واجه الرئيس بايدن معضلة مؤلمة في أفغانستان عندما استلم السلطة. فقد التزم الرئيس السابق دونالد ترمب بسحب جميع قواته من البلاد في الأول من مايو، وكان قد خفض عدد القوات إلى الحد الأدنى بحلول يناير الماضي، على الرغم من فشل متمردي طالبان في الوفاء بتعهداتهم في الاتفاق. كان أمام السيد بايدن خياران، وهما إبقاء القوات الامريكية في مكانها، والمخاطرة بتجدد الصراع مع طالبان، أو المضي قدما في عملية سحب القوات- على الرغم أن هذه الخطوة قد تؤدي لانهيار الجيش والحكومة الأفغانيين.
بعد بذله جهدًا دبلوماسيًا وجيزًا ومفتقرا للحماسة فيما يبدو، اتخذ السيد بايدن قرارًا بانسحاب غير مشروط، وهي خطوة ربما توفر على الولايات المتحدة مزيدًا من التكاليف والأرواح، لكنها ستكون بالتأكيد كارثة على سكان أفغانستان البالغ عددهم 39 مليون نسمة، لا سيما على نسائها. قد يؤدي هذا الانسحاب إلى عكس مسار التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي قاتلت الولايات المتحدة من أجله لعقدين من الزمان، وكلفها ما يزيد على ألفي قتيل ومئات مليارات الدولارات. كما قد يسمح هذا، وفقا لمجتمع الاستخبارات الأمريكي ودراسة جرت بتكليف من الكونغرس الأمريكي، باستعادة تنظيم القاعدة قاعدته التي أطلق منها هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
إن الصفقة التي عقدتها إدارة ترمب مع طالبان، تُلزم الأخيرة بقطع جميع علاقاتها مع تنظيم القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى. وفقا لمسؤولين أمريكيين وأمميين، لم تفعل طالبان هذا. كما لم تكن الحركة راغبة في التفاوض بجديّة مع الحكومة الأفغانية للتوصل لتسوية سلمية. ورفضت الحركة اقتراحًا لإدارة بايدن لعقد مؤتمر في تركيا لإطلاق هذه المحادثات، كما سخرت من اقتراحات أمريكية بشأن ترتيب لاقتسام السلطة مع الحكومة، وإقامة انتخابات. إن زعماء حركة طالبان لديهم قناعة بأنهم سيسحقون الحكومة بسهولة عسكريًا بمجرد مغادرة الولايات المتحدة للبلاد، وإعادة تأسيس “إمارة إسلامية” متشددة مثل تلك التي أقاموها في تسعينيات القرن الماضي.
يطرح مسؤولون أمريكيون تبريرات مختلفة حول ترك حكومة “أشرف غني” المنتخبة لمصيرها المتوقع، الذي سيكون في أفضل الأحوال قتالا داميًا للبقاء. قاوم السيد “غني” أيضا مقترحات سلام أمريكية، وقد كان حُكمه ضعيفا. إن استراتيجية الإبقاء على قوات أمريكية في البلاد في محاولة لإجبار طالبان على تقديم تنازلات، يمكن أن تطيل من التزام الولايات المتحدة هناك لسنوات من دون تحقيق سلام دائم. يأمل مسؤولون أمريكيون أيضا، في أن يدفع الانسحاب حركة طالبان لتبني نهج معتدل فيما يتعلق برفضها حقوق المرأة وسياسات تقدميّة أخرى للمحافظة على المساعدات الدولية، والتي من دونها سينهار اقتصاد طالبان.
إذا ثبت أن هذا التقييم كان خاطئا، فأن قرار السيد بايدن بسحب القوات الأمريكية بحلول التاريخ الرمزي في الحادي عشر من سبتمبر 2021، ربما يؤدي ببساطة إلى رجوع الوضع الذي كان قائما عام 2001، ويشمل هذا وجود قواعد إرهابية قد تجبر الولايات المتحدة على التدخل هناك مجددا. في حدّه الأدنى، سيعني هذا تخليًا عن هؤلاء الأفغان الذي آمنوا بفكرة بناء ديمقراطية تضمن حقوق الإنسان الأساسية، ويعني أيضا ضياع تضحيات الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا أو جُرحوا في تلك المهمة. لقد اختار السيد بايدن الطريق السهل للخروج من أفغانستان، لكن التداعيات ستكون قبيحة على الأرجح.