يحبس الشعبان الأذري والأرميني الأنفاس خشية اندلاع حرب جديدة بين البلدين يمكن أن تكون واسعة النطاق على غرار تلك التي اندلعت العام 2020، وانتهت باتفاق وقف إطلاق النار، من دون أن تضع حلا جذريا لأصل الخلاف.
ووقعت اشتباكات دامية في إقليم ناغورني كراباخ وتواصلت لعدة أيام حيث هزت انفجارات عنيفة عددا من مناطق الإقليم، وتبادل الطرفان القصف بالمدفعية الثقيلة، وسط مخاوف من حرب شاملة.
وأرسلت أذربيجان قوات مدعومة بضربات مدفعية لناغورني كاراباخ، الخاضع لسيطرة أرمينيا لإخضاع المنطقة الانفصالية بالقوة، مما يثير خطر نشوب حرب جديدة.
وأطلقت وزارة الدفاع الأذرية ما وصفته بـ”حملة لمكافحة الإرهاب” في منطقة ناغورني كاراباخ، وأفادت السلطات الأرمينية بوقوع قصف عنيف على العاصمة الإقليمية ستيباناكيرت.
وتشترط أذربيجان على “الجماعات المسلحة الأرمنية غير الشرعية أن ترفع الراية البيضاء، وتسلم جميع الأسلحة، ويجب حل النظام غير القانوني”، مطالبة بـ”الانسحاب الكامل للقوات العرقية الأرمنية وحل الحكومة في ستيباناكيرت”.
وشددت على أن “السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة هو الانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات المسلحة الأرمينية من منطقة كاراباخ في أذربيجان”.
يأتي ذلك فيما قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن “روسيا على اتصال بكل من أذربيجان وأرمينيا، وحثت على إجراء محادثات”، مضيفا أن “موسكو تعد ضمان سلامة المدنيين أهم قضية”.
وقالت السلطات الانفصالية في كاراباخ إن 25 شخصًا قتلوا، بينهم مدنيان، وأصيب 138 آخرون، بسبب العمل العسكري في باكو، وأضافوا أنه جرى إجلاء سكان بعض القرى.
وناغورني كاراباخ، هو جيب عرقي أرمني معترف به دوليا، وهو جزء من أذربيجان، وقد كان سببًا في حربين بين الجارتين خلال العقود الثلاثة الماضية، آخرهما في عام 2020.
وقد تقود المواجهات في كاراباخ إلى تغيير التوازن الجيوسياسي في منطقة جنوب القوقاز، التي تتقاطع فيها خطوط أنابيب النفط والغاز، وتسعى روسيا، المنشغلة بحربها في أوكرانيا، إلى الحفاظ على نفوذها في مواجهة نشاط أكبر من جانب تركيا التي تدعم أذربيجان.
تاريخ الصراع على إقليم ناغورني كاراباخ
ناغورني كاراباخ هي منطقة في القوقاز كانت منذ فترة طويلة موضوع نزاع إقليمي بين أرمينيا وأذربيجان، الغالبية العظمى من السكان هم من الأرمن، وفي عام 1923، حصلت المنطقة على وضع منطقة الحكم الذاتي داخل جمهورية أذربيجان.
في عام 1988، بدأت حركة إعادة التوحيد مع أرمينيا في الإقليم، وفي 2 سبتمبر/ أيلول 1991، تم إعلان الاستقلال عن أذربيجان، وتغيير الاسم إلى جمهورية ناغورني كاراباخ.
خلال الفترة من 1992 إلى عام 1994، حاولت أذربيجان السيطرة على الجمهورية المعلنة من جانب واحد، وكانت تلك عمليات عسكرية واسعة النطاق، قُتل خلالها نحو 30 ألف شخص.
وفي عام 1994، اتفق الطرفان على وقف إطلاق النار، لكن وضع الجمهورية لم يتحدد أبدا.
وفي نهاية سبتمبر 2020، استؤنفت الأعمال القتالية في الإقليم بين أرمينيا وأذربيجان، والتي كانت استمرارا لصراع طويل بين البلدين أسفر عن سقوط ضحايا بين المدنيين.
وأعلنت روسيا ليلة 10 نوفمبر 2020، التوصل لاتفاق ثلاثي لوقف إطلاق النار بشكل كامل، بدعم من موسكو، والبقاء في المواقع المحتلة، وتبادل الأسرى وجثث القتلى.
واتفقت أذربيجان وأرمينيا، بوساطة روسية، على وقف كامل لإطلاق النار، والبقاء في المواقع الموجودة لدى الطرفين، وتبادل الأسرى والجثث، كما تم نشر قوات حفظ سلام روسية في المنطقة، بما فيها ممر لاتشين.
وتتمركز قوات حفظ السلام الروسية في المنطقة، بما في ذلك ممر لاتشين، وفي العام الماضي، بدأت يريفان وباكو، من خلال وساطة روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مناقشة معاهدة سلام مستقبلية.
وفي نهاية مايو 2023، قال رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، إن يريفان مستعدة للاعتراف بسيادة أذربيجان داخل الحدود السوفيتية، أي مع الإقليم المتنازع عليه.
وفي سبتمبر 2023، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن القيادة الأرمينية اعترفت بشكل أساسي بسيادة أذربيجان على كاراباخ، وكما قال الرئيس الأذري، إلهام علييف، فإن “أذربيجان وأرمينيا قد توقعان معاهدة سلام قبل نهاية العام إذا لم تغير يريفان موقفها”.
غير أنه في الوقت الذي كان يترقب العالم التوصل إلى اتفاق سلام دائم بين البلدين، تصاعدت التوترات في جميع أنحاء المنطقة منذ أشهر، بعد أن حاصرت القوات الأذرية ممر لاتشين في ديسمبر/كانون الأول 2022، ما أدى إلى قطع الطريق الوحيد الذي يربط ناغورني كاراباخ بأرمينيا، ومنع استيراد الغذاء إلى سكانها، البالغ عددهم نحو 120 ألف نسمة.
وكلفت قوات حفظ السلام الروسية، التي انتشرت في إقليم ناغورني كاراباخ بموجب شروط وقف إطلاق النار لعام 2020، بمنع اندلاع صراع جديد، لكن موسكو تواجه اتهامات بعدم القدرة أو عدم الرغبة في التدخل لحماية أرمينيا، حليفتها طويلة الأمد.
إدانات دولية وضغوط لوقف القتال
مع تصاعد الإدانات الدولية لانتهاك وقف إطلاق النار والضغوط المتواصلة بغية العودة إلى طاولة المفاوضات من جانب الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا، أعلنت القوات الأرمينية في إقليم ناغورني كاراباخ، وقف إطلاق النار.
وتقول تلك القوات إن اتفاق الهدنة يشمل نزع سلاح الجيش المحلي بالكامل وانسحاب أي قوات أرمينية.
ومن المقرر إجراء محادثات بشأن دمج الجيب في أذربيجان.
لكن هل تنجح تلك المفاوضات في وقف إطلاق النار وإخماد صوت الرصاص؟ أم تكون شأن مثيلاتها على مدى عقود مضت مجرد حبر على ورق وتندلع الحرب مجددا؟.