أثار فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية قلقاً متزايداً في أوساط الحلفاء الأوروبيين بشأن مستقبل حلف الناتو، خاصة فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي ودعم أوكرانيا.
وفي الوقت الذي سارع فيه قادة الاتحاد الأوروبي لتهنئة ترامب وإبداء استعدادهم للعمل معه، أكدوا حرصهم على حماية المصالح الأوروبية.
وكان ترامب قد وجه انتقادات متكررة للحلف، معتبرا أن الولايات المتحدة تساهم بنصيب أكبر من الميزانية مقارنة بالأعضاء الأوروبيين.
ويشير مارك روته، الأمين العام للحلف، إلى التحديات المتعددة التي تواجه الناتو، بما فيها التنافس الاستراتيجي مع الصين والتقارب المتزايد بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران. وأشار إلى أن 23 من أصل 32 دولة عضو في الحلف ستحقق هدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
وتواجه أوروبا تحديا في الحفاظ على مستوى الدعم لأوكرانيا، خاصة في ظل انتقادات ترامب المتكررة لحجم المساعدات الأمريكية لكييف.
وتشير دراسة لجامعة كيل الألمانية إلى أن قيمة الأسلحة المقدمة لأوكرانيا قد تنخفض من 59 مليار يورو إلى 34 مليار يورو في حال توقف المساعدات الأمريكية.
قلق أوروبي من عودة ترامب
ترامب المعروف بنفوره من النظام متعدد الأطراف، وعودته إلى البيت الأبيض تشكّل كابوساً للمسؤولين والدبلوماسيين في بروكسل، حيث كان يخشى هؤلاء من أن يتجاهل الميلياردير المزاجي توسع قوات فلاديمير بوتين، ويفرض تعريفات جمركية عشوائية على كل الواردات الممكنة، ويتخلى مجدداً عن اتفاقية باريس للمناخ.
من جهتها، كانت المفوضية الأوروبية قد أنشأت فريق عمل خاص للاستعداد للسيناريوهات المحتملة بعد 5 نوفمبر.
إذ قال متحدث باسم المفوضية: “دورنا هو أن نكون مستعدين لأي نتيجة تتمخّض عنها الانتخابات الأمريكية”.
هل يستطيع الأوروبيون ملء الفجوات؟
قال ستيفن بلوكمانز إن المساعدات الأمريكية لأوكرانيا كانت حاسمة، وأشار الزميل البارز في مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل إلى أن الأوروبيين لا يستطيعون تعويض هذا الدعم.
“وعلى الرغم من كل الحديث في أوروبا حول خلق المزيد من الاستقلال الاستراتيجي”، كما يقول بلوكمانز، “في الواقع، فإن الاعتماد على الولايات المتحدة قد نما – سواء من حيث الأمن أو التجارة”.
ومن المؤكد أن الحرب التجارية المحتملة مع الولايات المتحدة تشكل مصدر قلق آخر للأوروبيين، نظرا لأن ترامب هدد خلال حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية على جميع السلع المستوردة من الخارج.
دعوات لمزيد من السيادة الأوروبية
لكن هل يمكن لنتيجة الانتخابات الأمريكية أن تسرع من الجهود الرامية إلى تعزيز استقلالية الاتحاد الأوروبي ووحدته؟ يبدو أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتقد ذلك بكل تأكيد. ففي أعقاب الانتخابات الأميركية، قال ماكرون إنه والمستشار الألماني أولاف شولتز يريدان “العمل من أجل أوروبا أكثر اتحادا وقوة وسيادة في هذا السياق الجديد”.
ويبدو أن العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي يتفقون مع هذا الرأي، فقد قال سفين ميكسر، وزير الخارجية الإستوني السابق والنائب الأوروبي الحالي،: “يتعين علينا أن نستثمر حقاً في القدرة التنافسية الأوروبية، والسيادة الصناعية والتكنولوجية لأوروبا. ويتعين علينا أن نتعامل بجدية حقاً”.
زعماء شعبويون في أوروبا
ولكن الخبراء ما زالوا متشككين، يقول إيان ليسر من صندوق مارشال الألماني: “إن الحديث عن الاستقلال الاستراتيجي بمعنى طموح أمر مختلف تماما عن تنفيذه عمليا. فهو يتضمن إعادة بناء القدرة الدفاعية الأوروبية بطريقة قد تستغرق سنوات عديدة”.
وتأتي المناقشة الجديدة حول المزيد من السيادة الأوروبية في وقت تكافح فيه القارة مع التقلبات الاقتصادية، وتراجع القدرة التنافسية، وفوق كل ذلك صعود القومية اليمينية.
وليس من المستغرب أن الأحزاب القومية الشعبوية في القارة، التي اكتسبت قوة بفضل الانتخابات الأوروبية والوطنية الأخيرة، لا ترى حاجة إلى مزيد من الحكم الذاتي.
ربما لم يكن فوز ترامب صادما لأوروبا. ولكن كما أشار ستيفن بلوكمانز، فإن هذا لا يعني أن “الفترة لن تكون فوضوية”.