سيطر مصطلح “المدن الذكية” على الحديث حول المدن لبعض الوقت، عندما كان مخططو المدن الحضرية والحكومات في العديد من الأماكن حول العالم يواكبون هذه الصيحة الجديدة. في عام 2015، أطلقت الهند مهمة المدن الذكية وأعلنت أنها ستحول 100 مدينة هندية إلى مدن ذكية. حيث يمكنها الآن تسخير التقنيات الجديدة مثل أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي حتى تكون إدارة المدينة أكثر كفاءة. حيث إدخال الاستجابة الصوتية التفاعلية وروبوتات الدردشة إلى مراكز الاتصال الحكومية هو مجرد مثال واحد فقط من أمثلة عديدة.
حتى الآن، كان ما يدفع المناقشات حول المدن الذكية في المقام الأول هي التكنولوجيا. ومع ذلك، لا تُنشأ المدينة إلا من أجل مواطنيها. السؤال هنا هو، هل يمكننا اتباع نهج يركز على الناس أكثر من التركيز على التكنولوجيا في تخطيط المدن وتصميمها وإدارتها؟ هذا هو جوهر مصطلح “المدينة المتجاوبة”.
تغيير الطريقة التي نستخدم بها التكنولوجيا
تتطور المدينة المتجاوبة تبعًا لتطور المدينة الذكية، مع اختلاف جوهري: ينتقل المواطنون من كونهم في مركز الملاحظة إلى مركز العمل. في المدينة المتجاوبة، يتم تمكين المواطنين للمساهمة في تصميم المدينة، والمشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية، والمساحات التي يعيشون ويتنقلون فيها، وتقديم الخدمات الأساسية. وكل ذلك عن طريق استخدامهم التكنولوجيا الذكية للقيام بذلك. المدينة المتجاوبة في أيدي مواطنيها.
كانت المدن الذكية الأولى مدفوعة بالتكنولوجيا، حيث أنتجت كميات كبيرة من البيانات من أجهزة استشعار ثابتة أو مُتحَكَم بها مركزيًا. مع وجود تقنيات مثل إنترنت الأشياء ومعدلات اختراق الهاتف المحمول المرتفعة، يتولى المواطنون في المدينة المتجاوبة القيادة حيال إنشاء البيانات ومشاركتها – الإبلاغ عن أخطاء وحوادث البنية التحتية من خلال التطبيقات، وإرسال المسودات والاقتراحات حول كيفية تطوير المدينة. وبالتالي، تصبح قدرة المواطن ورغبته في المشاركة والعمل هي الدعامة الأساسية للمدينة سريعة التجاوب.
العثور على لغة مشتركة
إن التواصل في مدينة متجاوبة هو سلاح ذو حدين بين المواطنين والأجهزة الإدارية؛ إن العثور على لغة مشتركة هنا أمر حيوي. يقول المثل: “الصورة تساوي ألف كلمة”، والواقع أن اللغة المرئية هي لغة قوية: يتغير التصور أو يعزز إدراكنا لكل ما نسمعه أو نتذوقه أو نشمه أو نراه أو نقرأه أو نخططه أو نتخيله. لهذا السبب في مركز سنغافورة للاستدامة البيئية يتم التركيز بشدة على العرض المرئي لبيانات ومحاكاتها كوسيلة للتواصل.
يتم استخدام أداة التصوير المرئي “مشاهد من سنغافورة” التي تم تطويرها في المركز للإبلاغ عن مدى حرارة الجزر الحضرية والحاجة الملحة للعمل لمكافحتها. وتسمح أدوات التخطيط سهلة الاستخدام مثل “مجموعة أدوات التحليل الحضري السريع” التي تم تطويرها عن طريق كرسي هندسة المعلومات بوضع نماذج أفكار التصميم الخاصة بهم وتقديمها بصريًا إلى المواطنين والمخططين الحضريين. ليس من الصعب أن نتخيل كيف يمكن للمواطنين، متجردين من المصالح أو القيود السياسية أو التجارية، أن يتوصلوا إلى حلول مختلفة من المتخصصين وأن يولدوا أفكارًا غير تقليدية، أو حتى أفكارًا “مُربكة” لإثارة تغيير في النموذج.
تكييف الحلول
واليوم، ينتج عن بحث جوجل لمصطلح “المدن الذكية” حوالي 600 مليون نتيجة بحث. لكن عند البحث عن مصطلح “مدن متجاوبة” سينتج أقل من 60 مليون. لذا، هناك الكثير الذي يتعين القيام به. ولكن هناك أمل: وما نقدمه هنا هو اشترك أكثر من 120.000 شخص من جميع أنحاء العالم في دوراتنا عبر الإنترنت (MOOC) حول المدن المستقبلية والمدن المتجاوبة. مما يدل على وجود اهتمام شديد من جانبنا.
تعتبر مدن مثل زيورخ وفيينا وكوبنهاجن وبرشلونة قدوة بالفعل في تبني نهج “سرعة التجاوب”. وحتى المدن والقرى السويسرية الصغيرة، التي شكّلها مواطنوها بنشاط لقرون، يمكن اعتبارها نماذج أولية لمدينة متجاوبة.
لا توجد صيغة واحدة تناسب الجميع للمدن سريعة التجاوب؛ في النهاية، ما نحتاجه هو حلول تتكيف مع الموقع والسياق المحددين، مدعومة بالعلم، مع أخذ المواطنين في الاعتبار عند تصميمها، وتنفيذها بدعمهم.