وصل أدولف هتلر إلى حكم ألمانيا في 30 يناير من العام 1933، وفي فترة وجيزة؛ قام بإطلاق الشرطة ضد اليهود والشيوعيين بطريقة لم تحدث من قبل، وفرض العديد من الإجراءات القانونية الطارئة لحكم البلاد في أعقاب حوادث الحرائق المتعمدة في البرلمان الألماني ضد الرايجستاج في 27 من شهر فبراير، واتجه إلى القضاء على التعددية وجهات المعارضة للحكومة سواء في المنشورات الألمانية أو الاتجاهات الثقافية، عن طريق تطبيق سياسة إدراج الناس جميعًا تحت تصنيف واحد. وبذلك، نجح هتلر في تفكيك المؤسسات الألمانية.
هذا وقد اعتقد كل من حاول الاستفادة من وصول هتلر إلى منصبه في عام 1933، أنهم قادرين على إحاطته باتجاهات معتدلة تكسر من شوكة قوته بمجرد إدخاله تحت مظلتهم، فبعد كل ما كان يحدث آن ذاك، غلبت على الحكومة الجديدة اتجاهًا رافضًا للنازية. تمامًا مثلما علق فرانز فون بابين، نائب المستشار، الذي أخل باتفاقيته، آن ذاك قائلاً: “سنكون قد أوصلنا بهتلر إلى ركن ضيق، لا مفر منه في خلال شهرين”.
إلا أن هتلر لم يتوانَ في أن يبهر الجميع، حيث قام بتنفيذ كل ما كان يؤمن به، بحذافيره، لأكثر من عقد كامل من الزمن؛ فنجح في تحويل ألمانيا إلى أمة عنصرية، باقتصاد قائم على دافع الوطنية، لتكون ألمانيا عظيمة مرة أخرى. فاعتقد أنه وصل إلى مبتغاه سريعًا.
ولتحقيق كل ذلك، حرص هتلر على أن ينضم إليه كل من هيرمان جورينج وجوزيف جوبلز، قبل حتى وأن يتحولا إلى الوحوش الإنسانية التي ذكرها التاريخ، إلا أنهما تميزا بالطموح والملاحظات السياسية المصحوبة بالأجندات الراديكالية، إلى جانب تميزهما بكونهما قائدين يتمتعان بالكاريزما العالية، وتصرفا دائمًا بسرعة وبقوة لا نظير لها.
تنطوي سلطات جورينج وأهميته في استغلاله لأسلوب هتلر الماكر في مفاوضاته للسيطرة على جهاز الشرطة الباروسية كجزء من الاتفاقية المبرمة مع بابين ليكون مستشارًا له. ومن هنا نجح جورينج في تولي جبهة استهداف الجماعات اليهودية، والشيوعية، والديمقراطية الإشتراكية.
عمل جورينج وفقًا لمبدأ حماية ألمانيا من شبح الثورة الماركسية “الوشيكة” القادمة من الاتحاد السوفيتي، منعًا لوصولها إلى ألمانيا على يد الحزب الشيوعي الألماني.
تمنت الحكومة الروسية لسنوات عديدة التحريض على قيام ثورة في ألمانيا، وكثيرًا ما كان يميل الشيوعيون المحليون إلى استخدام العنف—تمامًا مثل النازيين. وعلى الرغم من كل ذلك، فشل الحزب الشيوعي الألماني من الوصول إلى الحكم؛ حيث نجح الحزب الشيوعي بالمشاركة بنسبة 15%، لمرة واحدة فقط، في البرلمان الألماني أثناء جمهورية فايمار، بينما استطاع النازيون الوصول إلى 37% في عام 1932 لتصبح بذلك أكبر حزب سياسي ألماني قبل وصوله إلى الحكم في عام 1933.
ومع ذلك، مثّل الشيوعيون أداة التخويف المستخدمة من قبل هتلر التي تسمح له باستخدام أي عذر للوصول إلى أهدافه الدموية؛ حيث لوح هتلر بالثلاثين مليون قتيل أزهقت أرواحهم بسبب النظام الثوري في روسيا، ليثير بذلك موجة من التهديدات المثارة ضد اليهود البلشيفيين في ألمانيا.
لم يكتفِ هتلر بذلك فقط، وإنما عكف على بناء قاعدة من الأخبار الكاذبة؛ فكانت نقطة إنطلاقه تبدأ من “افتراضات حكماء صهيون” وهي عبارة عن وثيقة يرجع تاريخها إلى عام 1903 تدعي قيام مؤامرة يهودية عالمية، وأصر هتلر على استخدام مثل هذه الوثيقة على الرغم من أنه اكتشف زيفها لاحقًا.
ومع انخراط هتلر في السياسة الألمانية أكثر وأكثر عام 1932، أشار كورت شوماكر، زعيم ديمقراطي إجتماعي، إلى “الشئ الوحيد الذي ننجذب إليه فيما يخص الوطنية هو نجاحها.. لأول مرّة في تاريخ السياسة الألمانية وتاريخ الغباء الإنساني”.
لم تنجح سخرية شوماكر اللازعة وتحذيراته من إحداث أي تغيير. وفي محاولة بائسة من جانب المؤسسات الألمانية بقيادة بابن والرئيس فون هيندينبيرج لبناء حائط دفاعي سياسي ضد التهديدات الواقعة على الشيوعية والديمقراطية الاجتماعية، دعوا هتلر في عام 1933 لترأس حكومة التركيز الوطني لتكون حلا وسطيًا بين تطرف هتلر والمؤسسية الألمانية.
وبمرور بضعة أشهر، تغيرت المكاييل، فأصبحت الدولة في الركن عوضًا عن هتلر وبمرور عام كامل تم تهميش معظم الحكومة الألمانية، لتتجه بذلك ألمانيا إلى طريق اللا عودة، فتتجه إلى طريق التدمير الذاتي.