كتب جو بايدن، المرشح آنذاك، مقالًا في مجلة فورين أفيرز يوجز فيه سياسته الخارجية في عام 2020: “يجب على حلفائنا أن يتولوا حصتهم العادلة – من الأسلحة- “. إنها واحدة من تلك الأقوال الإستراتيجية التي يحبها الجميع من الناحية النظرية، لكنها تجعلنا قلقين من ناحية الممارسة.
كان لكل الإدارات الأمريكية الحديثة نسختها الخاصةمن هذه الاستراتيجية: فقد تحدثت إدارة بوش عن العمل “بجانب الحلفاء، ومعهم، ومن خلالهم” في الحرب العالمية على الإرهاب. أما إدارة أوباما فقد أشاعت مفهوم “القيادة من الخلف” والسماح لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين بتوجيه تدخل الناتو في الحرب الأهلية الليبية. بينما أكدت إدارة ترامب بأنه يجب على الحلفاء والشركاء “تحمل نصيب عادل من عبء المسؤولية للحماية من التهديدات المشتركة”.
إن هذا القول مقنع من حيث المبدأ – فمن يمكنه الاعتراض على تخفيف العبء على الجيش الأمريكي وتقليل التكلفة على دافعي الضرائب الأمريكيين؟ لكن عندما نحاول سد بعض فجوات هذا القول، ونعرف من هم هؤلاء الحلفاء والشركاء وماذا يعني “القيام بنصيبهم العادل” في الواقع، ومع ذلك، فأننا سنقابل بعض المشاكل.
إن بيع الولايات المتحدة لطائرات F-35 المقاتلة وغيرها من الأسلحة المتطورة لدولة الإمارات العربية المتحدة هو أحدث مثال على هذه الظاهرة. إذ عُجّل بالصفقة التي تجاوزت قيمتها 23 مليار دولار في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب وتضمنت 50 طائرة مقاتلة متطورة، و 18 طائرة بدون طيار MQ-9B، وذخائر جو-جو وجو-أرض بقيمة 10 مليارات دولار. لكن في يومه الأول في المنصب، أوقف وزير الخارجية أنتوني بلينكين عملية البيع، في انتظار مزيد من المراجعة.
هناك العديد من الأسباب الوجيهة وراء احتمال دعم الولايات المتحدة لمثل هذه الصفقة. إذ ساعدت الصفقة في ترسيخ اتفاقيات السلام التاريخية التي أسفرت عن معاهدات سلام بين أقرب حليف إقليمي للولايات المتحدة، إسرائيل، وسلسلة من الدول العربية التي تشمل الإمارات العربية المتحدة. كما يعزز بيع الأسلحة الأمريكية قابلية التشغيل البيني ويقوي العلاقات الدفاعية للولايات المتحدة مع شريك كان أحد الدول العربية القليلة التي قدمت قوات للحرب في أفغانستان. الأمر الثالث أن هذه الصفقة توفر دفعة كبيرة لصناعة الدفاع الأمريكية، حيث تحافظ على تشغيل خطوط الإنتاج وتوظيف العمال الأمريكيين.
وإذا لم تبع الولايات المتحدة الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة، فربما تلجأ أبو ظبي إلى خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا أو الصين كموردين محتملين – وكلاهما يضع أعينه بالفعل على أن يكون له قدم في المنطقة. قبل كل شيء، تجعل الصفقة الإمارات العربية المتحدة قوة عسكرية توازن أقوى خصم لها، وهو إيران، من خلال تعزيز الردع وتفرغ القوات العسكرية الأمريكية لأولويات أخرى.
في الوقت نفسه، هناك العديد من الأسباب – وإن كانت أقل إلحاحًا – لمعارضة الصفقة. حيث أعرب بعض أعضاء الكونجرس عن قلقهم من أن مثل هذه الصفقة ستقوض التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل لم تعترض على الصفقة. وأعرب آخرون عن قلقهم من أن تؤدي الصفقة إلى إطلاق سباق تسلح إقليمي آخر.
بعدما فهمنا اعتراضات أعضاء الكونجرس، من الصعب أن نفهم لماذا قد يؤدي هذا البيع الفردي إلى زعزعة استقرار منطقة تعد بالفعل مستهلكًا منذ فترة طويلة للأسلحة الأمريكية المتقدمة وواحدة من أكثر المناطق تسليحا في العالم. وقد اعترض آخرون على العملية المتعجلة على ما يبدو والتي تمت الموافقة من خلالها على الصفقة، على الرغم من أنه من المفترض أن المراجعة الثانية لإدارة بايدن ستخفف من هذه المخاوف.
على العكس من ذلك، قد يكون السبب الأفضل الذي يدفع صانعي السياسة الأمريكيين للاعتراض على مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة هو ما يسميه كينيث بولاك وجوزيف رانك “المشكلة الجيدة للحلفاء القادرين”. منذ عام 2015، شاركت الإمارات في حملة جوية بقيادة السعودية في اليمن ضد الحوثيين، وهم حركة متمردة تدعمها إيران. غير أن الإمارات عادت وقلصت مشاركتها على مدى العامين الماضيين، لكن لا يزال الصراع ينتج ما تسميه هيومن رايتس ووتش “أكبر أزمة إنسانية في العالم”، حيث قُتل 17500 مدني وعُرّض 10 ملايين شخص لخطر المجاعة.
من ناحية أخرى، انخرطت الإمارات العربية المتحدة في صراع طويل الأمد دعمت فيه خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي ضد الفصائل الموالية للإسلاميين في الحرب الأهلية الليبية. وهكذا، يجب أن ينصب قلق الولايات المتحدة، مع امتلاك الإمارات العربية المتحدة لأسلحة أكثر تقدمًا من أي وقت مضى، على تحلي الإمارات بحرية أكبر في متابعة أهدافها الخاصة في اليمن وليبيا أو ربما ضد إيران نفسها – وقد لا تكون هذه الجهود متسقة مع مصالح وقيم الولايات المتحدة.
إن صفقة الأسلحة الإماراتية إنما هي كشف لمشكلة أعمق. الولايات المتحدة لديها العديد من الحلفاء والكثير الكثير من الشركاء، لكن من هؤلاء الشركاء يتبقى بعض من “المثاليين”. إن المواءمة الاستراتيجية شحيحة للغاية في هذا العالم متعدد الأقطاب. قلة من الدول لديها أيضًا الإرادة والقدرة على ممارسة القوة العسكرية، وعدد أقل لا يزال يتقاسم معنا المثل الأمريكية، خاصة عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة. في حين أن الحلفاء القدامى مثل المملكة المتحدة وأستراليا يكثفون الإنفاق الدفاعي، لا يوجد سوى الكثير الذي يمكن لهذه البلدان القيام به. وبالتالي، فإن الدعوات إلى الحلفاء والشركاء “للقيام بنصيبهم العادل” وظيفيًا تعني النظر إلى ما وراء الدول المعتادة إلى دول أخرى، غالبًا ما تكون أقل من مثالية لكن لسد الفجوة فقط. ومع ذلك، فكلما أصبح هؤلاء الحلفاء والشركاء أكثر قدرة، زادت قدرتهم على التصرف بشكل مستقل، للأفضل أو للأسوأ. كما لاحظا بولاك ورانك: “على الرغم من أنه سيكون من الجيد ألا يتخذ حلفاء الولايات المتحدة أي إجراء دون طلب الإذن أولاً، إلا أن هذا غير واقعي.”
هذا التحدي ليس جديدًا، لكنه تحد لم تضطر الولايات المتحدة إلى مواجهته بالكامل طوال الجزء الأكبر من العقود الثلاثة السابقة. في النهاية، وجدت الولايات المتحدة نفسها تنخرط بانتظام في زيجات غير لائقة مع أنظمة استبدادية في سعيها لتحقيق الهدف الأكبر المتمثل في محاربة الشيوعية. وكذا، أبرمت الولايات المتحدة صفقات غير لائقة بالمثل مع الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي كجزء من الحرب العالمية على الإرهاب. ومع ذلك، باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، لا تزال الولايات المتحدة قادرة على تحمل التظاهر بالبحث عن الفضيلة في تحالفاتها. لكن قد يتغير الوضع تغيرًا كبيرًا في الفترة الحالية. مع صعود الصين، وعودة روسيا، ومجموعة من التحديات الإقليمية الأخرى التي لا تزال في طريقها للانبثاق، والوباء العالمي الذي من المقرر أن يزيد الضغط على الإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة، قد تحتاج الولايات المتحدة إلى قبول الحلفاء والشركاء التي تعمل معهم الآن بدلاً من التي تأمل في العمل معهم.
وبالتالي، فإن صفقة الأسلحة الإماراتية ليست لغزًا لن يتكرر. في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وجدت الولايات المتحدة أن كبح جماح الصين التي تزداد عدوانية تتطلب مغازلة حكومة رودريجو دوتيرتي التي تزداد قمعية في الفلبين والنظام الشيوعي القمعي في فيتنام. أما في منطقة الشرق الأوسط، وبغض النظر عن الإمارات العربية المتحدة، تجد الولايات المتحدة نفسها في علاقات مضطربة مع مصر والمملكة العربية السعودية لمكافحة الإرهاب والتصدي للنفوذ الإيراني. حتى في أوروبا الحليفة التي تطبق كل دولها بالديمقراطية، فإن عددًا قليلاً فقط من الدول لديها الموارد والإرادة لكبح جماح روسيا المنتقمة. نتيجة لذلك، تجد الولايات المتحدة نفسها تلجأ إلى بولندا لتشكيل العمود الفقري لاستراتيجية الردع في أوروبا الشرقية، على الرغم من أن تلك الدولة قد عادت خطوات للوراء في تطبيق الديمقراطية. تجد الولايات المتحدة يوم بعد آخر أن دفع الحلفاء والشركاء “للقيام بنصيبهم العادل” لهو نعمة ونقمة.
في النهاية، لا توجد مساومات في الجغرافيا السياسية. إذا كانت الولايات المتحدة تريد تحقيق أهدافها الشاملة دون دفع أعباء كاملة، فقد تحتاج إلى ابتلاع هذه الهواجس، وتتعلم العيش مع شركاء وحلفاء قادرين، حتى من النوع البغيض، والتخلي عن بعض قدرتها على إملاء النتائج الاستراتيجية. إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تواجه الولايات المتحدة احتمال دفع ثمن القوة العسكرية الأمريكية بشكل كامل مع كل التكاليف الدامية والكنوز التي تترتب على ذلك.