بعد أن جعل تركيا مقراً للإخوان المسلمين، أنشأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منصات إعلامية لهم، ومنح بعضهم الجنسية التركية، واستخدمهم ضد شعوبهم ودولهم، بل ودفعهم لارتكاب جرائم هنا وهناك باسم الدين.
ومع ذلك، هناك مؤشرات على تخلي أردوغان عن الإخوان لإنقاذ نظامه، خاصة بعد أنباء عن اعتقال 23 من قيادات وعناصر الإخوان المقيمين في تركيا مؤخرًا بتهمة التواصل مع دول أخرى لتأمين ملاذات آمنة لعدد منهم دون علم السلطات التركية.
هل بدأ أردوغان بالفعل في التخلي عن الإخوان المسلمين؟
في محاولة للإجابة على هذا السؤال يجب مراعاة ما يلي:
1.الحديث التركي المكثف عن اللقاءات التركية المصرية، والاستعداد لإقامة علاقات أفضل مع مصر بعد سنوات من عداء أردوغان لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي وتأكيده سابقاً أنه لن يعترف بحكم الرئيس المصري.
ووصف أردوغان السيسي بالتمرد والعنف بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي الذي كان يمثل جماعة الإخوان المسلمين.
ودفعت تصريحات أردوغان القاهرة إلى تسريب العرض التركي للمصالحة للشعب، وهو عرض تضمن تخلي تركيا عن دعم الإخوان المسلمين في مصر، وإغلاق قنواتهم التلفزيونية التي تبث من تركيا، وتسليم عدد من القادة المطلوبين الى السلطات المصرية مقابل المصالحة.
وبغض النظر عن فشل المحادثات الأمنية التي جرت بين الجانبين، فإن العرض التركي يكشف مدى استعداد أردوغان لبيع الإخوان مقابل المصالحة مع مصر.
2.مغازلة تركية للسعودية، والحديث عن استعداد تركيا للتغاضي عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي الذي قُتل في قنصلية بلاده في اسطنبول.
إذا علمنا أن السعودية تصنف الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية، فإن هذا الأمر يكشف مدى استعداد أردوغان للتضحية بالإخوان على مذبح مصالح بلاده ونظامه، بعد التطورات والاصطفافات الإقليمية والدولية، وتحسباً لتولي جو بايدن مهامه على رأس البيت الأبيض.
3.في تسريبات لمصادر تركية أشارت أن السلطات التركية وجهت قادة الإخوان المسلمين المقيمين في تركيا بالحد من ظهورهم الإعلامي من تركيا، وعدم مهاجمة دول وأنظمة المنطقة.
ظهرت هذه التسريبات وسط أنباء عن خلافات بين نظام أردوغان وجماعة الإخوان المسلمين بسبب الإجراءات التي بدأت السلطات التركية بفرضها عليهم، وعدم منح بعضهم الجنسية التركية بعد أن وُعدوا بذلك.
4.بروز دعوات قوية في عدد من الدول الأوروبية والأمريكية وتحديداً في الكونجرس لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية، إضافة إلى أن دولاً عربية مؤثرة مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن صنفت الجماعة على أنها إرهابية أيضًا.
ومع ظهور إدارة أمريكية جديدة بقيادة الديمقراطي جو بايدن، تبدو تركيا قلقة للغاية بشأن الاستمرار في تبني نهج الإسلام السياسي.
ويصدق هذا بشكل خاص لأن هذا النهج رافقه تكاثر العديد من التنظيمات الإرهابية التي ارتكبت جرائم وانتهاكات، بدءًا من المناطق الكردية في سوريا، مروراً بليبيا، ووصولاً إلى عدد من الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا التي ادعت مرارًا وتكرارًا أن النظام التركي مسؤولاً عن هذه الجماعات.
في الواقع، ربما ما دفع أردوغان إلى التخلي عن الإخوان المسلمين هو اقتناعه بأن تحالفه معهم فشل في تحقيق مشروعه الإقليمي، خاصة بعد أن نجح الشعب المصري في التخلص من حكم مرسي، وأيضًا لقناعته بأن هذه الجماعات التي فقدت أوطانها استنفدوا دورهم الوظيفي وأصبحوا عبئاً على نظامه ومصالحه وعلاقاته مع الدول الأخرى.
وعليه، لن يخجل أردوغان من بيعها عندما يجد نفسه أمام صفقة يعتقد أنها ستحقق مصالحه. الرجل الذي تخلى عن حلفائه السياسيين السابقين لن يجد أي صعوبة أو إحراج في ذلك، رغم كل الشعارات التي رفعها عن مفهوم الأخوة الإسلامية والدفاع عن المظلومين، وغيرها من الشعارات التي أراد أردوغان من خلالها اللعب على العواطف والمشاعر لتحقيق وهم القيادة الإسلامية.
أمام هذا الواقع، هناك العديد من الأسئلة التي يجب طرحها على جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الأخرى التي ربطت مصيرها بنظام أردوغان:
هل يدركون أن أردوغان استخدمهم لمشروعه الخاص وليس من أجل الشعارات الأخلاقية التي رفعها؟
هل يدركون أن حديث أردوغان عن الإسلام هو من أجل مشروع وطني تركي قائم على الهيمنة لا أكثر؟
هل سيدركون أن رهانهم على أردوغان يفتقر إلى أي منطق عقلي أو فهم سياسي حقيقي أو استراتيجية طويلة المدى؟
هل يدركون أن أردوغان الذي يرفع الشعارات الأخلاقية والدينية هو الزعيم الأكثر براجماتية إلى درجة الانتهازية لمصالحه؟
في الواقع، استغل أردوغان حركة الإسلام السياسي بشكل جيد، حيث استُغلت جماعات الإخوان المسلمين ضد بلدانها وشعوبها لصالح المشروع التركي لدرجة أنهم قاموا بالاتفاق مع الأجهزة الأمنية التركية، بتهريب مليارات الدولارات وأطنان من ذهب من بنوك بلادهم إلى تركيا كما هو الحال بالنسبة لليبيا. كما استخدمها لنشر الفوضى والرعب في مصر، وجعلها أدوات قتل وارتكاب أفظع الانتهاكات في المناطق الكردية في سوريا، وخاصة عفرين.
مع فشل المشروع الإقليمي التركي، الذي كان قائمًا على صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في بلادها، فقد تجاوزوا فائدتهم وأصبحوا عبئًا على نظام أردوغان.
كل هذه المعطيات والمؤشرات تشير إلى أن التخلي عنها من أجل المصالحة مع الدول التي سبق أن استخدم الجماعة ضدها ليس سوى مسألة وقت.
رغم كل هذا، لا تزال هذه الجماعات تراهن على أردوغان وتقاتل في حروبه هنا وهناك كمرتزقة، دون أن تدرك أن أردوغان لم يكن أبدًا حليفًا لأحد، وأنه استخدمها من أجل مشروعه الوطني التركي.