منذ عام 2013، دخل تنظيم الإخوان المسلمين في سلسة من الأزمات متعددة المستويات ([1]) قانونية،تنظيمية، فكرية، سياسية- محلياً وإقليمياً ودولياً. حيث ساهمت هذه الأزمات في إحداث عملية انكشاف لبنية التنظيم. ليظل السؤال عن حقيقة أوضاع التّنظيم من الداخل وفاعليته خاصة في ظل الانقسام الهيكلي الذي يُعانيه منذ 2013. وتداعيات ذلك على أوضاع قواعده.
كيف يبدو الهيكل التنظيمي للإخوان المسلمين منذ عام 2013؟
شكّل بَيان عزل محمد مرسي في الثالث من يوليو 2013 بداية ملامح مرحلة الصدمة الأولى للتنظيم والتي دفعت نحو انقسام داخلي أنتج جبهتين مُستقلتين. في اللحظات الأولى التالية للبيان ، كان التفكير في خطط لمُواجهة الحدث عبر قيام التنظيم بالدفع بالحُشود إلى الشّارع من أجل الضّغط السّياسي على قِيادة المَشهد قَيد التّشكل.
تركّزت نقاط الضّغط الرّمزية على مَيداني رابعة العدوية والنهضة حيث يتزايد أعداد المعتصمين. دار تفكير قيادة الجماعة حينئذ حول أمرين متداخلين؛ الأول متعلق بسبل الحفاظ على التنظيم في حال قيام الأمن بفض الاعتصام . ليكون قرار “مجلس شورى الجماعة” بإنشاء لجنة لـ”إدارة اﻷزمة”. والثاني يتعلق بالمسار الأمثل فيما وصفوه بمُقاومة المشهد السياسي الجديد: “السّلمية” أم “العُنف”؟.
وفي ظل غَضب القواعد من إدارة القيادات القديمة للصراع. تبدأ التّمايزات الجّيلية تَظهر بسبب الاختلاف حول طريقة الإدارة وسُبل الرّد . وكمحاولة لإحتواء ذلك الغَضب أُجريت إنتخابات داخليّة في فبراير 2014 خلصت إلى:
- الإبقاء على مرشد الجماعة حينها الذي دخل السجن.
- تعيين قائم بالأعمال وأمين عام ومتحدث رسمي جديدين.
- إنشاء لجنة لإدارة الأزمة ومكتب فني إداري لإدارة شئون الإخوان المسلمين المصريين في الخارج.
- إقرار “العمل النّوعي من مجلس شُورى الإخوان عام 2014 وتشكيل ما وصف بلجنة شرعيّة- لضبطه، وهو ما أقره أعضاء مكتب الإرشاد الموجودين في مصر حينئذ، ومنهم محمود عزت والذي تراجع بعد ذلك عن موقفه بعد القبض على أعضاء مكتب الإرشاد وإقصاء محمد كمال رئيس اللجنة العليا لإدارة الداخل المستقيل من قيادة اللجنة الأولى“([2])
ما هي ملامح الصراع داخل تنظيم الإخوان المسلمين خلال عام 2015 ؟
مع مُحاولة تَسيير التنظيم كانت الخلافات الدّاخلية([3]) بين دوائر القيادة العُليا بالتنظيم تتراكم ويتزايد وتيرتها في الخفاء قبل أن يخرج الصراع إلى العلن مُنذ مارس 2015 حول من يقود التّنظيم؟ وأيّ مَسار مُقاوم هو الأمثل للجماعة؟ ليترجم ذلك إلى وجود فريقين؛
- الفريق الأول هو: تيار محمد كمال([4]) والذي تولى اللجنة الإدارية الأولى واستقال منها، ثم أُبعد من اللجنة الثانية، وتولى هندسة العمل النوعي بالجماعة في ظل تنامي دوافع ممارسة العنف ، ليُعرف هذا التّيار لاحقًا باسم “المكتب العام”.
- الفريق الثاني : لجنة لإدارة شئون الإخوان المسلمين المصريين في الخارج ويقودها محمد عبد الرحمن المدعوم من محمود عزت. ويمثل الجيل القديم ويدعي التمسك بالسلمية.
وكمحاولة للإصلاح وتجاوز ذلك الانقسام تم طرح فكرة إجراء انتخابات لتستمر الخلافات بسبب الكيفية التي ستتم بها، حيث رأى التيار الأول أن تكون شاملة، وأراد التيار الثاني أن تكون تكميلية. ومع إصرار كل طرف على رأيه يُصبح هناك عمليّا كيانين تنظيميين مُتوازيين، لكل منهما قيادةً وموقعًا إليكترونيّا ومُتحدثًا رسميًّا باسمه([5]) حيث “لا أحد يملُك أن يُقيل أحد من الطرف الآخر”([6]).
ما هي أوضاع تنظيم الإخوان في الداخل والخارج على مستوى الأفراد؟
إخوان الداخل
على الجانب المقابل لصراع القيادة كان الصراع يمتد بالتبعية إلى القواعد والتي انقسمت بين الجبهتين. سعت القيادة التاريخية إلى التّمييز المالي تجاه أنصار المكتب العام كأداة ضغط لإعادتهم إلى طاعتهم، لكنها عمليا لم تستطع ضبط مسار التمويل الداخلي. ومع طول الصراع واستراتيجيات الأمن المصري في اختراق شبكات الشباب النشط وتفكيك خلايا العنف انتقل الثّقل التّنظيمي لغالب القواعد في الوقت الراهن لصالح المكتب القديم، في ظل عدم قدرة المكتب العام -جبهة محمد كمال- على حسم الصراع مع الدولة المصرية. وغَذّى ذلك تحكمه في غالب القاعدة الصلبة من الإخوان تنظيمياً سواء في مصر أو خارج مصر – حيث الإدارة الفعلية لشئون التنظيم للقيادات المُقيمة بالخارج ليستمر الدعم المالي والقانوني للقواعد الداخلية إلى حد كبير منتظم.
إخوان الخارج
أما إخوان الخارج فتختلف النظرة نسبيا إلى أوضاعهم، حيث يعيشون وفق تراتبيات “طبقية” أنتجت اختلاف الأوضاع المعيشية من فرد لآخر ، حيث تتناسب مُستويات الدعم المقدمة للأفراد طرديًّا مع عِدّة مُحددات أبرزها:
- موقفهم من طرفي الصّراع الإداري، فأولوية الدعم يكون لأنصار القيادة القَديمة ولا يوجد دعم للمناهضين.
- مدى قربهم من القيادة أو من الدوائر المقربة لهذه القيادة، وهذا خلق شلل أو لوبيات داخلية حول بعض مراكز الثقل ما حال دون توافر دعم مماثل لكثيرين من خارج تلك الشلة.
وفيما يتعلق بموقع المُخالفين للقيادة التاريخية من المقيمين بالخارج – وفق شهادات داخلية([7]) – نجد أن “دعم التنظيم لا يتخطى أعضائه؛ فالقنوات التنظيمية للمنتظمين في الإخوان ولا تمتد لغيرهم، فمصلحة التنظيم على حساب الأفراد، عكس التنظيمات الفرعية كالمكتب العام فالمصالح الفردية هي المسيطرة على حساب التنظيم”.
كيف يختلس الإخوان المسلمين أموال بعضهم البعض؟
على الرغم من طول عمر التنظيم وتعدد مصادر تمويله ما بين الإشتراكات الشهرية، الهبات والتبرعات، عوائد إستثمار أمواله. إلا أن السّياقات السياسية لوجود التنظيم في مختلف الدول ساهمت في غياب الرؤية الاستراتيجية تجاه تنظيم أموال الجماعة والرقابة عليها والسبل الأمثل لإستثمارها. لذا كان ولا يزال استثمار أموال الجماعة أن تكون في مجالات استهلاكية سريعة الدوران، والتي تتم بالدرجة الأولى وفقًا لشبكة علاقاتهم الشخصية بمن يدعمها. وبناء على ذلك تكون الشراكات مع شبكات متعددة المستويات من رجال الأعمال من المقربين للجماعة.
وهذا أدى إلى أن كل مشروعات التنظيم في الداخل والخارج بأسماء أفراد يُوكل لهم الأمر دون رقابة حقيقية من التنظيم ، والتي تكتفي بثقة القيادات فيهم وسيرتهم الشخصية الطيبة وضميرهم. وهذا ما يُعرضها للكثير من الاختلاسات وضياع أموال عبر عقود، ولم يتغير شيء فيما يتعلق بالرقابة على هذه الأموال إلى الوقت الراهن. ويتبتدى واقعتي حديثتين؛
- الأولى: قيام رجل أعمال يمنى بالنصب على إخوان لندن فى مبلغ 2 مليار جنيه من أموال مكاتب إدارية للإخوان والتي تُركت لديه كاستثمارات على أن يصرف من ريعها شهريا على ملفات الدعم([8]).
- الثانية: التسريب المنسوب للقيادي د. أمير بسام عضو مجس الشعب السابق والذي تحدث فيه عن استيلاء القيادات على أموال الجماعة، وأموال التبرعات، لتشتري بها عقارات وشققا سكنية فخمة في تركيا وبلاد أخرى بأسمائهم وأسماء أبنائهم([9]) .
وبالتالي، فإننا أمام حالة استقر فيها العنف كأحد أهم الأدوات التي أقرها التنظيم لإدارة أزمته وتحقيق بعض المكاسب. كما أنه بات جلياً أن تفسخ التنظيم إلى تيارين إنما يتجاوز الخلافات الفكرية بما تعنيه كلمة فكر نحو خلافات على أي مستوى من مستويات العنف يتم اللجوء له. وخلافات حول المصالح الشخصية سواء على مستوى المناصب أو تحصيل مكاسب مالية، عوضاَ عن تفشي مبدأ”الشللية” داخل التنظيم على عكس ما تؤكده أدبيات التنظيم التقليدية بأن جماعة الإخوان المسلمين على قلب رجل واحد، وعكس ما كتبه حسن البنا في رسائله بأن “دعوة الإخوان المسلمين دعوة بيضاء نقية غير ملونة”.
مراجع
[1]–الحكومة تعلن «الإخوان» جماعة إرهابية، (المصري اليوم، 24 ديسمبر 2013)، على الرابط التالي: http://goo.gl/mGd6J4، لتلغي محكمة انقض في سبتمبر 2015 هذا القرار حيث أشارت حيثيات الحكم إن قرار النائب العام الراحل، هشام بركات، الذي اتخذ شخصيًا قرار اﻹدراج مخالفًا اﻹجراءات المنصوص عليها في قانون الكيانات اﻹرهابية، والذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي، انظر: (النقض المصرية: قرار اعتبار الإخوان إرهابيين لاغ وباطل انظر: “قانون الكيانات الإرهابية”في مصر… تعديلان في 5 سنوات، (الشرق الأوسط، 29 يناير 2020)، على الرابط التالي: https://cutt.us/Y9nqb
[2] – قيادي إخواني يعترف بتشكيل اللجان النوعية عام 2014 ، بوابة فيتو، 5 يونيو 2016 ، على الرابط التالي:https://cutt.us/LRpeg
[3] – في المسارات التفصيلية لتلك المرحلة انظر: أحمد زغلول شلاطة، الإسلاميون في السلطة: تجربة الإخوان المسلمين في مصر،( بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2017)، ص 145:154
[4]– استقال كمال في 10 مايو 2016 وقتل في اشتابك مع الأمن في 3 أكتوبر 2016.
-[5]تم تدشين موقع http://ikhwan.site للتعبير عن القيادات القديمة قبل تمكنها من استعادة الموقع الأصلي http://ikhwanonline.com -من معارضيها – المتحدث الرسمي لها طلعت فهمي، مقابل موقع http://ikhwanonline.info للقيادات الجديدة والمتحدث لها محمد منتصر والذي قدم استقالته للمجلس الجديد في 20 ديسمبر 2016 ليخلفه عباس قباري .
[6]– شهادة القيادي بالجماعة د. أشرف عبد الغفار ( صفحته الشخصية على موقعالتواصل الاجتماعي الفيسبوك، 19ديسمبر 2016، على الرابط التالي: https://cutt.us/kP7Sa .
[7]– مقابلة بحثية مع أحد الشباب بتركيا يتحفظ على ذكر اسمه، فبراير 2020.
[8]– أحمد عرفة، فضيحة داخل الإخوان: سرقة 2 مليار جنيه من اشتراكات إخوان الخارج، (اليوم السابع، 15 فبراير 2017 )،على الرابط التالي: https://goo.gl/LinQcy
[9] – أشرف عبد الحميد، تسجيل صوتي مسرب يكشف فضائح قيادات إخوان مصر في تركيا، (موقع العربية، 24 يوليو 2019)، على الرابط التالي:https://cutt.us/U8TMT