مثّلت تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بخصوص ضرورة إجراء مصالحة بين المعارضة والنظام السوري، في دمشق، انعطافة لافتة بشأن الموقف التركي الذي يحمل، ربما، مقاربة جديدة تجاه الأزمة السورية، لا سيما أنّ أنقرة انخرطت في أحداثها، منذ عام 2011. وقد عمدت، على نحو مباشر، إلى تقديم الدعم السياسي والعسكري للمعارضة، بينما تخضع عدة مناطق في الشمال السوري لسيطرة ونفوذ القوات التركية، وكذا فصائل مسلحة موالية لها تعرف بـ”الجيش الوطني السوري”.
وفي الفترة بين عامي 2016 و2019، نفذت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية في شمال سوريا (درع الفرات- نبع السلام- غصن الزيتون)، بحجّة مواجهة “وحدات حماية الشعب” الكردية، وتصفية التهديدات الكردية على حدود تركيا الجنوبية مع سوريا، والممثلة في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الأمر الذي نجم عنه احتلال أجزاء واسعة من الشمال السوري.
ما هي تحديات هذا التقارب المحتمل؟
ثمّة تحديات متفاوتة تواجه مطالب تركيا بشأن عقد مصالحة بين النظام وقوى المعارضة. فهناك شروط من الحكومة السورية لجهة إجراء مفاوضات مع تركيا، أهمها الانسحاب من المناطق التي تحتلها القوات التركية والفصائل العسكرية والمسلحة التابعة لها، ثم إنهاء أيّ دعم تقدمه أنقرة للمعارضة المسلحة وتحديداً في إدلب وريفها.
كما أنّ تركيا، هي الأخرى، لها شرط أساسي للانخراط في حوار مع دمشق، يتمثل في استعادة النظام سيطرته على مناطق الإدارة الذاتية، أو بالأحرى فرض سيطرة بالتحديد على الحدود الجنوبية لتركيا المتواجدة فيها قوات سوريا الديمقرطية (قسد). مع الوضع في الاعتبار أنّ الأخيرة تراجعت لأكثر من 30 كيلومتراً عن تلك المناطق، عام 2019، إثر العملية العسكرية التي شنتها تركيا على المنطقة.
ويضاف إلى تلك التحديات، أنّ الخريطة الجيوسياسية في شمال سوريا التي تتقاسمها تركيا وحلفائها المحليين، من جهة، والإدارة الذاتية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، من جهة أخرى، تبدو مع الاختبار الأول الذي جرى إثر التصريحات التركية، مؤخراً، تشكل ممانعة تجاه عودة “الأسد”.
فالحاضنة المجتمعية في تلك المناطق الخاضعة للنفوذ التركي، خرجت في تظاهرات عنيفة في أكثر من ثلاثين منطقة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقره لندن، في مدن منها أعزاز وجرابلس وعفرين والباب، وقد رفعت شعاراً واحداً هو: “لن نصالح”. بل قام المحتجون بحرق العلم التركي وإزالته من عدة أماكن، الأمر الذي نجم عنه احتكاكات عنيفة، منها اعتقال شخصين ضالعين في حرق العلم، حسبما أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.
وفضلاً عن ذلك تمّ “إطلاق الرصاص في الهواء على مائتي شخص من قبل الجيش الوطني السوري (الموالي لتركيا) تجمعوا في جرابلس وذلك بمجرد اقترابهم من قاعدتهم”، وفق ما صرح والي غازي عنتاب، دواو غل، بينما نفى أن يكون الجيش التركي قد أطلق الرصاص على المتظاهرين في جرابلس أو ريف حلب الشرقي.
كما أنّ “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا التي نجحت في هزيمة داعش في الباغوز، عام 2019، بمعاونة قوات التحالف، لن تتنازل عن مكتسباتها السياسية والميدانية بسهولة كما لن ترفع واشنطن غطاء الحماية عنها.
وإثر الاحتجاجات وردود الفعل العنيفة على تصريحات تركيا، قال وزير الخارجية التركي الذي أعلن عن لقاء جمعه بنظيره السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز، في بلغراد، تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إنّ الاتصالات بين البلدين مقتصرة على أجهزة الاستخبارات. وأكد أوغلو على أنّه بالرغم من إلحاح الطرف الروسي على حدوث اتصال قريب الأسد وأردوغان، إلا أنّ ذلك لن يحدث في الأفق القريب.
وقال وزير الخارجية التركي: “من غير الوارد أن يكون هناك أيّ اتصال من هذا النوع. وأردوغان أجاب عن ذلك من قبل. هناك مطالب قديمة وحديثة من قبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتواصل مع النظام السوري، وإجراء اتصال بين أردوغان والأسد، ولكن الرئيس التركي قال إنّ تواصل أجهزة الاستخبارات سيكون مفيداً”.
وعقّب وزير الخارجية التركية على اللقاء الذي جمعه بنظيره السوري، حيث ذكر أنّه كان “حديثاً سريعاً”. وقال: “كان لدي حديث سريع مع المقداد عند الحديث وقوفاً مع بقية الوزراء”. وتابع: “كانت هناك لقاءات في الماضي بين أجهزة استخبارات تركيا والنظام السوري، لكنها انقطعت، والآن جرى استئنافها.. بالنهاية اللقاءات بين أجهزة الاستخبارات تتطرق لمواضيع مهمة”.
وشدد أوغلو على أن بلاده “بالنهاية ليس لها أيّ مخططات في سورية، ولكن إن لم تتوحد سورية فهي مهددة بالتقسيم، وكل الدول الأخرى تقول إنّ وحدات الحماية الكردية هدفها تقسيم البلاد، ولمنع ذلك يجب أن تكون هناك قيادة قوية في البلاد تسيطر على كامل التراب السوري، وهذا ما نقوله دائماً، وبخلاف اللقاء السريع مع الوزير (والذي تمّ وقوفاً)، لم يكن هناك أيّ تواصل مع النظام”.
هل تتقارب تركيا مع الأسد؟
تؤشر العديد من التحركات، ومنها التسريبات (من صحيفة “تركيا” المقربة من النظام)، التي ألمحت إلى وجود استدارة تركية في الملف السوري، إلى أنّ هناك عملية تقارب وشيك بين أنقرة والحكومة السورية. عودة العلاقات بين بلدين يتشارك كل منهما في حدود بطول ٩١٥كم، تبدو منطقية من عدة نواح أمنية وسياسية.
لكن قد لا تتحقق هذه “المصالحة” أو “التوافق” حسب التعبيرات التي استخدمها وزير الخارجية التركي، بشكل فوري ومباشر، حيث تحتاج إلى وقت لترتيب عملية تطبيع العلاقة بين أردوغان والأسد، مع الوضع في الاعتبار أن الحكومة السورية تلتزم الصمت على دعوة تركيا، حتى الآن. فهناك تعقيدات جمّة ترافق إمكانية حدوث تطبيع بين البلدين، منها دعم تركيا المباشر للمعارضة السورية المسلحة، ووجود (تركيا) عسكرياً داخل الأراضي السورية، أي أنّ الأمر لن يكون بالسهولة ذاتها حين قام أردوغان باستعادة قنوات الاتصال السياسية والدبلوماسية، مثلاً، مع الإمارات والسعودية. وفي كافة الأحوال يبدو أنّ هناك تهيئة لهذا التقارب المحتمل.
ويتعيّن النظر إلى أنّ العلاقات بين النظامين السوري والتركي لم تنقطع، بصورة تامة، بينما ظلت تحتفظ بمستوى تعاون بين الأجهزة الأمنية والاستخبارية. وحتى على المستوى الدبلوماسي هناك قنصلية سورية في اسطنبول تباشر عملها. كما أنّه في بداية الحراك العسكري للجيش الحر، المدعوم من تركيا، سلم النظام التركي عدداً من قادة الجيش الحر للنظام في دمشق، كما هو الحال مع المقدم حسين هرموش المنشق عن الجيش السوري والذي جرى اختطافه من داخل الأراضي التركية وفق ما نقلت صحيفة “ذا غارديان” عن منظمة “أواز” المعنية بحقوق الإنسان.
تركيا عمدت إلى الاستفادة بأقصى درجة من دورها (الوظيفي) السياسي والميداني في سوريا. فعلى المستوى السياسي (ابتزاز الغرب والولايات المتحدة بملف اللاجئين السوريين مثلاً، وكذا الاستقطاب الحاد مع المعارضة التركية، واللعب بالورقة السورية انتخابياً). ثم من الناحية الاقتصادية، وجهت وزارة الخارجية السورية، عام 2019، رسالتين إلى رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة قالت فيهما إنّ “نحو ألف معمل في مدينة حلب تعرض للسرقة والنقل إلى تركيا بمعرفة تامة وتسهيل من الحكومة التركية وهو عمل غير مشروع يرقى إلى أفعال القرصنة ومرتبة عمل عدواني يستهدف السوريين في مصادر رزقهم وحياتهم الاقتصادية”.
ورغم أن أنقرة تورطت في تسهيل وصول الآلاف من المقاتلين عبر حدودها للانضمام لتنظيم “داعش” الإرهابي، وفق تقارير أمميّة، وبالتالي، وفرت حماية وملاذات آمنة للعناصر المسلحة والمتشددة على الحدود السورية التركية، إلا أنّ التقارب الوشيك بينها وبين النظام السوري، لن يكون مستحيلاً خاصة في ظل التوقيت الراهن الذي تتوافر فيه شروط اصطفاف جديدة.
لماذات تتقارب تركيا مع الأسد؟
بداية، ثمة مفاعيل سياسية، محلية وإقليمية، تؤثر على موقع الأزمة السورية في سياسات أردوغان المعلنة. إذ لا يمكن اعتبار الفصل الأخير من الموقف التركي نقطة مقطوعة الصلة بالسردية الكلية التي شهدت انزياحات مختلفة وانتقالات مثيرة، بل هي تتمة منطقية لما حدث في أواخر عام 2016 عندما التحق الرئيس التركي بمسار أستانا مع روسيا وإيران، وذلك بالتزامن مع إنهاء أو بالأحرى تصفية معركة حلب واستعادة النظام لها، ومن ثم، تحول خطاب أردوغان في ظل التزامه بـ”خفض التصعيد” من قوله إن “على الأسد أن يرحل” إلى “إنهاء الحرب السورية” دون ثمة إشارة للموقف السابق المرتبط بقرار الأمم المتحدة (2254) والذي يقضي بتدشين حكومة انتقالية ودستور جديد من وجود “الأسد”.
ولذلك، تزامن حديث المصالحة بين المعارضة والنظام السوري في دمشق مع عودة أردوغان من سوتشي بعد لقاء أردوغان (5 آب/أغسطس الجاري)، وقبلها زيارة أردوغان للعاصمة الإيرانية (طهران) ولقاء الأخير نظيره الروسي والمرشد الإيراني علي خامنئي. هذه الزيارة التي لم ينجح فيها أردوغان الحصول على بطاقة خضراء لتنفيذ تهديداته بشأن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا سواء من موسكو أو واشنطن. بل إنّ القوات الروسية أشرفت، للمرة الأولى، على مناورة بالذخيرة الحيّة بين قوات “قسد” وقوات الرئيس السوري. والتقارب بين الأخيرين كان بمثابة رسالة واضحة لأردوغان.
وبموازاة قمة “ثلاثي أستانا” حضر لطهران وزير الخارجية السورية للقاء نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وقد صرح الأول بنبرة هجومية ضد مخططات تركيا، ووصف تدشين منطقة آمنة في سوريا بأنه يضع أنقرة في “موقع الصراع”.
وإلى جانب العوامل الخارجية والإقليمية، هناك عوامل داخلية اضطرت أردوغان للعدول عن حمولاته الأمنية وعسكرة الملفات الخارجية، تحديداً في سوريا. إذ إنّ الرئيس التركي يواجه معضلة حقيقية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) عام 2023، لا سيّما مع المنافسة المحتدمة أمام خصومه السياسيين وحالة الاستقطاب القصوى التي تقودها المعارضة التركية على خلفية أزمة وجود اللاجئين بتركيا. فوجود قرابة ثلاثة ملايين و762 ألف لاجئ سوري، وفق آخر إحصائية رسمية تركية، تحملها المعارضة أسباب تردي الاوضاع الاقتصادية، خاصة أن التضخم قد سجل قفزات هائلة لم يصل لها منذ عقدين (69.97 في المئة)، فضلاً عن السقوط الحر لليرة التركية أمام الدولار. وبالتالي، فإن ملف الازمة السورية برمته يبدو ملحاً وضرورياً في هذا السياق لجهة كسب أصوات الناخبين، وخرق الحواضن التي تشكلها المعارضة.
ولذلك، رجح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية حياتي يازجي أنّ “العلاقات مع دمشق قد تصبح مباشرة وقد يرتفع مستواها… أهم خطوة لحل النزاعات هي الحوار”. واتفق والرأي ذاته رئيس حزب “الحركة القومية” المتشدد والراديكالي، وشريك أردوغان في الائتلاف الحاكم، دولت باهتشيلي. وقال باهتشيلي إن التصريحات “البنّاءة والواقعية لوزير خارجيتنا حول إحلال السلام بين المعارضة السورية ونظام الأسد هي متنفّس قوي للبحث عن حل دائم”.
غير أنّ رئيس حزب المستقبل المعارض والمنشق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، أحمد داوود أوغلو (كان آخر وزير خارجية يزور سوريا عام 2011 وبعدها انقطت كل القنوات السياسية والدبلوماسية)، رفض عودة العلاقات، معتبراً عودة العلاقات بين تركيا ودمشق جاءت بـ”ضغط روسي”. وقال: “إذا ما وضعنا الجانب الأخلاقي بعيداً.. فإنّ هناك 3 شروط لا بد من توفر أحدها.. الشرط الأول هو أن يبدأ النظام فعلياً بعملية مصالحة وسلام داخل البلاد، لكن هذا غير موجود الآن، أمّا الشرط الثاني فهو سيطرة النظام بالقوة على كامل الأراضي السورية وهذا أيضاً غير موجود”. أما الشرط الثالث بحسب داود أوغلو فهو أن “تكون لهجة النظام الرسمية متعاونة مع تركيا وتسعى للتقارب معنا، وهذا أيضاً غير موجود”.
ما هي مواقف دول المنطقة وروسيا والولايات المتحدة وإيران من التقارب المحتمل؟
بالنسبة للموقف العربي والخليجي (في ما عدا قطر)، من المتوقع أن يكون داعماً للتقارب، حتى لو ببطء، نتيجة تأثير الضغوط الغربية والولايات المتحدة، لا سيّما أنّ هناك تحركاً لإعادة سوريا إلى محيطه الإقليمي الحيوي العربي والخليجي، وإبعاد الأسد عن إيران. وحتى روسيا لن تكون رافضة بطبيعة الحال بل داعمة وتقوم بدور الوسيط ضمن سعيّها لإعادة الشرعية للنظام السوري وتعويم “الأسد”.
مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، على تباين سياستها بخصوص الأزمة السورية، تتبدل وتتفاوت وفق المعطيات على الأرض، أو حسب الاتفاقات الجانبية والأحادية. الولايات المتحدة، مثلاً، سوف تمانع حدوث أيّ تهديد لحليفها “قسد” بما يؤدي إلى تراجع مكتسباته السياسية والميدانية في شمال سوريا، ليس لأجل الحقوق التاريخية والسياسية الكردية، وإنّما تحت حجة “محاربة تنظيم الدولة الإسلامية”، حيث تقوم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بإخضاع مقاتلي التنظيم الإرهابي في مخيم الهول والذي يعد معضلة سياسية وأمنية قصوى بالنسبة للغرب والولايات المتحدة. لذلك أيّ تقارب محتمل يضع بعين الاعتبار كل هذه الأمور سالفة الذكر.
الموقف الغربي والأطراف الأوروبية، كما الولايات المتحدة، على ما يبدو، لن يكون منفتحاً على مسألة تعويم الأسد والقبول بالتطبيع مع حكومته. وإثر تصريحات تركيا الأخيرة برزت جملة مواقف تعكس هذا الاتجاه السلبي، حيث قدمت وزارة الخارجية الفرنسية للنيابة العامة بباريس وثائق تخص مجزرة حي التضامن بالعاصمة السورية للتحقيق في ملابساتها. وطالبت بمحاسبة أطراف موالية للنظام في دمشق تقف وراء هذا الحادث الذي يعود لعام 2013.
وشددت على أنّ “النضال ضد الإفلات من العقاب يعد شرطاً أساسياً لتحقيق سلام دائم”، ودعت لمواصلة العمل من أجل محاسبة المجرمين في سورية أمام العدالة.
وطالبت مندوبة حزب “الخضر” الألماني في البرلمان الأوروبي، كاترين لانغنزيبن، المفوضية الأوروبية، وكافة الجهات الفاعلة ذات الصلة إلى عدم تجاهل الوضع الكارثي للشعب السوري.
وذكرت في بيان، الجمعة الماضي، أن سورية ما زالت بلداً “غير آمن”. وفي حال عودة اللاجئين فإنّ مصيرهم سيكون “الاعتقال أو إجبارهم على الخدمة الإلزامية”. وأضافت: “إذا كنّا نريد التطبيع مع نظام الأسد، فيجب أن نكون واضحين بشأن مع من نتعامل. الأسد ليس ديمقراطياً، إنّه ديكتاتور”.
وبعثت زيارة القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي، دان ستوينيسكو إلى مناطق النظام، للمرة الأولى، منذ اندلاع الثورة السورية، بانتقادات لاذعة من جانب الائتلاف الوطني السوري المعارض.
وقال الاتحاد الأوروبي إنّ العودة الأممية لسوريا، مطلع الشهر الحالي، قد جاءت بالاشتراك مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وموضحاً أنّ هذه “الزيارة تترافق مع ازدياد الاحتياجات الإنسانية في سورية بشكل سريع”.
ونفى المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية سامويل وربيرغ، أن يكون أيّ تواصل مع الحكومة السورية بهدف التطبيع إنما “إعادة الصحافي أوستن تايس المختطف لديه”، وأضاف: “ليس لدى الإدارة الأميركية أولوية أهم من إعادة تايس، ويتطلب ذلك أحياناً محادثات مباشرة مع أنظمة لا نتواصل معها عادة. التواصل لا يعني أبداً بأنّه تطبيع مع نظام الأسد أو إشارة إلى إعادة العلاقات معه”.
بالنسبة لإيران فمصالحها محددة، وهي ترى في سوريا ولبنان والعراق عمقها الجيواستراتيجي الذي يحقق لها مصالحها الإقليمية والتي تدعمها الأدبيات الأيدولوجية والسرديات السياسية، وفق ما يعرف بـ”الهلال الشيعي”. كما أنّ تعميق نفوذها الجيوسياسي في تلك المناطق يؤدي لتأمين مصالحها، وتحديداً ما يخص تفاوضها مع الولايات المتحدة وأوروبا حول عدة قضايا، بعضها يتصل بنشاط الحرس الثوري وفيلق القدس خارج حدود طهران، كما هو الحال في اليمن وسوريا، أو ملفها النووي، ناهيك عن تخفيف الضغوط عليها بشأن الملف الحقوقي.
أهداف روسيا على العكس تماماً، فهي لن تتنازل عن سوريا مهما كانت الخسائر، لأن البعد الاستراتيجي لروسيا في الشرق الأوسط برمته يتعلق الآن بسوريا، وهذه ليست رؤية سياسية روسية تكتيكية أو هدف مؤقت، وإنّما هدف استراتيجي سواء في عهد الاتحاد السوفييتي منذ الانتصار في الحرب العالمية الثانية، أو حالياً مع روسيا الاتحادية. لذلك؛ الموقف الروسي ثابت من أيّ تقارب حتى لو كان الطرف الآخر تركيا التي لها علاقات اقتصادية مع موسكو، لكن يبقى الحذر منها كثاني قوة في الناتو على رأس الأولويات لروسيا.
ما هو الموقف من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”
أما بالنسبة للموقف من “قسد” فكل طرف سواء النظام السوري أو تركيا يعتبر قسد مشكلة، فالأخيرة تصفها بـ”الإرهابية” وتعتبرها تمثل “تهديداً لأمنها القومي”، وامتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض صراعا عسكريا ضد تركيا منذ عام 1984. لكن الحضور العسكري والأمني لـ”قسد” وتوليها عدة ملفات أبرزها ملف مقاتلي داعش وعلاقتها مع واشنطن قد يوفر لها دعماً وحماية أمريكية، ولن تخرج خالية الوفاض من أي تسوية في سوريا، لكن ستخفض هذه التطورات من سقف طموحاتها.
بالنسبة للمعارضة السورية، فهي الخاسر الأكبر في هذه العملية على ما يبدو رغم تطمينات تركيا ومحاولة تهدئة غضبهم واستياءهم. وقد أوضح مصدر في المعارضة السورية، المدعومة من أنقرة، أنّ دول “التحالف الدولي للحرب على داعش” تسعى لفك الارتباط العضوي بين أنقرة والمعارضة وذلك في مقابل وعود بتمكينها السياسي والميداني في إدلب وحماة وحلب.
أكد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في تغريدة نشرها عبر حسابه التزام بلاده بدعم المعارضة السورية حتى النهاية، متّهماً “حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب” بدس المؤامرات في المناطق المذكورة، وذلك رداً على ما يبدو على تغريدة لرئيس حزب النصر التركي اليميني المتطرف أوميت أوزداغ الرافض لسياسات احتضان المعارضة والمطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم.
ووفق صحيفة “تركيا”، المقربة من حكومة حزب العدالة والتنمية، الاثنين الماضي، فإنّ الدول الغربية تتخذ خطوات تفضي إلى “الفوضى” في سوريا، على حد تعبيرها، وألمحت إلى أنّ التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي قام بالتواصل مع المعارضة، وبعث لها برسالة مفادها أن أن تركيا سوف تسلمها للنظام السوري.
وقالت الصحيفة نقلاً عن قيادي بالمعارضة (لم تفصح عن هويته) إنّ “دولاً في التحالف قالوا لنا إنّنا سنمنحكم إدلب وحماة وحلب، فيما ستكون درعا والسويداء منطقة حكم ذاتي مشتركة بين السنة والدروز، أما دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس فستكون دولة للعلويين”.
وأوضح القيادي السوري المعارض، أنّ ممثلي التحالف أكدوا أنّه في حال رغبة المعارضة مستقبلاً بالاتحاد مع مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فإنّ الولايات المتحدة وحلفاءها سيقدمون لها كل أنواع الدعم، كما سيقدمون الدعم للحصول على الاعتراف الدولي، لافتاً إلى أنّ فصائل عدة تابعة لـ”الجيش الوطني السوري”، التابع لتركيا، حذرت من الانجرار وراء ما وصفته بـ”ألاعيب المحرضين”، وشددت على أن هذه “التقسيمات مفتعلة”، والهدف منها “خلق الفوضى”.