كان البيت الأبيض قد أعلن في 14 يونيو الماضي عن زيارة سيقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة متوجهاً إلى إسرائيل وفلسطين والسعودية، وجاء في البيان” أن الرئيس بايدن سيلتقي الملك سلمان وولي العهد، وسيشارك في قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي تترأس دورتها المملكة. وأكد بيان للبيت الأبيض إن تلك الزيارة “تم التحضير لها على أعلى مستوي وعلى مدى أشهر من قبل مسؤولين ودبلوماسيين كبار في الإدارة الأميركية”.
أولاً: ترتيبات وتفاصيل الزيارة
- سيزور الرئيس بايدن إسرائيل والسعودية خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو، تبدأ الزيارة بإسرائيل وفلسطين يوم 13 و 14 يوليو، وتنتهي بزيارة السعودية يومي 15 و 16 يوليو.
- سيحضر بايدن دورة ألعاب مكابيا في إسرائيل على هامش الزيارة، وهي دورة تجمع يهود من كافة أرجاء العالم.
- هناك احتمالات بشأن قيام الرئيس بايدن بزيارة مستشفى (المقاصد الخيرية الإسلامية) الفلسطينية في القدس الشرقية، وهي ذات المستشفى التي كانت قد خسرت جزءاً من الدعم الأمريكي المقدر بــ 25 مليون دولار بعد قرار الرئيس ترامب بإيقافه سابقاً.
- سيسافر بايدن من تل أبيب إلى جدة مباشرة، في رحلة طيران لم تحدث من قبل بين السعودية وإسرائيل.
- يتواجد منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط بريت ماكغورك في السعودية حاليا لإنجاز ترتيبات الزيارة.
ثانياً: لقاءات استكشافية وتمهيدية تمت قبل زيارة بايدن للسعودية
- كانت المبعوثة الخاصة لمراقبة ومكافحة معاداة السامية السفيرة جولة “ديبورا ليبستادت” التي تعمل تحت مظلة وزارة الخارجية الأمريكية قد أجرت جولة في الشرق الأوسط تشمل السعودية والإمارات وإسرائيل قبل الزيارة.
- كانت هناك إشارات وتلميحات في مارس 2022 بشأن قيام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بزيارة السعودية، إلا أن وزارة الخارجية السعودية نفت وجود زيارة في المستقبل القريب في هذه الأثناء، لكن بلينكن كان قد التقى نظيره السعودي فيصل بن فرحان على هامش اجتماع مجموعة العشرين في إيطاليا مايو 2022.
- كان نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان قد التقي في مايو 2022 عدد من المسؤولين الأمريكيين وهم (وزير الدفاع لويد أوستن- وزير الخارجية أنتوني لينكن- مستشار الأمن القومي جاك سوليفان).
- كان مستشار الخارجية الأمريكية لشؤون الطاقة أوموس هوتشستين، وبريت ماكغورك، منسق شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض قد زارا السعودية 4 مرات للتباحث بشأن اتفاق أوبك+ في محاولات إقناع السعودية برفع معدلات إنتاج النفط لمواجهة ارتفاع الأسعار.
ثالثاً: ترتيبات يتم الانتهاء منها قبل الزيارة
- إنهاء التحقيق الأمريكي بشأن مقتل الصحفية الفلسطينية الحاملة للجنسية الأمريكية شيرين أبو عاقلة، وقد انتهي التحقيق بحسب بيان الخارجية الأمريكية إلى (أنه أنه لا يمكن التأكيد على وجه اليقين مصدر إطلاق الرصاصة، انتفاء شبهة التعمد الإسرائيلية وأن الخبراء لم يصلوا إلى نتيجة قاطعة حول منشأ الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة) …حيث تسريع إنهاء التحقيق قبيل زيارة بايدن سوف يعفيه من أي أسئلة محرجة بشأن مقتل أبو عاقلة حيث سيقوم برمي الكرة في ملعب نتائج التحقيق الفني لتجاوز هذا السؤال إن تم طرحه.
- إنهاء الترتيبات اللازمة بشأن الموقف من القوة الأممية المتواجدة على جزيرة تيران، وتوقيع اتفاق سعودي إسرائيلي أمريكي مشترك بشأن ترتيبات الأمن والملاحة في المضايق بعد انتقال ملكية الجزيرتين من مصر إلى السعودية. ولهذا الغرض تم تشكيل لجنة قانونية وعسكرية ودبلوماسية رباعية تضم (مصر-السعودية-إسرائيل- أمريكا).
رابعاً: محاور النقاش والتعهدات والاتفاقات
- لقاء جدة في الأساس اجتماع لقمة مجلس التعاون الخليجي+ مصر والأردن والعراق، وجاء حضور بايدن لقمة جدة وليس في زيارة خاصة يلتقي بها ملك السعودية وولي العهد لحفظ ماء وجهه، فبايدن بات يردد منذ أن تم الإعلان عن الزيارة أن (زيارته جزء من اجتماع أكبر) لمناقشة عدة ملفات مع عدة دول منها السعودية.
- ستكون هناك قمة افتراضية لقادة دول I2U2 ( اختصارلــ Israel- India& UAE-USA ) وهي المبادرة التي تم تدشينها كأحد مخرجات الاتفاق الابراهيمي، والمعنية بأمن الملاحة ومشاريع البنية التحتية والاستثمارات وأمن الغذاء والتكنولوجيا.
- تأمل السعودية إعادة إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب، إلا أن الولايات المتحدة لديها مبررات قد تبدو منطقية لرفض الطلب فيما يخص المساعدات الإنسانية واحتمالات تأثير الإدراج على الشعب اليمني. وسيتم البناء على مخرجات الهدنة الأخيرة في اليمن التي لا تزال صامدة حتى الآن، في طريق وضع حل للحرب في اليمن وإنهاءها.
- النقاش بشأن إيران وتشكيل جبهة عربية، بالفعل توجد وجهة نظر عربية موحدة تجاه سلوك إيران الإقليمي، لكن هناك خلافات بشأن تكتيكات وآليات المواجهة ما بين المواجهة الخشنة والدبلوماسية. وسيكون هناك طلب سعودي خليجي مشترك بالحصول على تعهد أمريكي بشأن عدم رفع الحرس الثوري الإيراني عن لائحة الإرهاب كأحد مخرجات الاتفاق النووي. وفي ظل البطء الملحوظ لاتفاق النووي فإن كافة الأطراف ومنها الولايات المتحدة تعمل على تجهيز استراتيجية أخرى حال لم تتمكن الأطراف المعنية في فيينا التوصل لاتفاق.
- النقاش بشأن أسعار النفط، حيث يحتاج الرئيس بايدن العودة للناخب والمواطن الأمريكي بمكاسب مرتبط بنفقاته اليومية على تعبئة البنزين.
- ليس من المتوقع أن يكون هناك حديثاً عاماً بخصوص مقتل الصحفي السعودي جمال خاشجقي إلا في حالة وجود مؤتمر صحفي مفتوح. ورغم ذلك سيكون الرئيس بايدن مضطر لإثارة الموضوع ضمن نقاش داخلي مع ولي العهد حتى يضمن عدم تعرضه للانتقاد بعد عودته إلى واشنطن خصوصاً من الجناح التقدمي واليساري. حيث قامت مجموعة من النواب الديمقراطيين الثلاثاء الماضي بتوقيع عريضة وارسالها للبيت الأبيض مطالبين بايدن بضرورة ضمان مصالح واشنطن في الزيارة وعدم تقديم تنازلات وتحديد نقاط لبايدن ليتحدث بها إلى السعودية وهي ( أسعار النفط – الحرب في اليمن- احتجاز نشطاء حقوق إنسان- مقتل خاشقجي- التعاون مع الصين- الحصول على التكنولوجيا النووية وصواريخ باليستية(
- من المحتمل أن يكون هناك نقاشاً داخلياً بشأن العلاقات الإسرائيلية السعودية، التي شهدت مرونة بعض الشيء مؤخراً بطرق غير مباشرة، فبادين يعول كثيراً على هذه العلاقات لموازنة رد الفعل الإسرائيلي الغاضب من عودة واشنطن للاتفاق النووي. وهناك شواهد بالفعل على تلك المرونة الإسرائيلية السعودية منها (لقاء شرم الشيخ مؤخراً- اللجنة الرباعية بشأن تيران وصنافير التي تضم إسرائيل والسعودية ومصر والولايات المتحدة – عبور طيران إسرائيلي تجاري للأجواء السعودية- عقد قمة افتراضية على الأراضي السعودية تكون إسرائيل طرف فيها)
- هناك نقاشات منذ عدة أعوام بشأن اعتراض السعودية على قانون (العدالة ضد الإرهاب) الذي أقرته أمريكا في الذكرى 15 للهجوم على برجي التجارة في نيويورك، والذي يسمح بمقاضاة مسؤولين سعوديين ورفع دعاوى مدنية في المحاكم الأمريكية للحصول على تعويضات دون التقيد بالحماية والحصانة الدبلوماسية، وتراه السعودية تسيساً للقانون وإلغاء للسيادة الوطنية، وقد يتم الدفع بتوصية لإلغاء القانون.
- سيكون على الفريق الأمريكي الحديث مع السعودية وباقي الأطراف الخليجية بشأن تخفيض حدة التوجه نحو الصين وروسيا، حيث شهدت السنوات الخمس الفائتة علاقات أكثر عمقاً بين هذه الأطراف، لكن الخبرة الخليجية بالإدارات الأمريكية وتبدلات مواقفها المستمرة تجاه الخليج لن تجعل دول الخليج تتناول عن مكسب تنويع الحلفاء بسهولة لتلافي الوقوع تحت الضغط الأمريكي مستقبلاً بشأن تخفيف التواجد الأمني وحبس أو سحب معدات عسكرية ودفاعية كما حدث مع أنظمة الباتريوت التي سحبتها الولايات المتحدة أثناء اشتداد الهجوم الحوثي على السعودية، خصوصاً أن العلاقات الروسية الصينية-الخليجية باتت أكثر ارتباطاً وليست مجرد علاقات عابرة.
- هناك مخاوف أمريكية من الحليف الإسرائيلي نفسه، حيث تعميق العلاقات الإسرائيلية- العربية سوف يعني قيام إسرائيل بتقديم دعم أمني وعسكري قد يقلل من الحاجة الخليجية للحصول على الدعم الأمريكي، هذا بالإضافة إلى التواجد الروسي والصيني ما يعني قراراً خليجياً بالتخفف التدريجي من الحاجة للدعم الأمريكي.
- ليس من المتوقع قيام بايدن بإعادة النظر في قرار ترامب ونقل السفارة الأمريكية مرة أخرى من القدس إلى تل أبيب، وقد يوازن ذلك القرار بزيارة لمستشفى (المقاصد الخيرية الإسلامية) في القدس الشرقية للتأكيد على أن واشنطن لا تزال عند موقفها بشأن أحقية فلسطين في القدس الشرقية، وأنها تعيد مسار (حل الدولتين) مرة أخرى إلى الطاولة بما يدعم المفاوضات ويقدم بادرة حسن نية أمريكية مغايرة عن تلك التي تقدم بها الرئيس ترامب.
تقدير
- تمر الولايات المتحدة الأمريكية بانتكاسة، ولا تملك مجالاً واسعاً للمناورة، في ظل شيوع انقسامات بالداخل الأمريكي وتعاظم النفوذ الروسي والصيني بالمنطقة، وحالة عدم اليقين بشأن الرئيس القادم، وانتخابات التجديد النصفي التي تقتضي تقديم الرئيس الأمريكي لتنازلات محلية ودولية طالما قد تؤثر على قرارات الناخب لصالح الحزب الحاكم، ولذللك ستعمل السعودية على الاستثمار في هذه الحالة لإدارة (المقايضة) المحتملة لصالحها.
- هناك حالة وعي متناقض: حيث هناك تغيير إيجابي يحدث في السعودية لكن لا تراه الولايات المتحدة خصوصاً في المجال الاجتماعي والاقتصادي والديني، وهو التغيير الذي لطالما نادت به واشنطن، وفي نفس الوقت هناك تغيير سلبي يحدث في الولايات المتحدة وتراه السعودية. ورغم ذلك لا تجيد واشنطن حتى الان الاستثمار أو الانتفاع من التغيير الحاصل في السعودية لتوطيد العلاقة، مقابل وعي السعودية بالوضع السلبي القائم في الولايات المتحدة وستقوم بالاستثمار فيه لصالحها.
- في ظل احتمالات عدم فوز بايدن في الجولة الرئاسية المقبلة أو عدم فوز الحزب الديمقراطي فإن المملكة العربية السعودية في وضع يمكنها من الانتظار وإدارة عامل الوقت لصالحها وترويض أي مقايضات محتملة لتحقيق مكاسب على عكس الوضع لدى الطرف الأمريكي الواقع تحت ضغط عامل الوقت وانتخابات التجديد النصفي ثم انتخابات الرئاسة لاحقاً وارتفاع أسعار الطاقة.
- من المحتمل أن ترفع السعودية من معدلات الإنتاج ما يساهم في خفض أسعار النفط (قليلاً) بشكل يمكنها من الاستمرار في إدارة المقايضة لصالحها، وفي وقت سابق كانت أوبك بلس بقيادة السعودية قد أكدت أنها ستزيد إنتاج النفط بمعدل بسيط في يوليو واغسطس.