كيف تحولت إيطاليا إلى محطة لتصدير الإرهابيين نحو أوروبا؟
مقدمة
في الوقت الذي تبنى فيه تنظيم داعش الهجمة الإرهابية في مدينة نيس الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط جنوبي فرنسا، في التاسع والعشرين منأكتوبر 2020، سلطت السلطات الفرنسية الضوء على رحلة الإرهابي منفذ الهجوم التونسي إبراهيم العويساوي ذو ال 21 ربيعا الذي وصل إلى الأراضي الفرنسية عن طريق إيطاليا التي كان قد وصل إليها على متن قارب إلى جزيرة لامبيدوزا التابعة لمقاطعة أريدجينو في صقلية في 20 أيلول/سبتمبر من العام نفسه، متتبعة خطواته من خلال متعلقاته التي تضمنت ورقة تخص جمعية الصليب الأحمر الإيطالي، وهي وكالة إغاثة طبية تعمل في مجال المساعدات الإنسانية.
لم يكن رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيببه كونتيه، أقل إدانة للهجمات الإرهابية من نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي لم يوجه دعوة لإيطاليا لحضور قمة مناهضة الإرهاب، معلقا بأن الدعوة اقتصرت على الدول الأوروبية التي تعرضت إلى الهجمات الإرهابية، لكن السبب غير المعلن هو ربما معاقبة إيطاليا سياسيا، أو – على أقل تقدير – توجية رسالة لا تخلو من إهانة إلى الحكومة الإيطالية بأن إيطاليا باتت خطرا أمنيا على باقي الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي، وفقا لرئيس مجلة Analisi Difesa وهي المجلة الأشهر في إيطاليا وأوروبا المعنية بالقضايا العسكرية الاستراتيجية.
يقترب ذلك التعليق من وصف المعارض السياسي زعيم حزب الرابطة، ماتيو سالفيني، الحكومة الإيطالية بالعجز أمام غزو المهاجرين لبلاده، ومُطالبة المعارضة السياسية زعيمة حزب أخوة إيطاليا، جورجيا ميلوني، رئيس الوزراء الإيطالي بمصارحة البرلمان بأسباب إقصاء الدول الأوروبية له ، بعدما أرجحت السبب إلى أن قادة أوروبا يعتبرون إيطاليا بوابة مفتوحة على مصراعيها على البحر المتوسط. وبالتالي، فإن الاتهام غير المباشر لإيطاليا يتمحور حول تحولها إلى مصدر الإرهاب الذي يضرب باقي دول الأعضاء للاتحاد الأوروبي.
جذور الإرهاب في إيطاليا
بعد الهجمات الإرهابية التي نُفذت في مدينة نيس، من الواضح أنها لم تكن مفاجأة لوكالة يوروبول، وهي الوكالة المعنية بحفظ الأمن في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي في مجالات مكافحة الجرائم الدولية الكبيرة والإرهاب، أن الإرهابي منفذ الهجوم الذي قدم إلى فرنسا عبر إيطاليا ليس وحيدا، فقد وصل قبله للمدينة ذاتها الإرهابي مروان الكرومي الذي يحمل نفس الجنسية، لكن السلطات الإيطالية رحلته لعلاقته بخلايا إرهابية، و كذلك الإرهابي منفذ هجوم برلين عام 2016 . كل تلك الدلائل كانت كفيلة لتأكيد الوكالة أن فتح الأبواب للمهاجرين على مصراعيه دون حساب يحفز للدخول إلى أوروبا لتنفيذ هجمات إرهابية.
وحسب تقرير صدرعام 2018 أعدته نفس الوكالة أن الجهاديين، وخاصة المحسوبين على تنظيم القاعدة، تدفقوا إلى السواحل الإيطالية عبر ما يسمى بالطرق الآمنة وهي (ليبيا – صقلية) و (تونس – صقلية) ثم هروبوا من نقاط التفتيش في إيطاليا للوصول إلى الدول الأعضاء بهدف تنفيذ عملياتهم الإرهابية. ويتقاطع ذلك التقرير مع العملية الاستخباراتية التي عُرفت باسم “القبضة المُحكمة” الي نفذتها وكالتين استخبارتين تابعتين للخدمات السرية الإيطالية، وهي السلطات المعنية تأمين الأنشطة الاستخباراتية بهدف حماية الأراضي الإيطالية، و قد كشفت في تحقيقاتها أن بعض المتطرفين انطلقوا من شمال أفريقيا – خصوصا من تونس وليبيا – ليتسللوا في زحام المهاجرين لدخول أراضي الاتحاد الأوروبي عن طريق إيطاليا.
و قد أطر التقرير مصادر الإرهاب الإسلامي في ثلاث محاور أساسية:
تسلل المهاجرين إلى الأراضي الإيطالية عبر البحر المتوسط.
عمليات التجنيد والتطرف العقائدي التي تلقن داخل السجون الإيطالية، ففي عام 2018 أعرب قسم إدارة السجون عن قلقه بشأن الارتفاع الملحوظ في عدد المحتجزين الذين أعلنوا ولائهم لتنظيم داعش.
احتمالية تنفيذ عمليات إرهابية في إيطاليا على يد 120 عنصر من ميليشيات تنظيم داعش العائدين من العراق و سوريا والذين يحملون الجنسية الإيطالية بحسب تقارير أجهزة الاستخبارات وعناصر الأمن.
على الرغم من كل تلك الينابيع التي تغذى جذور الإرهاب الإسلامي في إيطاليا بشكل منتظم -حتى باتت كالحرب اليومية، إلا أن إيطاليا تكاد كون بمنأى عن الهجمات إرهابية التي تهز باقي الدول الأوروبية .
كيف تتصدى إيطاليا للإرهاب
يؤكد خبراء بأن نجاة إيطاليا من الهجمات الإرهابية الجماعية تعود إلى خبرة اكتسبتها من خلال سياسات مناهضة لعصابات الجريمة المنظمة المافيا، وتصديها لمخاطر تلقين التطرف داخل سجونها، واعتمادها على الرقابة الجماعية على المكالمات في سياق الأنشطة المشبوهة المتعلقة بالإرهاب، وانتهاجها سياسة الترحيل لأسباب أمنية.
داخل أراضيها، لم تتدخر إيطاليا جهدا في إجراء التحقيقات لمن تشتبه بهم، ففي عام 2019 رحلت السلطات 98 عنصر لأسباب أمنية مرتبطة بعمليات إرهابية. وخارج حدودها، تمثل إيطاليا عضو ذا ثقل في التحالف الدولي ضد داعش. وفي نفس الوقت تكثف مجهوداتها مع مكتب مكافحة الإرهاب التابع للأمم المتحدة لحماية سواحلها. ولنفس الهدف، أرسلت وكالة يوروبول منذ عام 2018 ما يقرب من 50 خبير إلى الحدود الجنوبية لإيطاليا لتعزيز نقاط التفتيش الأمنية بهدف تحديد هوية الإرهابيين المشتبه بهم في صفوف المهاجرين المتدفقين إلى الداخل الأوروبي.
بتلك التدابير داخليا وخارجيا، فإن إيطاليا تبدو وكأنها دولة محصنة نسبيا، على عكس الدول الأوروبية مثل فرنسا والمملكة المتحدة وبلجيكا وألمانيا التي تتعرض لهجمات إرهابية متكررة، لكن تلك الاستثنائية تتقلص.
حسب البحث الذي نشره مركز محاربة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية للولايات المتحدة ومقرها نيويورك، تتمحور أسباب تقلص استثنائية إيطاليا من تعرضها لهجمات إرهابية حول:
زيادة نشاط مجموعات تجنيد العناصر بهدف تخطيط لهجمات إرهابية محسوبة على تنظيم داعش،
وصعود التوتر داخل المجتمع الإيطالي بسبب التدفق غير المسبوق للمهاجرين القادمين من شمال أفريقيا،
بالإضافة إلى ظهور جيل ثان من أبوين مسلمين أكثر تطرفا وأسرع استجابة للدعوات الإرهابية لتنظيم داعش،
كما أن إيطاليا تتفوق على تلك الدول من حيث عدد المقاتلين الذي انضموا لتنظيم داعش من أراضيها إلى سوريا والعراق.
كل تلك الأسباب انعكست على المشاركين الإيطاليين في استطلاع رأي صممته مؤسسة غالوب، وهي شركة تقدم البحوث الإحصائية، عام 2017 في 17 دولة أوروبية، حيث أظهر الإيطاليون المشاركون قلقا من الهجمات الإرهابية المرتبطة بظاهرة تدفق الهجرة غير الشرعية. كما أظهر استطلاع رأي أجرته شركة إبسوس للأبحاث في إيطاليا، أن 40% من المشاركين يعتبر استقبال المهاجرين خطرا أمنيا يمثل تهديد إرهابي، و بينما 50% من المشاركين يرى أن بلادهم لابد أن تتحصن من العالم الخارجي أكثر من أي وقت مضى.
وبالتالي تمثل النسبة الأكبر من التخوفات الأمنية لدى الإيطاليين في استقبال المهاجرين على اعتبارهم إرهابيين محتملين ، على الرغم من كل التدابير التي تتخذها السلطات الإيطالية داخليا وخارجيا لاجتثاث جذور الإرهاب. ولم تكن تلك التخوفات فقط في مخيلة الإيطاليين، بل هو واقع إذا تتبعنا رحلة الإرهابيين الذين وصلوا إلى إيطاليا لينتهوا إلى باقي الدول الأوروبية لتنفيذ الهجمات.
دور إيطاليا في تصدير الإرهاب إلى الدول الأوروبية
وجدت الاستخبارات الإيطالية رابطا مباشرا بين رحلة الإرهابي التونسي إلى إيطاليا وهجوم نيس؛ خاصة مع تشابه رحلته مع رحلة الجهادي الإرهابي أنيس عمري الذي نفذ هجوم برلين عام 2016، الذي وصل إلى الأراضي الإيطالية عن طريق صقلية عام 2011 وكان يعيش في مركز استقبال لصغار السن، ولم يكن إرهابيا حينها، بل تطرف فيما بعد عندما دخل إلى سجن مدينة أريدجينتو. وكذلك رحلة الجهادي الإرهابي الذي يحمل الجنسية الجامبية ألآجي طوراي الذي وصل على متن قارب رسى على شاطيء مدينة ميسينا التابعة لجزيرة صقلية عام 2017، و نشر بعدها بعام فيديو على تطبيق تيليجرام أقسم فيه على ولائه لتنظيم داعش من داخل مركز الاستقبال في منطقة ليكولا في مدينة نابولي، بعدما نبهت الاستخبارات الأسبانية السلطات الإيطالية التي ا ألقت القبض عليه في مسجد المنطقة. وتتشابه أيضا مع رحلة الإرهابي التونسي نصير لواتي الذي ألقى القبض عليه عام 2015 في مدينة رافيننا التابعة لإقليم إيميليا رومانيا شمال إيطاليا، الذي كان في صدد إعلان انضمامه لتنظيم داعش، وكان قد وصل إلى الشواطيء الإيطالية عام 2011. وتتفق أيضا مع رحلة الإرهابي النيجيري آدم هارون الذي وصل إلى جزيرة لامبيدوزا بعدما شارك في هجمات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان وأفريقيا، معترفا بقتله الكثير من الجنود الأمريكيين. كما كانت إيطاليا معبرا للانتحاريين الأكثر عنفا في الاتحاد الأوروبي، مثل الإرهابي محمد لحويج بو هليل الذي نفذ هجوم نيس عام 2016 وقتل 85 شخص بواسطة شاحنة نقل. وبالتالي تكرار الرحلة ترسخ فكرة ثنائية المهاجر-الإرهابي.
بالمقارنة بباقي دول أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل إسبانيا واليونان ومالطا التي تتعمد تقليص أعداد المهاجرين غير الشرعيين، تنتهج الحكومة الإيطالية سياسة مختلفة بشأن استقبال المهاجرين إذ تفتح أبوابها للجميع، غير مكترثة إذا كان المهاجر يشكل خطرا أمنيا أو يحتاج إلى الرعاية الصحية، على الرغم من تكرار وصف رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيببه كونتيه، للهجرة غير الشرعية، بأنها “غير مقبولة”. ولكن الهجرة غير الشرعية تحولت إلى قناة لدخول العناصر الإرهابية إلى الأراضي الإيطالية، إذ أكدت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، فرونتكس، بأن أعداد المهاجرين إلي إيطاليا في زيادة مطردة، بعكس الدول الأوروبية الأخرى.
ووفقا لدراسة أعدها مركز الدراسات العليا للدفاع التابع لوزارة الدفاع الإيطالية عن العلاقة المباشرة بين الهجرة غير الشرعية والهجمات الإرهابية، فقد لوحظ تزامن زيادة نشاط تنظيم داعش في أوروبا مع زيادة تدفق أعداد المهاجرين إلى أراضيها. وبالرغم من إمكانية تحقق هذه المعادلة، إلا أنه لا يعني السببية؛ فإذا كانت الأعداد المطردة لمهاجرين مسلمين، فإن قلة منهم هم من قاموا بالهجمات الإرهابية. وبالتمعن في الإحصائيات التي أصدرها نفس المركز بشأن الهجمات الإرهابية التي ضربت الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014 حتي عام 2017، فإن نسبة العمليات الإرهابية الجهادية تشكل 16% فقط من إجمالي الهجمات، لكن المعضلة هنا هي تسببها في مقتل 96% من إجمالي الضحايا، وارتفاع تلك النسبة تفسر بأنها الهجمات الأكثر عنفا والأنجح تنظيما والأعلى تدريبا.
خاتمة
إيطاليا ليست بعيدة عن مرمى الهجمات الإرهابية، فدائما ما يكرر تنظيم داعش بأن الجيوش الإسلامية ستحتل – عن قريب – “رومية“، العاصمة إيطالية.
إيطاليا ليست محصنة ضد الهجمات الإرهابية الإسلامية، وفشل محاولات الإرهابيين لا يعني بالضرورة أن البلاد قد إجتثت بؤرة الإرهاب على أراضيها من الجذور، بل يعني بصورة أكبر أنها تصدره إلى باقي الدول الأوروبية. واعتماد الحكومة الإيطالية في سياساتها بشأن تدفق المهاجرين على عدم وجود سببية حتمية لتلك الهجمات لا ينفي أيضا وجود نسبة لا يستهان بها من رحلات الإرهابيين المعتادة التي تبدأ بالهرب من مراكز الاستقبال ونقاط التفتيش في إيطاليا و تنتهي بتنفيذ هجماتهم في أصقاع أوروبا.
إذا كانت إيطاليا لم تحظ بدعوة العائلة الأوروبية في قمة مناهضة الإرهاب، باعتبارها قمة تضم الدول التي تعاني من الهجمات الإرهابية فقط، فربما أراد ماكرون إرسال إنذار مبكر لإيطاليا بأنها على موعد مع هجمة إرهابية قريبة، أو قد تكون إشارة بأن إيطاليا مدعوة – بكل تأكيد – إلى قمة قريبة حينما تشهد عملية إرهابية، لأن إيطاليا، كباقي الدول الأوروبية، تعاني من زيادة نشاط الجماعات الإرهاببية.
المراجع
https://formiche.net/2020/10/migranti-e-terrorismo-da-nizza-un-allarme-per-tutta-leuropa/https://it.sputniknews.com/intervista/202011139782230-italia-esclusa-dal-vertice-anti-terrorismo-gaiani-sigillano-i-confini-e-ci-lasciano-i-migranti/https://thevision.com/attualita/europa-terrorismo-immigrazione/?sez=all&ix=1https://www.startmag.it/mondo/chi-sono-i-jihadisti-che-sbarcano-in-italia/https://ofcs.report/internazionale/difesa-e-sicurezza-nazionale/migranti-e-terrorismo-europol-conferma-infiltrazioni-jihadisti/#gsc.tab=0https://www.state.gov/reports/country-reports-on-terrorism-2019/italy/https://www.theguardian.com/world/2017/jun/23/why-has-italy-been-spared-mass-terror-attacks-in-recent-yearshttps://ctc.usma.edu/the-terror-threat-to-italy-how-italian-exceptionalism-is-rapidly-diminishing/https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/1057610X.2020.1776952https://www.ispionline.it/en/pubblicazione/terrorism-tackling-threat-italys-exceptionalism-24918https://www.ispionline.it/it/pubblicazione/terrorismo-ed-estremismi-la-prospettiva-dellintelligence-italiana-25307https://securitypraxis.eu/islam-italy-securitization-suspect-communities/https://www.lavocedinewyork.com/news/politica/2020/11/12/italia-esclusa-dal-vertice-con-i-leader-europei-sul-terrorismo-islamico/https://www.panorama.it/news/dal-mondo/siamo-davanti-ad-un-nuovo-terrorismo-islamicohttps://www.globalist.it/intelligence/2020/11/03/merkel-e-macron-il-terrorismo-islamico-e-nemico-di-tutta-l-europa-ma-non-cediamo-all-odio-2067393.htmlhttps://www.agensir.it/italia/2020/10/08/terrorismo-e-migrazioni-bertolotti-react-solo-una-minoranza-marginale-di-migranti-puo-essere-associata-allaumento-del-terrorismo/https://www.europarl.europa.eu/doceo/document/P-9-2020-006119_IT.htmlhttps://www.analisidifesa.it/2020/11/terrorismo-e-immigrazione-illegale-leuropa-di-serie-a-emargina-litalia/https://www.firenzepost.it/2020/11/11/migranti-e-terrorismo-lamorgese-annuncia-permessi-temporanei-per-lavoro-lotta-al-terrorismo-islamico/https://www.gospanews.net/2020/08/28/migranti-allarme-sicurezza-e-terrorismo-dal-pm-anti-salvini-ma-il-governo-fa-guerra-a-musumeci-e-alla-sicilia/https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/147737081989621