كتب هذا المقال، الجنرال يائير غولان، النائب السابق لرئيسة هيئة الأركان العامة في جيش الدفاع الإسرائيلي، والذي يشغل حالياً منصب عضو في الكنيست الإسرائيلي عن حزب ميرتس.
ربما يتفاجأ البعض إذا قلت إن كبار القادة في الجيش الإسرائيلي كانوا قد تنفسوا الصعداء واستقبلوا بأريحية إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن بنود الاتفاق النووي مع إيران. لقد كنت هناك كقائد في الجيش، وأؤكد أن هذا الشعور كان هو المسيطر على جنرالات الجيش حينها.
بصفتي لواء في الجيش الإسرائيلي، وكنت أشغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان، يمكنني أن أوكد أن شعوراً عاماً بالرضا كان مسيطراً على كبار قادة الجيش. حيث تأكدنا أن خطة العمل المشتركة جيدة وكافية بشكل ما في منع وجود إيران نووية.
بالطبع لم يكن الاتفاق مثالياً، إلا أنه كان جيداً بما فيه الكفاية. – في الجيش نؤمن أنه لا يوجد حلول مثالية-. حيث ضمنت الصفقة أن تقوم إيران بتسليم 98% من مخزون اليورانيوم المخصب، وتعبئة مفاعل الماء الثقيل بالخرسانة، وتقييد عمل أجهزة الطرد المركزية، والتوقف عن إنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة. وبالتالي يمكن القول أن هذا الاتفاق كان أشبه بالانتكاسة وقيد للبرنامج النووي الإيراني، خصوصاً أن هذا الاتفاق قد اشتمل على آليات تضمن التأكد المستمر من عمله بالشكل المطلوب، وهذا بالضبط ما أردناه.
ما كان صالحاً في ذلك الوقت أن يظل صالحاً إلى يومنا هذا، حيث ما زلت مقتنع أنه من مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي أن تعود الولايات المتحدة إلى الدخول في الاتفاق، ومن ثم تقوم باستخدامه كأساس للمفاوضات اللاحقة. لقد جادلت إدارة ترامب أن الخروج بشكل أحادي من الاتفاق النووي، وتنفيذ سياسة “الضغط الأقصى، وإعادة فرض العقوبات، والتهديد مراراً وتكراراً بهجوم عسكري على إيران، وتنفيذ اغتيالات مستفزة لأحد كبار القادة الإيرانيين، كلها أمور يمكنها حصر إيران في الزاوية وإنهاكها وانتزاع تنازلات من النظام الإيراني.
ومع ذلك، أكد هذا النهج أن الصفقة التي تم عقدها مع إيران تظل هي الآلية الوحيدة التي أثبتت جدواها في وقف قدرات إيران النووية وتفكيك منشأتها وتقليل مخزونها. ورغم أن هذا الرأي كان هو الرأي السائد في المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، إلا أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان له رأي مغاير.
لقد عمل نتنياهو على تقديم نفسه للناخبين باعتباره يحمل نزعة أمنية متشددة لا يمكن كسرها، وبعد أن عمل على استغلال التهديد الإيراني لتقوية علاقاته الدفاعية مع الولايات المتحدة ودول الخليج، وحتى يتفادى أي انتقادات بشان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإنه شن هجوماً حاداً على الاتفاق النووي الذي رأه تهديداً لشرعيته، وقام بتجاوز الأعراف الدبلوماسية عبر التنسيق المنفرد مع الجمهوريين الأمريكيين المعارضين للاتفاق، وعمل على تعكير صفو المياه لدى الأطراف المرحبة بالاتفاق.
ورغم ذلك، يستمر نتنياهو في حث الرئيس الأمريكي الجديد على التراجع عن أي محاولة للعودة للاتفاق. والمحصلة النهائية أنه بينما احتفل نتنياهو بالانتصار عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، فإن النتيجة النهائية التي يمكن التأكيد عليها أن هذه الخطوة لم تجعل إسرائيل أكير أمناً.
فمنذ الانسحاب من الاتفاق، كان هناك سلسلة من العواقب المتصاعدة، التي لم تؤثر على إيران لتجعلها متطلعة لإعادة التفاوض. بالإضافة إلى أن الانسحاب لم يعزز الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة، ولم يساعد على ردع إيران عن قيامها بأفعال تهدد الاستقرار. حيث تقوم إيران حالياً بإعادة تخزين المواد وإعادة بناء المنشآت النووية وتوجه تحذيرات للمفتشين التابعين للوكالة بأنه قد لا يتم منحهم حق الوصول الكامل للمنشآت النووية.
بالطبع لا شيء من هذا يجعل إسرائيل ولا الولايات المتحدة أكثر آمناً، ولا شيء من هذا يمنع إيران من الوصول إلى تصنيع القنبلة. ولذلك فإن العديد من القادة في المؤسسات الأمنية الإسرائيلية يدعمون رغبة الرئيس بايدن في العودة للاتفاق النووي، وذلك على الرغم من تجاهل نتنياهو لهم، ورغم ذلك أؤكد أنه يوجد دعم قوى للاتفاق النووي داخل مجتمع الدفاع الإسرائيلي.
وبدلاً من تقويض جهود بايدن – كما فعل نتنياهو مع أوباما من قبل- يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تسعى جاهدة لأن تكون داعماً استراتيجياً ومؤثراً في الصفقة المقبلة. خصوصاً أنه مع اقتراب الانتخابات الإيرانية ونفاد صبر إيران الاستراتيجية فإن هناك خطر حقيقي متمثلاً في إمكانية أن يحل رئيس متشدد مناهض للاتفاق النووي محل الرئيس حسن روحاني الداعم للاتفاق.
إذا لم تنجح إدارة بايدن في التفاوض والعودة للاتفاق النووي، فستكون إسرائيل واحدة من أكبر الخاسرين، وبدون مسارات دبلوماسية لإدارة مصالحها الاقتصادية والأمنية، فإن إيران ستضاعف استراتيجيتها المتمثلة في إبقاء خصومها منشغلين في الحروب والصراعات بالوكالة، وستعمل كذلك على توسيع الدعم المقدم لحزب الله وحماس، والوصول إلى أعلى مستويات الردع الاستراتيجي بتعزيز قدراتها النووية. وقد تكون نتيجة كل ذلك حرب واسعة النطاق، سيكون لها عواقب وخيمة للغاية على إسرائيل والمنطقة.
لذلك يجب أن تكون الغلبة للرؤساء الذين يحملون نهج استراتيجي، ويجب علينا اللجوء للدبلوماسية لمواجهة وإدارة هذا التحدي.