في الوقت الذي تتصارع فيه الدول حول العالم مع فيروس كورونا، نجد أن تايوان قدمت دورس قيّمة حول كيفية كبح انتشاره.
تبعد تايوان حوالي 81 ميلاً عن الصين، حيث يُعتقد أن فيروس كورونا قد نشأ في ووهان لأول مرة. ومع استمرار تفشي المرض في الصين في شهر يناير الماضي، كان العديد من رجال الأعمال التايوانيين وعائلاتهم في الصين يحتفلون بالعام القمري الجديد، فضلاً عن أن هناك ما يصل إلى 2000 سائح صيني يزور الجزيرة التايوانية يوميًا، مما يحتمل أن يكونوا قد حملوا المرض معهم.
ومع ذلك، لم تسجل تايوان سوى 50 حالة مصابة بفيروس كورونا، مع وفاة حالة واحدة حتى ليلة الجمعة – وهذا أقل بكثير من الصين التي كان عدد الحالات لديها يبلغ 80824 حالة، و3189 حالة وفاة، وهو ما يمثل تناقض صارخ حتى عند مراعاة الاختلاف الهائل في عدد السكان: حيث يبلغ عدد سكان جزيرة تايوان 23 مليون نسمة في حين يبلغ عدد سكان الصين مليار و400 مليون نسمة. ليس هذا فحسب، بل أن أرقام تايوان أقل بكثير من الدول المجاورة ككوريا الجنوبية، التي يبلغ عدد الحالات فيها أكثر من 7900 حالة، واليابان الذي يبلغ عدد الحالات فيها 675 حالة. كما أنها أفضل حالاً من الدول البعيدة عن الصين، مثل إيطاليا التي وصل عدد الحالات فيها إلى أكثر من 17660 حالة، والولايات المتحدة التي وصل عدد الحالات فيها إلى 2167 حتى ليلة الجمعة.
من بين أكثر من 100 دولة وإقليم متضرر من تفشي الوباء، لدى تايوان أدني معدل إصابة للفرد – حوالي فرد واحد من كل 500000 شخص – رغم قربها من الصين مع الأخذ في الحسبان الكثير من السفريات من وإلى الجزيرة.
ماذا فعلت تايوان، وما هي الدروس التي يمكن أن يتعلمها العالم من التجربة التايوانية حتى تتمكن الدول الأخرى من وقف انتشار الفيروس؟
كن يقظًا واستباقيًا
يعود ذلك بشكل جزئي إلى أن تايوان قريبة من الصين وتتحدث لغتها، ونتيجة لذلك، علمت تايوان في وقت مبكر أن “التهاب رئوي حاد” ينتشر في ووهان. لكن الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها الجزيرة هي ما ساعدتها على تجنب تفشي المرض.
في 31 ديسمبر، في نفس اليوم الذي أبلغت فيه الصين منظمة الصحة العالمية بانتشار عدد من حالات التهاب رئوي غير معروف، أمرت مراكز مكافحة الأمراض في تايوان على الفور بفحص الركاب الذي يصلون على متن رحلات من ووهان.
وعلى الرغم من أن العلاقات سيئة مع بكين، إلا أن تايوان طلبت من الصين الحصول على إذن لإرسال فريق من الخبراء إلى الأرض الصينية في مهمة لتقصي الحقائق يوم 12 يناير السابق.
بعد رجوع فريق الخبراء، أعلنت كولا يوتاكا المتحدثة الرسمية باسم الحكومة التايوانية لشبكة إن بي سي نيوز بأنه: “لم يسمحوا لنا برؤية ما لا يريدونا أن نراه، لكن خبرائنا شعروا أن الوضع لم يكن على ما يرام”.
بعد وقت قصير من عودة الفريق، بدأت تايوان تطلب من مستشفياتها اختبار الحالات والإبلاغ عنها. وقد ساعد ذلك الحكومة على تحديد المصابين، وتتبع اتصالاتهم وعزل كل المرتبطين بهم، وبالتالي منع الفيروس من الانتشار إلى المجتمع.
حدث كل هذا قبل وقت طويل من تأكيد تايوان على ظهور أول حالة لديها في 21 يناير الماضي .
قُم بإنشاء مركز قيادة في وقت مبكر
وفقًا لجيسون وانج من جامعة ستانفورد للسياسة الصحية، وهو أستاذ طب الأطفال ويحمل درجة الدكتوراه في السياسة التحليلية، انه من المهم أيضًا ما قام به مركز السيطرة على الأمراض في تايوان بتفعيل مركز القيادة المركزية للوباء في وقت مبكر في 20 يناير، الأمر الذي سمح لتايوان بتطبيق سلسلة من إجراءات مكافحة الوباء سريعًا.
قامت تايوان بالعمل على تنفيذ 124 إجراء في الأسابيع الخمسة المنصرمة ، وكانت تنفذ ما بين ثلاثة إلى أربع إجراءات يوميًا لحماية الصحة العامة. ولم تتوقف الإجراءات على مراقبة الحدود وحسب حيث أدركت السلطات المختصة في تايوان أن هذا الأمر غير كافياً.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مركز القيادة هذا لم يكن يقوم بالتحقيق في الحالات المؤكدة والمشتبه فيها فحسب، بل يعمل أيضًا مع الوزارات والحكومات المحلية لتنسيق الاستجابة في تايوان بأسرها، بما في ذلك تخصيص الأموال وتعبئة الموظفين وتقديم المشورة بشأن تطهير المدارس.
اتخذ إجراء سريع وحاسم
كما اتخذت تايوان إجراءات صارمة في وقت مبكر من اكتشاف الحالة الأولى لديها، فقد اتخذت في 26 يناير، أي بعد خمسة أيام من ظهور الحالة الأولى لديها، قرار حظر السفر إليها من ووهان قبل أي منطقة أخرى.
ولم يمض وقت طويل قبل أن تفعل الشيء نفسه للرحلات الجوية من جميع المدن الصينية باستثناء عدد قليل جدًا، ولم يُسمح سوى للتايوانيين بالسفر إليها.
استخدم التكنولوجيا لكشف وتتبع الحالات
بعد تأمين حدودها، استخدمت تايوان التكنولوجيا لمحاربة الفيروس، حيث قامت منذ عام 2003 عندم تفشى وباء سارس بتزويد المطارات بأجهزة فحص درجات الحرارة للكشف عن أي شخص قد يعاني من الحمى، وهو أحد أعراض فيروس كورونا.
ويمكن للمسافرين أيضًا مسح رمز الاستجابة السريعة والإبلاغ عن تاريخ سفرهم وأعراضهم الصحية عبر الإنترنت. ثم تُعطى هذه البيانات مباشرة إلى مركز السيطرة على الأمراض في تايوان.
كما أن كل من يأتي من المناطق الأشد تضررًا يخضع لحجر صحي إلزامي لمدة 14 يومًا، حتى لو لم يكن مريضًا، ويُتعقب باستخدام خاصية مشاركة المواقع على هاتفه المحمول. وإذا فكر شخص في الهرب يخضع لغرامات باهظة. يسري هذا أيضًا على من لا يكشف عن الأعراض التي لديه.
كمثال على ذلك، هناك رجل لم يخبر السلطات بالأعراض التي لديه بعد عودته من ووهان وذهب في نفس يوم وصوله إلى ملهى للرقص، وفوجئ في اليوم التالي أن الحكومة قد غرّمته 10 آلاف دولار.
كما حددت السلطات في تايوان هوية الأشخاص الذي تواصل معهم هذا الشخص سريعًا، وأجرت عليهم الاختبارات ووضعتهم في الحجر الصحي المنزلي.
بالإضافة إلى أن السلطات التايوانية تكشف عن حالات جديدة بشكل استباقي عن طريق إعادة اختبار من تبين أن نتائجهم سلبية في وقت سابق .
اضمن توافر الامدادات
لضمان توفر إمدادات ثابتة من الأقنعة، منعت الحكومة سريعًا الشركات المصنعة من تصديرها، ونفذت نظام تقنين وتحديد لسعر القناع عند 16 سنتًا فقط.
كما أنشأت خطوط إنتاج جديدة وأرسلت جنودًا إلى مصانع الموظفين، مما أدى إلى زيادة الإنتاج بشكل ملحوظ.
واُستخدمت هذه الأقنعة كأدوات للمقيمين في مدن تايوان ذات الكثافة السكانية العالية لحماية أنفسهم؛ الأمر الذي جعلهم يشعرون بالأمان.
اطلق حملات توعية للناس
طلبت الحكومة من محطات التلفزيون والإذاعة بث إعلانات الخدمة العامة التي تلقن الناس حول كيفية انتشار الفيروس على مدار الساعة، وأهمية غسل اليدين بشكل صحيح، وتوقيت ارتداء القناع.
كما رأت تايوان أنه عندما تكون المعلومات شفافة، ولدى الناس معرفة طبية كافية، سيقل الخوف الذي ينتابهم.
نتيجة حملة التوعية التي أطلقتها الحكومة، علم الناس أن معظم المرضى لديهم أعراض خفيفة أو منعدمة، ولذلك، كان معدل الوفيات أقل مما يتم الإبلاغ عنه. كما أنهم أدركوا أن تاريخ سفر الشخص أو اتصاله بالأفراد المصابين هو ما يحدد مستوى خطورته، وليس جنسيته أو عرقه، الأمر الذي ساعد على الحد من التمييز.
اجعل الناس تشاركك المسؤولية
ساهم تعاون الجمهور مع الإجراءات التي أوصت بها الحكومة أمر حاسم لمنع انتشار الفيروس، وهذا الأمر يشمل الطلاب. حيث يقوم أكثر من 95% من الآباء بقياس درجة حرارة أبنائهم يومياً ويبلغون المدرسة فور وصول الأطفال إلى المنزل، وبغض النظر عما تفعله الحكومة، يتعين على الناس تحمل مسؤولية صحتهم .
كما أن معظم الشركات قامت بتزويد مقارها بأجهزة لفحص درجة حرارة الموظفين القادمين إلى العمل، ومن خلال كاميرات المسح الحراري. بالإضافة إلى تخزين مطهرات الكحول وأدوات قياس الحرار خلال عطلة نهاية الأسبوع.
عمليًا، تمثلت مهمة كل مبنى إداري ومدرسة ومركز رياضي اجتماعي بفحص درجات الحرارة ومنع أي شخص يعاني من الحمى من الدخول إليها. كما وضعت المباني السكنية معقمات لليدين داخل المصاعد وخارجها.
تعلم من التجارب السابقة
كانت تايوان قادرة على الاستفادة من الدروس التي تعلمتها خلال تفشي وباء سارس عام 2003 بشكل جيد. حيث انتهي هذا الوباء بقتل 73 شخصًا وإلحاق الضرر بالاقتصاد.
لكن هذه المرة، كانت حكومة تايوان وشعبها على أتم استعداد، وقد ساعد في زيادة شعبية الرئيسة التايوانية تساي إنغ ون.
وأخيرًأ وليس آخرًا، قالت المتحدثة باسم الحكومة التايوانية أنها ” تعتقد أن نظام التأمين الصحي الذي يغطي 99% من السكان، كان له عامل حاسم في مكافحة انتشار المرض. يتيح التأمين الصحي التايواني للجميع عدم الخوف من الذهاب إلى المستشفى. إذا كان ينتابك الشك في إصابتك بفيروس كورونا، فلا داعي للقلق من عدم قدرتك على تحمل تكاليف زيارة المستشفى لإجراء الفحص…يمكنك إجراء فحص مجاني، وإذا اضطررت للعزل خلال 14 يومًا، فإننا سنتحمل الطعام والسكن والرعاية الطبية، لذا لا يوجد من يتجنب رؤية الطبيب بسبب عدم قدرته على دفع تكاليف الرعاية الصحية”.