غالبا ما يردد القادة والخبراء السياسيين عبر التلفزيون ان لدى الولايات المتحدة الجيش الأقوى على الإطلاق في العالم. ويتساءل البعض إذن لماذا ذلك الجيش القوي الاستثنائي مازال غير قادراً على الانتصار في حرب أفغانستان على سبيل المثال بعد عقدين من الزمان من بدايتها. لا تتعلق الإجابات هنا بما يُطلب من الجيش تحقيقه بل بكيفية أداء مهمته.
أحد الأسباب الرئيسية ان امريكا لا تبدو قادرة على الانتصار في الحروب في العصر الحديث هو انه عندما يتعلق الأمر بالمشكلات المتعلقة بالحرب والسلام نجد أن كل الإدارات اعتمدت تقريبا سياسة خارجية خاطئة منذ عهد بيل كلينتون. الأمر ليس فقط أن القوات المُسلحة فشلت في إخضاع العدو بل أن الحكومة طلبت من الجيش محاولة إنجاز ما لا يمكن تحقيقه بما أدى إلى عدم الانتصار.
توجهت للقتال للمرة الأولى كعسكري أمريكي في عاصفة الصحراء بين عامي 1990 -1991. وقتها وضع جورج بوش الأب هدف عسكري وسياسي واضح حيث قال:” ستنسحب قوات صدام حسين من الكويت” وصرح بوش الأب “ستستعيد الحكومة الشرعية في الكويت مكانها الصحيح وستحرر الكويت مرة أخرى”.
ونظمنا قوة ضخمة من الجيش الأمريكي بالإضافة إلى قوات التحالف (حوالي 500,000 جندي من القوات الامريكية وحدها). وهُزمَ الجيش العراقي هزيمة ساحقة محققاً أهداف بوش الرئيسية وأجبرنا ما تبقى من قوات صدام على العودة الي العراق عبر الحدود. وانسحبت قواتنا الى قواعدها خلال شهور وأقامت مدينة نيويورك احتفالاً بمناسبة انتهاء الحرب. تلك كانت اخر مرة انتصرنا واخر مرة أصدر قادتنا أهداف يمكن تحقيقها سياسيا وعسكريا.
وردا على هجمات 11 سبتمبر المريعة، أعتمد جورج بوش الابن مهمة واضحة وممكنة ومحدودة للعملية العسكرية الاولية حيث أمر بتعطيل استخدام افغانستان كقاعدة للعمليات الارهابية ومهاجمة القدرة العسكرية لتنظيم طالبان وهو الأمر الذي تم تحقيقه بصورة كاملة في صيف ٢٠٠٢ ومن هنا بدأ الوضع يزداد سوءًا.
عوضا عن اتباع نهج ابيه وسحب القوات بعد انتهاء المهمة بنجاح، فإن بوش الابن ترك الجيش مرتبك دون أي مهمة محددة ولمدة خمس سنوات دون قرار حاسم. كان غزو بوش للعراق كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في عام ٢٠٠٣، وحتى بعد عزل صدام حسين حيث لم يعطى لقواتنا اي نوع من متابعة استكمال المهمة والتي من المفترض تحقيقها كإشارة على انتهاء الحرب. لقد حاربنا تمردا مستخدمين أعمال تكتيكية ليس لها علاقة بالغرض الاستراتيجي.
ثم غير بوش قواعد اللعبة الافغانية قائلا ان المهمة كانت ” دحر الارهاب وتأسيس دولة ديمقراطية معتدلة ومستقرة تحترم حقوق مواطنيها وتحكم إقليمها بفاعلية وحليف موثوق به للولايات المتحدة في الحرب ضد الارهاب” أو بمعنى آخر بناء الدولة.
كما هو واضح تلك المهمة لا يمكن تحقيقها عسكريا. حيث لم يكن هناك أية أهدافٍ عسكرية يمكن إسنادها الى لواء المشاة مثلا الذي يمكن ان يؤدي انجازه التكتيكي بشكل ناجح ليحقق ” دولة ديمقراطية ومعتدلة ومستقرة ” وتلك الأهداف السياسية الصريحة لا تدخل في نطاق قدرة الجيش على تنفيذها.
وبدوره جعل اوباما الوضع أكثر سوءا في افغانستان بمضاعفة أهداف بناء الدولة التي وضعها بوش عندما أمر بزيادة القوات في افغانستان وقال إن للمهمة ثلاث أهداف وهي “بذل جهد عسكري لتهيئة الظروف المواتية لمرحلة الانتقال وزيادة التحركات المدنية التي تعزز العمل الإيجابي وشراكة فعالة مع باكستان. إلا أن الأمر الأول لم يتضمن أي مهام يمكن تحقيقها عسكريا أما الشرطين الثاني والثالث فليسوا مهام عسكرية على الاطلاق.
أرسل أوباما أيضاَ الجيش إلى ليبيا للمساعدة في الإطاحة بالقذافي دون وجود أي خطة لما سيحدث بعد ذلك وأعاد القوات الى العراق في 2014 وإلى سوريا في 2015 دون وجود أي أهداف تتعدى مساعدة قوات سوريا الديمقراطية. وحذا ترامب حذوه عندما ترك القوات في سوريا والعراق ودعم حرب اليمن دون وضع أهداف يمكن تحقيقها عسكريا وكانت نتائج كل عملية من تلك العمليات هو ترك الجيش لا يقوم سوى بمهام تكتيكية بعيدة عن الاستراتيجية الرامية للتوصل لنتيجة حاسمة.
نجح الجيش في كل المهام التكتيكية التي اسُندت اليه منذ عام 1990 بشكل متماثل. (بما في ذلك الغارات الليلية الفاشلة أحيانًا والغارات الصاروخية الخاطئة /وضربات الطائرات بدون طيار التي قتلت مدنيين أبرياء) ولم تكن المشكلة في عدم قدرة الجيش في الانتصار في ميدان القتال بل كانت المشكلة في استخدام الادارات المتعاقبة للجيش بشكل خاطئ لمحاولة تحقيق اهداف مستحيلة واسناد أهداف للجيش تتمثل في حل مشاكل سياسية واجتماعية لا تستطيع القوة العسكرية حلها.
وبعيدا عن التكلفة الباهظة التي دفعنها لعقود بالدم والمال بسبب الاستخدام الخاطئ للقوة العسكرية فإن الخطر الذي تم إهماله هو أن الولايات المتحدة أهملت الكثير من الوقت والطاقة والتركيز على الحرب على نطاق صغير وتركت مهاراتها الأساسية في القتال الحربي تندثر في الوقت الذي كان فيه أكبر خصوم واشنطن المحتملين – روسيا والصين – يصقلون مهاراتهم فيه.
وأفضل طريقة لضمان أن الولايات المتحدة لن تضطر لخوض حرب ضد إحدى تلك القوى النووية هي ان تضمن أن القوات العسكرية التقليدية قوية وبالتالي ستمنع عن أمريكا أي هجوم. لذلك يجب التعلم من دروس الماضي، وانهاء حالة الهزيمة الذاتية المتمثلة في إرسال الجيش انجاز مهام لا يمكن تحقيقها عسكريا