حرس الحدود هو القوة التي لا يستهان بها في المملكة العربية السعودية. ففي الفترة من 2000-2020، نمت الميليشيات المعادية للمملكة على حدودها (الحوثيون في اليمن؛ الحشد الشعبي في العراق). كما أن حرس الحدود هو أيضًا القوة التي عانت من أكبر عدد من الضحايا السعوديين في اليمن منذ 2015
هناك ديناميكيتان تصفان تطور حرس الحدود السعودي، وخاصة على الحدود مع اليمن، منذ اندلاع “حرب صعدة الأولى” في عام 2004: حيث وسّع حرس الحدود مهامه العملية وقام بإحداث تحول في تكوين الأفراد.
يلعب حرس الحدود السعودي الآن دورًا متزايدًا في الأمن الداخلي (مع إعادة اكتشاف التركيز على التهديدات البحرية)، حيث لم يعد يركز حصريًا على أنشطة مكافحة التهريب.
كما يعتبر حرس الحدود السعودي أيضًا “قوة محلية بشكل أقل” مما كان عليه في الماضي: فهو لا يزال يعمل في الأطراف، ولكنه يعتمد بشكل متزايد على أفراد من غير السكان الأصليين، وبالتالي غير معتاد على النسيج الاجتماعي والقبلي للمنطقة الحدودية. ويأتي تضاؤل تجنيد السكان المحليين، بسبب تزايد عدم ثقة السعودية في ولاء قبائل المناطق الحدودية (ومعظمهم من الإسماعيلية أو الزيديين الشيعة)، مع بداية الحرب ضد الحوثيين في عام 2015.
في هذا الإطار ، لا تزال القوات السعودية على طول الحدود تتشكل من مكون هجين، حيث تدمج جنود حرس الحدود مع حراس من قبائل تنتمي إلى الحدود السعودية اليمنية. منذ عام 2004، يخضع أمن الحدود في المملكة العربية السعودية لسلسلة من الجهات الأمنية الداعمة لحرس الحدود، بما في ذلك قوات الحرس الوطني والقوات البرية الملكية السعودية، لكن مع تزايد التهديدات، لم يعد حرس الحدود السعودي هو القوة الرئيسية بل يظهر كفاعل حدودي ذو ميل للتجزئة الأمنية.
حرس الحدود السعودي: نظرة عامة
في السنوات الأخيرة، عزز حرس الحدود السعودي عدد الأفراد النشطين ووسع نطاق مهامه وعزز أنشطة التدريب. تأسست قوات حرس الحدود عام 1913 باسم هيئة خفر السواحل، وتتبع المديرية العامة لحرس الحدود ووزارة الداخلية.
ولحرس الحدود مقر في الرياض بالإضافة إلى تسع قيادات/ مناطق: تبوك والجوف والمنطقة الشمالية والمنطقة الشرقية ونجران وجيزان وعسير ومكة المكرمة والمدينة المنورة.
في السنوات الخمس الماضية، ارتفع عدد الأفراد العاملين في حرس الحدود السعودي من 10500 عام 2016 إلى 15000 عام 2020، وفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. في عام 2018، بدأ حرس الحدود بتوظيف النساء في الوظائف العسكرية الشاغرة، مع وجود وظائف مفتش أمني في الرياض وجيزان ومكة المكرمة والحدود الشمالية وتبوك.
البرامج التدريبية: الاهتمام المتزايد بالحدود البحرية
كشف حرس الحدود السعودي عن حدود القدرات في تأمين الحدود الساحلية والجبلية، معتمداً تدريجياً على الوحدات العسكرية وصفوة المقاتلين.
في عام 2014، تم إرسال 30 ألف جندي نظامي سعودي إلى الحدود الشمالية عندما استولى تنظيم “الدولة الإسلامية” على أراض في العراق. وفي عام 2015، انتشرت قوات خاصة من الحرس الوطني على الحدود السعودية اليمنية بعد انقلاب الحوثيين في صنعاء.
فيما يتعلق بالتعليم والتدريب، تعتبر الولايات المتحدة شريكًا مهمًا لحرس الحدود السعودي، وقد دخل منذ عام 2008 في برنامج المساعدة العسكرية الأمريكية لقوات وزارة الداخلية.
يشمل تدريب قوات حرس الحدود في برنامج التطوير (المعروف باسم مشروع ميكسا) الذي بدأ في عام 2013، بالاقتران مع بناء السياج الحدودي وتحديث أنظمة المراقبة الإلكترونية.
في عام 2019، تم تنظيم برنامج تدريبي حول الحوار المدني من قبل حرس الحدود السعودي في أكاديمية محمد بن نايف للدراسات البحرية والأمنية بجدة: شارك في هذه الدورة التي استمرت أربعة أيام 84 عضوًا ومؤهلًا، تحت رعاية الملك عبد العزيز في مركز الحوار الوطني.
على الرغم من أصولها البحرية، إلا أن حرب الحوثيين غير المتكافئة في البحر الأحمر هي التي دفعت حرس الحدود إلى إعادة التركيز على الأمن البحري بعد عام 2015.
في عام 2019، عقدت الدورة التدريبية الدولية التاسعة حول مكافحة انعدام الأمن في المجال البحري في جدة، والتي افتتحتها وزارة الدفاع بقيادة مدير عام حرس الحدود عواد البلوي وهو نائب لواء.
في عام 2020، حضر خبراء ومتدربو حرس الحدود السعودي الدورة التدريبية الإقليمية لمكافحة التهديدات البحرية والأمن البحري التي استضافتها أكاديمية محمد بن نايف.
من المقرر في أكتوبر 2020، أن تناقش الندوة الدولية الثانية لحرس الحدود السعودي، التي يتم تنظيمها بالاشتراك مع دائرة حدود الدولة في أذربيجان، حماية الحدود البحرية تحت شعار “معًا من أجل حدود برية وبحرية آمنة ومأمونة.”
تأثير الحوثيين على الحدود والأقليات
يحتفظ حرس الحدود السعودي بعلاقة قرابة مع المنطقة الجغرافية والقبلية التي يعمل فيها، لا سيما على طول الحدود السعودية اليمنية. لكنها لا تمثل “قوة الأطراف”، خاصة بعد وصول الحوثيين إلى السلطة في اليمن. نظرًا لأن الأراضي الحدودية للمملكة يسكنها في الغالب الأقليات السعودية (الشيعة الإثني عشرية في المنطقة الشرقية؛ الشيعة الإسماعيلية والزيديون في الجنوب)، يقدم حرس الحدود بعض ديناميكيات الإقصاء أو التمثيل الناقص المطبق على الجيش أو الحرس الوطني.
كان صعود الحوثيين بمثابة عامل تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة لحرس الحدود. في الواقع، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قام السعوديون بتحويل نهجهم تدريجياً من سياسة الحدود، القائمة على المصالح المشتركة وعلاقات المحسوبية مع القبائل، إلى سياسة الحدود الأمنية أولاً التي أدت للعسكرة المتزايدة.
ومن جهة أخرى، أدت معاهدة حدود جدة، الموقعة بين المملكة العربية السعودية واليمن عام 2000، إلى تسريع هذا التغيير، مما أثار استياء العديد من القبائل الحدودية التي وجدت نفسها فجأة منقسمة بسبب حدود سياسية، وليست بشرية.
حوكمة أمن الحدود: قوات مختلطة ذات هياكل أمنية متطورة
في هذا الإطار، يواجه حرس الحدود السعودي حركات تمرد متوازية، والتي تختلف في معظم الحالات عن بعضها البعض: قتال الحوثيين ضد الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى صراع القبائل الحدودية وبناء سياج طبيعي على الحدود مع المملكة.
اعتبارًا من عام 2000 فصاعدًا، قُسمت حوكمة أمن الحدود السعودية اليمنية إلى أربع مراحل: لكل منها، أعادت المملكة العربية السعودية تنظيم هياكل أمن الحدود، مع دور مركزي أو مساعد لحرس الحدود.
- الأمن غير الرسمي مع قبائل المناطق الحدودية (حتى عام 2000): قبل معاهدة جدة، اختار السعوديون الترتيبات الأمنية مع قبائل المناطق الحدودية، التي تم ضم أفرادها رسميًا إلى حرس الحدود السعودي أو تعاونوا بشكل غير رسمي كجزء من حرس القبائل.
- التعاون عبر الحدود وإضفاء الطابع الرسمي على الأمن منذ عام 2000: بعد معاهدة جدة، أنشأت المملكة العربية السعودية واليمن حرس حدود مشتركًا يتألف من السكان المحليين وتم نشر الوحدات على كل جانب من الحدود، وبالتالي إضفاء الطابع الرسمي على الوضع السابق، بالإضافة إلى الترتيبات الأمنية مع قبائل المناطق الحدودية.
- (2004-2018): انقسام حرس الحدود السعودي اليمني المشترك على طول “جزء” صعدة من الحدود بسبب الصراع مع الحوثيين. بدأت فلول حرس الحدود اليمنيون الذين ما يزالوا موالين للحكومة بالعمل من الأراضي السعودية ضد المتمردين الشماليين، وحارب حرس الحدود السعودي مباشرة الحوثيين خلال “حرب صعدة السادسة” (2009).
عندما تدخل السعوديون في اليمن عام 2015، انتشرت قوات خاصة من الجيش وخاصة الحرس الوطني على الحدود لدعم حرس الحدود، وبالتالي اعتمد حرس الحدود السعودي – مثل الوحدات الأخرى المتمركزة في المنطقة – بشكل أقل على القبائل الإسماعيلية والزيديين الحدودية، وبالتالي منع المعارضة المحتملة، مع الاستمرار في التجنيد من القبائل السنية في نجران كحرس خلفي.
على الجانب الآخر، كان حرس الحدود اليمني، المدعوم بشكل أساسي من الرياض، مزودًا بمجندين سنة من خارج المناطق الحدودية مثل تعز وإب: دخلت حوكمة أمن الحدود فترة من العسكرة والطائفية. كما تم إخلاء العديد من القرى الحدودية السعودية وهدم منازل فارغة لمنع إنشاء ملاذات آمنة للمسلحين، ونتيجة لذلك تضررت المنطقة الحدودية من غارات الحوثيين والمدفعية الصاروخية والصواريخ بشدة (كما في حالة مدينة نجران) التي أطلق عليها الصواريخ من الأراضي اليمنية.
- مجموعة متنوعة من اللاعبين الأمنيين إلى جانب حرس الحدود (منذ 2018): منذ أن أصبحت الحدود السعودية اليمنية منطقة عنف دائم، كان رد فعل حرس الحدود السعودي هو زيادة التجنيد خارج الحدود، حيث نُشر المزيد من القوات العسكرية على الحدود: من بينها، بدأ فوج الأفواج (التابع لوزارة الداخلية بقيادة اللواء فهد سعيد القحطاني، من قبيلة إسماعيلية بارزة في جيزان وعسير)، وتسيير دوريات أمنية في عام 2019 في المناطق الجبلية، وإنشاء مناطق لمكافحة التسلل وتهريب الأسلحة والمخدرات.
تعزيز الرواية الوطنية
في العقد الماضي، أصبح عدم الاستقرار العنيف على الحدود السعودية اليمنية حافزًا على إنشاء الرسالة الوطنية من أعلى إلى أسفل المملكة: أصبح حرس الحدود السعودي الآن جزءًا من هذا المزاج “القومي العسكري”.
في عام 2017، كانت الندوة الأولى لحرس الحدود السعودي بعنوان “وطن لا نحميه … لا نستحق العيش فيه”. قد انتهت بانضمام عدد لا يحصى من الجنود السعوديين، بمن فيهم حرس الحدود، منذ عام 2009 بسبب الصراع الطويل الأمد مع الحوثيين.
خلال مشاركتها في مهرجان الجنادرية الوطني للتراث والثقافة عام 2017 (الذي نظمه الحرس الوطني) ، خصص حرس الحدود “ركنًا لعرض الصور والمعلومات عن الرجال الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطنهم”. لا يقدم الموقع الرسمي لحرس الحدود السعودي قائمة محدثة بـ “الشهداء” الذين ماتوا وهم يخدمون على الحدود. ومع ذلك، فإن جميع الأسماء المذكورة تأتي من جيزان ونجران وعسير، حيث جاء أكثر من نصف المجندين من جنوب غرب المملكة العربية السعودية.
في عام 2015، أنشأ مجلس الوزراء السعودي صناديق تعويضات للقتلى والجرحى من الجنود وأسرهم، وقدم الملك سلمان رواتب شهرية إضافية للقوات المتمركزة على الحدود. مع استمرار الحرب في اليمن، أصبح حرس الحدود السعودي أيضًا جزءًا من المحرك الوطني الرسمي، على الرغم من أنه أصبح أقل محلية وأكثر طائفية في خيارات التجنيد.