اعتبر تنظيم داعش أن تفشي الوباء بسبب أزمة فيروس كورونا بمثابة عقاب إلهي للكفار بشكل عام، وللغرب بشكل خاص. ففي ظل الأوضاع الحالية، يعاني الاقتصاد العالمي من أزمة قاسية، كما أن إيمان البشر وحالتهم النفسية في أسوء أحوالها، بخلاف الاستنزاف الحاصل في صفوف أجهزة الأمن حول العالم بسبب تحولها للانشغال بمكافحة الأزمة وتقديم الدعم اللازم لمساندة المدنيين. ومن وجهة نظر تنظيم داعش فإن تضافر هذه الظروف سوياً سوف يؤدي إلى فوضى عارمة، والتي ستكون بمثابة فرصة للتنظيم للاستفادة منها بشكل عام ومن الانهيار الذي سيطال دول الغرب بشكل عام من أجل تنفيذ عمليات إرهابية كما حدث من قبل في باريس وبروكسل ومدن أخرى.
فيروس كورونا كعقاب إلهي
كانت المرة الأولى التي تناول فيها تنظيم داعش وباء كورونا في العدد رقم 220 من مجلة النبأ الخاصة بالتنظيم، والذي صدر في الثاني من فبراير 2020. حيث اعتبر ت المجلة أن تفشي فيروس كورونا في الصين إنما هو عقاب إلهي على ما تقوم به الصين من سياسات قمعية ضد مواطنيها المسلمين، سواء القتل أو السجن أو دفعهم للتخلي عن دينهم أو سلب ممتلكاتهم وشرفهم على يد الآخرين. حيث اعتبر التنظيم من خلال المجلة أن الصين إنما تستحق العقاب في الدنيا والأخرة. حيث اعتبر التنظيم أن هذا النوع من العقاب الإلهي كان حاضراً في التاريخ دائماً، ومثال ذلك “الطاعون” الذي طال قوم عاد وثمود وفرعون . ورغم أن الوباء قد أصاب العديد من المؤمنين وأصحاب النبي محمد إلا أن التنظيم اعتبر أن الفارق بين إصابتهم وإصابة الكفار أن المؤمنين تضرعوا إلى الله للقضاء على الطاعون وصبروا لأمر الله واعتبروا أن مأجورين على ما أصابهم. فيما لم يدرك الكفار أن الطاعون قد طالهم كعقاب إلهي على ذنوبهم ولم يتوبوا على ما فعلوا واستمروا في ارتكاب الخطايا.
وفي العدد الصادر بتاريخ 27 فبراير 2020، استمر تنظيم داعش في التأكيد على أن الوباء ما هو إلا عقاب إلهي وإشارة بأن المشركين لا يتبعون الطريق القويم. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المسلمين قد أصابهم الوباء رغم تضرعهم إلى الله لحمايتهم أو علاجهم، إلا أن ذلك لم يفلح لأنهم ارتكبوا الخطايا من خلال التقرب إلى الله من خلال زيارة الأضرحة المقدسة عبر اتباع الطقوس التي يقوم بها الشيعة والمتصوفة.
نصائح تنظيم داعش للمسلمين في الصين
دعا تنظيم داعش المسلمين في الصين إلى الحرص، حيث قد يتسببون في عدوى مسلمين أخرين إذا عادوا إلى مدنهم، حيث طلب التنظيم من هؤلاء المسلمين ألا ينتقلوا إلى مدن أخرى والبقاء في المناطق الموبوءة حتى لا يتسببوا في عدوى الآخرين، والتضرع إلى الله بأن لا يصيب الوباء المسلمين وأماكن استقرارهم.
كيف يمكن أن تصبح أزمة كورونا فرصة لتنظيم داعش لشن هجمات على الغرب؟
في 19 مارس 2020، نشر تنظيم داعش خطته الاستراتيجية التي عنونها بــ” أسوء كوابيس الصليبيين” ، حيث اعتبر التنظيم أن الوباء عبارة عن عقاب إلهي للكفار وبث الرعب بينهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد تسبب الوباء في عزل الناس الناس بمنازلهم وانهيار الأسواق والاقتصاد. وبحسب تنظيم داعش، فإن هذا الوضع إنما يأتي بمثابة فرصة غاية في الأهمية لشن هجمات على الغرب للأسباب التالية بحسب التنظيم:
1- تسبب فيروس كورونا في قيام كافة دول العالم وخصوصاً الغرب الصليبي في تخصيص الكثير من الموارد لمكافحة الوباء، وبالتالي أصبحت قوات الأمن فاقدة التركيز على مهامها ومنشغلة حالياً بتقديم الدعم للمدنيين.
2- تداعي الأسواق والاقتصاد بما اضر بالفقراء حول العالم.
3-تساهم كل الظروف القائمة في اندلاع الفوضى وخصوصاً قيام الناس بالهجوم على ممتلكات بعضهم البعض.
4- سوف تقوم كل دولة بالتركيز فقط على ظروفها الداخلية ومحاولة كبح الفوضى وتفريق التجمعات ، وبالتالي لن تقوم الدول بإرسال جنودها للخارج لدعم دول أخرى من أجل التصدي لهجمات المجاهدين.
وبناءً عليه، يرى تنظيم داعش أن الدول تواجه أزمة كبيرة تستدعى تركيز جهودها على مكافحة أثارها الاقتصادية والاجتماعية. ووفقاً للتنظيم فإن هذه الأعباء سوف تؤثر سلباً على عمليات التنسيق المشترك بين دول التحالف في التصدي لعمليات المجاهدين.
وقد خص تنظيم داعش الغرب بدعواته ، حيث اعتبر التنظيم أن ( أخر شىء يريده الغرب الآن في هذه الأوقات المأزومة هو قيام جنود الخلافة بضربهم كما حدث قبل ذلك في باريس ولندن وبروكسل ومدن أخرى… وفي ظل انشغال واستهلاك قدرات أجهزة الأمن فإن أخر شىء يودون أن يرونه هو مفاجأتهم على حين غره، كما حدث في زمن الفتوحات الإسلامية . حيث باتت جيوشهم مشلولة تماماً وغير قادرة على الحركة، وتم تخفيض الميزانيات، وبالتالي فإنهم في أشد الحاجة حالياً إلى أن تهدأ نار الانتقام بين صفوف المجاهدين. إلا أنهم يحلمون بأن المؤمنين بالله سيشفقون عليهم وعلى أوضاعهم التي تزداد سوء يوماً بعد الأخر، في ظل بوادر اندلاع أزمة اقتصادية قاسية سوف تضربهم كما ضربتهم قبل عقد من الزمان)
على ضوء ذلك، يدعو تنظيم داعش إلى الاستفادة من الأوضاع القائمة في الانتقام من الغرب مما فعلوه بالمسلمين. حيث اتهم التنظيم الغرب بارتكاب العديد من الجرائم بحق المسلمين ومنها: القيام بسجن المسلمين، وفرض الحصار على مسلمي الباغوز في سوريا والموصل في العراق وسرت في ليبيا بما تسبب في وقوع المجاعات والامراض. وقتل المسلمين عبر الهجمات الجوية وقذائف الفوسفور دون تحييد النساء والأطفال أثناء الهجمات، وقصف منازل المسلمين وقتل الأطفال في أفغانستان ووسط أفريقيا والصومال، كل ذلك تم من خلال مساعدة الحلفاء الذين يقدمون الدعم للغرب. كما دعا التنظيم في هذه الأثناء إلى تحرير كافة الأسرى المسلمين من سجون الغرب.
بالإضافة إلى ذلك، يدعو تنظيم داعش أنصاره إلى عدم إبداء أي رحمة بالكفار، والاستفادة بكل الأشكال الممكنة من الأزمة الحالية التي يمر بها الغرب، وجعلهم يتحملون عبئاً إضافياً من أجل إضعافهم لمنعهم من الاستمرار في إيذاء المسلمين. حيث يعتبر تنظيم داعش أن الغرب وحلفاؤه سوف يضطرون في ظل الخسائر المتفاقمة حالياً إلى التركيز على الداخل من أجل حماية أوطانهم، بما سيؤثر بشكل كبير على قدراتهم وخططهم في التصدي للمجاهدين.
استغلال الأزمة للنيل من صورة الولايات المتحدة كقوة عظمى
في 26 مارس 2020 انتقد تنظيم داعش في العدد رقم 227 من مجلة النبأ “كل هؤلاء الذين يرون أن الولايات المتحدة قوة عظمى محصنة ضد الضعف في ظل وباء كورونا، أو أن كل شىء في العالم لا يحدث دون علم وموافقة الولايات المتحدة” . ويرى التنظيم أن هذا أمر غير صحيح. ومثال ذلك بحسب التنظيم اعتقاد الناس أن الولايات المتحدة هي من نشرت فيروس كورونا في الصين لاضعاف اقتصادها، ولكن في ظل انتشار الفيروس في أوروبا حليف الولايات المتحدة فإن الناس اعتقدوا أن انتشاره جاء بشكل متعمد للتخلص من كبار السن. ورغم ذلك ضرب الفيروس الولايات المتحدة أيضاَ وبات يهدد اقتصادها وأمنها. ما يعني أن الولايات ليست المتحكم في كل شىء على الأرض، ولا تملك القدرة على أن تتعامل مع كل الأمور أو أن تخطط لكل شىء يحدث بالعالم كما يتصور الناس، فالله وحده هو من يقرر من سيتضرر من هذا الوباء.
خلاصة
من الواضح أن تنظيم داعش يسعى للاستفادة من الأزمة العالمية التي تسبب فيها فيروس كورونا من أجل الترويج لموجة جديدة من الهجمات ضد دول الغرب. وللقيام بذلك، فإن التنظيم سوف يعمل على تغذية الفكرة القائلة بأن الوباء عبارة عن عقاب إلهي لصالح المؤمنين بما يوفر لهم فرصة للنيل من الكفار، خصوصاً وأن هؤلاء الكفار يمرون بظروف قاسية وصعوبات تقوض قدراتهم على التصدي لأي هجمات.
سيكون على أجهزة الاستخبارات أن تضع هذه التهديدات محل اعتبار ، ويجب أن تظل جهود مكافحة الإرهاب قائمة على أشدها كما في الظروف العادية، من أجل مراقبة وردع أي هجوم محتمل مبني على هذه التصورات التي طرحها تنظيم داعش منذ بداية أزمة فيروس كورونا.