استحوذت الانتخابات الأمريكية هذا الأسبوع على المساحة الأكبر من النقاش داخل دوائر الإعلام، ومراكز الأبحاث الأجنبية، ودارت أغلب التحليلات حول توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس الديمقراطي «جو بايدن» تجاه منطقة الشرق الأوسط، والتوقعات بشأن مستقبل علاقاتها مع دول المنطقة.
موقف الإدارة الجديدة تجاه العراق
أشار موقع ديفينس نيوز[1] Defense news إلى تعهد «بايدن» بإعادة القوات القتالية الأمريكية إلى الولايات المتحدة الأمريكية من العراق، مع إبقاء قوات مكافحة الإرهاب؛ حيث يفضل «بايدن» – مثله مثل كافة الديمقراطيين – العمليات الصغيرة بقيادة قوات العمليات الخاصة بدلاً من عمليات نشر القوات الكبيرة، والدليل على ذلك الدور الرئيسي الذي لعبه «بايدن» في سحب إدارة أوباما لـ 150 ألف جنديًّا أمريكيًّا من العراق، وذلك بالرغم من تصويته لصالح الحرب حينما كان سيناتور إبان إدارة الرئيس الأسبق «جورج بوش».
موقف الإدارة الجديدة تجاه إيران
وصفت صحيفة واشنطن بوست[2] Washington post الموقف الإيراني تجاه الإدارة الجديدة بالحَذِر، والطَمُوح نحو قلب سياسات إدارة «دونالد ترامب» التي تركت إيران معزولة عن المجتمع الدولي، ومن ثمَّ انهيار اقتصادها، وذلك منذ الانسحاب عام 2018 من الاتفاق النووي المُوَقَّع بين البلدين عام 2015، وفي هذا الصدد قال الرئيس الإيراني «حسن روحاني» في أحد تصريحاته «نأمل أن تكون ظروف اليوم قد أظهرت فشل سياسة فرض العقوبات خلال السنوات الثلاث الماضية».
أما عن موقف الإدارة الأمريكية من سياسات إدارة «ترامب» تجاه إيران وصفها «جو بايدن» – الذي كان نائبًا للرئيس الأسبق «باراك أوباما» وقت إبرام الاتفاق النووي بين البلدين عام 2015 – بالمتهورة، ووعد بعودة إيران إلى الدبلوماسية، وإعادة تفعيل الاتفاق النووي بشرط الامتثال بشروطه.
وعلى الرغم من التفاؤل الإيراني بتولي الإدارة الجديدة إلا أن الطريق نحو تحسين العلاقات بين البلدين ليس ممهد؛ حيث سيتطلب الأمر تعامل «بايدن» مع مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية، خاصةً وأن إيران بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هي قضية خلافية وحزبية بامتياز.
موقف الإدارة الجديدة تجاه سوريا
أشارت صحيفة فورين بوليسي[3] Foreign Policy إلى أن عودة العلاقات الأمريكية مع إيران قد تصب في مصلحة الرئيس السوري «بشار الأسد»، وتعزز من موقفه، على اعتبار أن إيران هي أحد الداعمين الرئيسيين للرئيس السوري، وذلك على العكس من سياسة إدارة الرئيس السابق «ترامب» التي اتسمت بالصرامة حيث شنت الضربات، وفرضت العقوبات، ولكن دون تأثير على شرعية النظام أو قدرته على مقاومة ما تبقى من المعارضة.
أشار مركز الشرق الأوسط[4] Middle East Institute إلى أنه يتوجب على الإدارة الأمريكية الجديدة فتح صفحة جديدة مع سوريا، من خلال وضع استراتيجية ترتكز على خمسة خطوط رئيسية هي:
- هزيمة «داعش»، والحفاظ على قوات سوريا الديمقراطية، وحمايتها.
- ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل ثابت، وبدون عوائق إلى جميع المحتاجين.
- استمرار فرض العقوبات على سوريا كأداة حيوية غير عسكرية للحد من جرائم النظام، وتعزيز النفوذ الأمريكي.
- الدعم الدبلوماسي لاستمرار وقف إطلاق النار في «إدلب»، وما تعانيه من كوارث إنسانية.
- تحفيز الدبلوماسية الثنائية مع روسيا، والمتعددة الأطراف من خلال الأمم المتحدة سعيًّا للتوصل إلى تسوية تفاوضية.
ومن أجل تحقيق ذلك، ستحتاج الإدارة الأمريكية الجديدة إلى تشكيل تحالف دبلوماسي، لديه هدف موحد قائم على الإصرار على النهوض بسوريا، وتحسين أوضاعها. ومما لاشك فيه سيلعب حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط الدور الأكبر في نجاح هذا التحالف نحو تحقيق أهدافه المرجوة.
موقف الإدارة الجديدة تجاه المملكة العربية السعودية
أشارت صحيفة فورين بوليسي[5] Foreign policy إلى العلاقات القوية التي جمعت بين المملكة العربية السعودية، وإدارة الرئيس السابق «ترامب»، مما دفع البعض إلى وصفها بـ «الحليف الاستراتيجي»، إلا أن الإدارة الجديدة لها رأي مختلف؛ حيث تعَهَّد «بايدن» بإعادة تقييم العلاقات مع الرياض، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في العالم، ويبدو أن «بايدن» كان يقصد بانتهاك حقوق الإنسان، الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، وكذلك تورطها في اغتيال الكاتب بصحيفة واشنطن بوست Washington Post «جمال خاشقجي» في اسطنبول.
موقف الإدارة الجديدة من الحرب في اليمن
نشر موقع سكوب Scoop النيوزيلاندي[6] مقالاً أشار فيه إلى أن موقف الإدارة الجديدة من حرب اليمن جاء واضحًا في برنامج الحزب الديمقراطي، ورغبة الديمقراطيين في دعم الجهود الدبلوماسية، وإنهاء الحرب التي وصفها الحزب بالمسئولة عن تضخم التهديدات في المنطقة، وتعطيل المصالح الأمريكية هناك.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدراج هذا العنصر في برنامج الحزب الديمقراطي، دفع البعض إلى اعتباره سببًا وجيهًا لانتخاب «بايدن» رغم رفض أنصار هذا الاتجاه للعديد من اتجاهاته العنصرية المتعلقة بموضوع العدالة الاقتصادية، كما طالب البعض بأن يكون إنهاء الحرب على رأس أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة فور توليها، لاسيما وأن «بايدن» لن يحتاج إلى أغلبية مجلس الشيوخ لتنفيذ هذا القرار.
موقف الإدارة الجديدة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
وصفت صحيفة فورين بوليسي[7] Foreign Policy موقف الإدارة الأمريكية بالإيجابية تجاه الجانب الفلسطيني؛ حيث اتخذ «بايدن» موقفًا مختلفًا عن موقف «ترامب» تجاه فلسطين، ودعا إلى العودة إلى حل الدولتين المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو عام 1993، وانتقد سياسات إدارة «ترامب» تجاه الضفة الغربية المحتلة التي تضمنت إعلانًا بأن المستوطنات الإسرائيلية لا تنتهك القانون الدولي، كما سمحت لإسرائيل بضم أجزاء منها لصالحها، أيضًا أكد «بايدن» على رغبته في إعادة التمويل، والعلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين التي سبق وأن قطعها «ترامب».
توقع مركز الشرق الأوسط[8] Middle East Institute أن يتخذ «بايدن» عدة خطوات إصلاحية مثل: إيجاد طريقة لإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واستعادة تدفق المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية.
ومن أجل تحقيق ذلك، سيتعين على السلطة الفلسطينية دفع ثمن باهظ لإعادة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما كانت عليه قبل عهد «ترامب»، لاسيما وأن العديد من الفلسطينيين العاديين لا يرغبون ذلك حيث أن التنسيق الأمني بين الطرفين فشل طوال السنوات الماضية في حماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين.
على الرغم من كل العهود والتوقعات، إلا أن تطبيقها يبدو صعبًا؛ حيث يتطلب تحقيق ذلك حدوث تحول جذري، ومفاجئ في السياسة الخارجية الأمريكية؛ ويبقى السؤال: كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب مرة أخرى دور الوسيط، المحايد، الداعي للسلام، بعد كل الدعم الذي قدمته إدارة «ترامب» لإسرائيل خلال الأربع سنوات الماضية؟
في ضوء ما سبق، تبين خلال الرصد تباين ردود أفعال دول المنطقة ما بين التأييد والتخوف من الإدارة الجديدة، لاسيما وأن هناك بعض الدول كانت بمثابة حليفًا استراتيجيًّا لإدارة الرئيس السابق «ترامب» وبالتأكيد كانت تتمنى أن تمتد رئاسته لفترة ثانية. في حين رحًبَت دول أخرى مثل «إيران» بالإدارة الجديدة نتيجة العقوبات التي فرضتها إدارة «ترامب» عليها بعد الانسحاب من الاتفاق النووي بين الطرفين، الأمر الذي تسبب في عزلها عن المجتمع الدولي، وانهيار اقتصادها.
ومن ناحية أخرى، بدا واضحًا من تصريحات الرئيس الأمريكي «بايدن» رفضه الشديد لأغلب السياسات، والتحالفات التي نفذتها إدارة «ترامب» خلال الأربعة أعوام الماضية، كسياسات «ترامب» تجاه إيران، ودعم إدارته للمملكة العربية السعودية في قيادتها لحرب اليمن التي تعهدت الإدارة الجديدة بوقفها فور توليه، الأمر الذي دفع البعض إلى اعتبار هذا الأمر سبب وجيه لانتخاب «بايدن».
داعش والانتخابات الأمريكية
على صعيد آخر، دفعت الانتخابات الأمريكية البعض إلى الحديث عن موقف تنظيم «داعش» من الانتخابات؛ حيث نشر موقع معهد واشنطن[9] Washington Institute مقالاً جاء فيه احتمالية قيام «داعش» بشن هجمات من شأنها أن تعرقل العملية الانتخابية على غرار الهجمات الإرهابية التي نفذها التنظيم إبان انتخابات 2016، مثل: تفجير إسطنبول، وهجمات بروكسل، وإطلاق النار في ملهى بولس الليلي في أورلاندو، فلوريدا.
جاءت تحركات التنظيم عكس التوقعات؛ حيث اقتصر التنظيم هذه المرة على توجيه تهديدات شفهية ضد الولايات المتحدة، وحلفائها، في محاولة لإثبات تواجده في المشهد مثلما كان عليه في السابق؛ فخلال الشهر الماضي هددت «داعش» بشن هجمات على أنابيب النفط السعودية ردًا على دعم المملكة للتطبيع مع إسرائيل.
وفي يوليو الماضي، نشر مركز «الحياة» للإعلام؛ الجناح الدعائي الخاص بالتنظيم، فيديو بعنوان «وحرض المؤمنين» حث فيه أتباعه على إشعال الحرائق في غابات في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
الأمر الذي دفع البعض إلى طرح تساؤل رئيسي وهو: لماذا تراجع التنظيم؟
أشار المقال إلى عدة أسباب وراء هذا التراجع، هي:
- إبعاد التنظيم نحو الصحراء في كل من العراق، وسوريا، وليبيا الأمر الذي أدى إلى فقدان جزء كبير معاقله الإقليمية في تلك الدول، وذلك بعد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها ضد التنظيم.
- الدعم الأمريكي نحو تطوير قدرات قوات الأمن العراقية، وقوات سوريا الديمقراطية، والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، على الاحتفاظ بأراضيها ضد التنظيم، ومن ثمَّ توفير درجة من الأمن والاستقرار على المدى الطويل لسكان تلك المناطق، وتقليل فرص تجنيدهم من قبل التنظيم.
- إغلاق الحدود التركية، وزيادة إجراءات مكافحة الإرهاب، الأمر الذي ساهم في شل القدرات الخارجية للتنظيم.
ترتب على ذلك حدوث حالة من التمرد داخل التنظيم، مما حد بشدة من قدرته على استقطاب مقاتلين أجانب، وتدريب أعضائه، وجمع الأموال، كما ساهم ذلك أيضًا في تصفية العديد من أفضل قياداته، ومقاتليه المتمرسين.
دفع هذا التراجع التنظيم إلى البحث عن استراتيجيات بديلة لفرض النفوذ، والعودة إلى المشهد مرة أخرى؛ ففي الوقت الذي ظلَّ التنظيم فيه متخفيًّا نسبيًّا في العراق، وسوريا، على مدى الأشهر الماضية، ركز دعايته على الفروع الخارجية؛ ففي أغسطس الماضي، استولت جماعة مرتبطة بالتنظيم في موزمبيق على المدينة الساحلية «موسيمبوا دا برايا» دون أن يحظى بالاهتمام الكافي من قبل المجتمع الدولي.
وفي فبراير، افتتحت مجموعة إعلامية موالية للتنظيم مجلة شهرية جديدة باسم «صوت الهند»، تركز على تعزيز التجنيد في «ولاية الهند» التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في الهند، وتحريض أنصاره الهنود على مهاجمة قوات الأمن المحلية.
وبالتالي يمكن القول إن التنظيم قد غيَّر من استراتيجيته التي اتبعها خلال السنوات الماضية، فالانتشار الذي شهده في إفريقيا، والهند خلال الأشهر الماضية يشير إلى أنه قد تعلَّم أن «تركيز جهوده في مسرح واحد بارز يجعله أكثر عرضة للتدخل الأمريكي والدولي». وبالتالي فإن مواصلة تجهيز خلايا في إفريقيا والهند وأماكن أخرى – مع الحفاظ على وجود منخفض المستوى في الأراضي السابقة والحث على شن هجمات في الخارج – يمكن أن تكون الاستراتيجية القادمة للتنظيم.
المصادر
[1] https://www.defensenews.com/pentagon/2020/11/07/where-president-elect-joe-biden-stands-on-national-security-issues/
[2] https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/iran-reacts-us-election/2020/11/08/58ce6050-1df0-11eb-ad53-4c1fda49907d_story.html?itid=sf_world-middle-east
[3] https://foreignpolicy.com/2020/11/02/middle-east-us-election-impact-trump-biden-iran-israel/
[4] https://www.mei.edu/publications/course-correction-syria-under-biden
[5] https://foreignpolicy.com/2020/11/02/middle-east-us-election-impact-trump-biden-iran-israel/
[6] https://www.scoop.co.nz/stories/HL2011/S00053/real-journalists-would-grill-biden-on-yemen-at-every-opportunity.htm
[7] https://foreignpolicy.com/2020/11/02/middle-east-us-election-impact-trump-biden-iran-israel/
[8] https://www.mei.edu/publications/forget-us-elections-palestinians-need-choose-their-own-way-forward
[9] https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/keeping-down-a-diminished-islamic-state-the-prospect-of-an-october-surprise