يأتي هذا التقرير في وقت مازالت الجائحة تلقى فيه بظلالها الثقيلة على منظورنا ورؤيتنا للمخاطر والتهديدات؛ وفيما يبدو أنها ستستمر كذلك لفترة طويلة؛ مغيرة منظورنا ومفهومنا المحدود حول استعدادنا لمواجهة المخاطر والتنبؤ بها خصوصا في مرحلة نشوئها وتشكلها من جهة؛ وموسعة لنظرتنا القاصرة للآثار والانعكاسات غير المرئية أو متوقعة من جهة أخرى.
-
مقدمة
للعام الثامن على التوالي تقدم مجموعة AXA لتحليل المخاطر رؤية فريدة في تقرير المخاطر والتهديدات للمستقبل الخاص بعام 2021، وذلك بالتعاون والشراكة مع مجموعة Eurasia group؛ وبمساعدة أكثر من 3500 خبير مخاطر و20,000 مستجيب من الرأي العام.
يأخذ هذا التقرير أهمية خاصة؛ حيث أنه يتعرض لتحدى حقيقي وهام وهو: “تعرض مجتمعاتنا لمخاطر وتهديدات غير متوقعة”، فحتى أكثر التحديات العالمية وضوحا؛ والتي تمثل انعكاسا للكثير من هذه المخاطر؛ مثل الحد من أثار تغيير المناخ والتصدي لخطر الإرهاب وتسريع جهود التلقيح العالمية؛ يصعب حلها، خصوصا في هذه البيئة التي يغلب عليها الصراع؛ حينها يكون التعاون العالمي طموحا!
وكما تمثل السنوات القادمة تحديًا في أطار مواجهة هذه المخاطر والتهديدات وانعكاساتها؛ فأنها تمثل بالقدر نفسه فرصًا لو أحسن القادة العالميين استغلالها، فالتنسيق العميق أصبح ضرورة لا غنى عنها لتكوين جبهة موحدة وقوية لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات.
ويحدد التقرير أهم الأهداف المنشودة وأهم المفاتيح لمواجهة هذه المخاطر والتهديدات، وهي: “المرونة الجماعية الفعالة”، و”تطوير الحلول الجماعية” و”الابتكار”؛ وهو ما يشكل إشارة هامة لمدى أهمية الشراكة والتعاون أكثر من ذي قبل خصوصا مع تلك المخاطر غير الاعتيادية أو التقليدية.
وقد اعتمد التقرير على منهجية تطبيق استطلاعات رأي عبر الإنترنت، على مجموعتين، هما: الخبراء والجمهور العام، وبالنسبة للخبراء، فقد تم استطلاع آراء 3448 خبيرًا في 60 دولة في الفترة ما بين 6 – 28 مايو 2021، وكان متوسط عمر المستجيبين 45 عام، 60% من الرجال، و39% من النساء. معظمهم عملوا في أكسا بنسبة 78٪، وكان الاكتتاب وإدارة المخاطر أكثر المهن تمثيلاً، أما نسبة الـ 22٪ المتبقية فقد كانت للعاملين في قطاع الخدمات المالية والشركات الكبيرة.
أما فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي، فقد جاء كما يلي: أوروبا 1.674 استجابة (فرنسا 410 استجابة، والمملكة المتحدة 400 استجابة، وألمانيا 177 استجابة)، وآسيا والمحيط الهادئ بواقع 969 (إندونيسيا 187 استجابة، والهند 146 استجابة، واليابان 120 استجابة)، والأميركتان 678 استجابة (الولايات المتحدة 444 استجابة، وكولومبيا 93 استجابة، والمكسيك 75 استجابة)، وإفريقيا بواقع 118 استجابة، ودول أخرى بواقع 9 استجابات.
أما استجابات الجمهور العام، فقد اعتمد التقرير على مسح لعينة مكونة من 19.001 فردًا من الجمهور في 15 دولة في الفترة ما بين 21 مايو – 15 يونيو 2021، وتم أخذ عينات من المستجيبين من بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 18 عامًا أو أكثر ليكونوا ممثلين من حيث العمر والجنس والمهنة، مع اختيار الدول حسب المنطقة وحجم السوق، وتم استطلاع رأي 5000 شخص في الولايات المتحدة، و1001 في المملكة المتحدة، و1000 في كل من: أستراليا، وبلجيكا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، وهونغ كونغ، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، والمغرب، ونيجيريا، وإسبانيا، وسويسرا، تم ترجيح نتائج البلدان لإنتاج النتائج العالمية والإقليمية.
وقد تم الاستطلاع عن 25 خطرًا، مقسمة إلى خمس فئات، وتم تخصيص 5 نقاط لكل إجابة رئيسية، و4 نقاط للإجابة الثانية، وهكذا، تلك الخمس فئات هي: (1) الصحة والطب: الأمراض المزمنة، والتعرض طويل الأمد للمواد الضارة، والأوبئة والأمراض المعدية، والمخاطر المتعلقة بتغيير الممارسات الصحية والأمراض المهنية الجديدة، والمخاطر المتعلقة بالتطورات والابتكارات الطبية. (2) تغير المناخ: مخاطر تحول الطاقة، التلوث، مخاطر الفضاء والكواكب، الموارد الطبيعية ومخاطر التنوع البيولوجي. (3) مخاطر الأمن السيبراني: التكنولوجيات المدمرة، والمخاطر الأخلاقية المتعلقة باستخدام التكنولوجيا، والمخاطر المتعلقة بالأنظمة الذكية والمستقلة، والمخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. (4) الاقتصاد والتمويل وبيئة الأعمال: مخاطر الاستقرار المالي، ومخاطر الاقتصاد الكلي، ومخاطر السياسة النقدية والمالية، والمخاطر المتعلقة بمستقبل العمل، والمخاطر الاقتصادية المتعلقة بالتكنولوجيا. (5) عدم الاستقرار الجيوسياسي: مخاطر أمنية جديدة والإرهاب، والمخاطر المتعلقة بتغيير التركيبة السكانية، والمخاطر المتعلقة بتطور اللوائح والتقاضي، والسخط الاجتماعي والصراعات المحلية.
-
هل نحتاج أن نرى أفضل؟
يرى التقرير انه مازلنا في طور الاستجابة للمخاطر؛ فمازال الطريق طويلا للتعافي من اثار الجائحة والخروج من حالة اللايقين التي لازمتها، فبالرغم مما تمثله الجائحة من خطر إلا أن محترفي أدارة الأزمات والمخاطر حولوا تركيزهم لمخاطر وتهديدات أخرى مثل تغيير المناخ والأمن السيبراني؛ لما تمثله من تداعيات وانعكاسات لظواهر مقلقة وبارزة ظهرت في حوادث متعددة وبوتيرة متكررة.
كما جاء أيضا قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة كمتغير هام ومؤثر؛ بما يحمله من انعكاسات خصوصا من زاوية القيادة للعالم من جهة؛ واتجاه الممانعة لقيادة هذه القوى العظمي من جهة أخرى، وما زالت أيضا مشاكل وتبعات الانسحاب من أفغانستان تتداعي؛ كما أن العلاقات مع قوى كالصين تظل فاترة في أحسن الأحوال؛ ومن المرجح أن تتدهور.
-
ثلاث دروس مستفادة:
-
تغير المناخ:
يشير الشكل أدناه، إلى تربع “التغير المناخي” على قمة قائمة المخاطر والتهديدات في الأعوام ٢٠١٨ و٢٠١٩ على التوالي، في حين تراجع للمركز الثاني في عام ٢٠٢٠ لصالح متغير مؤثر ومستجد، وهو جائحة كوفيد-١٩، ليعود خطر “التغيير المناخي” لقمة قائمة المخاطر مرة أخرى في العام ٢٠٢١، واللافت للنظر أيضا اختفاء مخاطر عدم الاستقرار الجيوسياسي، من على القائمة تمامًا لعامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١.
ax
ويرى التقرير أن عدم الاستقرار الجيوسياسي – كعامل مؤثر وتحدى هام وملح – أصبح يُشكِّل أرضية مشتركة تحد من قدرة العالم على التعامل الجماعي وبشكل فعَّال مع خطر تغيير المناخ ومخاطر الحصول على الطاقة النظيفة، فبالرغم من هذا التراجع لمخاطر عدم الاستقرار الجيوسياسي خصوصا للعام السابق، إلا أن تداعياته وانعكاساته ما زالت حاضرة وبقوة، بل ومؤثرة على شكل التعامل مع بقية المخاطر الأخرى.
كما يلقى التقرير الضوء والتركيز على عامل مؤثر آخر، وتداعياته المستمرة والآخذة في الازدياد، وهو تحول قطاع الطاقة العالمي من استخدام الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون؛ بغية الوصول للهدف العالمي المنشود وهو: صفر انبعاثات كربونية بحلول العام ٢٠٥٠؛ حيث يواجه هذا الهدف العديد من الحواجز التي تشكل عائقا أمام المبادرات الدولية لتسعير وخفض الانبعاثات الكربونية.
وبالرغم من اعتبار عدم إتمام هذا التحول، وانعكاساته حتى الآن أحد المخاطر ذات الأولوية القصوى المتفق عليها من قبل الجميع إلا أن الإشارة الإيجابية هي الوعي المتزايد بخصوص هذا الشأن.
-
المخاطر السيبرانية – تأثيرات مركبة:
ساهمت الجائحة في التسريع من عملية التحول الرقمي في العديد من المجالات التي كانت بعيدة؛ ليشمل هذا التحول تقريبًا معظم الأنشطة الاقتصادية، وانعكاسات ذلك التي أدت إلى زيادة احتمالية التحول من مجرد هجمات سيبرانية وراءها منظمات إجرامية، إلى حرب سيبرانية مدفوعة من دول، وقد زادت نسبة الخبراء الذين اختاروا الأمن السيبراني كواحد من أهم خمسة مخاطر عالمية من (٥٤%) لصالح استطلاع الرأي في عام ٢٠١٨ إلى ٦١% لصالح استطلاع الرأي في ٢٠٢١، كما يوضح هذا المنحنى أدناه.
فقط ٢٦% من الخبراء المسؤولون في AXA يروا أن الحكومات مجهزة لمواجهة هذا الخطر، مع ملاحظة أن هذا الرقم لم يتحسن منذ طرحنا هذا السؤال أول مرة في ٢٠١٩.
ويرى التقرير أن هناك القليل من الزخم لسن قواعد عالمية حاكمة من شأنها أن تحكم بشكل فعال الفضاء السيبراني، كما أن هناك خطر متزايد من التعطيل الشامل خصوصا لو تصاعدت الأعمال الانتقامية للهجمات وخرجت عن نطاق السيطرة.
ويرصد التقرير زاوية أخرى تتعلق بالمستجيبين الأصغر سنًا، حيث يرى أنهم هم أكثر اهتماما من الأكبر سنًا، نحو إعطاء الأولوية للمخاطر المتعلقة بالخصوصية واستخدام بياناتهم الشخصية والجينية والبيوحيوية.
كما يُلقى التقرير بالضوء والتركيز على صعوبة التمييز بين جرائم الهجمات السيبرانية، وفصلها عن الحرب السيبرانية، وذلك كتحدي متنامي يتطلب المزيد من التعاون بين الحكومات وشركات التأمين.
-
كوفيد ١٩:
يرصد التقرير أثار وانعكاسات الفجوة بين الابتكارات المستقبلية في المجال الصحي وحقوق الملكية الفكرية، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تراجع الابتكارات المستقبلية بسبب التوتر بين الدفاع عن الملكية الفكرية وضمان الوصول العادل إلى العلاجات، كأحد الانعكاسات لهذه الفجوة.
ويُشير الشكل البياني أدناه إلى المخاطر الصحية طبقا لاستطلاع الرأي العام في ٢٠٢١.
حيث تم تصنيفها كالآتي: أتي في المركز الأول بنسبة ٥١% الجائحة والأمراض المعدية، وفى المركز الثاني بنسبة ٢٢% الأمراض المزمنة، أما في المركز الخامس والأخير وبنسبة ٩% جاءت المخاطر المتعلقة بالابتكارات الطبية والعلاج.
وبالرغم من الكثير من التحديات يرى التقرير أن هناك ٣ أسباب تدعو للتفاؤل:
- التعاون متعدد الجنسيات في مجال الوقاية من المخاطر قوياً، حيث أكد 55٪ من المشاركين أن المستوى الأكثر فاعلية في اتخاذ القرار لمواجهة المخاطر المستقبلية هو المستوى العالمي، ويُعد إنتاج اللقاحات نموذجا لهذا التعاون، بالرغم من أن توزيعها لا يحظى بنفس المستوى من التفاؤل ناهيك عن التعاون.
- على الرغم من التقارير الإعلامية عن تزايد المشاعر المعادية للخبراء في السنوات الأخيرة، لا تزال الثقة في العلماء والأكاديميين قوية، حيث وافق ثلاثة أرباع الأشخاص على أنهم يثقون بهذه السلطات في معالجة الأزمات المستقبلية.
- يرى التقرير أن الشباب أكثر أملًا في إمكانية التغلب على المخاطر المستقبلية.
-
الخطر من زاوية المستقبل والشباب – أولويات الاستجابة للمخاطر:
يري صغار المستجيبين من خلال الاستطلاع لهذا التقرير أن التعرض لمخاطر الصحة العقلية، كأحد انعكاسات الخطر الصحي وفترة الإغلاق؛ مازال يحتل لديهم مركزًا متقدمًا وأولوية، وذلك على عكس رؤية استجابة من هم أكبر سنًا من المشاركين.
وفي هذا الإطار يُلقي التقرير بالضوء على استمرار التغيير الديموغرافي، وما يتبعه من زيادة الضغط على منظومة الرعاية الصحية، مع تزايد التنوع في الاحتياجات بين السكان الأكبر سنًا؛ مما يعقد الاستجابة الصحية لهذه التحديات والمخاطر.
-
خريطة المخاطر العالمية، هل هي خريطة واحدة..أم مجموعة خرائط؟
يشكل عدم تشارك العالم سلم أولويات واحد لقائمة المخاطر العالمية وتراتبية مختلفة لهذه الأولويات لكل دولة، ناهيك عن كل قارة خطرًا داهما في حد ذاته، حيث ينعكس ذلك في تفاوت الاستجابات لهذه المخاطر، والتوقيت المناسب بشكل فعال لهذه الاستجابات، وفي الشكل أدناه، يُلاحظ وجود اختلاف في ترتيب قائمة المخاطر، وسلم الأولويات من قارة لأخري.
فلو أخذنا خطر التغيير المناخي كنموذج، نجد أنه يمثل التهديد الأول في أوروبا، بينما يتراجع للمركز الثاني في الأميركتين، ونجد أن هذا التهديد نفسه يتراجع إلى المركز الثالث في منطقة المحيط الهادي والشرق الأوسط، ثم نجد أنه يتراجع ليحتل المركز الرابع في أفريقيا، وفي الوقت نفسه بنظرة سريعة أكثر عمقًا لهذه الخريطة، نجد أن جميع هذه القارات تتشارك على الأقل في ثلاث من هذه المخاطر والتهديدات، والتي تأتي جميعها على قمة أهم ثلاث تهديدات ومخاطر، وهي: تغيير المناخ، الجائحة والأمراض المعدية، والأمن السيبراني.
-
هل نختار مخاطرنا أم انها هي التي تختارنا؟
تتمثل العلاقة بين وتيرة ظهور ونشوء هذه المخاطر -التكنولوجية على سبيل المثال-ومستوى القلق لدى الخبراء، الذين يعبرون عنه بأنه كلما كان نشوء الظاهرة أكثر بطء، كلما استحوذت على اهتمام أقل من الخبراء، والعكس صحيح.
فعلى سبيل المثال (الحوسبة الكمومية)، والأنظمة الذكية والمستقلة (مثل: المركبات ذاتية القيادة)، والتطورات الطبية، والابتكارات (مثل: التحرير الجيني)، تم اختيارهم جميعًا ضمن قائمة المخاطر الخمسة الأولى من قبل نسبة أقل قليلاً من الخبراء مقارنة بعام 2020، وهو ما يمكن أن يكون مرتبطًا بتصورات أن هذه المخاطر تظهر ببطء أكثر بكثير من مخاطر التكنولوجيا الأخرى.
أيضا فإن الخبراء يجدون أن مخاطر الاستقرار المالي ارتفعت في الترتيب بمقدار خطوة واحدة هذا العام، ولم تكن في المراكز العشرة الأولى في 2018 أو 2019، ويمكن أن يُعزى ذلك جزئيًا إلى الزيادات الاستثنائية في الإنفاق العام خلال جائحة كورونا، وما نتج عنها من عمليات الإغلاق، ذات الاتجاهات طويلة المدى.
وعند سؤالهم عن سبب اختيارهم هذا الخطر، ذكر أكثر من نصف الخبراء قلقهم بشأن فشل منهجي في الأسواق المالية، بينما كانت الإجابة الثانية الأكثر شيوعًا هي خطر انفجار فقاعة الأصول.
وقد مثلت السياسة النقدية وسياسات التيسير والتحفيز الكمي، عوامل ضاغطة على الاقتصاد العالمي، كما تمت إضافة أزمة الديون المرتفعة في الأسواق المتقدمة والناشئة، وفي الولايات المتحدة، ستؤدي تشريعات مثل قانون CARES وخطة الإنقاذ الأمريكية إلى رفع إجمالي الدين العام للولايات المتحدة إلى أكثر من 130٪ من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2021، ولا يختلف الوضع كثيرًا في الاتحاد الأوروبي، فسيدفع صندوق التعافي على المستوى الأوروبي الدين العام إلى ما فوق 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي، مع مستويات أعلى بكثير في بعض الدول الأعضاء في الجنوب.
ولكل هذا آثاره وتداعياته، حيث كان هناك ما يبرر الكثير من الإنفاق على التعافي من الجائحة، نظرًا للطبيعة غير العادية للأزمة، ولكن هذا الإنفاق من الممكن أن يًساهم في الانتعاش على المدى الطويل إذا تم توجيهه نحو الاستثمارات في البنية التحتية ورأس المال البشري كأحد الجوانب الإيجابية للأزمة.
ولكنه من الممكن أن يؤدي أيضًا إلى زيادة التضخم وما يتبعه ذلك من تطلب سياسة نقدية أكثر صرامة في المستقبل، ومن الممكن أن يؤدي احتمال ارتفاع أسعار الفائدة بعد ذلك كنتيجة إلى إبطاء النمو في الغرب، وإخراج التعافي من مساره في الأسواق الناشئة وزيادة مخاطر عدم الاستقرار المالي على المدى الطويل، قد يعني عبء الدين العام الكبير ضرائب أعلى وموارد أقل للاستثمار في المستقبل.
أما على المستوى الأصغر، فأنه من المرجح أن تختلف وتيرة التعافي داخل البلدان باختلاف المجموعات الديموغرافية بناءً على مهاراتهم، والقطاع الذي يعملون فيه، ومستويات الدخل، فيما يسميه الاقتصاديون الانتعاش على شكل حرف “K”، وبالنسبة للأفراد، فسيزدهر العاملون عن بعد.
وسيتحمل السكان المحرومون بالفعل عبئًا غير متناسب، بما في ذلك النساء والمهاجرون الجدد والأقليات العرقية والعاملون في الخدمات المباشرة، كل هذا يهدد بتقويض المرونة الاقتصادية وتوسيع الانقسامات وتعميق الاضطرابات الاجتماعية.
وتعتبر مخاطر الاقتصاد الكلي مثيرة للقلق بشكل خاص عند النظر إليها بالاقتران مع الاتجاه المستمر خلال السنوات الأخيرة نحو سياسات أكثر شعبوية، ويمكن أن تعمل معًا على تغذية شهية أكبر للسياسات الاقتصادية غير التقليدية في السنوات القادمة، مع ما يترتب على ذلك من آثار على جميع فئات الأصول عبر الأسواق العالمية.
وما يتبعه ذلك من إحياء أو توسع لمفاهيم اقتصادية قديمة أو حتى توليد مفاهيم اقتصادية جديدة وغير تقليدية، تتماشي مع التوجهات التنموية للمجتمع التي قد تكون ضاغطة بشكلٍ أو بآخر على السياسات العامة، ويوضِّح الشكل أدناه ازدياد أرصدة المالية العامة سوءًا خصوصا في الدول الموضحة أدناه.
وختامًا، فيُمكن القول أن العين التي ترى المخاطر ليست واحدة، فالعين الخبيرة ترى وتقييم المخاطر بطريقة مختلفة عن العين الاعتيادية، ويرى ٨٤% من الخبراء أن سكان العالم أكثر عرضة للمخاطر المستقبلية الآن مقارنة بخمس سنوات مضت، في حين تبلغ هذه النسبة ٨٠% عند الرأي العام، مقارنة بــ٧٣% في العام الماضي ٢٠٢٠.