تعتبر العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين هي الأهم في العالم، ولها تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة. لكن الحالة المتدهورة لعلاقتهما تمثل مصدر قلق ليس فقط في واشنطن وبكين، ولكن في جميع أنحاء العالم؛ حيث تؤدي “المنافسة الاستراتيجية” إلى قرارات غير مريحة للقادة في كل مكان. يتضح هذا بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث تتزايد الخلافات بين العلاقات الأمنية الأمريكية والعلاقات الاقتصادية الصينية. وتشير حقيقة أن كلا القوتين العظميين لديهما مصالح إقليمية كبيرة وانعدام ثقة متبادل لدرجة عميقة إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن تصبح مسرحًا لمنافسة القوى العظمى مرة أخرى.
يعتبر كل من واشنطن وبكين بعضهما البعض تهديدات محتملة لازدهارهما وأمنهما. إذ استخدمت إدارة ترامب جملة “منافسة القوى العظمى” في صياغة نهجها تجاه الصين، وتتبع إدارة بايدن نهجًا مشابهًا لكن باسم مختلف هو “المنافسة الاستراتيجية؛” حيث تصف إرشادات استراتيجية الأمن القومي المؤقتة لعام 2021 الصادرة عن إدارة بايدن الصين بأنها “المنافس الوحيد الذي يحتمل أن يكون قادرًا على الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لشن تحدٍ مستدام لنظام دولي مستقر ومنفتح”. من جانبهم يجادل القادة الصينيون بأن الولايات المتحدة تسعى لاحتواء صعودها إلى مكانة القوة العالمية وتقويض استقرارها الداخلي. خلال قمة ألاسكا المثيرة للجدل في مارس 2021، قال وزير الخارجية وانغ يي: “تحث الصين الجانب الأمريكي على التخلي تمامًا عن ممارسة الهيمنة المتمثلة في التدخل المتعمد في الشؤون الداخلية للصين.” بالنظر من الخارج، فإن الوضع الحالي للعلاقة الثنائية هي مثال حي على معضلة الأمن كما يقول الكتاب. يعتقد الطرفان أنهما يتصرفان بشكل دفاعي ردًا على عدوان غير مبرر من الطرف الآخر. في واشنطن، يلقي الكثير باللائمة في التوترات على السياسات الصينية في عهد الرئيس الصيني شي جين بينج. وعلى الجانب الآخر، يربط الكثير من الصينيين ذلك بنهج ترامب تجاه الصين.
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن العواقب وخيمة. فعلى مدار العشرين عامًا الماضية، برزت الصين كشريك اقتصادي رئيس لكل دول المنطقة، فيما تبدو فكرة الاضطرار إلى الاختيار بين القوتين العظميين غير جذابة. وقد أوضح المستشار الرئاسي لدولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش هذه النقطة مؤخرًا قائلاً: “إن فكرة الاختيار إشكالية في النظام الدولي، وأعتقد أن هذا لن يكون سهلاً. بالنسبة لنا هنا في الإمارات، الولايات المتحدة هي الشريك الاستراتيجي لكن العلاقة مع الصين حساسة باعتبارها الشريك الاقتصادي الأول أو الثاني – مع الهند”. واستمر هذا في عهد الرئيس بايدن. حيث أدلى نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول بشهادته في أغسطس 2021: “نحن نتفهم أنه ستكون هناك علاقة اقتصادية أو تجارية مع الصين، تمامًا مثل الولايات المتحدة، ولكن هناك أنواع معينة من الأنشطة أو المشاركة التي إذا أقدم الصينيين على الدخول في شراكات فيها، سيشكلون خطرًا على تكنولوجيا الدفاع الأمريكية، وأنواع أخرى من التكنولوجيا، وفي نهاية المطاف هي شراكات تتعلق بالقوة”.
إن تحول الشرق الأوسط إلى مسرح تنافسي هو أمر غير معتاد إلى حد ما في ظاهر الأمر. إذ تمارس الصين الكثير من الأعمال في المنطقة، وتستورد أكثر من 40٪ من نفطها الخام من منتجي الخليج، وقد حددت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كمحور مهم في مبادرة الحزام والطريق. في الوقت نفسه، لا يمثل الشرق الأوسط مصلحة أساسية بالنسبة لحكومة تعاني من ضغوط سياسية واقتصادية محلية كبيرة والعديد من الدول المجاورة المعادية على أطرافها. للولايات المتحدة حلفاء وشركاء إقليميون مهمون، لكن مصالحها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتضاءل منذ فترة طويلة. نتيجة لذلك، يدعو كل من الجمهوريين والديمقراطيين إلى تقليص دورها هناك، الأمر الذي يلقى صدى لدى شريحة كبيرة من السكان. مع تحديد منطقة المحيطين الهندي والهادئ كمسرح ذي أولوية للولايات المتحدة، فإن البصمة الأمريكية العميقة في الشرق الأوسط أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية مما كانت عليه خلال العقدين الأولين من هذا القرن، حينما كانت مكافحة الإرهاب وحروب الشرق الأوسط هي الدافع لسياسة الولايات المتحدة الخارجية والدفاعية.
ومع ذلك، يبدو أن الشرق الأوسط يمثل بؤرة مضطربة في العلاقات الأمريكية الصينية. مثالان من هذا العام يوضحان ذلك، كلاهما من الخليج. الأول، ليس من المستغرب مكانة العلاقات الثنائية بين الصين وإيران. بعد فترة وجيزة من القمة في ألاسكا، ذهب وزير الخارجية وانغ يي إلى طهران ووقع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي طال انتظارها والتي كان البلدان يعملان لتحقيقها منذ إعلانها في يناير 2016. من وجهة نظر الولايات المتحدة، كان يُنظر إلى هذا على أنه بكين تدعم تهديدًا تعديليًا لنظام الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الاتفاقية “ستخلق بؤر اشتعال جديدة وخطيرة في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين” ويمكن أن توفر للصين “موطئ قدم في منطقة كانت الشغل الشاغل للولايات المتحدة لعقود”. وقد تفاقم هذا الأمر فقط عندما أُعلن أن إيران ستبدأ عملية أن تصبح عضوًا كامل العضوية في منظمة شنجهاي للتعاون التي تقودها الصين وروسيا خلال القمة الوزارية في سبتمبر في دوشانبي؛ عضوية كانت إيران تطمح إليها منذ عام 2008. فيما بدا أن الصين كانت تتحدى القيادة الإقليمية للولايات المتحدة في قضية ملحة.
والأكثر إثارة للدهشة، أن صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت في مايو 2021 أن الصين كانت تبني منشأة عسكرية في الإمارات العربية المتحدة. في ظل وجود اتفاقية تعاون دفاعي أمريكية سارية منذ عام 1994، تنخرط الإمارات العربية المتحدة بعمق مع واشنطن في الشؤون السياسية والأمنية، ويبدو أن اتفاقيات أبراهام لعام 2020 تعزز ذلك، كما فعلت اتفاقية بيع طائرات F-35 للإمارات. في الوقت نفسه، تعمل الصين والإمارات العربية المتحدة على توسيع وتعميق علاقاتهما منذ التقدم في علاقتهما الثنائية في عام 2018. وزاد الوباء من هذا الأمر، حيث قام معهد الجينوم في بكين والمجموعة 42 في الإمارات بالتنسيق بشأن سياسة الوباء وتجارب اللقاحات. الأهم من ذلك، فور زيارة طهران وتوقيع اتفاق الطاقة الشمسية المركزة مع إيران، ذهب وانج يي إلى أبو ظبي حيث تم توقيع اتفاقية لتصنيع وتوزيع لقاح سينوفارم في الإمارات العربية المتحدة. وهو ما رفع من سقف العلاقة الصينية الإماراتية، لكن الأخبار التي تفيد بأن الصين كانت بالفعل بصدد بناء منشأة عسكرية في أبو ظبي تشير إلى أن بكين أكثر ثقة في الضغط ضد الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مما كان يُعتقد سابقًا.
من السابق لأوانه المضي في التحليل فيما يعلق بوجود الصين في المنطقة. حيث يظل الشرق الأوسط أقل أهمية استراتيجية بالنسبة للصين من المناطق الأقرب إلى الوطن مثل بحر الصين الجنوبي أو آسيا الوسطى. ومع ذلك، من خلال انشغال الولايات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنها تؤخر تفعيلًا أكثر قوة لاستراتيجية أمريكا في المحيطين الهندي والهادئ، وهو مصدر قلق فوري في بكين. وبالتالي، فإن المنافسة منخفضة المستوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي السيناريو الأكثر احتمالًا.