انتشر مؤخرًا خبر غرق ٦ مهاجرين وفقدان العشرات قبالة سواحل تونس؛ حيث كانوا في طريقهم إلى أوروبا، وعلى الرغم من التضييق على حركة الأفراد الذي جاء مع انتشار وباء الكورونا بشكل عام، إلا أن التضييق على الهجرة غير النظامية سواء من البلدان المرسلة أو المستقبلة قد زاد من تدهور معدلات الهجرة غير النظامية، على نحو جعل الظاهرة تشهد تراجعًا غير مسبوق قياسًا بالمرحلة السابقة على اندلاع الوباء.
ماهية الهجرة غير النظامية
تعرف الهجرة غير النظامية من كون طرق الدخول إلى الدولة المستقبلة غير قانونية (غير شرعية). وفي بعض الأحيان تعتبر بعض الدول الخروج منها بطريقة غير قانونية سبيلاً للادعاء بوجود اضطهاد سياسي، وبالتالي تحتسب هؤلاء كمهاجرين غير شرعيين، مثل الصين وسيريلانكا والجزائر . أو أن يولد الشخص لأبويين مهاجرين غير نظاميين، فيصبح مهاجرًا غير نظامي؛ أو كانت هجرته وانتقاله بطريقة قانونية، إلا أنها تعدت الغرض أو الوقت المسموح به مثل استخدام تأشيرة الدراسة للعمل -أو حتى العمل في مجال مختلف عن المصرح به في التأشيرة أو تعدى ساعات العمل المسموح بها للتأشيرة الدراسة كما هو الحال في دول مثل إنجلترا وألمانيا- او البقاء في البلاد للحد غير المسموح به.
تختلف الهجرة غير النظامية عن الاتجار بالبشر والتي تعتبر جريمة دولية. إلا أن خطوط الظاهرتين كثيرًا ما تتقاطع. ويقدر مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة ان نسبة المتاجره في المهاجرين من أسرع الأنشطة المحققة للربح عالميًّا؛ حيث تقدر أرباح هذه التجارة بقيمة 31.6 مليار دولار.
وتعتبر القارة الأوروبية هي الوجهة الأكبر للمهاجرين غير النظاميين بينما أمريكا هي الدولة الأكبر المستقبلة للمهاجرين غير النظاميين عن طريق المكسيك، والمغرب وليبيا تعد من اهم الدول التي تعد محطات للهجرة حيث يتنقل عن طريقها المهاجرون الي البلدان الأخرى، مقارنة بدول مثل إيطاليا واليونان التي أصبحت مكانا للمهاجرين. ولكن مع ازدياد الاعداد وظهور فكرة الاتحاد الأوربي وبناء السور بين المكسيك والولايات المتحدة.
لقد ازدادت وتيرة تدهور الظروف الاجتماعية التي يعيش فيها المهاجرون غير النظاميين -وأغلبهم من الشباب- مثل اضطرارهم العمل في قطاع غير رسمي أو صناعات خدمية، واستبعادهم من شبكة الأمان الاجتماعي في الدول المستقبلة وامتداد نسبه الفقر المدقع للسياسات التقشفية للتعافي اقتصاديّا بعد كورونا وتأثير المساعدات الإنسانية، والتهميش سياسيًّا. لقد كان عدم الاستقرار السياسي في البلدان التي تعاني من الحروب الأهلية والإرهاب سببًا رئيسًا لارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية وعمليات الاتجار بالبشر نتيجة تفشي أنماط اقتصاد الحرب القائم على التهريب؛ كما هو الحال في سوريا وليبيا والعراق وأفغانستان وغيرها.
وتشير تقديرات إلى أن استمرار تدفق الهجرة غير النظامية قد يكون لأسباب اجتماعية ونفسية مع انخداع بعض المهاجرين من البلدان المتدهورة بقصص نجاح الذين سبقوهم في المخاطرة، على الرغم من التضاؤل الشديد في فرص النجاح. وغالبًا ما يشكل المهاجرون غير النظامين شبكة علاقات اجتماعية في البلدان المستقبلة قد تشجع بعض الأفراد على المخاطرة بإقناعهم بوجود مجتمع صغير يتحدث نفس اللغة ويتشارك نفس الثقافة وله قدرة على تقديم الدعم المالي لحين تيسر الأوضاع. ومن المتوقع أن تشهد الفترة التي ستعقب الموجات الوبائية انفجارًا في أعداد المهاجرين غير النظاميين عالميًّا، مع اتجاه الاقتصادات نحو تسجيل معدلات نمو وتعافي أسرع قد يتطلب عمالة “غير نظامية” أو غير شرعية”.
أهم السمات الاقتصادية للمهاجر غير النظامي
المهاجرون غير النظاميين عادة ما ينجذبون للدول التي تتميز بالفعل بوجود اقتصاد غير رسمي وعمالة غير رسمية مسموح بها أو متغاضى عن وجودها مثل تركيا واليونان وإيطاليا، وربما الولايات المتحدة، مقارنةً بالدول التي تتمتع باقتصاد تنظيمي عالي مثل السويد، كما تختلف العمالة حسب طبيعة العمل “الجندري” فحين يتطلب الأمر أعمال الرعاية المنزلية تنجذب النساء الاوكرانيات إلى إيطاليا بينما حين يتطلب قطاع التشييد ينجذب الرجال الاوكرانيين إلى روسيا.
عادةً ما يسكن المهاجرون غير النظاميين في الأماكن المهمشة البعيدة او القطاعات الصغيرة او التي تعتمد على الأقليات أو أطراف المدينة او العمل الخاص الفردي مثل النظافة او العمالة المنزلية او التشييد أو الفنادق أو المطاعم أو الزراعة كما أنهم يتكيفون بشكل سريع على متطلبات سوق العمل وظروف العمل غير الملائمة.
وغالبًا ما تبرز اللغة كعائق في سبيل اندماج المهاجرين غير النظاميين، وكذلك كعائق في توفير الحماية الاجتماعية (مثل إعانات البطالة). ويمكن القول إن لهذا العامل الثقافي تأثير اقتصادي؛ فمن ناحية تعوق اللغة ترقي المهاجرين واللاجئين اقتصاديًّا، مثل انتقال المتعلمين منهم من الأعمال اليدوية إلى الأعمال المكتبية أو الالتحاق بسلك الدراسة حيث تندر الدراسة المتاحة باللغات المشتركة مثل الإنجليزية في كثير من البلدان. وبقدر ما يوجد قبول بوجود اللاجئين في بعض الأعمال التي يترفع عنها المواطنون المحليون، بقدر ما يثير وجودهم أيضًا تخوفات ثقافية وسياسية. انظر على سبيل المثال استخدام اليمين البريطاني لموجات الهجرة من بولندا وشرق أوروبا والشرق الأوسط كورقة للدعوة للخروج من الاتحاد الأوروبي “البريكسيت.” ومن الملاحظ أن السيطرة المزعومة لهؤلاء المهاجرين واللاجئين على الاقتصاد المحلي في بعض المناطق النائية.
كذلك، قد يرحب بعض أصحاب الأعمال بوجود المهاجرين غير الشرعيين نظرًا لعدم وجود مظلة لحماية حقوقهم أو مراقبة أجورهم والرعاية الصحية. لذا يعارض هؤلاء سياسات تقييد الهجرة التي تمارسها حكوماتهم لكونها تتعارض مع الأرباح التي يحققونها بالعمالة الرخيصة منزوعة الحقوق.
الوباء وتنوع سياسات الهجرة غير النظامية
تعددت السياسات التي تبنتها الدول خلال أزمه كورونا من حيث التعامل مع الهجرة غير النظامية. وترواحت هذه السياسات بين المنع والتقنين، وذلك بهدف السيطرة على الظاهرة وتسهيل تعقب اللاجئين والمهاجرين المستهدفين. واقتصاديًّا، أثرت سياسات الوباء على الدعم المقدم للاجئين والمهاجرين غير النظاميين. وبالطبع، كانت دول العالم النامي متوسطة ومحدودة الدخل أكثر اتجاهًا لتقليص المساعدات الموجهة للاجئين بسبب ضغط أولويات القطاع الصحي في ظل الموارد المحدودة.
وفي حالات أخرى، كان الوباء قد جعل من بعض المهاجرين واللاجئين هدفًا للتيارات التي ترى في الجائحة مؤامرة دولية أو سببًا لسرعة انتشار العدوى مع التفافهم على مراكز الهجرة ونقاط الحدود الشرعية، وبالتالي عدم خضوعهم لاختبارات الصحة والسلامة. على سبيل المثال، مع بداية اندلاع الجائحة، أعلنت الولايات المتحدة في ظل الرئيس السابق ترامب حالة الطوارئ القصوى لاستهداف منع المهاجرين غير النظاميين بشكل كامل من العبور تحت ذريعة مكافحة الوباء.
ويمكن رصد أهم سياسات الدول في التعامل مع الظاهرة على النحو التالي:
- التسوية القانونية: مثل البرتغال وإيطاليا؛ حيث تبنيتا سياسة منح المهاجرين غير النظاميين من خارج الاتحاد الأوروبي وضعًا قانونيًّا، وتوفير تصاريح العمل والحصول على الرعاية الصحية لفترات موقتة. تأسست هذه السياسة على الاعتقاد بأن تحقيق السلامة الصحية للجميع لا تتم بمعزل عن مد الرعاية الصحية للمهاجرين غير النظاميين؛ خاصة مع ارتفاع معدل الإصابة والعدوى بين هؤلاء نظرًا للظروف التي يمرون بها. وقد تنطبق هذه السياسة أيضًا على بعض الدول الخليجية التي مدت فتره السماح للأشخاص داخل حدودها الذين تعدوا فتره البقاء المسموح؛ حتى يمكن للسلطات المسؤولة رصد تواجدهم وتحركاتهم وتوفير الرعايه الصحيه لهم منعا لانتشار مخاطر أخرى.
- التسوية والتضمين: مثل ألمانيا التي توفر الرعاية الصحية للمهاجرين خاصه من يعمل منهم كعمال للنظافة أو مقدمي الرعاية المنزلية أو عمال المطاعم. وتحرص الحكومة الألمانية على توفير المعلومات عن توفر السلع والخدمات للجميع بمجانية وتوفيرها بعده لغات وليس الالمانيه فقط. وحثت الحكومة الفيدرالية سلطات الولايات على توفير العلاج للمصابين دون نقل بياناتهم الشخصيه لسلطات الهجرة حتى يتم تشجيعهم على التسجيل. مع ذلك سجلت حالات ترحيل عديدة على أساس خرق قوانين الهجرة واللجوء.
- تشديد مراقبة الحدود: قامت النمسا، وغيرها من دول وسط أوروبا، بتشديد مراقبتها للحدود بشكل مكثف ومنعت دخول اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين بشكل قاطع. وفي إنجلترا، وعلى الرغم من تأكيد الحكومة لإصدار عفو عن جميع المهاجرين غير النظاميين. إلا أنه لم تتحقق أية خطوات في هذا الاتجاه.
إلا أن السياسة الأكثر صرامة، كانت من الولايات المتحدة؛ حيث استبعد قانون الرعاية الميسرة المهاجرين غير النظاميين من الأهلية للتغطية الصحية مما جعل 7.1 مليون غير نظامي خارج نطاق التغطية الصحية. مع العلم أن الكثير من المهاجرين من دول أمريكا الجنوبية والوسطى يعانون من أمراض مزمنة تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا.
تنبغي الإشارة أيضًا إلى أن الكثير من قوانين الدول المستقبلة لا تجرم فعل الهجرة غير النظامية، بل تجرم عمليات التهريب وبالتالي المهربين القائمين عليها. لذا، تجد بعض الدول غضاضة في التعامل مع المهاجرين كخارقين للقوانين التي يجهلها الكثير منهم. في الوقت نفسه، بدأت تظهر على السطح مدى امتداد شبكات التهريب التي تتسع أحيانًا لتشمل بعض سلطات إنفاذ القانون في الدول المستقبلة خاصة في شمال المتوسط، مع محاولة العديد من الدول الأوروبية دعم دول جنوب المتوسط لضبط عمليات التهريب ومكافحتها. وعلى الرغم من نجاح هذه الجهود في العديد من الحالات، إلا أن استمرار النزاعات وغياب دولة القانون في العديد من المناطق واتساع نطاق عمليات التهريب وتشكيلها لاقتصاد بديل، لا يدل على انتهاء الظاهرة في القريب العاجل.
الهجرة المستمرة
لا تمثل الهجرة غير النظامية في حد ذاتها أزمة، إلا أن التعامل معها باعتبارها مسألة أمنية يجعل منها قضية تستعصي عن أي حل. لذا ما زالت التنمية المتوازنة والمرتكزة على رفع كفاءة العامل البشري هي الحل الأمثل للتعامل مع الظاهرة. وفي دول العالم النامي، أصبحت الهجرة والعبور الحدود بكافة الأشكال النظامية وغير النظامية والشرعية وغير الشرعية هو السبيل الوحيد للاستجابة لتردي الأوضاع المعيشية وبناء مستقبل أفضل خاصة بالنسبة للشباب. وبقدر ما مثل هذا ضغطًا على بعض الدول خاصة في الشمال، بقدر ما أصبح سببًا رئيسًا لهجرة العقول والأيدي العاملة وإعادة تشكيل المجتمعات المحلية في دول الجنوب. هذا بصرف النظر عن الجوانب الإجرامية والاقتصادية التي أصبحت تلازم الهجرة غير النظامية.
عليه، ينبغي للدول المعنية بناء سياسات تعمل على ضمان استقرار المواطنين في موطنهم الأصلي. كما يجب عليها تعزيز السياسات التي تشجع مشاركة الشباب في الاقتصاد؛ من خلال تدريب واستغلال المهارات مثل توفير الحرف وروح ريادة الأعمال؛ وأيضًا توفير قروض بشكل يضمن استمرار الاعمال وخلق وظائف. هذا فضلاً عن ضرورة الاهتمام بالتعليم التعليم.
في الوقت نفسه، من الضروري للدول المستقبلة والمصدرة للهجرة غير النظامية على السواء أن تحصر استخدام الحل الأمني في تجريم ومكافحة عمليات التهريب ومهربي البشر لا المهاجرين. لقد نجحت مصر في الآونة الأخيرة في إطار سياسة إقليمية موسعة من الحد من عمليات الاتجار بالبشر بشكل كبير. كما أطلقت مبادرات لإنقاذ المهاجرين غير النظاميين مثل مبادرة “قوارب النجاة” فضلاً عن تأمين حدودها خاصة مع ليبيا. في الوقت نفسه، ما زال الاتحاد الأوروبي -حتى الان- لم يتبن استراتيجية موحدة في التعامل مع المهاجرين، وهي القضية التي أصبحت مثار للانقسام السياسي داخل الاتحاد.