تأتي التحركات الصينية بملف الذكاء الاصطناعي بسرعة تثير قلق منافسيها، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي عبرت عن مخاوفها علنا في أكثر من مناسبة، بل وذهبت حد التحذير من التهديد المحتمل الذي قد تشكله برامج الذكاء الاصطناعي الصينية على الأمن القومي الأمريكي.
وألمح الرئيس الأمريكي جو بايدن كذلك، في يونيو 2023، إلى ضرورة التصدي لمخاطر الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي والاقتصاد، في إشارة إلى الصين من دون تسميتها.
ولاحقا حذرت مسؤولة كبيرة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من التهديد المحتمل الذي قد تشكله برامج الذكاء الاصطناعي الصينية.
وقالت لاكشمي رامان، مديرة قسم الذكاء الاصطناعي في “سي آي إيه”: “الوكالة تراقب برنامج الذكاء الاصطناعي الصيني بقلق”، مؤكدة أن “بكين تنمو وتتطور في كل اتجاه في هذا المجال”.
ويعكس هذا القلق مخاوف جهات فيدرالية أمريكية أخرى، حيث قال تقييم أجرته وزارة الأمن الداخلي إن “انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي التي يمكن الوصول إليها من المرجح أن يعزز تكتيكات خصومنا.”
وأضاف التقييم: “الدول القومية التي تسعى إلى تقويض الثقة في مؤسساتنا الحكومية وتماسكنا الاجتماعي وديمقراطيتنا تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء حملات تضليل أكثر تصديقا”.
وتصاعدت حدة المخاوف الأمريكية بالتزامن مع طرح شركة إرني (Ernie) روبوت الدردشة الذكي الأول في الصين (AI)، 31 أغسطس 2023، بواسطة شركة بايدو التكنولوجية الصينية العملاقة، والتي تفوقت على منافسيها لسنوات في السوق وحققت أرقاماً قياسية في التحميل عبر متجر آبل وغيره، وذلك في ظل سباق عالمي متزايد في مجال تطبيقات المحادثات القائمة على الذكاء الصناعي .
الذكاء الاصطناعي وتغيير الحضارة الإنسانية
الذكاء الاصطناعي له تعريفات عديدة، الشائع منها أنه برامج في الحاسب تقوم بمهام كانت قاصرة على البشر، وتحاكي عمل الذهن البشري، ولهذه البرامج القدرة على التحليل والاستنتاج وإعطاء الخلاصات والإجابات في كل مجال، بداية من الرد على إجابة سؤال حتى اتخاذ قرارات في مسائل التمويل في البنوك واختيار الموظفين في الشركات، وكذلك مجال الحرب.
من أبرز تطبيقاته برنامج “تشات جي بي تي”، وهو روبوت دردشة ظهر عام 2022، وقوبل بدهشة واهتمام كبيرين لقدرته على محاكاة البشر بإتقان، مثل محاكاة الأصوات وكتابة المقالات والرسائل والترجمة في ثوانٍ، والرد على الأسئلة.
مجالات التقدم والتأخر في الصين
وتستثمر الشركات الصينية في الذكاء الاصطناعي منذ سنوات، ويشمل ذلك نشر كاميرات المراقبة في شوارع المدن واستخدام التعرف على الوجه لمراقبة استخدام الورق في المراحيض العامة ولطالما كانت في طليعة تكنولوجيا المراقبة.
ولكن عندما يتعلق الأمر ببعض أشكال الذكاء الاصطناعي الأخرى، فإن الشركات الصينية تتخلف لسنوات عن نظيراتها الأمريكية.
ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الحكومة الصينية التي يديرها الحزب الشيوعي تتحكم بصرامة في المعلومات والاتصالات.
وبدلاً من التركيز على تقنية الذكاء الاصطناعي التي تتيح لعامة الناس إنشاء محتوى فريد مثل روبوتات المحادثة ومولدات الصور، ركزت الشركات الصينية بدلاً من ذلك على التقنيات ذات الاستخدامات التجارية الواضحة، مثل تكنولوجيا المراقبة .
ولا تخفي واشنطن سعيها إلى عرقلة قدرة الصين على بناء قدرات متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي عبر حظر تصدير أكثر شرائح الذكاء الاصطناعي تقدمًا.
وفرض واشنطن المزيد من القيود على تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى بكين بالفعل، لاسيما أن المخاوف تتزايد لدى الإدارة الأمريكية من إمكانية استخدامها في التجسس أو غيره.
وكشفت مصادر مطلعة أن وزارة التجارة الأمريكية قد تتحرك، لاحقا، لإيقاف شحنات الرقائق الإلكترونية التي تصنعها شركة “إنفيديا” الأمريكية وغيرها إلى العملاء في الصين ودول أخرى أيضا من دون الحصول على ترخيص.
كما أوضحت أن هذا الإجراء سيكون جزءًا من قواعد نهائية أشمل لتوسيع إجراءات الرقابة على الصادرات التي تم الإعلان عنها من قبل.
وتدرس الإدارة الأميركية أيضا تقييد تأجير الخدمات السحابية لشركات الذكاء الاصطناعي الصينية، التي استخدمت مثل هذه الترتيبات للالتفاف على حظر تصدير الرقائق المتقدمة.
أسباب المخاوف الأمريكية
ينظر المسؤولون وصناع القرار في الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي، خاصة ما تنتجه الصن، من منظور الريبة والشك في تأثيره على الأمن القومي.
إذ يمكن للأسلحة المشبعة بالذكاء الاصطناعي أن تمنح خصوم واشنطن ميزة في ساحة المعركة.
كما يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء أسلحة كيميائية أو إنتاج تعليمات برمجية خبيثة للكمبيوتر.
وتهدد واشنطن بكين، منذ سنوات، بتجفيف منابع حصولها على الرقائق الإلكترونية التي تهيمن عليها مع حلفائها، والتي تدخل في العديد من القطاعات التكنولوجية والصناعية المهمة.. فهل تنجح واشنطن في تحجيم بكين بملف الذكاء الاصطناعي أم تجد نفسها في مرماه؟