تمر العلاقات الصينية الروسية اليوم بـ”أفضل مراحلها على مر التاريخ وذلك على عدة أصعدة، وفقًا لمسؤولين روس وصينيين. وصف الرئيس الصيني شي جين بينج نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه “أفضل صديق”، فيما أشار بوتين مؤخرًا إلى أن التحالف العسكري مع الصين ليس ضروريًا ولكن لا يمكن استبعاده. على الصعيد الدبلوماسي، كان استخدام الصين لحق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بين عامي 2007-2017 في كافة القضايا يتفق مع حق النقض الذي تستخدمه روسيا. قبل عام 2007، لم يكن يُنظر إلى “التقارب الخطير” الظاهر في العلاقات الصينية الروسية إلى حد كبير على أنه توافق أو محور للسلطوية التي تهدد الغرب والنظام العالمي الحالي.
يثير هذا الميل إلى الجمع بين الصين وروسيا في العالم العربي سؤالين يتم تناولهما في هذا التحليل. أولاً، هل يتم تكرار هذه الممارسة في البلدان العربية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ ثانيًا، هل التصورات حول الصين وروسيا مشتركة بين نخب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والجمهور؟
نجيب على هذه الأسئلة من خلال فحص نتائج استطلاع للرأي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول أخرى بالمنطقة.
هل يُنظر إلى الصين وروسيا على أنهما بلدان مترادفان في الشرق الأوسط؟
تشهد جمهورية الصين الشعبية تفضيلًا متزايدًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهو ما يتوافق مع أهدافها الإستراتيجية في منطقة تقدم نفسها فيها كشريك بديل مقارنة بالقوى العظمى الأخرى. وبينما تُصنف عادةً في التحليل كبديل للولايات المتحدة، إلا أن هذا الموقف قد يمتد أيضًا إلى روسيا. في أحدث بيانات الباروميتر العربي من الموجة السادسة الحالية من الاستطلاعات – والتي لا تزال مستمرة في خضم جائحة كوفيد-19 تراوح تفضيل الشارع العربي للصين لتصل إلى 65 بالمائة في الجزائر وإلى 34 بالمائة في الأردن (كما يوضح الرسم البياني 1). ولا تزال الصين تحتل مرتبة أعلى من روسيا بمتوسط 17 نقطة.
وتتسع هذه الفجوة في الدول الأكثر قربًا من التدخل الروسي في الأزمات في سوريا وليبيا (الأردن بـ 19 نقطة وليبيا بـ 34 نقطة). نتيجة لممارسة الصين سياسة أكثر تحفظًا في هذه المناطق، مما قد يؤدي إلى إلحاق ضرر أقل بأفضليتها من قبل شعوب المنطقة.
كما أكدت استطلاعات الرأي الأخرى التمييز بين وجهات نظر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تجاه روسيا والصين الذي تم إبرازه في الباروميتر العربي. حتى قبل التدخل العسكري الروسي في سوريا، والذي أدى إلى انقسام الرأي في الشرق الأوسط، تشير استطلاعات رأي جامعة ميريلاند في عامي 2008 و 2010 إلى أن ضعف عدد المشاركين يفضلون الصين على روسيا في عالم افتراضي به قوة عظمى واحدة (انظر الرسم البياني 2). كما يشير مؤشر الرأي العربي (انظر الرسم البياني 3 و 4) الذي أُجري من 2015 إلى 2020 إلى حدوث انتعاش بين من يميلون بشكل إيجابي نحو سياسات روسيا والصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2016.
ومع ذلك، بين عامي 2015 و 2018، رأى غالبية المستجيبين سياسات روسيا بشكل سلبي . بالمقارنة، كان العرب دائمًا أكثر تقبلاً للصين في الشرق الأوسط بهامش واسع. مع تغطية استطلاعات الرأي في جامعة ماريلاند ومؤشر الرأي العربي لبعض البلدان – لا سيما المملكة العربية السعودية ومصر وإيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة – خارج نطاق الباروميتر العربي، فإن حقيقة أن نتائجها متوافقة إلى حد كبير تعني أنه يمكننا القول بمستوى عالٍ من الثقة أن الجمهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يميز بالفعل بين التعامل مع روسيا والصين.
في المتوسط ، ينتقل هذا التفضيل للصين إلى وجهات النظر حول العلاقات الاقتصادية. في المرحلة الخامسة من استطلاع الرأي العربي ، بلغ متوسط الصين 11 نقطة أعلى من روسيا (الرسم البياني 5). كما يبلغ متوسط الصين 11 نقطة أعلى من روسيا في المستطلعين الذين يريدون زيادة المساعدات الخارجية (الرسم البياني 6).
هذا الوضع يمتد إلى المواقف حول القيادة. قبل عام 2018، كان مستوى ثقة الجمهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في قيادة الرئيس بوتين للشؤون العالمية أقل من المتوسط العالمي، وفقًا لاستطلاعات بيو. ومع ذلك، في 2018 و 2019 – آخر السنوات التي توفرت فيها بيانات الاقتراع – عبروا عن ثقة أكبر في بوتين مقارنة بالسنوات السابقة كوسيط عالمي. مع إبداء 38 في المائة من المشاركين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثقتهم في بوتين في عام 2019، وضع هذا الرئيس الروسي على قدم المساواة مع الرئيس الصيني شي بنسبة 37 في المائة.
في الوقت نفسه، اعترفت نسبة أعلى بكثير (47 في المائة) من عامة الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بثقة قليلة في بوتين مقارنة بشي (34.5 في المائة). وبالمثل، أظهرت الموجة السادسة من الباروميتر العربي ثقة أكبر في الرئيس شي من الرئيس بوتين بمتوسط 8 نقاط (الرسم البياني 7).
إن التصورات المختلفة للصين وروسيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متجذرة جزئيًا في التاريخ. في حين انقسم الرأي حول الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة – نظرت دول الخليج إلى الاتحاد السوفيتي باعتباره خصمًا، في حين رأت الدول العلمانية والثورية أنه حليف ضد الولايات المتحدة – لكن لم يؤد الظهور الدولي المنخفض للصين إلى رد فعل سلبي يذكر.
تفسر سياسات الصين وروسيا الحالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا التصورات المحلية. على سبيل المثال، أشركت روسيا نفسها في الصراعات المحلية جزئيًا للتأكيد على مدى انتشارها وأهميتها كقوة عالمية. على النقيض من ذلك، مارست الصين ضبط النفس الاستراتيجي لتجنب التورط في سياسات المنطقة، وبالتالي، قللت من عدد المنتقدين. بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيز الصين على التبادلات الاقتصادية يسهل ما يسمى بمقاربة “التعاون المربح للجانبين”، لا سيما مع إطلاق مبادرة الحزام والطريق، وهي آلية تمويل البنية التحتية التعاونية التي يدعمها الحزب الشيوعي الصيني بإخلاص. من ناحية أخرى، فإن القيود المالية النسبية لروسيا تجعلها شريكًا أقل جاذبية من جمهورية الصين الشعبية.
أهم خمسة حلفاء كما يراها الشباب العربي
السنة |
2012 | 2013 | 2014 | 2015 | 2016 | 2017 | 2018 | 2019 | 2020 |
1 |
المملكة العربية السعودية | المملكة العربية السعودية | المملكة العربية السعودية | المملكة العربية السعودية | المملكة العربية السعودية | الإمارات العربية المتحدة | الإمارات العربية المتحدة | الإمارات العربية المتحدة |
الإمارات العربية المتحدة |
2 |
الإمارات العربية المتحدة | الإمارات العربية المتحدة | الإمارات العربية المتحدة | الولايات المتحدة | الإمارات العربية المتحدة | المملكة العربية السعودية | المملكة العربية السعودية | مصر |
المملكة العربية السعودية |
3 |
قطر | قطر | قطر | الإمارات العربية المتحدة | الولايات المتحدة | روسيا | الكويت | المملكة العربية السعودية |
مصر |
4 |
الكويت | الكويت | الكويت | قطر | مصر | قطر | روسيا | تركيا |
الصين |
5 | الولايات المتحدة | الولايات المتحدة | الولايات المتحدة | فرنسا | المملكة المتحدة | الولايات المتحدة | مصر | روسيا |
روسيا |
هل نخب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متفقون مع الصين وروسيا؟
إن الندرة النسبية لبيانات استطلاعات الرأي العام في الشرق الأوسط بالمقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تجعل من الصعب تصنيف آراء النخب والشارع العربي. ومع ذلك، فإننا نقدم بعض الأفكار المبدئية المستندة إلى البيانات.
وجدت دراسة استقصائية أجرتها منظمة نماء الاستطلاعية ذات السمعة الطيبة ومقرها عمان في عام 2018 أن النخب الأردنية كانت أكثر ميلًا من عامة الناس لتفضيل أن تتعامل بلادهم مع دول غير عربية/ مسلمة. ومع ذلك، صنفت النخب روسيا على أنها خامس حليف مفضل؛ لكن لم تكن الصين ولا روسيا في قائمة الحلفاء المفضلين الثمانية الأوائل بين الجماهير.
تتكرر صورة روسيا السيئة بشكل عام في الأردن باستمرار في استطلاعات مركز بيو للأبحاث ومن المحتمل أن يرجع ذلك لسياساتها في سوريا. فقد أثار التدفق الهائل للاجئين السوريين، الذي يتراوح عددهم بين 660 ألف و1.5 مليون، مخاوف من التنافس على الموارد والفرص بين الأردنيين الضعفاء بالفعل. ومع ذلك، تستمر علاقات الأردن مع روسيا في التحسن، مدعومة بتأييد الملك عبد الله لعام 2019 لوجود روسي قوي في الشرق الأوسط والموافقة الأخيرة على استخدام لقاح سبوتنيك في الأردن.
وبالمثل، في المرحلة الخامسة من الباروميتر العربي، كان من المرجح أن تدعم النخب الاستثمار الصيني. حيث كان المشاركون الحاصلون على شهادة جامعية أكثر دعمًا بشكل ملحوظ لتوثيق العلاقات الاقتصادية مع الصين من أولئك الحاصلين على شهادة ثانوية أو أقل. يتم تمثيل ذلك بمتوسط فرق يبلغ 9 نقاط. كما كانت العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع روسيا أكثر تقبلاً مع أولئك الذين حصلوا على تعليم بعد الشهادة الثانوية ، بمتوسط فرق نقاط قدره 8.
يتمتع بوتين بعلاقات حميمة مع القادة في السعودية والإمارات ومصر. يبدو أن العلاقة بين بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2018 تجسد “أعلى مراحلها”. وأشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد إلى بوتين بـ “أخي وصديقي” في عام 2019 وأبرم إعلان شراكة استراتيجية في العام السابق. أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد أرسل نجله الأكبر للعمل كملحق عسكري في موسكو.
بينما يعتمد أسلوب قيادة الرئيس الصيني على الشخصية بدرجة أقل من نظيره الروسي، إلا أن الشخصيات البارزة في الشرق الأوسط ليس لديها سوى الكلمات الدافئة لرئيس الدولة الصيني. إذ زار الرئيس السيسي الصين ست مرات منذ توليه منصبه في عام 2014. وبالمقارنة، زار سلفه حسني مبارك الصين ست مرات خلال فترة حكمه التي استمرت ثلاثين عامًا.
ومع ذلك، لا يبدو دائمًا أن هذه العلاقات على مستوى النخبة لها أثر يُذكر على الجمهور. حيث وجد استطلاع للرأي أجرته شركة الزغبي في عام 2018 أن 81٪ من المصريين و 80٪ من الإماراتيين و 46٪ من السعوديين عبروا عن مواقف غير مواتية تجاه روسيا. إذ اعتراض ما لا يقل عن 85 بالمائة من المستطلعين في هذه البلدان على استعادة العلاقات الكاملة مع نظام بشار الأسد في سوريا – وهي سياسة تدعمها روسيا – قد يفسر المزاج العام فيما يتعلق بروسيا.
لكن عندما يتحدث الشباب العربي، فإن وجهات نظرهم حول الأهمية المتزايدة لروسيا كحليف تتماشى مع السياسات التي يتبعها قادة المنطقة، كما أشار استطلاع الشباب العربي (انظر الجدول 1). الجدير بالذكر هو أن الشباب العرب لم ينظروا إلى الصين كواحدة من أكبر خمسة حلفاء خلال معظم العقد الماضي على الرغم من بروز البلاد كمحاور رئيسي للمنطقة (ظهرت الصين لأول مرة فقط في نسخة 2020 من الاستطلاع) .
وجد الباروميتر العربي أيضًا أنه لا يوجد تفضيل للأجيال للشراكة الصينية. تشير استطلاعات الرأي في عام 2020 إلى أن هناك دليلًا مبدئيًا على أن الجمهور الأوسع قد يشارك وجهة النظر المقيدة للصين، مما يشير إلى أن 48 بالمائة من الإماراتيين و 53 بالمائة من السعوديين يشعرون أن العلاقات مع الصين ليست مهمة للغاية/ ليست مهمة على الإطلاق – بقدر متساوٍ. وهي نسبة تتناسب مع من يشعرون بالشعور نفسه تجاه الولايات المتحدة.
الخلاصة: هل التصورات العامة حول روسيا والصين مهمة؟
استطلاعات الرأي ليست علمًا دقيقًا، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يوجد عجز في الصوت والمساءلة. لكن لا تزال أبحاث استطلاعات الرأي العام الموثوقة في المنطقة تعيقها مجموعة متنوعة من القضايا التقنية، مثل عدم وجود خرائط سكانية موثوقة، والمحرمات الاجتماعية التي تحد من استطلاع رأي الأسر، والمحرمات السياسية فيما يتعلق بالمراقبة الحكومية والمجتمع المدني. هذه القيود ليست فريدة من نوعها بأي حال من الأحوال في المنطقة ولكن يجب مناقشتها في أي تحليل للرأي العام.
ومع ذلك، في العقد الماضي، أصبح العالم العربي أكثر استعدادًا لاستطلاعات الرأي، بعد أن أدرك متأخرًا أن السياسات الجيدة تتطلب بيانات سليمة. على الرغم من أن دول شمال إفريقيا كانت أكثر ارتياحًا بشكل عام بشأن إجراء الاستطلاعات، إلا أن التغييرات الواعدة جارية في الخليج. ومن الأمثلة على ذلك مؤشر الرأي العربي المذكور أعلاه في الدوحة والذي يضم أكبر عدد من المشاركين العرب، واستطلاعات الزغبي 2017-2019 بتكليف من حكومة الإمارات العربية المتحدة لمنتدى صير بني ياس، والمركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام في الرياض الذي شمل الاستطلاع. 77 ألف سعودي في الشؤون العامة في 2018 وحده.
نظرًا لأن الشباب يشكلون أكثر من 60 في المائة من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويتوقع حدوث انخفاض طويل الأجل في عائدات الهيدروكربونات التي سهلت الاستقرار من خلال منافع الدولة، فقد يتعين على بعض الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الانتباه من حين لآخر إلى الرأي العام حول السياسة الخارجية، بما في ذلك المشاركة مع الصين وروسيا فى المستقبل.
مع وضع هذه الاتجاهات في الاعتبار، يمكن للرأي العام أن يلعب دورًا ذا قيمة متزايدة في فهم تأثيرات السياسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. حتى مع الوضع الحالي المحدود لأدوات الاستطلاع، من الواضح أنه لا يمكن الخلط بين الوجود الصيني والروسي في الشرق الأوسط. إلى جانب وجود مقاربات مختلفة بوضوح تجاه المنطقة، لكن هناك أدلة على وجود تباينات آخذة في الاتساع في الرأي العام بين كلتا القوتين. هذا الفهم يمكن أن يكمل استراتيجيات الحكومات الإقليمية مع الصين وروسيا، وكذلك إعلام الدول الخارجية – مثل الولايات المتحدة – بشكل أكثر دقة حول هذه الديناميكيات.