قالت تقارير صحفية إن صور الأقمار الصناعية والمعلومات الاستخباراتية الأمريكية أظهرت في ديسمبر 2021 أن السعودية قد بدأت في بناء قواعد لصواريخها الباليستية بمساعدة التكنولوجيا الصينية. وكان للاستخبارات الجغرافية المكانية Geospatial intelligence أو (الجيو-مكانية) الدور الأكبر في الكشف عن هذه التحركات.
أصبح هذا النمط من الاستخبارات على قدر كبير من الأهمية في العقود الأخيرة، على نحو يجعل من الضروري تعريفه، وتحديد وظائفه وأهميته بالنسبة لمجال الدراسات الأمنية والاستراتيجية وتطبيقاته على مستويي الأمن القومي (حالة مكافحة الإرهاب)، والأمن الدولي (مثال قوات الأمم المتحدة حفظ السلام)، خاصة في منطقة الشرق الأوسط.
ماذا يقصد بـ “ الاستخبارات الجيو-مكانية”؟
يُقصد بالاستخبارات الجيو-مكانية تحليل المعلومات التي تظهر على الخرائط والمخططات البيانية. ويشير تعريف الوكالة الوطنية للاستخبارات الجيو-مكانية في الولايات المتحدة (NGA) إلى أنها “استخدام الصور والبيانات الجغرافية المكانية والمعلومات لتوفير المعرفة للتخطيط واتخاذ القرارات وتنفيذها. على سبيل المثال، يتم دمج البيانات من الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة وأجهزة الاستشعار الأرضية مع الخرائط وبيانات الاستخبارات الأخرى لتوفير معلومات الموقع على هدف محتمل.
يشمل مجال التحليل الجيو-مكاني سطح الأرض، يمتد صعودًا في تحليل التضاريس والغلاف الجوي، ونزولاً في تحليل المياه الجوفية والجيولوجيا.” بمعني أخر، إنها القدرة البشرية-الحاسوبية على تحديد وجمع وتخزين ومعالجة البيانات لإنشاء معرفة جغرافية مكانية من خلال التفكير النقدي والتحليل الجيو-مكاني الذي يربط النشاط البشري بالحقائق الجغرافية.
كيف تطورت الاستخبارات الجيو-مكانية؟
يمكن إرجاع نشأة هذا الحقل إلى عام 1803 عندما كلف توماس جيفرسون -ثالث رؤساء الولايات المتحدة- – فيلق حملات الاستكشاف الخارجي “Corps of Discovery Expedition”، باستطلاع الأراضي الجديدة التي ضمتها واشنطن من خلال شراء لويزيانا من فرنسا النابليونية. نتج عن تطور هذه العمليات اللاحق مزيج مبكر من رسم الخرائط والتقارير الاستخباراتية لتلبية احتياجات صانعي السياسة باستخدام بالونات تصوير فوتوغرافي لجمع البيانات الاستخباراتية. وقد تم استخدام نفس التقنيات في معركة سان خوان هيل في الحرب الأمريكية الإسبانية 1898.
استخدمت الحكومة الكندية الاستخبارات الجيو-مكانية في الستينيات لتحليل البيانات التي تم جمعها بواسطة “مستودع أراضـي كندا Canada Land Inventory (CLI)”. ومع التحسينات التكنولوجية والتكاليف المنخفضة التي جعلت أجهزة الكمبيوتر متاحة على نطاق واسع خلال الثمانينيات، ازدهرت مبيعات نظم المعلومات الجغرافية مع عدد من الشركات التي بدأت في إنتاج برامج GIS جديدة لبرمجة أنظمة الكمبيوتر لزيادة وظائفها. بحلول أوائل التسعينيات، كان هناك حوالي مئة ألف من أنظمة GIS قيد التشغيل.
في القرن الواحد والعشرين، نشأ هذا النوع من الدراسات الاستخباراتية بالأساس في الولايات المتحدة، حيث برزت أهمية الاستخبارات الجيو-مكانية “GEOINT” بعدما لعبت فرق رسم الخرائط دورًا هامًا بعد هجمات 11 سبتمبر. وتزداد هذه الأهمية خصوصًا في عالم متغير يتسم بتهديدات متعددة ومتطورة للأمن القومي للدول، بما في ذلك الإرهاب، والتسابق التكنولوجي، والأنماط الجديدة من الحروب كالحروب السيبرانية أو التكتيكات العسكرية المختلفة، وكذلك الاضطرابات الاجتماعية والتغير المناخي. من ثم، تم تطوير مؤسسة لخدمة هذا الغرض كوكالة للأمن القومي في عام 2003، عندما تمت إعادة تسمية الوكالة الوطنية الأمريكية للصور ورسم الخرائط (NIMA) لتصبح الوكالة الوطنية للاستخبارات الجيو-مكانية (NGA)، باستخدام واصلة لتمكين اختصار مكون من ثلاثة أحرف على غرار وكالات الأمن القومي الأمريكية الأخرى.
في عام 2004، تم فتح مؤسسة الاستخبارات الجيو-مكانية الأمريكية (USGIF) لتعليم ونشر التقنيات المتعلقة بهذا المجال وتطوير مجتمع استخبارات جيو-مكانية “GEOINT” أقوى في الحكومة والصناعة والأوساط الأكاديمية والمنظمات المهنية والأفراد الذين يطورون ويطبقون هذا النمط من الاستخبارات لمواجهة تحديات الأمن القومي.
لقد أصبحت الاستخبارات الجيو-مكانية مساحة للتنافس السياسـي والاقتصادي بين الدول أيضًا. تشير تقديرات تقرير لمنظمة MITRE الأمريكية، أن الدول الأوروبية والآسيوية استثمرت في عام 2019 بشكل جماعي 3-4 أضعاف ما استثمرته الولايات المتحدة في خدمات الاستخبارات الجيو-مكانية التجارية. وعلى المستوى الأممي، اكدت مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (Rio +20) عام 2012 على أهمية ادخار الجهد في تطوير المعلومات الجيو-المكانية:
«نحن ندرك أهمية البيانات القائمة على تكنولوجيا الفضاء، والرصد في الموقع والمعلومات الجغرافية-المكانية الموثوقة من أجل وضع سياسات التنمية المستدامة والبرمجة وعمليات المشاريع.»
وظائف الاستخبارات الجيو-مكانية في دراسات الأمن القومي
يساعد هذا النمط من التحليل في تحديد واقتراح آليات لمعالجة الاحتياجات الوطنية للمعلومات المكانية ذات الأولوية العالية، ويقيّم إمكانية تلبية تلك الاحتياجات بناءً على المتاح من المعلومات، ويقترح خطوات لزيادة التعاون والتأكد من تلبية حاجة الدول للمعلومات المكانية في المناطق المختلفة بطريقة فعالة، وفي الوقت المناسب كوسيلة للإنذار المبكر والتنبؤ بالأزمات، خاصةً في العمليات العسكرية والدفاعية والاستخباراتية.
وعلى الرغم من ارتباطه عادةً بالسياق العسكري، إلا أن منتجات الاستخبارات الجيو-مكانية تُستخدم أيضًا لرفع درجة الوعي والكفاءة لدى صناع القرار، وفي مؤسسات الاتصالات، وسلامة الملاحة والطيران، والاستجابة للكوارث الطبيعية، وعمليات الإغاثة الإنسانية. ومراقبة معاهدة الحد من الأسلحة مثل تحديد مصادر تكنولوجيا وإنتاج ونقل أسلحة الدمار الشامل قبل استخدامها فعليًّا.
وتتمثل أهم وظائف الاستخبارات الجيو-مكانية في:
- استكشاف البيانات الجغرافية والوصول إلى معلومات خاصة بالمواقع موضع الاهتمام؛
- إنشاء قاعدة بيانات لتخزين وإدارة البيانات الجغرافية؛
- تصنيف ميزات الخريطة وترميزها وتسميتها لتحسين تصور الخريطة وتفسيرها؛
- الاستعلام عن بيانات نظم المعلومات الجغرافية وتحليلها لدعم اتخاذ القرار؛
- تحليل التضاريس والطوبولوجيا والصور لاكتساب رؤية جغرافية-مكانية؛
- دمج البيانات على مصادر المعلومات غير المتجانسة؛
- إنشاء دراسات جدوى للإجابة على أسئلة جغرافية مكانية متعددة المعايير.
كيف تعمل الاستخبارات الجيو-مكانية؟ وما العلوم والتخصصات اللازمة لها؟
تمر عملية التحليل الجيو-مكاني بثلاث مراحل مختلفة تشمل أ) تكليف الصور، والبيانات الجيو-مكانية، وجمع البيانات التقنية، ب) معالجة البيانات الجيو-مكانية الخام، وج) تحليل المعلومات الجيو-مكانية وذكاء الصور لاتخاذ القرار. ولهذا، مطلوب إطار شامل متعدد التخصصات لمراعاة الترابط بين العمليات داخل النظام. فيستفيد هذا التحليل الجيو-مكاني من خمس مجالات علمية أساسية: (1) القياس التصويري والجيوماتكس (البيانات العمرانية)؛ (2) الاستشعار عن بعد وعلم الصور؛ (3) علم قياسات الأرض والجيوفيزياء؛ (4) علم الخرائط؛ (5) نظم المعلومات الجغرافية (GIS).
يُعد الـ “GEOINT” واحدة من بين عدة أنواع من المعلومات الاستخبارية التي يتم إنتاجها لدعم الأمن القومي، جنبًا إلى جنب مع الاستخبارات البشرية (HUMINT) الذي يدرس عمليات التواصل بين الأشخاص، والاستخبارات الإشارية (SIGINT) المشتق من الإشارات والأنظمة الإلكترونية، واستخبارات القياس والتوقيع (MASINT) لتحديد المتطابقات وقياسها، واستخبارات المصدر المفتوح (OSINT) الذي يستخدم المصادر العلنية والمتاحة للجمهور لإنتاج معلومات استخبارية قابلة للتنفيذ. ونظرًا لتحديات الأمن القومي المعاصرة وتعقيداتها، غالبًا ما يكون هناك عملية دمج لبيانات المصدر والمعلومات من مجالات الاستخبارات المختلفة Multi-Int)). وهناك بعض التطبيقات البرمجية التي تُستخدم في الاستخبارات الجيو-مكاني مثل ArcGIS وIdrisi وGrass وSurfer وR.
خريطة انتشار الاستخبارات الجيومكانية؟
تتعاون الدول في عمليات الاستخبارات الجيو-مكانية. على سبيل المثال، هناك نظام تحالفي للاستخبارات الجيو-مكانية (ASG) بين منظمات الاستخبارات الجيو-مكانية المتعاونة تحت مسمى “العيون الخمس FVEYs” يجمع كل من منظمة المخابرات- الجيو-مكانية الأسترالية، قيادة استخبارات القوات الكندية، والاستخبارات الجيو-مكانية بنيوزيلندا، والمركز الوطني البريطاني للاستخبارات الجيو-مكانية، ووكالة المخابرات الجيو-مكانية الوطنية الأمريكية. يهدف هذا التحالف إلى إدارة المخاطر بشكل جماعي والتغلب على التحديات المتعلقة بالمهارات المهنية والبيانات الضخمة وتكامل GEOINT التجاري مع توقع التهديدات المعقدة ومكافحتها.
كما يستخدم مركز دمج الاستخبارات التابع لحلف الناتو (DIFC) الموجود في المملكة المتحدة تقنيات الاستخبارات الجيو-مكاني في مختلف عملياته العسكرية والاستراتيجية. بيد، يجادل تقرير نُشر في عام 2020 عن مجلة “Trajectory” التي تصدر عن مؤسسة الولايات المتحدة للاستخبارات الجيو-مكانية (USGIF) بأن إنتاج الـ “GEOINT” في دولة عضو في الناتو ليس بالضرورة هو نفسه في الناتو، وأن ذلك يرجع إلى اختلاف المصادر، ففي الحالة الدولة العضو يرجع التحليل الاستخباراتي-المكاني لتاريخ وثقافة الدولة، ومصادرها المتاحة، أما في حالة حلف الناتو فيكون المصدر قائم على العمل الدبلوماسي ودعم الولايات المتحدة.
يقوم مركز الأقمار الصناعية التابع للاتحاد الأوروبي SatCen)) بتحليل الصور والمعلومات الجيو-مكانية لوصف السمات المادية والأنشطة المرجعية جغرافيًّا على الأرض وتقييمها وتصويرها بصريًّا لخدمة أغراض الإغاثة الإنسانية، والتخطيط للطوارئ، والجريمة العامة ومراقبة الأمن، والبنية التحتية الحرجة، والقدرات العسكرية، والحد من أسلحة الدمار الشامل.
يوفر مركز الجيش الاتحادي الألماني لأنظمة المعلومات الجغرافية (ZGeoBw) المعلومات الجيو-مكانية، وتنفيذ الاستشارات الناتجة عنها، وإجراء البحوث الجيولوجية، ويرتبط هذا المركز بمذكرة تفاهم مع وكالة المخابرات الجيو-مكانية الوطنية الأمريكية لتعزيز شراكات تبادل البيانات وزيادة دقة وجودتها في جميع أنحاء العالم.
في فرنسا، يتم إجراء دراسات الاستخبارات الجيو-مكانية بين هيكلين رئيسيين: الجغرافيا العسكرية، والتي يتم تنسيقها من قبل مكتب (BGHOM)، والاستخبارات العسكرية، والتي يتم تنسيقها من قبل مديرية المخابرات العسكرية DRM)).
تدير الصين، التي حددت الهيمنة على الأنشطة الفضائية العالمية كهدف وطني بحلول منتصف القرن، مجموعة متنوعة من برامج الأقمار الصناعية المتداخلة لتصوير الأرض ورسم الخرائط، للأغراض العسكرية والمدنية على حد سواء. كما أنها تعمل مع الأمم المتحدة لبناء مرفق مركزي “مركز الأمم المتحدة العالمي للمعرفة الجيو-مكانية والابتكار” في مقاطعة تشجيانغ، وكذلك مركز أبحاث دولي للبيانات الضخمة باسم دعم أهداف الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة. وقد تعرضت هذه الخطوة للانتقادات خوفًا من استخدام الحكومة الصينية لهذه المعلومات لتوسيع نطاق المراقبة والتجسس.
ليست روسيا استثناء من هذا الاتجاه، فمنذ السبعينيات، تقدم الاتحاد السوفيتي، الذي كان سقوطه بمثابة أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين وفق تعبير فلاديمير بوتين، من صنع منتجات رسم الخرائط باستخدام الاستخبارات البشري والعمليات الإلكترونية. وتمتلك روسيا إرثًا قويًّا من الفكر الجغرافي ورسم الخرائط؛ حيث تقوم بتجميع الخرائط التفصيلية لمجال نفوذها العالمي. “ويوظف مجتمع الاستخبارات الجيو-مكانية في روسيا نفس التخصصات الأكاديمية مثل الولايات المتحدة، ولكنه يفتقر إلى نفس التركيز التنظيمي في وكالة واحدة مثل الوكالة الوطنية الأمريكية. وتساهم الاستخبارات الجيو-مكانية في تزويد وزارات ووكالات ومديريات روسيا الاتحادية بمعلومات للتخفيف من الكوارث الطبيعية والأمور المدنية والتهديدات العسكرية المتصورة والاستجابة لها.
ماذا عن الشرق والأوسط؟
وفقًا لتقرير “سوق التحليلات الجيو-مكانية في الشرق الأوسط وأفريقيا 2019-2027،” جاء تطور هذا السوق بسبب المبادرات التي اتخذتها الحكومات المركزية لدول مثل الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، في 2018، سيطرت المملكة العربية السعودية على سوق التحليلات الجيو-مكانية، تلتها تركيا؛ حيث تعتمد شركات تكنولوجيا المعلومات السعودية على بيانات مختلفة، مثل بيانات وسائل التواصل الاجتماعي، والبيانات النصية، من بين أمور أخرى، لأغراض التحليل في المملكة، وقد برزت التحليلات الجيو-مكانية كمصدر بيانات حيوي لتخطيط وتنفيذ المشاريع، وذلك لتقليل عبء العمل، وتوليد تنبؤات فعالة بالإضافة إلى تعزيز الاستراتيجيات المستدامة.
استضافت أبو ظبي مؤتمر الاستخبارات الجغرافية المكانية في الشرق الأوسط Geospatial Intelligence Middle East السنوي إلى أبو ظبي في عامي 2011 و2013 مع التركيز المتجدد على تحديات الاستخبارات الجيو-مكانية العسكرية، وكيف أصبحت الاستخبارات الجيو-مكانية عنصرًا حاسمًا في الـ “C4ISR” والاستراتيجية العسكرية الشاملة، والآثار المترتبة على استراتيجيات الأمن القومي المستقبلية وكيف يتناسب كل ذلك مع استراتيجية جيو-مكانية شاملة. وتستخدم الإمارات العربية المتحدة تكنولوجيا نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد على نطاق واسع؛ بسبب الطبيعة المعقدة للموارد السياحية الموجودة في الدولة. وقد تم استخدام طبقات بيانات نظام البيانات الجغرافية الحالية للتعرف على البيئات الطبيعية الحساسة وموارد التراث الأثري التي قد تتعرض للخطر بسبب النمو الحضري المتزايد. وبذلك تكون الشركات العامة وكذلك المواطنين مجهزين بشكل أفضل للحفاظ على المناطق الطبيعية الأساسية وتوجيه النمو في أماكن أخرى غير حساسة.
وتدير دولة الاحتلال الإسرائيلي الاستخبارات الصورية (IMINT) من خلال مركز يعالج بسرعة الصور الجوية وينشر التقارير للوحدات القتالية في وقت قريب من الوقت الفعلي، ويمكنه دمج المنتجات التي تم جمعها عن طريق التصوير والاستخبارات الإشارية SIGINT مع معلومات نظم المعلومات الجغرافية GIS الحالية، والجمع بين الاستخبارات الحيو-مكانية والتركيبة السكانية البشرية وبيانات البيئة. كما تمتلك إسرائيل مجموعة من الشركات التي تتخصص في هذه الخدمات مثل Planetwatchers و ISI.
ما هي تطبيقات الاستخبارات الجيو-مكانية في دراسات الأمن والسلم؟
- مكافحة الإرهاب
أشارت دراسة من مجلة “Perspectives on Terrorism” إلى “أن مستقبل أبحاث الإرهاب يحمل آفاقًا كبيرة “للتحليل الجيو-مكاني”، حيث يمكن أن تكون خرائط النقاط الوصفية والتحليل الحاسوبي المتقدم للبيانات المكانية طرقًا مفيدة للبحث في المستقبل، مع التأكيد على الدور الحاسم لقواعد بيانات الأحداث الإرهابية في التحليل المكاني، أشارت الدراسة إلى أنه يجب أن يكون هناك تركيز أكبر على “خصائصها المكانية” بدلاً من التركيز التقليدي على “خصائصها الزمنية””. أيضًا، ساهمت الـوكالة الوطنية للاستخبارات الجيو-مكانية NGA في تعقب زعيم القاعدة أسامة بن لادن وشاركت فريق العمليات الخاصة الذي اقتحم محل سكنه في أبوت آباد، باكستان في 2 مايو 2011.
على سبيل المثال، قامت دراسة شارك فيها مدير مركز الاستخبارات والتحقيقات الجيو-مكانية في قسم العدالة الجنائية في جامعة ولاية تكساس بتطبيق نموذج تحليل جغرافي-مكاني للكشف عن هياكل وأنماط الجغرافية المكانية لسلوك الخلايا الإرهابية في أنقرة واسطنبول. ومن خلال فحص ملفات تحقيقات الشرطة، قامت الدراسة بجمع بيانات مكانية تفصيلية عن حوادث الإرهاب ومواقع الخلايا الإرهابية، ثم رسمت خرائط لهذه المواقع، تبعها قياس المسافات بين مواقع الخلايا ومواقع الحوادث والمسافات بين مواقع الخلايا المختلفة. وقد وفرت نتائج التوزيعات الاحتمالية أساسًا لتطوير نموذج جغرافي-مكاني لإدارة الاستخبارات حول العمليات الإرهابية في المدينتين ساعد في الكشف عن جغرافية التخطيطات والعمليات الحركية في المناطق الحضرية في تركيا.
- التكنولوجيا الجيو-مكانية كأداة لعمليات لحفظ السلام
تذهب دراسة إلى أهمية دور التحليل الجيو-المكاني، بالاقتران مع التقنيات الأخرى التقليدية، في تعزيز قدرة قوات حفظ السلام على إنجاز المهام الموكلة إليهم، بما في ذلك ترسيم الحدود الدولية، ودعم التفاوض على اتفاقيات السلام، وتحقيق الاستقرار، وحماية المدنيين، ومراقبة حقوق الإنسان، والمساعدة الانتخابية، ودعم بسط سلطة الدولة، وتقديم الإغاثة الإنسانية. ينعكس ذلك على نشر الوقائي في المواقع عالية الخطورة، وتنفيذ أفضل سيناريو. “وداخل منظومة الأمم المتحدة أيضًا، بدأت كيانات مثل مكتب حفظ السلام الدولي وتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في استخدام التكنولوجيا الجيو-مكانية بشكل كبير، في مجالات متنوعة مثل إعادة توطين اللاجئين والأمن الغذائي ومراقبة حقوق الإنسان. بالإضافة إلى ذلك، استخدم نظام العقوبات تحت إشراف لجان الخبراء التابعة لمجلس الأمن مراقبة الأقمار الصناعية لكوريا الشمالية وإيران لتحديد مدى تطوير أسلحتهما النووية.”
في 2006/2007، تمكنت بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة من إرساء القانون في عشوائيات Cité Soleil في هايتي، حيث هيمنت العصابات على السكان من خلال الترويع بالقتل، باستخدام عمليات “بحث واعتقال” نفذتها الجيش والشرطة والمدنيين اعتمدت بالأساس على “الإعداد الاستخباراتي للبيئة.”.وعلى جانب أخر، تمكنت منظمة العفو الدولية الحقوقية بمساعدة صور الأقمار الصناعية من عرض النطاق المروع لهجوم جماعة بوكو حرام على مدينة باغا النيجرية في يناير 2015، كما قدمت الوكالة الوطنية الأمريكية للاستخبارات الجيو-المكانية خدمة استخبارات جغرافية مكانية في الكشف عن جرائم الحرب في حرب كوسوفو 1998-1999.
ما مستقبل الاستخبارات الجيو-مكانية وتحدياتها؟
تُسرِّع الثورة الرقمية وظهور الأجهزة والخدمات المتصلة بالإنترنت عملية التقاط البيانات الجيو-مكانية بطرق غير مسبوقة. كما يتمحور مستقبل العالم حول استخدامات التكنولوجيات المتقدمة وتطويرها والاعتماد على قواعد البيانات الضخمة، وعلوم المستقبليات، وتقنيات الإنذار المبكر. ومن ثم فمعرفة لغات البرمجة والاستخبارات الاصطناعي سيصبح ضرورة من ضرورات الحياة كتعلم القراءة والكتابة، ومن هنا جاء تعريف معرفة القراءة والكتابة المكانية (الجغرافية)/(Geo)spatial literacy على أنها “الاستخدام الكفء والواثق للخرائط ورسم الخرائط والتفكير المكاني لمعالجة الأفكار والمواقف والمشاكل في الحياة اليومية والمجتمع والعالم من حولنا.” وقد بدأت بالفعل كبرى الجامعات والمؤسسات بتوفير برامج دراسية في هذا المجال العلمي لتنمية مهارات ومعرفة المحلل لإنتاج معلومات دقيق تُطبق في مجالات القانون والأمن وإدارة الطوارئ وتطبيقات الأعمال، إلى جانب ضرورة البدئ في إنشاء بنية تحتية للذكاء الجيو-مكاني والقيام بالتعاون الدبلوماسي الاستخباراتي في هذا الصدد.
بيد أن هناك بعض التحديات التي تواجه الاستخبارات الجيو-مكاني. فعلى المستوى السياسي، فإن هذا النوع من الاستخبارات قد يتم استخدامه لدعم الرقابة على المعارضة السياسية. كما أن الدول الفقيرة ستتعرض لسيطرة من يتحكم في هذه الأقمار والخدمات. وعلى المستوي التقني، يمكن استخدام هذه المعلومات في شن الحروب السيبرانية والتأثير على محتوى الفضاء الالكتروني كخرائط الحدود أو غيرها.
مما سبق، يمكن استخلاص بعض مناطق تطوير إمكانات الاستخبارات الجيو-مكانية من خلال السياسات التالية:
- تدريب الخبراء والأجهزة المعنية في مناطق مكافحة الإرهاب وانتشار المتفجرات والألغام، والمناطق المعرضة لكوارث إنسانية أو مناخية على التحليل الجيو-مكاني.
- تعزيز العمل الدبلوماسي والمخابراتي مع المؤسسات والجامعات والشركات العاملة في هذا المجال من خلال مذكرات التفاهم والبرامج التدريبية المشتركة.
- إنشاء قواعد بيانات مشتركة، وتخصيص أقمار صناعية فعالة ومتعددة الأغراض: عسكرية، تجارية، اقتصادية، استكشافية. إلخ.
- إرساء حكم القانون وتقديم ضمانات شفافة لكيفية استخدام هذه المعلومات، مع الحفاظ على خصوصيات الأفراد والجماعات.
- إنشاء وكالة أو وحدة استخبارات جغرافية-مكانية وطنية، وفتح برامج ودورات دراسية تتعلق بالمسوح والمعلومات الجيو-مكانية.