عند وصول الرئيس النيجري محمد بازوم إلى سدة الحكم في أبريل عام 2021، كان حدثا استثنائيا وتاريخيا بنجاح مرشح ينتمي إلى أقلية في بلد قبائلي، عبر انتخابات حرة ونزيهة.
وأصبح بازوم بذلك أول رئيس من أصول عربية يحكم البلاد، حيث ينتسب لعشيرة الميايسة من قبيلة أولاد سليمان العربية القادمة من ليبيا، وتعود لقبائل بني سليم من الجزيرة العربية.
وينتمي بازوم إلى عرب ديفا، وهو الاسم الذي يطلَق على قبائل البدو التي تعيش في شرق النيجر، ويمثل عرب ديفا نسبة لا تتجاوز 1.5 % من سكان البلاد البالغ تعدادهم نحو 24 مليون نسمة.
غير أن الديمقراطية عادت لتخسر ما ربحته في يوليو 2023 بانقلاب على الرئيس، أرجعه الكثير من المراقبين إلى عدم قبول الجيش لرئيس من الأقليات لتنتصر القبيلة على الديمقراطية في مشهد متكرر بالقارة السمراء.
تلك القارة التي ما أن تخطو خطوة نحو الديمقراطية حتى تتراجع خطوات وكأن المستقبل يرفض المضي قدما بها، فالعقد الأخير شهد عودة قوية لظاهرة الانقلابات في القارة السمراء.
ورغم أن حدة الانقلابات العسكرية تراجعت في القارة، بداية الألفية الحالية، إلا أن العقد الأخير، شهد عودة قويّة للظاهرة، إذ تشير التقديرات إلى أن العامين الماضيين، شهدا وقوع 6 انقلابات عسكرية، إضافة إلى الانقلاب الذي شهدته النيجر.
وتطرح الظاهرة معضلة فشل القارة في وقف الانقلابات والاستسلام للقبلية أمام الديمقراطية، ووصل عدد محاولات الانقلاب الفاشلة والناجحة إلى 205 منذ بدء استقلال البلدان الأفريقية، عن الاستعّمار الأوروبي، نهاية خمسينيات القرّن الماضي.
فبعد مالي وبوركينا فاسو، أصبحت النيجر ثالث دولة من بلدان الساحل تشهد انقلابا منذ 2020.
تاريخ الانقلابات في النيجر
وشهدت النيجر عدة انقلابات عسكرية في سجلها وهي:
1. انقلاب عام 1974: قاده العميد سيدو مامادو، الذي أطاح بالرئيس هامان جمعة.
2. انقلاب عام 1996: قاده الجنرال إبراهيم بريما، الذي أطاح بالرئيس محمدو تانجا.
3. انقلاب عام 1999: قاده الجنرال دجيبري سالي، الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بريما.
4. انقلاب عام 2010: قاده العقيد سالو، الذي أطاح بالرئيس مامادو تانجا.
5. انقلاب عام 2021: قاده الجيش النيجري، الذي أطاح بالرئيس محمدو إيسوفو.
أسباب كثرة الانقلابات في النيجر
تختلف أسباب الانقلابات التي شهدتها النيجر على مر السنين، ولكن من بين الأسباب الرئيسية التي يمكن الإشارة إليها:
1. الفساد والإدارة السيئة: شهدت النيجر تراكما لمشاكل الفساد وسوء الإدارة وقلة الشفافية في الحكم، مما أثر على الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
2. الانتهاكات الحقوقية والاجتماعية: تعاني النيجر من انتهاكات حقوق الإنسان وقلة الحريات الأساسية، بالإضافة إلى مشاكل اجتماعية مثل الفقر والبطالة وسوء الخدمات العامة.
3. الصراعات العرقية والقبلية: تشهد النيجر صراعات عرقية وقبلية بين مجموعات مختلفة، مما يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية والاضطرابات السياسية.
4. الصراعات في دول الجوار: يتأثر النيجر بالصراعات والاضطرابات في دول الجوار مثل ليبيا ومالي، مما يؤثر على الأمن والاستقرار السياسي في البلاد.
5. الصعوبات الاقتصادية: تعاني النيجر من صعوبات اقتصادية وتحديات التنمية المستدامة، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
ماذا ينتظر النيجر؟
توجد عدة خطوات يمكن للجهات الدولية اتخاذها لدعم الديمقراطية والحكم الرشيد في النيجر، ومن بين هذه الخطوات:
1. التحرك الدبلوماسي: يمكن للجهات الدولية التحرك بشكل دبلوماسي لاستنكار الانقلاب والضغط على الجيش النيجري لإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم وجميع المعتقلين والعودة إلى الديمقراطية.
2. فرض عقوبات: يمكن للجهات الدولية فرض عقوبات على الجيش النيجري والمسؤولين العسكريين والمدنيين المشاركين في الانقلاب، بما في ذلك العقوبات المالية والتجارية والسفر.
3. الدعم المالي والاقتصادي: يمكن للجهات الدولية تقديم الدعم المالي والاقتصادي للنيجر لتمكينه من تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد.
4. تعزيز المجتمع المدني: يمكن للجهات الدولية دعم المجتمع المدني في النيجر، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والصحفيين والناشطين الحقوقيين، من خلال توفير التدريب والموارد والدعم المالي والتقني.
5. تحسين الأمن: يمكن للجهات الدولية تقديم الدعم الأمني للنيجر، بما في ذلك التدريب والتجهيز والمساعدة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وتعزيز الأمن الحدودي.
6. التحرك على المستوى الإقليمي والدولي: يمكن التحرك على المستويين الإقليمي والدولي، بما في ذلك العمل مع المنظمات الإقليمية والدولية مثل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في النيجر.