منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 شهدت العلاقات الروسية مع إسرائيل توتراً متصاعداً، اتخذ عدة ملامح، من بينها التصريحات المعادية المتبادلة بين مسؤولي الدولتين، والانخراط الإسرائيلي المتزايد لدعم أوكرانيا سياسياً ولوجيستياً، والرد الروسي برسائل مباشرة بتقييد حركة الطيران الإسرائيلي في سماء سوريا، وقرار القضاء بإغلاق مكتب الوكالة اليهودية للهجرة، وغير ذلك من القضايا التي سيأتي ذكرها لاحقاً.
ويعود التوتر بشكل كبير إلى تبعات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي ضيقت مساحة المناورة الإسرائيلية في علاقاتها الدولية بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك قضايا تتعلق بالداخل الروسي وتحديداً في مسألة هجرة الكفاءات الروسية اليهودية إلى إسرائيل، وتوطيد العلاقات الروسية الإيرانية، فضلاً عن عامل لا يقل أهميةً وهو وجود معارضي نتنياهو على رأس الحكومة، وحذرهم تجاه العلاقات القوية التي جمعت الأخير بالرئيس بوتين، حتى أنّ هناك مخاوف إسرائيلية من تدخل روسي في الانتخابات التشريعية المبكرة المقبلة لصالح نتنياهو.
بوتين: الصديق الفعلي لإسرائيل
اتسمت العلاقات الروسية الإسرائيلية بالتعاون والتفاهم الواسع في عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ توليه السلطة عام 2000 حتى أشهر قليلة ماضية، وتحديداً بعد نجاح تحالف نفتالي بينيت – يائير لابيد – بيني غانتس في الإطاحة بنتنياهو، بتشكيل حكومة ائتلافية تولى الأول رئاستها منذ 13 يونيو 2021 حتى 30 يونيو 2022، وخلفه حليفه وزير الخارجية السابق، يائير لابيد، بعد الاتفاق على حلّ الكنيست وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في نوفمبر المقبل، لتكون الخامسة خلال أربعة أعوام.
وتأتي روسيا في المركز الثالث من حيث عدد اليهود بعد الولايات المتحدة وإسرائيل، ويُقدر عدد الإسرائيليين من أصول روسية بحوالي مليون نسمة، وأخذ هذا العدد في التزايد بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، بتضاعف معدلات التقديم على طلبات الهجرة إلى إسرائيل، وهو الأمر الذي لم تقبله موسكو، ولهذا جاء قرار المحكمة بإغلاق مكتب الوكالة اليهودية للهجرة (وكالة سخنوت)، لمنع هجرة العقول اليهودية التي تنشط في مجال التكنولوجيا ومجالات أخرى هامة.
وشهدت هذه العلاقات محطات فارقة، نجح الطرفان في توظيفها لتعزيز علاقاتهما، ومنها حرب الشيشان الأولى والثانية، فمن جانبها لم تتخذ إسرائيل موقفاً مندداً بروسيا مثلما فعل الغرب، ومن جانبه استغل بوتين الحرب في توطيد علاقته بإسرائيل، إلى حد تشبيهه لحربه ضد الحركات الجهادية في الشيشان والقوقاز بالإرهاب الذي تواجهه إسرائيل في إشارة إلى حركة حماس، حيث الخلفية الأيديولوجية السنّية بين هذه الحركات، ودفع هذا التفاهم إلى توثيق التعاون في مجال مكافحة الإرهاب بين الطرفين.
وفي محطة أخرى وهي الحرب الروسية على جورجيا (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية)، يذكر الباحث المصري في العلاقات الدولية أحمد دهشان في حديث لمركز “رؤية للدراسات الاستراتيجية” أنّ إسرائيل زودت جورجيا بطائرات مسيرة، ما جعل موسكو تلتفت إلى التطور التكنولوجي لإسرائيل، واتبعت مبدأ “بناء علاقات جيدة معها بدل من حالة النزاع” وهو ما تعزز بتولي بنيامين نتنياهو رئاسة حكومته الأولى عام 2009. وبحسب الباحث المصري انعكس ذلك التفاهم على قرار موسكو بتجميد صفقة تزويد سوريا بمنظومة الدفاع الجوي إس – 300 التي وُقعت عام 2007.
ورغم أنّ التبادل التجاري بين البلدين يظل محدوداً، حيث بلغ 3.8 مليار دولار لعام 2020، إلا أنّ الرقم في حد ذاته يعكس قوة العلاقات بين البلدين؛ إذ تنامي من مليار دولار عام 2005 إلى 3.5 مليار دولار عام 2014، وتتضمن معاملات تجارية في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا والأدوية والمواد الخام، وفي مرات عدة أكدت تصريحات مسؤولي البلدين أنّ حجم العلاقات التجارية المحدود نسبياً لا يعكس العلاقات القوية بين البلدين في المجالات السياسية والأمنية والثقافية والاجتماعية.
وفي خطوة دالة على عمق العلاقات بين البلدين في عهد بوتين ونتنياهو باعت إسرائيل عشر طائرات استطلاع مسيرة إلى روسيا في عام 2015، وهو العام الذي شهد التدخل العسكري الروسي في سوريا، واتفاق الدولتين على حرية العمل الإسرائيلي في سوريا لمواجهة التمدد الإيراني نحو جنوب البلاد، بالقرب من الحدود مع إسرائيل، والتصدي لتزويد إيران بالأسلحة إلى حزب الله، وهو الاتفاق الذي ظل صامداً حتى أشهر قليلة مضت، التي شهدت التوتر بين البلدين على خلفية الحرب في أوكرانيا.
وتلخص تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف عام 2016 قوة العلاقات بين البلدين: “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمتلك علاقات شخصية متينة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وليس من المبالغة القول إن التواصل بين موسكو وتل أبيب بلغ مرحلة غير مسبوقة.” ومن جانب آخر في عام 2003 وصف رئيس وزراء إسرائيل الراحل، أرييل شارون، الذي يجيد اللغة الروسية وشكّل علاقة شخصية وطيدة مع بوتين، الرئيس الروسي بـ “الصديق الفعلي لإسرائيل”.
ومع ذلك حافظت روسيا على علاقة قوية بحركتي الجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، وعلاقات قوية بإيران وحزب الله، ولم تضع شروطاً على واردات السلاح المتقدم إلى دول الشرق الأوسط، مثل مصر، كما تفعل الولايات المتحدة حفاظاً على التفوق النوعي لإسرائيل. ويمكن القول أنّ كلا من روسيا وإسرائيل حققا تعاوناً واسعاً في المساحة المشتركة للتعاون بينهماً، وحافظا على استقلالية في الملفات الخلافية، دون تأثر تعاونهما.
وتبعاً لهذا التفاهم، نجحت الدولتان في إدارة خلافاتهما، كما في قضية الإسرائيلية الأميركية “نعاما يسساخار” المحكوم عليها بالسجن لمدة 7.5 سنوات، بتهمة حيازة مخدرات في روسيا، عام 2019، والتي توصلت موسكو مع تل أبيب إلى اتفاق بمبادلتها مقابل نقل الإشراف على المجمع الروسي بالقدس القديمة إلى “جمعية فلسطين الإمبراطورية الأرثوذكسية الروسية”، إلا أنّ هذا الاتفاق تم التراجع عنه من قبل إسرائيل في مارس 2022، بعد إفراج روسيا عن يسساخار عام 2020، وهي خطوة لا يمكن فصلها عن التضامن مع أوكرانيا، حتى وإن كانت بحكم محكمة إسرائيلية.
توتر العلاقات على خلفية الحرب في أوكرانيا
ومع الغزو الروسي لأوكرانيا انقسمت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية حيال الموقف تجاه روسيا، وصحيح أنّ إسرائيل أدانت الحرب رسمياً، إلا أنّ موقف رئيس الحكومة السابق، نفتالي بينيت اتسم بالهدوء تجاه روسيا، وسعى إلى الوساطة لإنهاء الحرب، وأجرى اتصالات مع الرئيس بوتين، والرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي.
والتقي بينيت مع بوتين في الكرملين، في مارس 2022، وكان على اتصال بزيلينسكي، وعلى العكس من ذلك كان موقف وزير الخارجية آنذاك، ورئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد واضحاً باتخاذ موقف صريح بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا منذ اليوم الأول لانطلاق العمليات العسكرية. وأشرف لابيد بنفسه على تصويت بلاده بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وكان صرح بهذا الموقف قبيل التصويت.
ومع تنازل نفتالي بينيت عن رئاسة الحكومة، وتولي لابيد المنصب، بات الموقف الإسرائيلي الرسمي صريحاً في إدانة روسيا، وتقديم الدعم الإنساني بافتتاح مستشفى ميداني وتنظيم جهود إغاثية في أوكرانيا، فضلاً عن تزويد كييف بمعدات عسكرية غير قتالية مثل خوذ وسترات الجنود.
وبخلاف الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في عام 2014، حيث وجدت إسرائيل مساحةً للمناورة بعدم إدانة موسكو صراحةً، وفي الوقت نفسه عدم تأييدها، لم يبد أمامها هذه المرة مثل هذه المساحة، في وقت يكاد الموقف الغربي وخصوصاً الأمريكي من روسيا أشبه بإعلان “الجهاد المقدس”، حيث يُعتبر الموقف الأمريكي الغربي ضد روسيا على خلفية غزوها أوكرانياً غير مسبوقٍ في تاريخ العلاقات بين البلدين، حتى في أحلك فترات الحرب الباردة.
بوتين – ترامب – نتنياهو
وقبل التطرق إلى الأسباب المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، يطرح الباحث في العلاقات الدولية، أحمد دهشان، تحليلاً لموقف يائير لابيد الذي لم يجر اتصالاً مع الرئيس الروسي منذ توليه رئاسة الحكومة حتى اليوم، وقطاع من الساسة في إسرائيل حول أسباب تشددهم تجاه روسيا.
ويقول: “الموقف الحالي فهمه معقد لأن فيه عناصر داخلية متشابكة؛ حيث الانتخابات الرابعة في إسرائيل، والتي ستنتج أغلبية يمينية كفيلة بتشكيل حكومة أغلبية، ولكن مشكلة اليمين هي نتنياهو ذاته، وهيمنته على حزب الليكود، وهناك نظرة بين العديد من ساسة إسرائيل إلى نتنياهو مثل نظرة الديمقراطيين والجمهوريين المنضبطين إلى دونالد ترامب، ويرون أنّ معركة إسقاط ترامب كانت تشبه معركة إسقاط نتنياهو، وأن الأخير رحل بعد رحيل الأول”.
ويرتبط بالتشابه بين ترامب ونتنياهو “علاقة الأول المثيرة للجدل مع روسيا، وعلاقة نتنياهو القوية مع بوتين، ولهذا يتفق ساسة إسرائيليون مع الديمقراطيين الأمريكيين في اعتبار أن روسيا جزء من الصراع مع نتنياهو وترامب”. وأشار الباحث أحمد دهشان إلى أنّ “بينيت ولابيد يعتقدان أنّ روسيا بما تمثّله وبوتين هما طرف أصيل في الصراع الإسرائيلي الداخلي، وأنّ الانحياز المطلق لسياسة أمريكا تحت قيادة الديمقراطيين تجاه المستبد بوتين، تأكيد على الموقف الداخلي من رفض كل ما يمثله نتنياهو، وما يمثّله ترامب في الداخل الأمريكي”.
وفي هذا السياق تُفهم التحذيرات الإسرائيلية من تدخلات روسية محتملة في الانتخابات المرتقبة، بهدف تعزيز حظوظ نتنياهو الانتخابية، رغم أنّ التحذيرات الصادرة عن جهاز الأمن العام (شاباك) لم تشرّ إلى السلطات الروسية، بل إلى القرصنة الإلكترونية، إلا أنّ مثل هذه الهجمات السيبرانية والتي اتُهمت موسكو بالمسؤولية عنها إبان الانتخابات الأمريكية عام 2016، والتي فاز فيها ترامب، لا تحدث بعيداً عن أعين الدولة.
أسباب الغضب الروسي من إسرائيل واليهود
وترتبط أسباب الغضب الروسي من إسرائيل بموقفها الذي اتخذ خطّ التماهي مع الولايات المتحدة ضدّها بعد الحرب في أوكرانيا، وفي سياق أوسع يرتبط هذا الغضب باليهود بشكل عام، وخصوصاً في روسيا.
وبدايةً يتناول الباحث في العلاقات الدولية، أحمد دهشان في حديثه لمركز “رؤية” موقف اليهود الروس من الحرب على أوكرانيا، وهي:
1- أغلب الأصوات المعادية للحرب الروسية على أوكرانيا وأكثر الأصوات التي خرجت من روسيا ودعت إلى حملات مقاطعة ثقافية لروسيا ونددت ببوتين كانت هي أصوات النخب اليهودية الروسية.
2- في حين أيد مفتي روسيا، طلعت تاج الدين، وبطريرك موسكو، كيريل الأول – بشكل أقل صراحةً – العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، تهرب حاخام موسكو الأكبر، بنشاس غولدشميت، من تأييد الحرب، وغادر روسيا إلى إسرائيل، ولاحقاً استقال من منصبه، وأعلن إدانته لروسيا.
3- الموقف الإسرائيلي الرسمي كدولة يهودية المندد بالعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، واتّهام يائير لابيد لروسيا بارتكاب مذابح في بوتشا الأوكرانية، إضافةً إلى التحاق إسرائيليين ويهود بالقتال ضد روسيا في أوكرانيا، والانضمام إلى كتائب القوميين الأوكرانيين.
وهذه الأسباب إضافةً إلى إبراز الرئيس الأوكراني لديانته اليهودية في إطار الصراع مع روسيا، أدت إلى نتيجة خطيرة لم تغفرها روسيا، وهي “تقويض الرواية الرسمية لأسباب شنّ الحرب ضد أوكرانيا؛ ألا وهي محاربة النازيين الجدد”.
ويقول الباحث أحمد دهشان: “كان بوتين حريصاً على محاباة اليهود، وقدم لهم ما لم يقدمه أي قائد روسي على الإطلاق، ظناً أنّهم بما يمتلكونه من قوة الإعلام والمال سيكونون داعمين له حتى في الغرب، وهو ما لم يحدث”.
وبحسب الحديث مع دهشان؛ ظنت روسيا أنّ اليهود سيتخذون موقفاً مؤيداً للعمليات العسكرية ضد القوميين الأوكرانيين؛ لأنّ تاريخ القومية الأوكرانية مع اليهود مليء بالمذابح ضد اليهود، ولهذا كانت “صدمةً” للروس وبوتين شخصياً الموقف اليهودي المعادي له، والدعم للقوميين الأوكرانيين، وهو الأمر الذي أدى إلى تقويض الدعاية الروسية بمحاربة النازيين الجدد في أوكرانيا.
وفي هذا السياق جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في شهر مايو 2022 الماضي، والتي رد فيها على سؤال صحفي حول صدق رواية محاربة النازية في دولة رئيسها يهودي، وقال لافروف: “أدولف هتلر زعيم ألمانيا النازية الذي يتهمه اليهود وآخرون بقتل 6 ملايين يهودي في الحرب العالمية الثانية، له أصول يهودية.” ورغم تصريحات لافروف والتصريحات المضادة من إسرائيل، إلا أنّ حياد نفتالي بينيت – رئيس الوزراء آنذاك – تمكن من احتواء التصعيد بمكالمة مع بوتين.
معالم توتر العلاقات الروسية الإسرائيلية (اليهودية)
وهناك ثلاث ملفات مشتركة ظهرت فيها التوترات بين روسيا وإسرائيل، وهي: الداخل الروسي، وسوريا، والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
1- الداخل الروسي
ويشمل هذا الملف العلاقات الروسية اليهودية بشكل عام، وأبرز ملامح التوتر فيه؛ قرار محكمة موسكو إغلاق مكتب الوكالة اليهودية للهجرة، بناءً على طلب من وزارة العدل الروسية، ويأتي هذا القرار لوقف موسكو من هجرة اليهود إلى إسرائيل ودول أخرى، في إطار منع هجرة الكفاءات العلمية والنخب الثقافية والمالية إلى الخارج. ومن جانب إسرائيل أحدث هذا القرار زلزالاً داخلها.
بجانب ذلك تتنامي المشاعر القومية الروسية المعادية لليهود، والتي تقوم على فكرة أنّ موقف اليهود وإسرائيل من روسيا اليوم هو “خيانة ونكران جميل” بتعبير الباحث في العلاقات الدولية أحمد دهشان، وهو ما حذر منه الحاخام الأكبر السابق لموسكو، بعد وصوله إلى إسرائيل.
وهذا التضييق الروسي على أنشطة الوكالة اليهودية طال المنظمات اليهودية الأخرى، والتي تضطلع بدور واسع في البلاد، لخدمة 600 ألف مواطن روسي من اليهود.
2- التنسيق في سوريا
ويعتبر التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا من أهم التفاهمات بين البلدين منذ العام 2015، الذي شهد التدخل الروسي العسكري في سوريا، ووفق ذلك سمحت موسكو لتل أبيب بحرية العمل العسكري لاستهداف الميليشيات والقوات العسكرية الإيرانية، وحزب الله، والنظام السوري بدرجة أقل.
وعلى خلفية الأزمة الحالية، خفضت روسيا من مستوى التنسيق مع إسرائيل، وظهر ذلك جلياً باستهداف منظومة إس – 300 التي تملكها سوريا، والتي يُشغلها طاقم فني روسي للمرة الأولى لطائرات إسرائيلية، في شهر مايو الماضي، وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس للإعلام الإسرائيلي.
ورغم أنّ الطائرات الإسرائيلية كانت قد خرجت من مدار رادارات المنظومة الدفاعية، ولم تُصب بأذى، إلا أنّ ذلك لا يقلل من أهمية الحادثة، فمن المؤكد أنّها بمثابة استخدام روسي لورقة ضغط على إسرائيل، وليس الهدف إصابة طائرة إسرائيلية.
ومن المحتمل تبعاً لذلك، بحسب الباحث المصري، أحمد دهشان، أنّ “تتخلى روسيا عن التنسيق مع إسرائيل فيما يتعلق بانتشار النفوذ الإيراني في جنوب سوريا”.
وترى الباحثة ميرفت عوف في دراسة منشورة، أنّ روسيا ستحد من الهجمات الإسرائيلية على الأهداف الإيرانية، بهدف حماية الوجود الإيراني لتعويض انخفاض قدراتها في سوريا على دعم الرئيس بشار الأسد، بعد انشغالها في أوكرانيا.
3- الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
وشكلت العملية العسكرية الإسرائيلية (الفجر الصادق) ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، والتي بدأت في 5 أغسطس 2022 وانتهت بعد ثلاثة أيام، فرصةً أمام روسيا استغلتها عبر سفيرها في القاهرة للرد على اتهامات يائير لابيد – وقت كان وزير الخارجية – لها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا في شهر أبريل 2022، وكتبت السفارة الروسية في القاهرة على موقعها “أليس ذلك معاييراً مزدوجة وتجاهلاً واحتقاراً كاملاً لحياة الفلسطينيين؟”.
وارتباطاً بذلك، نشطت وسائل الإعلام الروسية في تقديم تغطية تركز على إبراز جرائم إسرائيل بحقّ قطاع غزة خلال عملية الفجر الصادق. وزاوية أخرى تتعلق برد الفعل الروسي، ما نشره موقع معاريف الإسرائيلي أنه خلال المحادثة التي جرت مطلع شهر أغسطس 2022 أبلغ الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ نظيره الروسي بوتين أنه “في الأشهر الأخيرة تلقت المنظمات الفلسطينية شحنات أسلحة مهربة من روسيا بطريقة غير رسمية من الأراضي الأوكرانية”، وبحسب المصدر ذاته، تعهد بوتين بمنع ذلك، مع تشديده على عدم تورط بلاده في ذلك.
وفي خطوة أخرى تتعلق بتوجيه رسائل روسية إلى يائير لابيد، أدت فرقة تامزور للأطفال للرقص الفلكلوري أغنية “أنا دمي فلسطيني” بالعربية، في مهرجان الثقافات الوطنية في غرودنو البيلاروسية، في شهر يوليو 2022.
مستقبل العلاقات الروسية الإسرائيلية
ولا يتوقع الباحث في العلاقات الدولية، أحمد دهشان أنّ يتطور التوتر بين روسيا وإسرائيل إلى صدام كبير: “لن يحدث تبدل كبير في المواقف وخروج عن الاتفاقيات بين الطرفين بشكل كبير، لأنّه في نهاية المطاف ليس من مصلحة الطرفين ذلك، وفي سوريا ليس من مصلحة روسيا الصدام مع إسرائيل”.
ويعضد ذلك حفاظ جزء من مسؤولي إسرائيل على علاقات ودية مع روسيا، بخلاف موقف رئيس الحكومة ووزراء منهم وزير الصحة، نيتسان هوروفيتس، الذي ردّ على حديث لافروف بشأن هتلر واليهود بحدة: “لغة الخطاب الروسي، التي تربط بين غزو أوكرانيا والنضال السوفييتي ضد ألمانيا النازية مع مقارنات بهتلر، هي كذب فظيع وجزء من حملة دعائية فظة تهين ذكرى المحرقة. وعلى هذا فإن إسرائيل تدعم سيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية في وجه الغزو الروسي الوحشي.”
وعلى رأس هؤلاء المسؤولين رئيس الدولة، يتسحاق هرتسوغ، والذي وصفته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بأنّه “الرئيس إسحق هرتسوغ مناسب تماماً لهذه المهمة، كما أثبتت جهوده في إعادة التقارب مع تركيا.” وعلاوةً على ذلك، حافظ وزير الدفاع، بيني غانتس، على علاقة جيدة بموسكو، وفي تعليقه على حادث استهداف منظومة إس – 300 التي يشغلها الروس لطائرة إسرائيلية في الأجواء السورية، شدد على أنّ الحادثة فردية، وأنّ “الوضع مستقر”.
من جانب آخر، هناك ترقب لنتائج الانتخابات المبكرة في إسرائيل، وما تفرزه من نتائج، والتحالفات السياسية التي ستشكل الحكومة الجديدة، والتي ستُحدد المسار الذي ستتخذه إسرائيل تجاه روسيا، ولهذا فمن المتوقع أنّ تستطيع الدولتان إدارة خلافاتهما.
بالإضافة إلى ذلك، تعزز طبيعة السلطة في إسرائيل من حيث تنوع الفاعلين، والاستقلالية النسبية للأجهزة الأمنية الكبرى، من الحفاظ على قنوات اتصال وتنسيق مع روسيا، خصوصاً فيما يتعلق بالوضع في سوريا وإيران والمقاومة الفلسطينية. وكذلك لا ترغب روسيا في القطيعة مع إسرائيل التي تحتضن مليون مواطن هاجروا من بلدان الاتحاد السوفيتي السابق، ويحمل جنسيتها 600 ألف مواطن يهودي مؤهلين للهجرة إلى إسرائيل.
المصادر
1- نقاش مع الباحث المصري في التاريخ العلاقات الدولية، المقيم في موسكو، أحمد دهشان.
2- https://democraticac.de/?p=48190
4- https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/ndwj-allaqat-alasrayylyt-alrwsyt
5https://1 a1072.azureedge.net/news/presstour/2016/12/12/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%AA-%D9%85%D8%B1%D8%AD%D9%84%D8%A9-%D8%BA%D9%8A%D8%B1
7- https://www.al-monitor.com/originals/2022/08/israel-asks-russia-prevent-interference-elections