لقد عانى التحالف الأكثر أهمية في الشرق الأوسط جراء النزاعات الإقليمية وأزمات خلافة الحكم وضغوط الحرب في دول الجوار. بمعنى آخر، تخضع الشراكة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الآن للاختبار من خلال تحدٍ وجودي أكبر: وهذا التحدي هو الاقتصاد.
ستستمر الشراكة لأن الدولتين العربيتين الخليجيتين لديهما العديد من المصالح المشتركة، لا سيما في مجالات الجغرافيا السياسية والأمن: كلاهما مهددين من قبل إيران ووكلائها، ويخشان من نفوذ تركيا المتنامي في المنطقة ومن الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان والجماعات التابعة لها. كما أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تربطهما صداقة شخصية وثيقة.
لكن بينما يرسمون مسارات اقتصادية مختلفة لمستقبل ما بعد النفط، سيجد السعوديون والإماراتيون أنفسهم في تنافس طبيعي كما هو الحال في كثير من الأحيان.
في بعض الأحيان، سيكون لخلافاتهم عواقب عالمية. خذ على سبيل المثال الخلافات الأخيرة حول حصص إنتاج النفط، والتي تهدد بتضخم أسعار البنزين في كل مكان. وفي أوقات أخرى، ستكون تداعيات تنافسهم الاقتصادي محلية في الغالب، مثل محاولة الرياض المضرة لأبوظبي لإغراء الشركات متعددة الجنسيات لسحبها عن دبي وأبو ظبي.
ولكن فيما يتعلق بالقضايا ذات الأهمية الإقليمية، سيجد الجانبان تسوية مؤقتة حتى عندما لا يكونا متفقين تمامًا. لم يُظهر السعوديين الغضب عندما قلصت الإمارات مشاركتها في الحملة العسكرية المشتركة علىاليمن. ولم يقم الإماراتيون بأي احتجاج رسمي عندما أنهى السعوديون مقاطعتهم قطر.
في مواجهة تحديات السياسة الخارجية المزدوجة المتمثلة في التهديد الإيراني المتصاعد للشرق الأوسط وتراجع الولايات المتحدة عن تولي مسؤوليات المنطقة، يعلم حكام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أنهم لا يستطيعون ترك خلافاتهم تخرج عن السيطرة. كما أن للتهديد الإيراني بُعداقتصادي: فالجمهورية الإسلامية منافس رئيسي كمنتج للنفط والغاز الطبيعي. ومع وجود إجماع من الحزبين في واشنطن للسماح للدول العربية بالتوصل إلى تسوية خاصة بها مع طهران، يحتاج الإماراتيون والسعوديون إلى الاتفاق معًا حتى لا يحدث تضارب في المصالح بينهما عندما يتعلق الأمر بإيران.
ومع ذلك، كان الجانبان منفتحين بشكل غير عادي في انتقاداتهما لبعضهما البعض في خلافهما الأخير. يدور الخلاف حول حصص الإنتاج في جذوره حول الأولويات الاقتصادية الوطنية. تحاول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أكبر ورابع أكبر منتجين في أوبك على التوالي فصل اقتصاداتهما عن اعتمادهما على الهيدروكربونات، لكنهما في مراحل مختلفة جدًا من هذه العملية. صار كلا البلدين عرضة للاتجاهات العالمية التي تشجع على استخدام بدائل الطاقة بعيدًا عن الوقود الاحفوري، ويساورهما القلق بشأن استمرار انخفاض الأسعار على المدى الطويل.
يتمتع الإماراتيون بالفعل باقتصاد غير نفطي، حيث استثمروا لعدة عقود في السياحة والنقل وقطاعات أخرى. كما إنهم حريصون على أخذ عائدات النفط عندما تكون جيدة، فمن الأفضل الاستثمار في المزيد من التنويع. ولهذه الغاية، تنفق الإمارات المليارات على البنية التحتية النفطية، حتى تتمكن من تعظيم الإنتاج وكذلك الإيرادات.
كان السعوديون أبطأ بكثير في الاستثمار في القطاعات غير النفطية المتنامية لاقتصادهم، وسوف يحتاجون إلى مزيد من الوقت لتقليل اعتمادهم على المواد الهيدروكربونية. تعتمد خطط التنويع الخاصة بهم بشكل كبير على استثمارات صندوق الثروة السيادية الوطني، والذي يحتاج بدوره إلى استقرار أسعار النفط وعائداته. وتعتقد الرياض أن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هي ترك النفط في الأرض لأطول فترة ممكنة.
لكن كلا الجانبين سيكون على دراية تامة بالعوامل الخارجة عن سيطرتهما والتي يمكن أن تجعل نزاعهما محل نقاش. يبدو أن إدارة بايدن حريصة على عقد صفقة مع طهران من شأنها تخفيف القيود على الإنتاج الإيراني، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار إلى مستويات قد تزعج حتى الإماراتيين. هذا الاحتمال هو حافز لإنهاء مأزق أوبك.
لكن التنافس الاقتصادي السعودي الإماراتي في مجالات أخرى سيستمر في التصاعد. تحتاج خطط التنويع الخاصة بهم إلى استثمارات ومواهب أجنبية، وكلاهما سلع محدودة. ولا يفيد في أنهم يتطلعون إلى نفس القطاعات، مثل السياحة والنقل.
في خضم نزاع أوبك، أعلن السعوديون عن خطط لاستثمار 147 مليار دولار في النقل والخدمات اللوجستية لتحويل المملكة إلى مركز طيران عالمي. وسيشمل ذلك إنشاء شركة طيران دولية جديدة، بالإضافة إلى شركة الطيران الحكومية السعودية. لن يمر هذا دون أن يلاحظه أحد في الإمارات العربية المتحدة، التي لديها مراكز طيران رئيسية في دبي وأبوظبي وشركات طيران – طيران الإمارات والاتحاد – على أعلى مستوى.