مقدمة
مثل صعود تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا بـ”داعش”، لقيادة الجهاد المعولم لحظة دراماتيكية في تاريخ الحركة الجهادية، فرغم تبني التنظيم منذ إنشاء نواته الأولى (جماعة التوحيد والجهاد- 2003) استراتيجية تُركز على قتال الأنظمة الحاكمة في الدول التي ينشط فيها (العدو القريب)، إلا أنه أبقى على خطاب دعائي معادٍ للولايات المتحدة والدول الغربية (العدو البعيد)، وإن لم يضع في قمة أولوياته، منذ نشأته، تنفيذ هجمات إرهابية كبيرة في تلك البلدان على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي نفذها تنظيم قاعدة الجهاد.
ومع إعلانه الخلافة المكانية في يوليو 2014، وتعرض معاقلها لحصار وضغط عسكري من قبل قوات التحالف الدولي (عملية العزم الصلب)، ركز “داعش” على دعوة مقاتليه وأنصاره لتنفيذ هجمات إرهابية ضد الدول الغربية المشاركة في التحالف، لإشغالها بأمنها الداخلي وبالتالي تخفيف الضغط على مناطق سيطرته، والسماح له بالبقاء والتمدد على الأرض.
وفي هذا الإطار، كيف التنظيم هيكله العملياتي ليتمكن من تنفيذ مهام لوجيستية واستخبارية وقتالية في داخل الدول المعادية له، وتمكن خلال عامي 2015، و2016 من تنفيذ هجمات إرهابية منسقة داخل عدة دول منها فرنسا وبلجيكا، مخلفًا المئات من القتلى والجرحى[1].
وسعيًا منه لاستغلال حالة الزخم التي خلقتها الهجمات الإرهابية في أوروبا، كشف التنظيم عبر آلته الدعائية عن الجهة المسؤولة عن تخطيط وتنفيذ الهجمات في الخارج “إدارة العمليات الخارجية” والتي يمكن تشبيهها بأجهزة الاستخبارات الخارجية للدول، لكنه أبقى على هالة السرية المفروضة حول طبيعة وهيكل وآلية عمل تلك الإدارة، في ما بدا وكأنه واحدة من عمليات الحرب الاستخبارية- النفسية مع خصومه[2].
جذور قديمة
سعت الحركات الجهادية المختلفة لتأسيس قواعد دعم عملياتي في خارج مناطق الصراع، وتعزيز شبكاتها التشغيلية، لضمان استمرار الدعم اللوجيستي الذي يُقدم لمقاتليها على جبهات القتال، إضافةً لاستغلال هذه الشبكات في تنفيذ هجمات إرهابية خارج معاقلها التقليدية عند الحاجة لذلك.
ومن هذا المنطلق، أنشأ تنظيم القاعدة ما سماه بـ”شعبة العلاقات الخارجية” التي تتبع مجلسه القيادي (مجلس الشورى)، والتي تحولت لاحقًا لـ”قسم العلاقات الخارجية”، وأوكلت له مهمة متابعة علاقات العمل الخارجية وتيسير أنشطة التنظيم خارج معاقل نشاطه، والاتصال بالجماعات والتنظيمات الجهادية الأخرى[3]، وكانت فكرة هذا القسم بمثابة النواة التي قامت عليها إدارة العمليات الخارجية في جماعة التوحيد والجهاد ثم تنظيم الدولة الإسلامية لاحقًا[4].
وقامت هذه الإدارة على قاعدة تأسيسية تنص على: “وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن الاعتبارات الإقليمية أو العرقية أو التنظيمية السابقة”، وذلك بهدف الوصول لأقصى فاعلية واستفادة من العناصر العاملين في النشاط الخارجي، كما وضعت القيادة العليا للتنظيم عدة معايير واشتراطات لقبول الفرد في هذا النوع من العمل وهي:
- انضمامه للتنظيم لمدة سنة على الأقل.
- تمتعه بحس أمني عالي، يمكنه من العمل وفقًا للخطط الموضوعة، والتعامل مع الطوارئ.
- قدرته على العمل السري وتحت سواتر استخبارية مختلفة.
- أن يكون العنصر من ذوي العقليات الإدارية المنظمة.
- سلامة الحواس والتمتع بلياقة بدنية تتناسب مع المهمة المكلف بها.
- اجتيازه الدورات الأمنية والتنظيمية المحددة لهؤلاء الأفراد.
بينما اشترطت في من يتولى قيادة/ إمارة شبكات العمل الخارجي أن يكون من ذوي الخبرة والتجارب الجهادية، وأن يستوفي “شروط الإمامة العامة” وهي الشروط التي قررها فقهاء السياسة الشرعية (أصول الحكم) في الإسلام لمن يتولى إمامة المسلمين.
ولعبت تلك الإدارة دورًا فاعلًا في دعم الحراك الجهادي المسلح في بلاد الرافدين، ونسقت عمليات تهريب المقاتلين والمعدات والأموال إلى داخل البلاد، وأيضًا عملت على تهريب المقاتلين والقيادات إلى خارجها لأسباب مختلفة منها تلقي العلاج أو أداء مهام لصالح تنظيم الدولة الإسلامية وذلك بالتنسيق مع ما سُمي بإدارة الحدود في التنظيم[5]، وكان جميع مهماتها تؤدي في إطار من السرية باعتبار الطبيعة الأمنية الخاصة لها.
كما أُنيط بإدارة العمليات الخارجية تدريب وتلقين التعليمات الأمنية للمقاتلين والانتحاريين الداخلين لساحات القتال، والأفراد الخارجين منها لأي سبب، لكن أداءها تراجع خلال الفترة الممتدة من 2008 وحتى 2011، مدفوعًا بالتراجع العام الذي عاشه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وخسارته لمناطق سيطرته داخل المثلث السني (شمال وشرق وغرب العاصمة بغداد).
وبحلول عام 2011، بدأت القدرات العملياتية للتنظيم تتعافى بشكل ملحوظ، إذ استفاد من حالة الفوضى والسيولة الأمنية التي أعقبت ما عُرف بـ”الربيع العربي”، ومن ثم عاد إلى استقبال الجهاديين الأجانب (المهاجرين) وإيوائهم وتدريبهم في العراق، كما أنشأ فرعًا آخرًا له في سوريا عُرف بـ”جبهة النصرة لأهل الشام” والتي انفصلت عنه بعد الشقاق الجهادي مع القاعدة، لاحقًا[6].
تكيف تشغيلي
صاحب الصحوة الجهادية لتنظيم الدولة الإسلامية في أعقاب “الربيع العربي”، حالة من التكيف التشغيلي التي قامت بها هياكله الإدارية الفاعلة وعلى رأسها ديوان الأمن العام والذي يمثل وزارة الأمن والاستخبارات لدى التنظيم، وهو الديوان الذي تتبعه إدارات عملياتية ذات طبيعة خاصة منها إدارة أمن المجاهد (مسؤولة عن أمن الأفراد التنظيمين والرقابة على الأفكار والمنهج الجهادي لديهم، وإدارة العمليات الخارجية التي تتبعها مراكز (مكاتب) أمنية واستخبارية داخل وخارج معاقل التنظيم.
ومن الواضح أن التنظيم ركز في هذه الفترة على تعزيز شبكاته المسؤولة عن تهريب المقاتلين، والتي يُشرف عليها عناصر ذوي مهارات وتدريب خاص يُعرفون بمنسقي الهجرة[7]، وساهم ذلك في زيادة عدد الأجانب في صفوفه، والذين قُدرت أعدادهم، فيما بعد، بنحو 41490 مقاتلًا، حسب إحصاء مركز دراسة الراديكالية التابع لجامعة كينجز كولدج البريطانية[8].
غير أن المشهد العملياتي تغير نسبيًا بدخول التحالف الدولي لحرب داعش على ساحة المواجهة، بعد تشكيله في يوليو 2014، إذ ساهمت الحملة الجوية التي قام بها في وقف التمدد السريع للتنظيم ومنعه من التقدم صوب مناطق كردستان العراق، إضافةً لهزيمته وطرده من مدينة عين العرب “كوباني” في سوريا[9].
وأمام المتغيرات الجديدة، سعت قيادة داعش العليا للانتقام من الدول الأعضاء بالتحالف الدولي، والرد على حملة القصف الجوي والدعم العسكري الموجه لأعداءه، عبر تنفيذ هجمات إرهابية داخل دول القارة العجوز، فكلف أبوبكر البغدادي، خليفة التنظيم آنذاك، إدارة العمليات الخارجية بتخطيط وتنفيذ تلك الهجمات[10]، وتولى أبومحمد العدناني، نائب “البغدادي” وأمير اللجنة المفوضة (القيادة التنفيذية والإدارية العليا لداعش)، وقتها، الإشراف المباشر على الهجمات التي تمت في باريس (نوفمبر- 2016)، وبروكسل (مارس- 2016)، وإسطنبول (يونيو- 2016)[11].
وبناءً على تحليل المعلومات التي أتاحتها التحقيقات في الهجمات الإرهابية السابقة، يمكن استنتاج أن “تنظيم الدولة الإسلامية” وضع إدارة عملياته الخارجية تحت الإشراف المباشر لأمير اللجنة المفوضة، والذي يعتبر أعلى رتبة تنظيمية بعد خليفة التنظيم (الأمير العام)، وأمير ديوان الأمن العام الذي يكون عضوًا أيضًا باللجنة المفوضة، وذلك في إطار سعيه للتكيف التشغيلي في مواجهة التغيرات التي فرضتها عليه طبيعة الأوضاع داخل سوريا والعراق.
ومع السقوط المتتالي للمدن التي كان يسيطر عليها، ومقتل عدد من أمراءه البارزين، أعاد أبوبكر البغدادي هيكلة التنظيم، ليعمل بنظام الولايات الأمنية غير المكانية والتي تنتهج أسلوب الحرب الاستنزافية المستمد من أدبيات حروب العصابات والذي يسعى لإنهاك الخصم واستنزاف مقدراته العسكرية والاقتصادية واللوجيستية[12] كما عمل على تعزيز شبكاته الخارجية ونقل عناصر وقيادات فاعلة إلى خارج سوريا والعراق ليكونوا بمثابة ضمانة مستقبلية لبقاءه وتمدده، ونجح بالفعل في تهريب عدد (غير معروف) منهم إلى عدة دول أوروبية وعربية[13].
الهيكل التنظيمي
يتكون الهيكل التنظيمي لإدارة العمليات الخارجية من مجموعة أقسام ومكاتب فرعية، مندرجة في إطار هيكلي هرمي، رأسه القيادي “أمير الإدارة”، وقاعدته العناصر التنظيمية الأدنى درجةً والمكلفة بمهام محددة من قبل القيادة[14]، ويمكن تحديد البناء الهيكلي للإدارة استنادًا للوثائق الخاصة بديوان الأمن العام التي كُشف عنها سابقًا، إضافةً لمراجعة عدد من الإصدارات الإعلامية والوثائق المتعلقة بالنشاط الخارجي للتنظيم، وهو كالتالي:
-
أمير إدارة العمليات الخارجية
وهو المكلف بإدارة الوحدة التنظيمية والإشراف عليها وإصدار التعليمات لها، وتوزيع المهمات على الأفراد، ومراقبة أدائهم، وكتابة التقرير الشهري الذي يُرفع لأمير ديوان الأمن العام والذي يقوم بدوره برفعه إلى خليفة التنظيم، ويعين الأمير بموجب اتفاق بين الخليفة واللجنة المفوضة وديوان الأمن العام وكذلك الحال بالنسبة لنائبه، ويحق لأمير الإدارة تعيين أمراء المكاتب والوحدات الرئيسية التابعة لها بالتنسيق مع الديوان.
-
نائب أمير الإدارة
ينوب عن أمير المركز في حال غيابه، ويُكلف بالإشراف على مهام محددة من قبله، كما يشرف على متابعة تنفيذ الخطط الموكلة للإدارة بالتنسيق مع الأمير.
-
شرعي العمليات الخارجية
وهو أحد العناصر التنظيمية الذين لهم خبرة في الفقه الحركي الذي يعتمده تنظيم الدولة الإسلامية، ويكون هذا الشخص بمثابة المرجعية الشرعية في العمليات التي يقوم بها عناصر الإدارة، ويكون ارتباطه المباشر بالقيادة العليا لها.
-
مكتب الأمن الخارجي
وهو القسم المسؤول عن مراقبة أداء العاملين في الإدارة، وكشف عمليات التجسس والاختراق التي تقوم بها الجهات المعادية للتنظيم، كما يشرف على صياغة برامج التدريب الأمنية وتعميم التعليمات للحفاظ على أمن الأفراد العاملين في الإدارة.
-
مكتب الاستخبارات
ويُعنى بجمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها، والتحري وجمع المعلومات عن الأهداف المرصودة من قبل التنظيم، والعمل على تجنيد العملاء والجواسيس، إضافةً للعمل على الملفات الأخرى التي يُكلف بها، وإعداد الوثائق المزورة اللازمة لعناصر الإدارة لاستخدامها كسواتر استخبارية في العمليات المختلفة.
-
بنك المعلومات
ويُشبه بنك المعلومات إدارات المعلومات والأرشيف في المؤسسات النظامية، ويُعنى بحفظ المعلومات وأرشفتها بعد تصنيفها، كما يُناط به إعداد تقرير يومي عن أهم ما نُشر في وسائل الإعلام ورفعها لأمير إدارة العمليات الخارجية.
-
وحدة التقنية والمعلوماتية
وهي مسؤولة عن تأمين وسائل الاتصال وإعداد الشروحات التقنية اللازمة عن أمن المعلومات وتعميمها على عناصر الإدارة، كما تُكلف بتأمين أجهزة الاتصال التي يستعملها القيادات العاملة في الأمن الخارجي.
-
وحدة الشؤون الإدارية
ويُناط بها إدارة الأصول المالية، وإدارة الموارد البشرية وتسجيل بيانات أعضاء الإدارة والأمنيين العاملين فيها، والحفاظ عليها في طور السرية التامة.
-
المفارز الأمنية
وهي المجموعات التي تُكلف بتنفيذ الهجمات الإرهابية، ويتم اختيارها بناءً على خبرتها الأمنية والعسكرية، وتلعب دورًا أساسيًا في تنفيذ الهجمات الإرهابية في الدول الأوروبية وغيرها والتمهيد لإسقاط المدن والبلدات في قبضة التنظيم، عبر إطلاق سلاسل هجمات منسقة في توقيت محدد بناءً على أوامر القيادة العليا.
-
آلية التواصل
يتواصل مسؤولو إدارة العمليات الخارجية مع ديوان الأمن العام أو اللجنة المفوضة عبر آلية اتصال سرية يحددها جهاز أمني آخر[15] يُسمى بـ”تواصل”، ويتم ذلك عبر برامج التواصل الاجتماعي المشفرة كتطبيق تيلجرام، وعبر أكواد وشفرات متفق عليها مسبقًا، وباتباع خاصية End to End والتي تضمن ألا يتم الاحتفاظ بالرسائل في أي جهة بما في ذلك خوادم الشركات المالكة للتطبيقات.
آلية العمل في ما بعد “الخلافة المكانية”
طوى سقوط قرية الباغوز فوقاني السورية (محافظة دير الزور)، صفحة الخلافة المكانية بشكل كامل، ودفع تنظيم الدولة الإسلامية لتبني استراتيجية طويلة النفس تهدف لترميم بناءه الهيكلي، بالتوازي مع تبني الأساليب القتالية للحرب الاستنزافية[16].
واتباعًا للاستراتيجية السابقة، كثفت الآلة الدعائية للتنظيم من بث الرسائل التحريضية للذئاب المنفردة داعيةً إياهم لتنفيذ هجمات إرهابية بأي وسيلة ممكنة، بينما التزمت إدارة العمليات الخارجية بالعمل على توفير الدعم اللوجيسيتي للتنظيم، والاستفادة من المجموعات الجهادية المحلية التي بايعت خليفة التنظيم في تنفيذ هجمات خارج معاقل سيطرته[17]، دون أن ينخرط أفرادها بشكل مباشر في تنفيذ هجمات إرهابية منسقة على غرار هجمات باريس وبروكسل.
ووفقًا لمركز مكافحة الإرهاب التابع لأكاديمية ويست بوينت العسكرية الأمريكية فإن إدارة العمليات الخارجية لتنظيم الدولة الإسلامية، أبقت قنواتها الاتصالية المشفرة التي استعملتها سابقًا، قيد العمل، واستعملتها في عمليات الدعم اللوجيستي كشراء وتهريب الأسلحة والمعدات، ونقل الأموال، كما أن هناك شبكة أفراد تابعين للتنظيم مسؤولين عن تنسيق عمليات الدعم المختلفة انطلاقًا من دول أوروبية من بينها ألمانيا، والسويد، والمملكة المتحدة[18].
وعلى الصعيد نفسه، طور أفراد العمل الخارجي في داعش أساليب وطرائق الحصول على الأموال لاستخدامها في العمل[19]، باعتبار أن التمويل هو ضمانة لاستمرار النشاط الإرهابي، وتكيف هؤلاء الأفراد مع القيود التي فرضتها أجهزة ووكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون على المؤسسات التمويلية لمنع وصول الأموال لعناصر وأنصار داعش، فلجأوا إلى نقل وتحويل مبالغ مالية صغيرة عبر مسارات تمويلية مختلفة، هربًا من الملاحقة.
ويمكن تصنيف طرائق التمويل ضمن نوعين من الأنشطة، الأول يتم بصورة “شبه قانونية” ويشمل عمليات جمع التبرعات من الجاليات المسلمة في الدول الأوروبية وغيرها، وبيع الأصول المملوكة لعناصر وأنصار داعش، والتقدم للحصول على قروض أو تعويضات مالية من الحكومات واستخدامها في العمليات الإرهابية، بينما يتضمن النوع الثاني من النشاط والذي يتم في إطار غير قانوني كامل: استغلال المنح الدراسية وغيرها من الإعانات الحكومية في تمويل الإرهاب، والإتجار في السلاح والمواد المخدرة، والسرقة، بدعوى “الاحتطاب من أموال الكفار”، والاحتيال المصرفي، إضافةً للاختلاس.
ومن الواضح أن الجهاديين نجحوا في التحايل على إجراءات مكافحة الإرهاب، بقدر كبير، وتمكنوا من مواصلة العمل الخارجي في البيئات المعادية، وهو ما يُشكل تهديدًا أمنيًا عالي الخطورة وطويل الأمد، للدول المختلفة وفي مقدمتها دول القارة الأوروبية.
خاتمة
لعبت إدارة العمليات الخارجية دورًا محوريًا في بروز تنظيم داعش كفاعل رئيس على ساحة الجهاد المعولم، وكانت بمثابة رأس الحربة التي استخدمها في الانتقام من أعدائه، وتنفيذ هجمات إرهابية في داخل الدول الأوروبية.
ورغم تعرضه لانتكاسات واضحة، ومقتل غالب قياداته البارزة بما فيهم خليفته “أبوبكر البغدادي” (أكتوبر 2019)، إلا أن شبكات داعش الخارجية بقيت تعمل بقدر كبير من الكفاءة، ويبدو أن التنظيم استعد، منذ فترة طويلة، لمرحلة ما بعد الخلافة المكانية، ونجح في تهريب عدد من عناصره إلى داخل عدة دول، ومن ثم اضطلعت هذه الشبكات بمهام الدعم والتشغيل العملياتي الروتيني له، وهو ما يمثل ضمانة لبقاء واستمرار علامته الجهادية (Brand) القائمة على فكرة البقاء والتمدد.
واستنادًا للخبرة المستمدة من التجارب والمؤامرات الإرهابية السابقة، يمكن القول إن إدارة العمليات الخارجية الداعشية ستواصل العمل في المنطقة الرمادية بمعنى أنها ستواصل تنفيذ مهام التجنيد والدعم اللوجيستي والإعلامي، وتحريض الجهاديين المحليين/ الذئاب المنفردة على تنفيذ هجمات إرهابية، دون أن يقوم عناصرها بتنفيذ تلك الهجمات بشكل مباشر وذلك حفاظًا على الكوادر البشرية الداعشية.
وتكمن الخطورة هنا، في صعوبة رصد ومنع المؤمرات الإرهابية الصغيرة مقارنة بمثيلتها الأكبر، وهو ما يُشكل عبأ إضافيًا على أجهزة الأمن والاستخبارات التي تعمل في ظروف معقدة، بعد تفشي جائحة كورونا عالميًا.
وفي النهاية، سيبقى داعش تهديدًا أمنيًا عالميًا، وسيواصل تطوير وتكييف هياكله الإدارية والتنظيمية لأداء المهام المنوطة بها، وسيعمل على الاستفادة من شبكاته الخارجية ولاسيما في القارة الأوروبية، وقد يلجأ لتكليفها بتنفيذ هجمات إرهابية كبيرة ومنسقة، في حالات الضرورة أو لكسب الزخم في وقت محدد.
المراجع
[1] ) هجمات باريس وبروكسل تمت في إطار عملية واحدة، موقع ميدل إيست أون لاين، 13- 11- 2017، ويمكن الإطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://bit.ly/3lA8Pz3
[2] ) قصة شهيد.. أبومجاهد الفرنسي، صحيفة النبأ الأسبوعية، العدد 89، ديوان الإعلام المركزي لتنظيم الدولة الإسلامية، يوليو 2017، ص 9.
[3] ) اللائحة الداخلية لجماعة “قاعدة الجهاد”، (وثيقة لدى الباحث).
[4] ) قصة شهيد.. الأمير النبيل أبوالمغيرة القحطاني، صحيفة النبأ الأسبوعية، العدد 89، ديوان الإعلام المركزي لتنظيم الدولة الإسلامية، مارس 2016، ص 8.
[5] ) تعهد الأخ الخارج على مسؤوليته، إدارة الحدود بتنظيم دولة العراق الإسلامية، وثيقة تنظيمية (لدى الباحث).
[6] ) أبومحمد العدناني، إن دولة الإسلام باقية، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي، كلمة صوتية، أغسطس 2011.
[7] ) قصة شهيد.. أبومجاهد الفرنسي، صحيفة النبأ الأسبوعية، مصدر سابق.
[8]) Cook, J. & Vale, G. (2018). From Da’esh to ‘Diaspora’: Tracing the Women and Minors of Islamic State. London: The International Centre for the Study of Radicalization (ICSR). Available at: https://bit.ly/2HQqBiC.
[9] ) كوباني أكثر من معركة عسكرية، معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، 5- 12- 2014، ويمكن الإطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://bit.ly/36EfgLi
[10] ) واقتلوهم حيث ثقفتموهم، مركز الحياة للإعلام ، ديوان الإعلام المركزي لتنظيم الدولة الإسلامية، إصدار مرئي، يناير 2016.
[11] ) وزارة الدفاع الأمريكية: العدناني مسؤول عن هجمات باريس وبروكسل ومطار اسطنبول وبنغلادش، صحيفة القدس العربي، 31- 8- 2016، ويمكن الإطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2K97YHL
[12] ) “داعش” يعيد هيكلة صفوفه بعد هزائمه المتتالية، صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، 29 أغسطس 2018، ويمكن الإطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://bit.ly/2lKCUhl
[13] ( ISIS Fighter Clamis Attack Polt Via Mecxico, Underscoring Border Vulnerability, Homeland Security Today, 3- 7- 2019, available at: https://bit.ly/2UynfnK.
[14]) The Islamic Stat’s Security Apparatus Structure in the Provinces, Jihadology, 2- 8- 2017, available at: https://bit.ly/32SIZ3.
[15] ) أبوعبد الملك الشامي، زفرات من الدولة الموؤودة، رسالة تنظيمية داخلية، نسخة إلكترونية، سبتمبر 2017.
[16] ) في ضيافة أمير المؤمنين الخليفة إبراهيم بن عواد الحسيني القرشي، مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي (ديوان الإعلام المركزي)، إصدار مرئي، أبريل 2019.
[17] ) إعلان “داعش” مسؤوليته عن هجمات سريلانكا.. قراءة في الأبعاد والدلالات، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 25- 4- 2019، ويمكن الإطلاع عليه عبر الرابط التالي: https://bit.ly/32ROj5Q .
[18] (Almohammed, A. & Winter, CH. (June 2019). From Battlefront to Cyberspace: Demystifying the Islamic State’s Propaganda Machine. New York: CTC at West Point, Available at: https://bit.ly/3mw0AUO.
[19]) Lorenzo, V & Lewis, J & Mines, A (September 2020). Dollars for Daesh. Washington: Program on Extremism The Washington University & National innovation Technology and Education center. P 18: 23.