يمكن تعريف الاستخبارات بأنها نشاط سري تقوم به الدولة للوصول إلى حالة تمكنها من فهم الدول الأخرى أو حتى الجماعات من دون الدول، وبالتالي وضع خطط للتأثير على الدول وعلى قرارات الخصوم والتحكم في مسارات الأوضاع الداخلية وعلاقات الدولة الخارجية.
ويتم هذا الأمر عبر الحصول على أكبر قدر من المعلومات التي يصعب الحصول عليها، عبر عدة وسائل منها سرقة المعلومات، اختراق حسابات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، عمليات جمع المعلومات التي تقوم بها السفارات، عمليات الاستجواب التي قد تنفذها إحدى الدول ضد أحد المدانين.
وبالتالي، تؤدي الاستخبارات مهمتين مركزيتيين، توفير المعلومات، وتنفيذ الخطط. وهو ما يسمى إجمالاً بــ”الإنتاج الاستخباراتي” الذي تحدده الاحتياجات الاستخباراتية، وهو الإنتاج الذي يستفيد منه صناع القرار.
الأدوات المساندة لعمل الاستخبارات
حتى يكون العمل الاستخباراتي وما يتبعه من رصد وتقييم وتحليل ناجحاً، فإن هناك حاجة إلى معرفة عميقة بحقول علم السياسة وثقافة وتاريخ البلد أو الشخص المرصود وكذا بالاجهزة البيروقراطية.
بالإضافة إلى المعرفة بأدوات جمع وتحليل المعلومات المطبقة في المنهجيات الكيفية التي يتم استخدامها في حقل العلوم الاجتماعية، من أجل فهم التهديدات والفرص بشكل واقعي، وعدم الوقوع في فخ الانحياز المُسبق وجمع المعلومات بصورة انتقائية، بما يُخرب عمل الاستخبارات، أو ما يُعرف بــ”العمى الاستخباراتي Scotoma “. ومثال ذلك أن الجانب الإسرائيلي كان لديه دائماً”تصور مسبق” عن أن المصريين ليس لديهم الإمكانيات بدخول حرب ضد إسرائيل، وقد ساهم هذا التصور المسبق في استمرار تدفق المعلومة الاستخباراتية التي تقول أن المصريين لم يصلوا بعد إلى التفوق الجوي الذي يمكنهم من إدارة الحرب بفاعلية.
ورغم تطور العلاقة بين التقنية والعمل الاستخباراتي، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن التقنية ستعمل على تحييد العنصر البشري في العمل الاستخباراتي، فالطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية وتقنيات التنصت والاختراق تظل جزء في العمل الاستخباراتي وتقوم بمهمة “الرصد”. بينما يقوم العنصر البشري بمهمة “الفهم”، حيث لا يمكن للتقنية النفاذ لما يوصف بــ”الغيوم الحضارية” حيث لا يمكن لأي قمر صناعي أو تقنية اختراق فهم المعلومات الواردة اليه من منطقة حضارية ما أو أن يستنتج سلوكيات الأفراد والجماعات أو أن يتنبأ بما ينتج عن مواقف الجمهور أو التنظيمات المتطرفة.
المستهلكين للإنتاج الاستخباراتي
لا يظل الانتاج الاستخباراتي حبيس مؤسسة الاستخبارات وفقط، بل يتم طلبه واستهلاكه من عدة جهات رسمية وغير رسمية من أجل تنفيذ مُخطط ما ضد دولة أخرى بشكل عام أو ضد مسؤول بعينه. ولا ينحصر زبائن الانتاج الاستخباراتي في الدول وفقط بل تتخطاه إلى الشركات العالمية كشركات المقاولات والأسلحة والنفط والأدوية، من أجل الوقوف على أكبر قدر من المعلومات التى تساعدهم في توجيه منتجاتهم بالشكل الذي يحقق أكبر قدر من المكاسب، أو التأثير في حركة السوق للنيل من خصم أو من دولة كاملة.
دور الساتر في العمل الاستخباراتي
من أجل خلق موطأ قدم داخل الدولة او المنطقة أو حول الشخص المعني بالرصد، فإنه لابد من وجود ما يعرف بــ”الساتر” الذي يكون عبارة عن واجهة عمل شرعية لفريق الاستخبارات، وقد يكون هذا الساتر مستشفى أو شركة أو بعثة دولية، ويعرف هذا النوع من النفاذ بــ”النفاذ المستتر”. وقد يتم النفاذ المستتر من خلال تعاون مشترك بين الاستخبارات وأحد الشركات القائمة بالفعل، فتقدم الاستخبارات خدمات لهذه الشركة بينما تسمح الشركة للاستخبارات بتشغيل عناصرها ضمن هذه الشركة للقيام بالعمليات المطلوبة، وبالتالي لا يكون هناك أى شك في الشركة طالما أنها مؤسسة وقائمة بالفعل منذ زمن، إلا أن الحقيقة تكون بوجود خلية عمل صغيرة ضمن الشركة تابعة للاستخبارات.
دور الاستخبارات في تنفيذ العمليات التآمرية طويلة المدى
تسعى الاستخبارات نحو تأسيس مراكز بحثية ومواقع الكترونية ومؤسسات دولية غير حكومية NGO ، وتتمتع كل هذه المؤسسات بشكل رسمي وقانوني، إلا أنها تخضع لتوجيه خلية عمل استخباراتية، وقد تكون هذه الخلية مجموعة من المثقفين أو الساسة إلا أنهم مرتبطين بجهاز استخبارات، ولا يكون الغرض من هذه المؤسسات هو جمع المعلومات إطلاقاً، بل القيام بأحد أهم أدوار الاستخبارات وهو صناعة الرأي العام وتوجيهه لغرض معين.
ويوصف هذا الأمر بأنه أحد أشكال “العمليات التآمرية Convert Action “، والتى تعني ” محاولة إحدى الدول للتأثير على الأحداث وتوجيهها في الدول الأخرى من دون أن يتم كشف تورطها، من خلال برنامج يضم عدة عمليات استخباراتية يتم التنسيق بينها، وغالباً ما تدار على فترة زمنية طويلة نسبياً، لغرض التأثير على الجمهور أو الفئة المستهدفة للقيام بشىء ما أو الامتناع عن تنفيذ شىء ما، أو للتأثير على النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية”. وتعترف الحكومة الأمريكية بوجود ما يسمى بالعمليات التآمرية بالفعل وتؤكد استخدامها، حيث عرفها قانون الأمن الوطني الأمريكي لعام 1947 على أنها “نشاط تقوم به الحكومة الأمريكية للتأثير على الظروف السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية في الخارج، وتتعمد الدولة حينها ألا يكون دورها ظاهراً أو يتم تسريب معلومات عنه إلى العامة”
ومثال ذلك، الدعاية، التي قد تكون سوداء وقد تكون بيضاء. فالدعاية السوداء هى ترويج الأكاذيب والأخبار السيئة ومثال ذلك قناة الراديو التى أنشأتها الولايات المتحدة في جواتيمالا 1954 لبث أخبار مبالغ فيها عن تقدم المتمردين ما أشاع الخوف في قلب الرئيس الشيوعي “جاكوبو” ما دفعه الى تقديم استقالته خوفاً من الإطاحة به… أما الدعاية البيضاء فهي تلك الصادرة عن وسائل إعلام الدول الرسمية لتبرير سياسات الدول مثل هيئة الإذاعة البريطانيا ووكالة الأنباء الفرنسية.
لوجستيات العمل الاستخباراتي البشري
يمكن إيجاز لوجستيات العمل الاستخباراتي بأنها تتشكل من:
المحطة الاستخبارية: هي أهم أداة في إدارة العملية الاستخبارية، باعتبارها مركز القيادة، ولا تتوقف مهمتها على الدولة التى تتواجد فيها، حيث يمكن أن ترصد دولة أخرى وهي في مكانها، وقد يكون للمحطة عدة أفرع في البلد الواحد، أو الإقليم.
يبدو رصد عمل المحطة معقداً، فهى تكون علنية لكن مهمة عملها سرية، باعتبار ان المحطات قد تتواجد في السفارات باوقات السلم، وقد تكون في أحد الشركات. ويتم في بعض الأحيان الدفع بالمحطات بأن تكون متنقلة.
العملاء الرئيسيين: ويكونوا هم المسؤولين بشكل رئيسي عن العملية وارتباطهم يكون مباشر بالقيادة.
العملاء الثانويين: هم عملاء لا يعرفون أى شىء عمن يستخدمهم وقد يتلقى أجر بشكل مباشر أو في شكل هدايا مقابل الحديث المستفيض مع العميل الرئيسي عن مشاهداته، وقد يكون العميل الثانوي حلاق أو عامل على منصة نفط أو خادم أو موظف. كذلك قد يتحول المسجون السياسي إلى العمل مع أحد الأجهزة خصوصاً هؤلاء الذين يتم اعتقالهم للمرة الأولي، ويتم الافراج عنهم مقابل أن يبقوا في تنظيماتهم وينقلون المعلومات عنهم.