ريتشارد هاس
من المقرر أن تستأنف المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بشأن الأنشطة النووية الإيرانية في 29 نوفمبر الجاري. ورغم أن الكثيرين يرحبون بهذا التطور، لكن يجب أن يضعوا في اعتبارهم أنه من غير المرجح أن تنجح المحادثات. وحتى لو نجحت المفاوضات، فإن أي اتفاق يتم التوصل إليه لن يحد من الاندفاع الإيراني نحو الصدارة الإقليمية – أو نيتها في تطوير الأسلحة النووية.
أولًا، إذا عدنا لبعض الأحداث التي جرت في عام 2015. لقد دخلت إيران والولايات المتحدة، إلى جانب الصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، في خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهي اتفاقية خفضت مخزون إيران من اليورانيوم، إلى المستوى الذي يمكّنها من تخصيب اليورانيوم مع تقليل عدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكنها تشغيلها. وبعد إجراء عمليات تفتيش دولية واسعة النطاق. تعهدت إيران بعدم تطوير أسلحة نووية.
قدّر الخبراء أن هذه الترتيبات تعني أن إيران ستحتاج إلى ما قد يصل إلى عام لإنتاج أسلحة نووية، إذا اختارت أن تفعل ذلك. لكن الاحتمال الأكبر هو أن المفتشين سيكتشفون إذا ما أقدمت إيران على تخصيب اليورانيوم. ومع ذلك، تضمنت معظم القيود المركزية لاتفاق 2015 أحكام “انقضاء”، مما يعني أنها تنتهي خلال فترة تتراوح بين 10 و 15 عامًا.
بمجرد انقضاء هذه القيود، ستحتاج إيران إلى وقت أقل بكثير لتطوير برنامج أسلحة نووية كامل. ومع ذلك، رُفع التجميد عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، وأُعفت إيران بشكل كبير من العقوبات الاقتصادية المكثفة.
اختارت إيران الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، بعد ثلاث سنوات، في عام 2018، في عهد الرئيس دونالد ترامب، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية، والتي وصفها ترامب بأنها “مروعة” و”واحدة من أسوأ الصفقات وأكثرها أحادية.” ثم فرض مجموعة جديدة من العقوبات الصارمة. بعد ذلك بوقت قصير، تحركت إيران لإبعاد المفتشين الدوليين واقتربت بثبات من كونها في وضع يمكنها من إنتاج أسلحة نووية. وهناك أدلة قوية على أن إيران قامت بتخصيب ما يكفي من اليورانيوم لدرجة أنها وصلت إلى المستوى الذي يمكنها من صنع سلاح واحد أو أكثر.
في عهد الرئيس جو بايدن، أعربت الولايات المتحدة عن رغبتها في العودة إلى الاتفاقية (إذ جرى التفاوض بشأن هذه الاتفاقية عندما كان بايدن نائبًا للرئيس أوباما)، وحثت إيران على فعل الشيء نفسه. ومع وجود رئيس جديد (إبراهيم رئيسي)، أعلنت إيران عن استعدادها للعودة إلى الاتفاقية هي الأخرى، ولكن بشرط واحد وهو إلغاء العقوبات التي فُرضت في عهد ترامب. إذا قادت المفاوضات كلا الجانبين إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فسوف توفّر ما يقرب من عقد من القيود المفروضة على البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العديد من العقوبات الاقتصادية وليس كلها.
لكن هناك مشكلات في هذا السيناريو. أولاً، سيسهل رفع العقوبات على إيران حصولها على الموارد المالية التي من شأنها أن تسمح لها بالقيام بالمزيد لتقويض الاستقرار في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغزة وأماكن أخرى في المنطقة. ولم يقيد اتفاق 2015 مثل هذا النشاط.
ثانيًا، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن إيران ستوقع يومًا على اتفاق نووي “أطول وأقوى” (خطة العمل الشاملة المشتركة 2.0) بما يضع قيودًا أكثر صرامة على برنامجها النووي لفترة أطول. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن إيران ستختلف جوهريًا في تركيبتها السياسية أو في ما تسعى إليه بعد عقد من الزمان.
يقودنا هذا إلى عيب آخر في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة: إذ يمكن لإيران أن تدخل مرة أخرى في اتفاقية عام 2015؛ وأثناء الامتثال لها، تسرع إنتاج الصواريخ الباليستية (التي لا تنص الاتفاقية على منعها)؛ وبعد عام 2030، توسع بشكل كبير مخزونها من اليورانيوم المخصب. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإيران أن تقوم بتطوير أسلحة ذات صلة في مواقع مخفية من شأنها أن تبني على ما تعلمته في السنوات القليلة الماضية – وهو نشاط يمكن أن يزيد من جودة وكمية أي أسلحة نووية إذا قررت متابعة العمل عليها.
السؤال، إذًا، ليس ما إذا كانت إيران ستقدم على هذا، ولكن متـي. فنحن سنصل إلى هذه المرحلة: في غضون شهور إذا فشلت المفاوضات، أو في أقل من عقد إذا نجحت. إذ من المرجح أن تكون إيران أكثر عدوانية في جهودها لتشكيل المنطقة على صورتها، إذا أُتيح لها استخدام أسلحة نووية أو الاقتراب من مثل هذه النقطة (لتصبح دولة تمتلك أسلحة نووية).
في الوقت نفسه، قد تدفع إيران التي تمتلك أسلحة نووية أو لديها القدرة على إنتاجها في أيام أو أسابيع واحدة أو أكثر من جيرانها – على الأرجح المملكة العربية السعودية أو مصر أو تركيا – إلى أن تحذو حذوها. وذلك من شأنه أن يضع منطقة ممزقة بالصراع على مرجل النار.
أما البديل فهو استبدال الدبلوماسية الرسمية بطريقة أقل رسمية. يمكننا أن نسميها دبلوماسية ضمنية أو دبلوماسية الحد من التسلح بدون اتفاقيات. إذ ستقوم الولايات المتحدة والحكومات المعنية الأخرى (بما في ذلك إسرائيل) بإبلاغ إيران بحدود تسامحها فيما يتعلق بقدراتها النووية.
إذا تجاوزت إيران هذه الخطوط الحمراء الكمية أو النوعية، فسوف تدفع ثمنًا باهظًا. بالإضافة إلى خضوعها لعقوبات متزايدة. حينها، يمكن أن تتوقع هجمات عسكرية إلكترونية وتقليدية على المنشآت النووية وربما أهداف ذات قيمة اقتصادية وعسكرية.
هذا الطريق أيضًا لا يخلو من المخاطر والمغارم. فليس هناك ما يضمن نجاح مثل هذه الهجمات، نظرًا إلى أن إيران يمكنها حماية عناصر مهمة في برنامجها النووي وإعادة تشكيلها إذا لزم الأمر وستذهب إلى أبعد الحدود للدفاع عن نفسها. وسيكون لإيران أيضًا خيار الرد بمجموعة من الأدوات وضد أهداف من اختيارها في جميع أنحاء المنطقة والعالم.
كل هذا يعني خيارات صعبة للولايات المتحدة. قد يتعين على بايدن وخلفائه التفكير في المشاركة في الهجمات على إيران أو التغاضي عنها. قد يحتاجون أيضًا إلى التعهد بأن الولايات المتحدة سترد على أي تهديد إيراني أو استخدام للأسلحة النووية؛ تمامًا كما تفعل الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا وآسيا ضد روسيا والصين. صحيح أن ترامب وبايدن أوضحا رغبتهما في تقليص التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. لكن تحقيق هذا الهدف يبدو مستبعدًا بسبب إيران.