منذ يناير 2023 يخرج آلاف الإسرائيليين، السبت من كل أسبوع، في تل أبيب ومدن أخرى، ضد خطة الإصلاح القضائي التي وضعتها حكومة بنيامين نتنياهو.
وتسببت خطة نتنياهو في انقسام الإسرائيليين وأثارت واحدة من أكبر حركات الاحتجاج في تاريخ البلاد منذ أن كشف الائتلاف الحاكم الذي يضم أحزابا يمينية متطرفة ودينية متشددة، النقاب عنها في يناير.
وتسعى حكومة نتنياهو إلى إجراء تعديلات جذرية على الأنظمة القانونية والقضائية لتقضي بشكل كامل تقريبا على سلطة المحكمة العليا للمراجعة القضائية.
كما تسعى إلى منح الحكومة أغلبية تلقائية في لجنة اختيار القضاة، الأمر الذي تراه شريحة واسعة من الإسرائيليين استهدافا للديمقراطية وتقويضا لمنظومة القضاء.
التعديلات القضائية المطروحة
ينص مشروع القانون المطروح على الهيئة العامة للمناقشة على الحد من صلاحيات المحكمة العليا بشأن قرارات تتخذها الحكومة ووزراؤها لا سيما المتعلقة منها بالتعيينات، إذ يحق للمحكمة، بموجب القانون الحالي، التدخل في هذه القرارات بل وإلغاؤها في حال ارتأت أنها لا تستند لقرار راجح ومعقول، من هنا جاءت تسمية مشروع القانون بحجة المعقولية.
ويقضي اقتراح القانون الجديد بتحديد أنه لن يكون بإمكان أي سلطة قضائية النظر في مسألة “معقولية” قرار للحكومة تم اتخاذه ضمن هيئتها العامة، وكذلك أي قرار لرئيس الحكومة أو لوزير آخر ولن يتم إصدار قرار بموضوع معقولية القرار.
ويرى أنصار التعديلات أنها ستعيد التوازن بين السلطات، لكن المعارضين يقولون إنها تعصف بالمبدأ الحيوي للتوازن بين السلطات والرقابة فيما بينها.
إقالة وزير الدفاع وتجميد المشروع مؤقتا
وفي 26 مارس 2023 تمت إقالة وزير الدفاع يواف غالانت بعد دعوته إلى تجميد مشروع القانون بعد أن قام نتنياهو باستدعاؤه وأبلغه أنه فقد الثقة به بعد أن عمل ضد الحكومة وأعلن رفضه للقانون.
وفجرت الخطوة احتجاجات واسعة النطاق في تل أبيب والقدس وحيفا وغيرها من المدن، واشتعلت التظاهرات حتى وصلت إلى منزل نتنياهو، واخترقت الحواجز الأمنية في محيط المنزل مما أدي الى اشتباكات عنيفة مع الأمن.
وخرجت دعوات لإضراب شامل في القطاعات الاقتصادية الاسرائيلية إضافة لتوجه بعض القوى الحزبة لإعلان إضراب عن الطعام أمام مكتب نتنياهو.
وحينها اضطر نتنياهو إلى إرجاء إقرار قانون الإصلاحات القضائية حتى دورة الكنيست المقبلة.
غير أنه ما أن أعاد طرح مشروع القانون للتصويت بالكنسيت حتى اشتعلت الاحتجاجات من جديدة، بل وأخذت شكلا أكثر عنفا.
وأقر الكنيست في يونيو أول بند رئيسي في حزمة الإصلاح القضائي، ويترقب الشارع المشهد مع استئناف الكنيست عمله في أكتوبر، حيث سيكون مشروع القانون على رأس أولوياته.
الجيش على خط الأزمة لأول مرة
المثير في الأزمة هو دخول الجيش، الذي ظل بعيدا عن التجاذبات السياسية، على الخط، منذ إقالة وزير الدفاع في مارس، حيث تصاعدت إعلانات ضباط وجنود الاحتياط من مختلف الأجهزة الأمنية برفض الخدمات حال إقرار مشروع القانون.
ووقع 1855 عنصر احتياط في شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي “أمان”، من ضمنهم 951 ضابطا وعنصرا نشطا في الخدمة، رسالة موجهة إلى رئيس “أمان”، أهارون حاليفا، أعلنوا فيها تعليق خدمتهم العسكرية.
كما بعث 1142 ضابطا وجنديا نشطا في قوات الاحتياط التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، رسالة إلى أعضاء الكنيست ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقائد سلاح الجو، قالوا فيها إن “التشريع الذي يسمح للحكم بالعمل بشكل غير معقول وبصورة متطرفة سيقود بأسف عميق وبلا خيار إلى تعليق التطوع في الاحتياط”.
ومن بين الموقعين على الرسالة 422 طيارا نشطا، و173 مشغل طائرات بدون طيار، 124 مراقب طيران، 167 من عناصر مقر عمليات سلاح الجو و669 من جنود وضباط الاحتياط في وحدة الكوماندوز “شلداغ”.
كما أعلن 50 شرطيا التوقف عن الخدمة رفضا لخطة “إصلاح القضاء” التي تمضي الحكومة في تنفيذها.
وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها عناصر في الشرطة تجميد تطوعهم، رفضا للخطة، بعدما اقتصر الأمر على الجيش.
لم يتوقف الأمرعند قوات الاحتياط بالجيش وعناصر الشرطة، لكنه امتد إلى القطاع الطبي كذلك حيث هدد أكثر من 500 طبيب إسرائيلي بمغادرة البلاد، احتجاجا على خطة حكومة بنيامين نتنياهو لتمرير التعديلات القضائية.
بغض النظر عن الرابح والخاسر في معركة التعديلات القضائية التي وضعتها الحكومة اليمينية في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، لكنها عمقت أزمة الانقسام في المجتمع على نحو غير مسبوق، بكل تأكيد ستنتهي الأزمة وسيبقى الانقسام الذي كشفت عنه بشكل جلي.