منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتداعياتها الكثيرة المركبة على أكثر من قطاع حيوي أبرزهم الطاقة والغذاء، وما صاحبها من ضبابية الإجابة عن سؤال تعويض إمدادات الطاقة الروسية لأوربا، يكثر الحديث عن غاز شرق المتوسط كرقم بالغ الأهمية في مشهد الطاقة العالمي؛ فعلى الرغم من ضآلة احتياطات شرق المتوسط المقدرة بـ1% فقط من احتياطيات الغاز حول العالم، وكذلك المشكلات الأمنية والسياسية المصاحبة له منذ مطلع الألفين والمستمرة كخلفية له حتى الأن، فإن التوقيت المتمثل في ذروة تحولات إقليمية تعيد هيكلة علاقة قوى المنطقة بالقوى الكبرى، قد تلاقى مع تحدي عاجل حول مستقبل التحول للطاقة المتجددة خلال العقد القادم، ومدى تأثير الحرب الأوكرانية والصراع بين الثلاثي الكبير(واشنطن، موسكو، بكين) على وتيرة هذا التحول، وهو ما جعل غاز المتوسط ككل بمثابة محطة انتقالية ووسيلة انقاذ عاجلة لتجنيب أوربا أصعب شتاء سيمر عليها منذ الحرب العالمية الثانية.
مثل هذا اختبار واقعي لاستراتيجية مصر الخاصة بالطاقة، والتي تتمحور حول التحول لمركز اقليمي للطاقة بأنواعها، وذلك كخيار استراتيجي للقاهرة جرى العمل عليه خلال السنوات الثمانية الماضية، ليس فقط لدواعي اقتصادية واجتماعية وسياسية، ولكن لأبعاد أمنية وجيوستراتيجية صبت في اتجاه استعادة مقومات الدولة المصرية الجيوسياسية في الداخل والخارج وتعظيمها، وذلك في سنوات هي الاصعب في تاريخها الحديث.
وسط هذه المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة في السنوات القليلة الماضية، والتي تمثلت ذروتها في الحرب الاوكرانية وتداعياتها على مشهد الطاقة العالمي، أصبح غاز شرق المتوسط على حجمه الصغير نسبياً مقارنة بإمدادات الغاز الروسي لأوربا، رقم استراتيجي بالغ الاهمية، ليس فقط من ناحية الفوائد والمكاسب الاقتصادية المباشرة، ولكن ايضا لمميزات جغرافية محضة كونه الأقرب والأكثر جهوزية من حيث النقل لأوربا خاصة في ظل أزمة سلاسل التوريد البادئة حتى قبيل تفشي كورونا، وهو ما أكسبه نقاط قوة سياسية واستراتيجية تتطور مع الوقت لتكون محور جديد للسياسة الخارجية لمعظم لدول شرق وجنوب المتوسط عموماً، مع خصوصية من حيث الاستدامة والتشبيك لسنوات قادمة على كافة الاتجاهات والمحاور التي تعتني بها السياسة الخارجية للقاهرة.
في السطور التالية نستعرض الجوانب السياسية والأمنية لاستراتيجية مصر الخاصة بالطاقة، التي تتبلور بمرور الوقت لتصبح محور من محاور السياسة المصرية في ضبط وتوجيه علاقاتها الإقليمية والدولية على المدى المتوسط والبعيد، وتتعاظم قيمتها بوتيرة طردية بفضل محددات قوة مصر المتعددة وأهمها الموقع الجغرافي، حيث التداخل بين الطاقة والملاحة في سابقة لم تحدث من قبل من حيث انتزاع الفرص وتحييد المخاطر وإدارة الأزمات.
الطاقة كرافعة لمحاور السياسة الخارجية المصرية
خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل تحييد معظم المخاطر الداخلية (الحرب على الإرهاب، الإصلاحات الاقتصادية)، استعادت مصر حضورها في الملفات الإقليمية، انطلاقاً من القضايا الأكثر الحاحاً، والمتعلقة بشكل أساسي بأمنها القومي (ليبيا، القرن الأفريقي، سياسات الطاقة)، وعلى أرضية تجذير الاستقرار داخلياً، ومن ثم جعله بوصلة للتوجهات الخارجية، من حيث تبني خطاب وإجراءات تتسق مع أهداف مثل استعادة المؤسساتية كحامل للاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في مختلف الدول التي تتقاطع مع محددات الأمن القومي المصري، بجانب خطوات ما زالت تتسم بالبطء لتكريس الحضور في ملفات أخرى.
هذا المسار يأتي في ظل تغيّر الديناميات المحرّكة للسياسات في دوائر التأثير المصري مقارنة بالفترة التي سبقت “الربيع العربي”، إن لجهة بروز أدوار منافسة لقوى إقليمية أخرى أو لجهة تغير قواعد اللعبة على المستوى الإقليمي، في ظل بروز أولويات غير تقليدية (مشاريع الطاقة، التحديات الامنية)، في موازاة تغير قواعد اللعبة الدولية مع تنامي الحضور الروسي والصيني كعنصر مستجد أتى ليوازن، ولو نسبياً، النفوذ الأميركي
هنا شكلت اكتشافات الغاز ولاحقاً استراتيجية القاهرة للتحول لمركز إقليمي للطاقة، بوابة لاستعادة القاهرة للفعل -المبادرة والمبادأة والتفاعل النشط- على مستوى الخارج، وذلك بعد حوالي عشر سنوات (2003-2013) من ترهل وارتجال إزاء المتغيرات الإقليمية والدولية؛ حيث إعادة تنشيط لمحددات القوة الصلبة للدولة المصرية المتمثلة في الجغرافيا والقوة العسكرية، وتضفير استراتيجية الطاقة كرافعة لعدة محاور أمنية/جيوستراتيجية.
تعززت كفاءة السابق وفاعليته بفضل استباقية وجهوزية النموذج المصري تجاه المتغيرات الدولية والإقليمية بشكل مرن أخرها الحرب الأوكرانية، وارتفاع أسهم غاز شرق المتوسط لمدى يتجاوز الفائدة الاقتصادية المباشرة، لمستويات سياسية وأمنية تعيد صياغة علاقة القاهرة بالخارج وتحديداً القوى الدولية الكبرى، وهو ما بات منذ اندلاع الحرب الأخيرة نموذج استرشادي في المنطقة من حيث التخطيط المرن والتحوط المستقبلي وحامل لأهداف سياسية وأمنية قد لا تبدو أنها ذات صلة بموضوع الطاقة، وصولاً لما يمكن وصفه بسياسة ربط وتشبيك الطاقة والملاحة عبر مقاربة أمنية/سياسية تتعلق بأولويات القاهرة الداخلية والخارجية، وامتداداتها على محاور السياسة الخارجية المصرية جنوباً (القرن الأفريقي، حوض النيل، البحر الأحمر) وغرباً (ليبيا وشمال أفريقيا) وشرقاً (غزة، سوريا، لبنان، العراق، الخليج) وشمالاً ( تركيا واليونان وقبرص وجنوب أوربا) ناهيك عن التوازن في العلاقات بين الثلاثي الكبير.
يظهر هذا بوضوح فيما يخص توظيف القاهرة لاكتشافات الغاز وآليات واتفاقيات تسييله وتصديره، فيما هو أبعد من مجرد حل أزمة طاقة داخلية وتصدير فائض للخارج ولاحقاً استثمار في تداعيات الحرب الأوكرانية؛ حيث الانخراط القيادي في شراكات إقليمية ودولية متعددة، يجمع ما بينها استدامتها الاستراتيجية وتوسعها لما يتجاوز الغاز من حيث التحول للطاقة المتجددة والنظيفة، وعلاقة ذلك بقضية التغير المناخي وتداعياته المستقبلية على العالم كافة.
كذلك فإن شبكات الربط الطاقي بأنواعها متعددة المصادر المتجددة والتقليدية، بداية من الغاز وصولاً للطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر والطاقة النووية، أتت كامتداد يُعظم من المكتسبات الجيوسياسية المصرية المتمثلة في جغرافيا تتقاطع فيها الملاحة والطاقة بشكل، وهو ما عزز من اقتناص فرص وإدارة مخاطر الحرب الروسية-الأوكرانية وانعكاساتها على المنطقة، كمجرد بداية لمسار مستقبلي طويل الأمد وليس فقط كاستثناء طارئ مرتبط بالسقف الزمني للحرب.
هذه الاستدامة أتت كنتيجة لارتكاز إستراتيجية الطاقة المصرية على عنصريين أساسيين من عناصر القوة الصلبة لمصر: الجغرافيا والقوة العسكرية وخاصة البحرية. وهو ما مهد لاحقاً مع باقي عناصر القوة بأنواعها لاجتراح سياسة خارجية صفتها التوازن والتنوع والتحوط والاستباق، على نحو غير صدامي، وفي نفس الوقت وفق خطوط حمراء وأولويات أمن قومي، تحقيقها ممكن عبر اجتراح أدوات وحوامل مستجدة مثل الطاقة ومستقبلها، تعالج الحالي وتتجهز للمستقبل، وهو ما يظهر في البُعد السياسي لاهتمام القاهرة المتزايد بالتغير المناخي كأحد أهم محاور تفاعلها مع الخارج.
ما قبل الحرب.. وما بعدها
يُلاحظ أن توظيف الطاقة بأبعاد سياسية وأمنية من جانب القاهرة قد سبق لحظة اندلاع الحرب الأوكرانية، التي ساهمت تالياً في تحييد/إدارة أفضل للمخاطر المنعكسة على المنطقة ومصر وأبرزها ملف الغذاء والقمح، وكذلك توسيع للفرص من حيث الدفع للوصول لمنطقة وسط عبر جسر الطاقة بمختلف الملفات الإقليمية المعنية بها القاهرة والابتعاد عن الحلول الصفرية، والتي تمثلت في نموذجي لبنان وليبيا من حيث التشابك فيما يخص العلاقات مع كل من تل أبيب وأنقرة، حيث توظيف الغاز في تجنب صدام عسكري مباشر، وتحييد مخاطر أمنية.
يُلاحظ أيضاً أن هذا الاستباق تم التحضير له عبر آليات وشراكات جعلت من اكتشافات غاز شرق المتوسط مرتكز سياسي وأمني وليس اقتصادي فقط، وأشهر هذه الآليات هو منتدى شرق المتوسط، والذي مثل تكتل فريد من نوعه من حيث عدم اقتصاره فقط على تنظيم ثروات الغاز والاستفادة منها اقتصادياً، ولكن سياساً وأمنياً عبر مقاربات إقليمية ودولية، وخاصة التي تتعلق بفعل القوى الدولية الكبرى في الشرق الأوسط، وهو ما جعل مشهد الطاقة الإقليمي بتحولاته الراهنة عشية الحرب الأوكرانية، يتخطى المدى التقليدي المرتبط بالنفط وتوظيفه سياسياً على مدار العقود الماضية في إدارة علاقة القوى الكبرى بالمنطقة وعلى رأسها واشنطن، لينقلها إلى مدى أوسع من حيث تنوع الخيارات وتدرجها نحو التوازن والتعدد، وإتاحة هامش تتشابك خلاله مسألة استثمار فرص وإدارة مخاطر تداعيات الحرب في أوكرانيا على المنطقة بضبط علاقة قواها بالقوى الكبرى.
كذلك مهدت اكتشافات الغاز وانتاجه وتسييله واستراتيجية الطاقة المصرية عموماً، الطريق أمام تعزيز دور مصر الإقليمي وفق أولويات وتوقيتات مصرية لا تتذيل مواقف القوى الدولية تجاه مختلف الملفات والقضايا التقليدية والمستجدة، ولا تتصادم في الوقت نفسه معها، بل تتكامل وتتوازن على أرضية تحوطية تراعي تنوع العلاقات وتعزيزها واستدامتها، وهو ما تجسد بوضوح خلال العام الجاري من خلال التحركات المصرية الخارجية على امتداداتها العربية والأفريقية والأوربية، والتي شكلت الطاقة محوراً رئيسياً بها، وتعاطي إيجابي من جانب هذه القوى بمختلف مواقفها مع مقاربات القاهرة تجاه شتى الملفات والقضايا، وخاصة التي تضعها الأخيرة كأولوية.
يتم هذا عبر حزمة توازنات تقاطع فيها فعل القاهرة الخارجي مع القوى الدولية المعنية به، وهو ما تكرر بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية في ملفات ليبيا وغزة والسودان ولبنان وسد النهضة وأمن الملاحة في الإقليم، وذلك عبر توظيف الطاقة والغاز في تعزيز سياسة التنوع والتوازن كمرحلة تالية متقدمة عن سياسة التحوط تجاه المتغيرات الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط، وبروز ذلك في النموذج المصري الذي يُعد الأكثر تقدماً مقارنة بباقي “حلفاء واشنطن” من حيث الجهوزية والحذر، وفق توقيتات وأولويات لا تتصادم مع ساكن البيت الأبيض، ولكن توفر مساحة للتفاوض للابتعاد بقدر الإمكان عن المعادلات الصفرية، وهو ما تعزز على وقع الحرب الأوكرانية، وارتباط الغاز والملاحة والترقب الصيني-الروسي بهذه الملفات كورقة توازن إضافية لمجمل مراحل تفاعل القاهرة مع متغيرات السياسة الخارجية لواشنطن في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
أبرز مثال للسابق يتجسد في تأمين إمدادات القمح والواردات الغذائية بشكل عام؛ حيث بات معامل هام في ضبط أولويات السياسة الخارجية لمصر فيما يتعلق بتفاعلها مع الحرب في أوكرانيا، من حيث إدارة توازن دقيق وبراجماتي على مستوى إقليمي ودولي ينحاز لمصالحها وأولويات أمنها القومي، وهو ما يتطلب في ظل مناخ الهدوء النسبي الذي يكتنف المنطقة مؤخراً تضفير التحوط والتوازن كمنهج لإدارة الأزمات، وتحويل ما يمكن منها لفرص مثلما حدث في أزمات كورونا وتوفير اللقاح ومؤخراً المساهمة في تعويض الغاز الروسي في الأسواق الأوربية وأزمة الدفع بالروبل، وهو ما تكرر كذلك بالنسبة للقمح الروسي والأوكراني من حيث استثناء من العقوبات واقتناص فرصة إمكانية فتح ممرات آمنة لتصدير الحبوب من سواحل البحر الأسود أو عبر رومانيا وبولندا، باستدامة توازي استدامة عقود الغاز المُسال. وهو ما يلتقي مع حاجة القوى الدولية والإقليمية للدور المصري على مستويات إقليمية ودولية، والمستند على واقع جغرافي وديموغرافي يمتد تأثيره عربياً وافريقياً في ملفات الطاقة والملاحة والدواء الغذاء والأمن والهجرة وغيرها، والتي تعاظمت أهميتها على ضوء متغيرات الحرب الأوكرانية، حيث تفويت الوقع في معادلة “الطاقة مقابل الغذاء“، التي قوضت دول الأطراف لعشرات السنين.
محصلة واستشراف
تتبلور المكاسب الجيوستراتيجية والأمنية لسياسات الطاقة المصرية على نحو استراتيجي متعدد الاتجاهات؛ فسواء كانت الاستفادة داخلياً في إعادة هيكلة قطاع الطاقة وتطويره بالكامل للخروج من أزمات مزمنة لسنوات طويلة كان لها كلفتها الأمنية والسياسية، أو خارجياً بتعظيم هذا التطور وتنويعه بشكل مرن يتوافق مع متغيرات إقليمية ودولية ليس أخرها تداعيات الحرب في أوكرانيا، بل فقط بداية لمرحلة جديدة لعلاقات القاهرة الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي، عبر عناوين مستجدة مثل التحول الطاقي والربط الكهربائي وعلاقتهم بمجابهة تغير المناخ.
أيضاً يبرز تطبيق السابق على المستوى الإقليمي في أكثر من اتجاه وملف تُعنى بها السياسة الخارجية للقاهرة، وفق أولويات وتوقيتات متسقه مع محددات أمنها القومي على المدى المتوسط والبعيد، وأيضاً كحلول آنية تساعد في الدفع نحو استقرار إقليمي يتكرس بشكل حثيث في السنوات الأخيرة عبر إحلال الحوار والتقارب محل الاستقطاب والتنازع، ومأسسة هذا اقتصادياً وأمنياً عبر مشاريع الطاقة والنقل والتجارة البينية والتكاملية، والتي أتى بعض منها كمقترحات تنزع فتيل حرب وشيكة والوصول لتسويات أمنية وسياسية محورها الطاقة والغاز، سواء كهدف أساسي أو محفز إضافي.
هنا نجد أن الحرب الأوكرانية هيأت ظروف موضوعية لتفعيل السابق وتعظيم مخرجاته على نحو يؤسس مجالاً لمزيد من الفرص بالتوازي مع إدارة المخاطر والتهديدات، وذلك عبر منهجية التشبيك والربط التي تسلكها القاهرة في السنوات الأخيرة، والتي كان أبرزها قبيل الحرب ما جرى من ربط لمسألة أمن الملاحة في المنطقة بحلحلة أزمة سد النهضة، وهو ما تكرر فيما يخص الغاز والطاقة على نحو أكثر تركيباً وفي أكثر من ساحة، من حيث ارتباط الملاحة والموانئ بالطاقة والغاز وخطوطه تصديراً واستيراداً وتسييلاً.
ذروة السابق تمثلت في الاتفاق الثلاثي لتوريد الغاز إلى أوربا واعتبار القاهرة “مورد ثابت ومستقر” في توقيت شديد الضبابية والاضطراب، والذي بجانب فوائده الاقتصادية قد عزز من توجه القاهرة نحو سياسة خارجية متوازنة لا تشكل إرادة واشنطن بوصلتها الوحيدة، بل الاستعاضة عن تواجد الأخيرة بدور أوربي فاعل في مختلف الملفات المشتركة التي تتجاوز مسألة الغاز والطاقة، كالهجرة والملاحة والفقر ومكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر، وعلى أرضية شراكة وتقاطع مصالح وليس كعبء من الأطراف نحو المركز، وهو ما بدوره أتاح للقاهرة إدارة توازن في علاقاتها مع القوى الكبرى عبر بوابات متعددة، أوسعها بوابة الغاز والطاقة وخاصة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
واستشرافاً، فإن مأسسة وتجذير السابق في المدى المتوسط والبعيد عبر الجهوزية والتشبيك والتنوع والتوازن، وغيرهم من العوامل التي ميزت مصر عن باقي القوى الإقليمية في استقبال تطورات الحرب الأوكرانية ومتغيرات المشهد الدولي، سيتم تعميمه على عدة اتجاهات مستقبلية ستكون مشاريع الطاقة أحد محاورها؛ فنلاحظ على سبيل المثال لا الحصر أن الحديث عن مشروعات الطاقة والملاحة إقليمياً وأفريقياً، تتفاعل معه القاهرة بشكل نشط من خلال تضفيره بأولوياتها الخارجية المنبثقة من محددات أمنها القومي ومصالحها المباشرة التي يتقاطع معظمها مع الأضداد الإقليمية والدولية. وهو ما يتكرر بنمط شبه ثابت مع عناوين تتعلق بقضية التغير المناخي ونصيب أفريقيا من ميزانيات ضخمة رصدت للسابق في أطار دعم وتنمية التحول الطاقي وتخفيف أثر التغيرات المناخية على القارة السمراء، وكذلك الاستراتيجية الغربية المجابهة لاستراتيجية الحزام والطريق الصينية وخاصة امتداداتها الإقليمية والأفريقية التي تمثل مصر رقماً مهماً في كليهما، والتي رصدت واشنطن وبروكسل ما يتجاوز 600 مليار دولار لها كميزانية أولية، وهو ما ينطبق أيضاً على تفاعل القاهرة مع استراتيجية موسكو الخاصة بالقارة الأفريقية والتحركات الأميركية الكابحة لها.