يواجه السودان، أقرب من أي وقت مضى، خطر الانزلاق نحو المجهول مع توسع رقعة المعارك وسقوط مواقع عسكرية استراتيجية بقبضة قوات “الدعم السريع”، وتراجع الاهتمام الدولي بذلك البلد الذي يعاني حربا أهلية منذ بضعة أشهر.
وانتشر الذعر بين سكان مدينة “ود مدني”، حاضرة ولاية الجزيرة والذين يواجهون أصوات الرصاص ودوي المدافع، وتحليق الطيران الحربي منذ بضعة أيام.
واقتحمت قوات “الدعم السريع” مقر الاحتياطي المركزي شرقي مدينة ود مدني، وتصاعد ألسنة اللهب والدخان من الموقع، في وقت اشتبكت فيه قوات الجيش السوداني مع المهاجمين ما أدى إلى توقف كافة الأنشطة الحياتية.
وتسببت المواجهات في حالات نزوح كبيرة من شرق النيل عبر كوبري “حنتوب” إلى داخل ود مدني، التي تشهد ذاتها موجة نزوح أكبر إلى خارج المدينة، وسط حالة من الفوضى بدأت تضرب مدينة ود مدني، العديد من وقائع السلب والنهب.
ماذ نعرف عن مدينة “ود مدني”
يذكر أن مدينة “ود مدني”، التي تشهد معارك ضارية، تقع في وسط البلاد، على ضفة النيل الأزرق الغربية بمشروع الجزيرة الزراعي الشهير، وتبعد عن الخرطوم بحوالي 186 كيلومترا (115 ميلا) جنوبا، وتعد إحدى المدن الكبرى، وهي أيضا عاصمة ولاية الجزيرة.
وتمتاز المدينة بأنها نقطة الالتقاء الرئيسية لشبكة الطرق التي تربط مناطق السودان المختلفة بالخرطوم وميناء بورتسودان.
وترتبط مدينة ود مدني بشبكة من الطرق البرية الممهدة ببقية مدن السودان، أهمها الطريق الذي يربطها بالخرطوم والبالغ طوله 184 كيلومترا وطريق مدني-سنار وطوله 110 كيلومترات.
وكذلك الطريق الرئيسي السريع الذي يربطها بميناء بورتسودان عبر مدينتي القضارف وكسلا وبميناء سواكن، بمسافة قدرها حوالي 950 كيلومترا، والذي يعتبر من أهم وأطول الطرق في السودان.
وتُعتبر ود مدني أكبر مستقبل للنازحين من العاصمة الخرطوم، لقرب موقعها الجغرافي وتوفر الخدمات.
ونقل عدد كبير من التجار والشركات وأصحاب الأنشطة الاقتصادية أعمالهم إلى المدينة بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الطلب على العقارات السكنية والتجارية.
تحذيرات دولية من الفوضى
حذر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، في تغريدة عبر منصة (إكس) من المشهد الدموي، وقال: “اشتباكات ولاية الجزيرة بالسودان تهدد حياة عشرات الآلاف من النازحين”.
وكذلك قالت مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، عبر تغريدة علة منصة (إكس)، “نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تفيد بوقوع هجمات شنتها قوات الدعم السريع على ود مدني في السودان، حيث لجأ الآلاف من الحرب”.
وتابعت “أحث قوات الدعم السريع على الامتناع عن شن الهجمات، وأحث جميع الأطراف على حماية المدنيين بأي ثمن، وسيتم محاسبة مرتكبي الإرهاب”.
بدورها، وصفت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان الوضع في ود مدني بأنه “أصبح حرجا ويزداد تعقيدا بإغلاق الصيدليات”، مؤكدة “أننا نواجه وضعا كارثيا”.
وشكّلت ود مدني ملاذا آمنا لآلاف النازحين جراء النزاع الذي دخل شهره التاسع، إذ نزح إليها نصف مليون شخص وفق أرقام الأمم المتحدة.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أفاد في بيان بأن إجمالي عدد سكان المدينة يبلغ حاليا 700 ألف شخص، منهم 270 ألفا “يحتاجون إلى مساعدة إنسانية”.
وتقول الأمم المتحدة إن نحو 30 مليون شخص، أي ما يقرب من ثلثي السكان، يحتاجون للمساعدة في السودان، وهو مثلي العدد قبل اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وقال إيدي روي مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في السودان”المزيد والمزيد من الناس يكابدون من أجل تناول وجبة أساسية يوميا، وإذا لم يتغير الحال فهناك خطر حقيقي للغاية أنهم لن يمكنهم حتى تناولها”.
ومنذ منتصف أبريل 2023 يشهد السودان حربا بين الجيش و”الدعم السريع” خلَّفت أكثر من 9 آلاف قتيل، وأكثر من 6 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.