، فهل سيقدمون لي أي ضمانات بعدم اعتقالي بسبب الخدمة العسكرية؟ وهل يمكن للحكومة أن تضمن لي منزل، وطعام، وعمل في سوريا؟»
أجرت صحيفة دويتش فيله[4] Deutsche Welle عدة مقابلات مع عدد من اللاجئين السوريين المقيمين في ألمانيا لمعرفة آرائهم حول مسألة عودة اللاجئين، ودارت أغلب التصريحات حول استحالة العودة إلى سوريا في ظل استمرار حكم الرئيس السوري «بشار الأسد»، وسيطرة نظامه على الحكم.
في ضوء ذلك، يرى المحللون أن طرح «قضية عودة اللاجئين» من قبل النظام السوري في هذا الوقت بالتحديد، هو محاولة لإنقاذ ما تبقى من الاقتصاد السوري، والحفاظ على البنية التحتية العسكرية للنظام، على اعتبار أن كل دولار يدخل دمشق سيضيف دولارًا جديدًا للنظام.
من ناحية أخرى، على الرغم من اشتياق اللاجئين السوريين للعودة إلى وطنهم إلا أنه تبين من المقابلات التي أجرتها الصحف الأجنبية معهم أن الشرط الأساسي لعودة اللاجئين هو رحيل الرئيس «بشار الأسد»، ومحاكمته.
ثالثًا: ما ورد بشأن سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط:
نشر معهد واشنطن[5] Washington Institute مقالاً تحليليًّا حول السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة.
اعتمد التحليل بشكل أساسي على مقال كتبه «بايدن» في إبريل الماضي بمجلة فورين أفيرز[6] Foreign Affairs، تحت عنوان «لماذا يجب على الولايات المتحدة الأمريكية تولي القيادة ثانيةً؟ إنقاذ السياسة الخارجية الأمريكية بعد ترامب». وفيما يلي عرض لأبرز النقاط التي تناولها المقال:
- تطبيق الديمقراطية هو أساس التعامل مع الدول:
توقع المقال أن تشهد إدارة «بايدن» سياسات تدخلية في الدول التي ستُصَنَّف على أنها معادية للديمقراطية، وبالتالي فالدول التي تشهد مزيدًا من الاحتجاجات، والمظاهرات؛ كالعراق، ولبنان، وإيران، عليها أن تتوقع المزيد من الضغوط الأمريكية خلال الفترة القادمة.
- محاربة الإرهاب:
أشار المقال إلى أن القضاء على التنظيمات المتطرفة، سيأتي على قمة أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، ولكن بدون نشر أية قوات إضافية في المنطقة، بل ستستمر الإدارة الجديدة في سياسة ترقيق القوات الأميركية التي بدأها الرئيس السابق «دونالد ترامب»، وذلك من خلال الاحتفاظ بأعداد قليلة من القوات الخاصة، وجهد استخباراتي أمريكي يمكنه أن يساعد الشركاء المحليين على محاربة التنظيمات المتطرفة.
- الموقف الأمريكي من إسرائيل:
صنَّف المقال «بايدن» على أنه أكثر الساسة الأمريكيين تشددًا في الدفاع عن أمن إسرائيل، كما أشار إلى أن الإدارة الجديدة لن تكون أقل حماسًا تجاه إسرائيل من الإدارة السابقة، بالإضافة إلى عدم وجود نية للعودة عن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو القرار الذي كان يعتبره أنصار «محور المقاومة» أكبر دليل على انحياز إدارة «ترامب» لإسرائيل.
- الموقف الأمريكي من إيران:
أكد المقال إلى اعتزام «بايدن» على إعادة إحياء الاتفاق النووي لوقف سعي إيران لامتلاك سلاح نووي وهو ما يعتبره أولوية قصوى لإدارته خلال الفترة القادمة. وفي الوقت نفسه يدرك «بايدن» صعوبة استئناف المفاوضات مع إيران حيث قد يطالب الإيرانيون برفع جميع العقوبات الأمريكية، حتى تلك التي لا علاقة لها ببرنامجها النووي، والتي تتعلق بالإرهاب، والفساد، وحقوق الإنسان، وغيرها.
- الموقف الأمريكي من المملكة العربية السعودية:
على الرغم من الموقف السلبي للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه المملكة العربية السعودية وقيادتها لحرب اليمن التي يعتبرها «بايدن» انتهاكًا لحقوق الإنسان، إلا أنه من المتوقع صعوبة تضحية الإدارة الجديدة بتحالفها مع المملكة العربية السعودية؛ نظرًا لمصالحها الاقتصادية الهائلة من أجل الانتصار للمبادئ التي يؤمن بها «بايدن»، هذا بالإضافة إلى الدور المحوري الذي تمارسه المملكة الآن في تطبيع العلاقات بين دول المنطقة، وإسرائيل، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى دورها في بناء تحالف جدي ضد إيران.
ومن ناحية أخرى، تدرك المملكة العربية السعودية جيدًا عمق المصالح المتبادلة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ودورها المحوري في المنطقة هو الذي دفعها لتكون من بين المهنئين لـ «بايدن» على الرغم من علاقاتها المميزة مع الرئيس السابق «ترامب»، والتذكير في برقية التهنئة بالتحالف القائم بين البلدين لقرن من الزمن.
في ضوء ذلك، من المتوقع ألا تشهد سياسات «بايدن» تغييرات كبرى في الملفات الأساسية في الشرق الأوسط، وهي: مكافحة الإرهاب، وأمن إسرائيل، والملف الإيراني. أما بالنسبة لعلاقة الإدارة الجديدة بالمملكة العربية السعودية، فتبين من الرصد أنها ربما ستشهد مزيجًا من الواقعية السياسية، ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
المراجع
[1] https://www.nytimes.com/2020/11/13/world/middleeast/al-masri-abdullah-qaeda-dead.html?action=click&module=Top%20Stories&pgtype=Homepage
[2] https://www.diplomaticourier.com/posts/homegrown-isis-in-america
[3] https://www.nytimes.com/2020/11/12/world/middleeast/12syria-refugees-assad.html
[5] https://www.washingtoninstitute.org/ar/fikraforum/view/bidens-middle-east-policy-iraq-new-administration
[6] https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2020-01-23/why-america-must-lead-again