كان اتجاه التنظيمات الإرهابية للاعتماد على بعض المعلومات الاستخباراتية عند تخطيطها لعملياتها الإرهابية من الأمور المسلم بها، غير أنه من الملاحظ أن التنظيمات الإرهابية توسعت خلال الخمس سنوات الأخيرة في امتلاك أجهزة استخبارات، تحاكي تلك الأجهزة التي تمتلكها الدول، وارتبط ذلك بصورة أساسية بتنظيم داعش، والذي تمكن من تأسيس جهاز استخباراتي خاص به عرف باسم جهاز “الأمن”، كما أن حركة الشباب الصومالية أسست هي الأخرى جهازها الاستخباراتي الخاص، والذي كان يعرف باسم “الأمنيات”.
كيف تتمكن التنظيمات الإرهابية من تأسيس أجهزة استخباراتية؟
تمكنت بعض التنظيمات الإرهابية من تأسيس ما يشبه الأجهزة الاستخباراتية من خلال إحدى الطريقتين التاليتين:
- الحصول على دعم إحدى الدول: قامت إيران بتدريب بعض عناصر تنظيم القاعدة منذ بداية التسعينات من القرن العشرين، ففي عام 1993، قام الحرس الثوري الإيراني بالتعاون مع حزب الله اللبناني بتدريب بعض عناصر التنظيم في وادي البقاع في جنوب لبنان على كيفية تصنيع المتفجرات، كما أمدهم بدورات في مجال الاستخبارات والأمن.
وبالمثل، تتهم الولايات المتحدة باكستان بالتورط في دعم تنظيم القاعدة، وذلك على الرغم من قيام باكستان بمساعدة واشنطن على اعتقال بعض العناصر القيادية من الصف الثاني أو الثالث في التنظيم. ولعل ما يضفي بعض المصداقية على ادعاءات واشنطن، قيام المواقع الإعلامية المرتبطة بالقاعدة بنشر كتيبات عن أسس الاستخبارات، والذي حصلت عليها من وكالة الاستخبارات الباكستانية. - استيعاب العناصر التي تتمتع بخبرة استخباراتية: أسس جهاز داعش الاستخباراتي “حاجي بكر”، والذي يعرف باسم “أبو محمد الخلفاوي”، وهو عقيد سابق في أجهزة الاستخبارات العراقية، إبان حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، والذي ألتقي بأبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم داعش لاحقاً، في سجون الاحتلال الأمريكي (2004 – 2008)، وكلفه “داعش” بتأسيس جهاز استخباراتي للتنظيم في عام 2012. وعلى الرغم من أن حاجي بكر قد تمت تصفيته في عام 2014، فإنه تمكن من نقل أغلب خبرته إلى باقي أعضاء التنظيم.
ما هي أبرز أجهزة الاستخبارات الإرهابية:
تتمثل أبرز الأجهزة الاستخباراتية التي أسستها التنظيمات الإرهابية، والتي يتوفر عنها معلومات في جهاز الأمن التابعة لداعش، وجهاز الأمنيات، التابع لحركة الشباب:
أولاً: جهاز “الأمن”:
يعرف جهاز داعش الاستخباراتي باسم جهاز الأمن، بينما يتم الإشارة إليه في الغرب بـ “الأمني” (Emni)، وكان يرأسه، حاجي بكر، ثم أبو محمد العدناني، المتحدث باسم التنظيم، وتكشف المعلومات المتوفرة عن هذا الجهاز اضطلاعه بعدة وظائف أبرزها:
- جمع المعلومات: كان التنظيم يستخدم جهاز الأمن في جمع معلومات ميدانية لمساعدة التنظيم في الانتصار في المعارك التي يخوضها في سوريا والعراق، فضلاً عن جمع معلومات تفصيلية عن المدن التي يرغب في السيطرة عليها، حيث يرسل عناصره لتحديد الخلفية السياسية والأيديولوجية للمقيمين في هذ المدن، لتحديد العناصر التي يمكن أن يتعاون معها، وتلك التي تمثل تهديداً عليه، ومن ثم يقوم بالتخلص منها. كما كان جهاز الأمن يقوم بجمع معلومات وتحليلها عن الهجمات التي قد تتعرض لها المناطق الخاضعة لسيطرته. ويلاحظ أن التنظيم تمكن من زرع عناصر تابعة له في كل التنظيمات الإرهابية الأخرى المناوئة له بغرض التجسس عليها والإلمام بأخبارها.
- الدعاية والحرب النفسية: كان جهاز الأمن يركز بصورة أساسية على الدعاية، وإنتاج أفلام تسجل العمليات الإرهابية التي يقوم بها التنظيم بغرض زرع الخوف من التنظيم، في مواجهة القوى المناوئة له، فضلاً عن تبرير عملياته الإرهابية ضد القوى المناوئة له.
- تنفيذ العمليات الإرهابية في الخارج: كان يتم تقسيم الجهاز المعني بالعمل السري، وتحديداً تنفيذ العمليات الإرهابية في الخارج، إلى عدد من الأقسام الفرعية، مثل جهاز الخدمة السرية في الدول الأوروبية، وجهاز الخدمة السرية في الدول الآسيوية، وجهاز الخدمة السرية في الدول العربية. وكان يتم إعطاء صلاحيات واسعة للجهاز لانتقاء العناصر المراد تجنيدها من مختلف أفرع التنظيم، سواء من المنضمين حديثاً له، أو من خلال المقاتلين المتمرسين، أو حتى من الوحدات الخاصة.
كما نشط التنظيم في إرسال عملاء إلى خارج مناطق سيطرته في سوريا والعراق، خاصة إلى أوروبا، واختار التنظيم أغلب هذه العناصر ممن يقيموا في الدول الأوروبية، بحيث يعيشون، وهم متخفين، بصورة طبيعية، ضمن أسرهم، لكي لا يتم كشف ارتباطهم بالتنظيم، بل واعتمد التنظيم على مهرب سابق انضم للتنظيم من أجل تهريب هذه العناصر إلى دول الاتحاد الأوروبي من جديد عبر تركيا واليونان، بينما تمكن البعض الآخر من دخول أوروبا عبر موجة اللاجئين. وفي بعض الأحيان، كان التنظيم يشير إلى أن هذه العناصر الأوروبية قد تمت تصفيتها خلال العمليات القتالية للتنظيم، حتى لا تقوم أجهزة الأمن الأوروبية بتتبعهم، ثم يتضح بعد ذلك مشاركتهم في تفجيرات إرهابية في أوروبا.
وكان داعش يطلب من الأوروبيين حجز إجازات قصيرة في منتجعات في جنوب تركيا، والتقاط العديد من الصور لها، ثم الحضور للتدريب لفترة قصيرة مع داعش، وذلك لكي يعيد إرسالهم مرة أخرى، للانضمام إلى الخلايا النائمة في أوروبا، حتى لا يكونوا موضع شبهة من قبل الأجهزة الأمنية، إذا ما قاموا باستجوابهم.
ونجح المنتسبين للجهاز في القيام بالعديد من العمليات المؤثرة، والتي كان أبرزها هجمات باريس الإرهابية في 13 نوفمبر 2015، فضلاً عن مهاجمة مطار بروكسل ومحطة المترو في بلجيكا في 22 مارس 2016. كما كشفت التحقيقات التي أجرتها الدول الأوروبية عن نجاح التنظيم في إرسال عناصر متخفية إلى النمسا وألمانيا وإسبانيا ولبنان وتونس وبنجلاديش وإندونيسيا وماليزيا.
ثانياً: جهاز الأمنيات:
احتفظت حركة الشباب الصومالية بجهاز استخباراتي خاص بها عرف باسم “الأمنيات” (Amniyat)، ويتراوح عدد عناصره ما بين 500 و1000 فرد، وينقسم الجهاز إلى عدد من الأقسام، فهناك قسم معني بجمع المعلومات الاستخباراتية، ومكافحة التجسس الخارجي، بينما يوجد قسم معني بالتفجيرات، وعمليات الاغتيال، وغيرها من الأقسام، وتتمثل أبرز الأدوار التي يقوم به الأمنيات في التالي:
- جمع المعلومات: تسعى عناصر الأمنيات لجمع معلومات عن المواقع التي سيتم استهدافها بعمليات إرهابية، سواء في داخل الصومال، أو خارجه. وغالباً ما تلجأ حركة الشباب إلى تجنيد عناصر تابعة لها في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الصومالية، وكذلك في المناطق المستهدفة في شرق أفريقيا، خاصة كينيا.
- اختراق مؤسسات الدولة: اعتمدت حركة الشباب الصومالية في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية الناجحة على اختراق بعض المؤسسات الحكومية والأمنية الصومالية. ففي عام 2016، أدانت إحدى المحاكم عبدولي محمد ماو، رئيس أمن مطار مقديشو، لمساعدته على تهريب قنبلة موضوعة داخل كمبيوتر محمول على متن رحلة جوية، والتي انفجرت بعد 15 دقيقة من إقلاعها من مطار مقديشو، بينما أدين عبد السلام محمد حسن في عام 2014، وهو مسؤول كبير في وكالة الاستخبارات والأمن الوطنية الصومالية (National Intelligence and Security Agency)، بتقديمه صوراً لبعض العاملين في الجهاز وبياناتهم إلى حركة الشباب. وبالمثل، تمكنت حركة الشباب من جمع معلومات استخباراتية من خلال زرع جواسيس لها في بعض البعثات الصومالية الدبلوماسية في الخارج.
- التصفية والاغتيالات: ينشط جهاز الأمينات في اغتيال وتنفيذ هجمات ضد المسؤولين الحكوميين، وكبار المسؤولين السياسيين في الصومال، كما توظف الشباب هذا الجهاز من أجل تعقب العناصر التي غادرت التنظيم، والقضاء عليها، من أجل الحفاظ على التماسك التنظيمي، ومنع حدوث انشقاقات تؤثر على الحركة.
كيف تواجه الدول الأنشطة الاستخباراتية للتنظيمات الإرهابية؟
تلجأ الدول عادة إلى إحدى استراتيجيتين في التعامل مع الأجهزة الأمنية التابعة للتنظيمات الإرهابية، إذ أنها عادة ما تلجأ إلى تصفيتهم، أو القضاء على التنظيم، وذلك على النحو التالي:
- تصفية العناصر المؤثرة: تلجأ الدول عادة إلى تصفية الشخصيات القيادية داخل الأجهزة الاستخباراتية للتنظيم الإرهابي، خاصة تلك المعنية بتنفيذ العمليات الإرهابية في الخارج، ففي مارس 2015، قتل الجيش الأمريكي “عدن جارار” في مدينة بارديري، والذي يُعتقد أنه المسؤول عن العمليات الخارجية في جهاز الأمنيات، كما قدرت الولايات المتحدة أن جارار هو المخطط الرئيسي للهجوم على مول “ويست جيت” (Westgate) في كينيا، في سبتمبر 2013. كما قام الجيش الأمريكي بتصفية عدد أخرى من كبار القيادات داخل الأمنيات، والذي يتمثل أبرزهم في “سهل إسكدوق” (يناير 2014)، وتهليل عبد الشكور (ديسمبر 2014)، ويوسف ضيق (يناير 2015).
وبالمثل، قام الجيش الأمريكي في أغسطس 2016 بتصفية أبو محمد العدناني، وذلك بغارة شنتها طائرة أمريكية بدون طيار في شمال سوريا، ويعد العدناني أحد أخطر العناصر القيادية في تنظيم داعش، نظراً لكونه مهندس العمليات الإرهابية الخارجية ضد الغرب. - القضاء على التنظيم الإرهابي: نجحت الولايات المتحدة في القضاء على تنظيم داعش في معاقله في سوريا والعراق، عبر طرد التنظيم من المناطق التي كان يسيطر عليها، بما رتبه ذلك من القضاء على أهم مصادر تمويله، فضلاً عن تصفية أبرز العناصر القيادية به، بما أضعف التنظيم، وساهم في إلقاء القبض على العديد من عناصره، ومن ثم اختراق التنظيم، ومعرفة آليات عمله، وأبرز العناصر المنتسبة له، وتعقبهم وتصفيتهم.
وفي الختام، يمكن القول إن نجاح التنظيمات الإرهابية في تأسيس أجهزة استخباراتية خاصة بها، يعتمد في جانب منه كذلك على قوة الدولة، التي يوجد على أرضها التنظيم، إذ أن امتلاك هذه الدولة لأجهزة أمنية قوية، يحد من قدرة التنظيم على تأسيس مثل هذه الأجهزة، كما يضعف من قدرته على تجنيد عناصر موالية له داخل أراضي الدولة المستهدفة.
المراجع
[1]) Thomas Joscelyn, The Al Qaeda-Iran Connection, Foundation for Defense of Democracies, August 8, 2018, accessible at: https://bit.ly/2OmsCDI
[1]) Greg Miller, Al-Qaeda’s terrorist tool kit now includes training manuals from Pakistani spy agency, The Washington Post, July 15, 2011, accessible at: https://wapo.st/2Ol5s0e
[1]) Anne Speckhard and Ahmet S. Yayla, The ISIS Emni: Origins and Inner Workings of ISIS’s Intelligence Apparatus, Perspectives On Terrorism, Vol. 11, Issue 1, February 2017, (pp. 3 – 4), accessible at: https://bit.ly/2OmEjdt
[1]) Michael Rubin, How does ISIS do intelligence?, American Enterprise Institute, December 5, 2016, accessible at: https://bit.ly/2Saam1r
[1]) Rukmini Callimachi, How a Secretive Branch of ISIS Built a Global Network of Killers, The New York Times, August 3, 2016, accessible at: https://nyti.ms/2GIOJ30
[1]) Anne Speckhard and Ardian Shajkovci, ISIS Smuggler: Sleeper Cells and ‘Undead’ Suicide Bombers Have Infiltrated Europe, Daily Beast, February 5, 2019, accessible at: https://bit.ly/2OhZmOb
[1]) Somalia’s frightening network of Islamist spies, BBC, May 27, 2019, accessible at: https://bbc.in/2UisSra
[1]) PAUL D. WILLIAMS, After Westgate: opportunities and challenges in the war against Al-Shabaab, International Affairs, Vol. 90, Issue 4, 2014, p. 911.
[1] Harun Maruf, Somalia Assesses Al-Shabab Moles’ Infiltration of Government, Voice of America, August 15, 2019, accessible at: https://bit.ly/2RR6fIP
[1]) Ken Menkhaus, Al-Shabab’s Capabilities Post-Westgate, CTC sentinel, February 2014, Vol 7, Issue 2, p. 6.