أثارت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى جزيرة تايوان عاصفة من الانتقادات الصينية والتصريحات المتوعدة لتعقبها تحركات عسكرية تتمثل في مناورات تضمنت إطلاق صواريخ باليستية، وانتهت بإعلانها تسيير دوريات مستمرة في مضيق تايوان الذي أصبح ساحة يتوجه العالم بأنظار مترقبة نحوها ليبدأ الجميع في البحث عن جذور الأزمة بين الصين الشعبية وتايوان وأسباب الانفصال بين البر الصيني والجزيرة لتطرح مجموعة من الأسئلة التي نسعى للإجابة عليها في هذا الدليل الاسترشادي المعتمد على مجموعة من المصادر المعتمدة والوثائق التاريخية.
ما هي تايوان تاريخيًا؟
يتحدث موقع حكومة تايوان عن تاريخ تايوان المسجل الذي بدأ منذ حوالي 400 عام حيث وصفها البحارة الأوروبيون بالجزيرة الجميلة أو Ilha Formosa، وأنها كانت تشهد زيارات أعداد صغيرة من التجار الصينيين والصيادين، وأنها كانت في القرن السابع عشر محل نزاع بين هولندا “شركة الهند الشرقية الهولندية كان لها قاعدة في الجنوب الغربي للجزيرة” والإسبان “المغامرون أسسوا قواعد في الشمال” حتى استطاعت الأولى طرد الثانية.
ظهور الصين
كان الظهور الأول حينما طرد الموالون لسلالة مينغ (1368-1644), بقيادة الجنرال “كوكسينغا” الهولنديين وتأسيس سلطة في الجزيرة عام 1662 قبل أن تسيطر قوات سلالة تشينغ (1644-1912) على السواحل الغربية والشمالية للجزيرة بعد هذا التاريخ بحوالي عشرين عامًا، قبل إعلانها مقاطعة تابعة لإمبراطورية تشينغ عام 1885 وتصبح بذلك جزءًا من الصين.
ما هي جذور أزمة انفصال تايوان؟
الاسم الرسمي لتايوان الحالية هو جمهورية الصين أو ROC، والتي تأسست حكومتها عام 1912 على يد القوميين “الكومنتانغ” بزعامة سون يات سين في البر الصيني بعد الإطاحة بسلالة تشينغ، وكانت تايوان حينها تحت الحكم الياباني “1895- 1945″، ولم تكد تمضي سنوات حتى اندلعت الحرب الأهلية بين الكومنتانغ من جانب والحزب الشيوعي الصيني CCP من جانب آخر لعشر سنوات “1927-1937” لم توقفها سوى الحرب العالمية الثانية التي لم تكد تنتهي حتى اشتبك الطرفان مرة أخرى ليشهد الكومنتانغ بزعامة تشيانغ كاي شيك تراجعًا كبيرًا أسفر عنه هزيمة في البر الصيني وانسحاب حكومة القوميين الكومنتانغ لتايوان، في المقابل أسس الحزب الشيوعي حكومته بزعامة ماوتسي تونغ في البر الصيني عام 1949 لتتأسس جمهورية الصين الشعبية PRC، ليصبح هناك صينان يتنازعان تمثيل الشعب الصيني.
وبحكم أن الصين قد شاركت في تأسيس الأمم المتحدة عام 1945-خلال حكم جمهورية الصين للبر الرئيسي- فقد ظلت حكومة جمهورية الصين الموجودة في تايوان هي صاحبة مقعد البلاد في الأمم المتحدة حتى عام 1971 حينما أصدرت الأمم المتحدة قرار رقم 2758 الذي يعترف بجمهورية الصين الشعبية ممثلة للصين وطرد ممثلي تشيانغ كاي شيك حاكم تايوان.
ما علاقة الولايات المتحدة تاريخيًا باستمرار الأزمة في تايوان؟
تاريخيًا، كان للولايات المتحدة دور في استمرار الوضع على ما هو عليه على جانبي مضيق تايوان نتيجة لتغير الظروف المرتبطة بالحرب الباردة، ففي بداية عام 1950 تعهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان بعدم التدخل في أي نزاع بمضيق تايوان، لكن اندلاع الحرب الكورية في يونيو من العام نفسه دفع ترومان إلى نشر الأسطول السابع في المضيق لمنع أي هجوم من جانب الصين الشعبية على الجزيرة بدعوى أن “في ظل هذه الظروف، سيشكل احتلال القوات الشيوعية فورموزا-تايوان- تهديدًا مباشرًا لأمن منطقة المحيط الهادئ ولقوات الولايات المتحدة التي تؤدي وظائفها القانونية والضرورية في تلك المنطقة”. ووجه الدعوة للقوات الموجودة على الجزيرة بعدم شن أي هجوم ضد البر الرئيسي.
هل تايوان دولة ولديها علاقات دبلوماسية ؟
في أعقاب الحرب الأهلية الصينية، وتأسيس الصين الشعبية في البر الصيني توالت الاعتراف بالحكومة التي يقودها ماوتسي تونغ ممثلة للشعب الصيني، فعلى سبيل المثال كانت المملكة المتحدة أول دولة غربية كبرى تعترف بالصين الشعبية عام 1950 وأنشأت علاقاتها الدبلوماسية معها عام 1954، ومع حصول بكين على مقعد الصين في مجلس الأمن عام1971 وانفتاحها على العالم تزايد عدد الدول التي تعترف بالصين الشعبية والعكس صحيح، فأصبح عدد الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية محدود للغاية، حيث يصل عدد تلك الدول إلى 14 دولة معظمها دول جزرية من دول المحيط الهادي ودول الكاريبي وبالتالي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع الصين الشعبية.
هذه الدول وفقًا لموقع وزارة الخارجية التايوانية هي:
- The holy see الفاتيكان “الدولة الوحيدة في أوروبا”
- مملكة إسواتيني “سوازيلاند سابقًا- الدولة الإفريقية الوحيدة”
- جزر مارشال
- جزر ناورو
- جزر بالاو
- جزر توفالو
- بيليز
- جواتيمالا
- هايتي
- هندوراس
- باراجواي
- سانت كريستوفر آند نيفيز “سانت كيتس ونيفيس”
- سانت لوسيا
- سانت فينسنت والغرينادين
إضافة لذلك لدى تايوان مكتب تمثيلي لدى أرض الصومال المعترف بها من جانب واحد.
وتعمل بكين على إقناع الدول التي أبقت على علاقتها الرسمية بتايوان على نقل اعترافها إلى الصين الشعبية، وقد نجحت في إقامة علاقات دبلوماسية مع جزر سليمان عام 2019 وكذلك كريباتي التي وقعت اتفاقية أمنية في وقت سابق من عام 2022، إضافة إلى نيكاراجوا التي أقامت علاقات دبلوماسية مع بكين عام 2021 ، ليس هذا فحسب بل وقعت مع الأولى ، وقد سبقتهم 5 دول أخرى في اتخاذ هذه الخطوة هي ساو تومي وبرينسيب، بوركينا فاسو، بنما، سلفادور، جمهورية الدومينيكان.
رغم ذلك فلدى تايوان علاقات غير رسمية مع عديد من دول العالم عبر مكاتب اقتصادية وثقافية وتجارية لاسيما في دول أوروبا والولايات المتحدة التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع تايوان عام 1979 من أجل إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين الشعبية، لكن أبقت على علاقات عبر المعهد الأمريكي في تايوان والذي يقوم –في الحقيقة- بالمهام الدبلوماسية، وعلى المستوى القانوني الداخلي لدى واشنطن قانون العلاقات مع تايوان والتعهدات الستة كمرجع للتعاون مع الجزيرة.
على مستوى المنظمات الدولية، تسعى تايوان للانضمام إلى المنظمات الدولية حتى عبر صفة مراقب وهو ما تعمل الصين على مواجهته، وكان آخر هذه المواجهات رفض طلب انضمام الجزيرة لمجلس منظمة الصحة العالمية تحت صفة مراقب في مايو 2022.
هل لدى تايوان جيش؟ وما مدى قوته؟
لدى تايوان جيش يحتل المرتبة 21 من بين 142 في تصنيف موقع جلوبال فاير باور المعني بالشؤون العسكرية، ولكن مقارنة بالصين التي تحتل المرتبة الثالثة وفقًا لنفس التصنيف فإن فارق القوة هائل.
وإذا عقدنا مقارنة مثلًا على مستوى القوات البحرية، فإن لدى الصين 79 غواصة في حين لا تملك تايوان سوى 4، وتملك بكين 41 مدمرة ولا يتعدى عدد ما لدى تايوان أصابع اليد الواحدة، في حين أن ما لديها من فرقاطات وكاسحات ألغام هو تقريبًا نصف عدد ما لدى بكين.
ورغم أن الاستراتيجية التي كانت تعتمد عليها تايوان هي أسلوب المواجهة في حرب غير متكافئة – يتشابه مع أسلوب أوكرانيا في الحرب ضد روسيا- إلا أن المناورات الصينية الأخيرة بدأت تثير التساؤل حول مدى فعالية هذه الاستراتيجية، حيث أشار خبراء تايوانيون مؤخرًا أنها غير قادرة وحدها على مواجهة هجوم صيني حال حدوثه.
ما هو مبدأ الصين الواحدة، وما علاقة إعلان القاهرة بهذا الخلاف؟
اضطرت إمبراطورية تشينغ إلى التنازل عن جزيرة تايوان إلى اليابان عقب هزيمتها في الحرب الصينية اليابانية الأولى (1894 – 1895) بموجب معاهدة شيمونوسيكي Shimonoseki، لتقع تحت حكم الاحتلال الياباني حتى أربيعينيات القرن العشرين مع اجتماع رئيس جمهورية الصين تشيانغ كاي شيك –السلطة الشرعية في البر الصيني حينها – والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل في فندق مينا هاوس بالقاهرة عام 1943 لإصدار إعلان يحمل اسم العاصمة المصرية يضع شكلًا لمنطقة شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية عُرف بــ “إعلان القاهرة”.
فيما يخص تايوان ينص الإعلان على “أن كل الأراضي التي سرقتها اليابان من الصينيين مثل منشوريا، فورموزا (تايوان) و بيسكادوريس (جزر بنغو في مضيق تايوان) يجب أن تعود إلى جمهورية الصين”.
هذا النص يمثل الأساس الذي تتحدث عنه الصين الشعبية أنه المرجع الرئيسي إلى جانب إعلان بوتسدام أن تايوان جزء من الصين.
ويشير الكتاب الأبيض الثالث الصادر من بكين حول الوضع في تايوان مؤخرًا أن الحكومة الصينية-حينها كانت جمهورية الصين- أصبحت تمارس السيادة على تايوان وبنغو في أكتوبر 1945، و”أن الصين الشعبية PRC المؤسسة في أكتوبر 1949 خلفت جمهورية الصين ROC، وأن الحكومة الجديدة حلت محل حكومة الكومنتانغ KMT في وضع لم تتغير فيه سيادة الصين وأراضيها ومن بينها تايوان” مشيرة إلى أن الصين الشعبية أصبحت ممثل البلاد الشرعي بحكم قرار الأمم المتحدة السابق الإشارة إليه والصادرعام 1979، وأن هناك مقعد واحد للصين ما يدحض فكرة وجود “صينين” أو “صين واحدة وتايوان واحدة”.
ومن هنا يمكن القول إن مبدأ الصين الواحدة بالنسبة لبكين هو: هناك صين واحدة وأن تايوان جزء من الصين، وأن حكومة الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة للصين.
ما هي سياسة الصين الواحدة بالنسبة للولايات المتحدة؟
هناك اختلاف بين مبدأ الصين الواحدة الذي تتحدث عنه بكين وبين “سياسة” الصين الواحدة التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن واشنطن تعترف بمبدأ بكين لكن لا تؤيده صراحة بحسب صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وتقول واشنطن إن سياسة الصين الواحدة بالنسبة لها تستند على الإعلانات الثلاثة المشتركة مع الصين، إضافة إلى قانون العلاقات مع تايوان والتعهدات الستة وهي تعهدات سرية قدمها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان إلى رئيس تايوان تشيانغ تشينغ كو عام 1982، وكشف عنها السرية، وأضيفت على صفحة العلاقات الأمريكية بتايوان على موقع خارجية واشنطن في مايو 2022، وتتعهد فيها أمريكا بعدم تحديد موعد لوقف إمداد تايوان بالسلاح وعدم الضغط على تايوان للدخول في مفاوضات مع الصين، وعدم تغيير موقفها فيما يتعلق بسيادة تايوان، وهنا يكمن موطن الخلاف بين بكين وواشنطن حيث ترى الأولى أن القانون والتأكيدات الستة يشكلان انتهاكًا لمبدأ الصين الواحدة.
ماذا تقول القوى السياسية داخل تايوان عن قضية الانفصال وتوافق 1992؟
طوال نصف قرن (1949-2000) كان حزب الكومنتانغ القومي KMT –الذي كان حاكمًا في البر الصيني- هو الحاكم لجزيرة تايوان التي شهدت تأسيس الحزب الديمقراطي التقدمي DPP عام 1986 والذي استطاع الفوز بالرئاسة بفوز تشن شوي بن عام 2000 ويحكم الجزيرة حاليًا بزعامة الرئيسة تساي إينغ وين.
بالنسبة للعلاقات مع الصين، فإن DPP يميل بشكل كبير إلى الاستقلال الرسمي عن الصين، في حين يفضل KMT الاتحاد في نهاية المطاف مع الصين بحسب BBC.
وشهدت الفترة التي كان الكومينتانغ – أعداء الأمس- في الحكم تقاربًا مع بكين، فكان العام 1992 الذي شهد ما عرف بالـ”توافق” بعد اجتماع بين جهتين شبه رسميتين من الجانبين هما رابطة العلاقات عبر مضيق تايوان (ARATS) في البر الرئيسي، ومؤسسة تبادل المضائق (SEF) في تايوان، والذي كان في هونغ كونغ بحسب صحيفة الشعب الصينية التابعة لبكين.
بحسب مجلس العلاقات الخارجية CFR، هذا التوافق نص على “جانبي المضيق إلى صين واحدة وسيعملان معًا للسعي إلى إعادة التوحيد الوطني” لكن الأزمة أن الترجمة بالنسبة للكومينتانغ تعني “صين واحدة بترجمة مختلفة” أي تعني جمهورية الصين.
الحدث الأهم كان لقاء القمة الذي جمع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس تايوان المنتمي للكومنتانغ ما ينغ جيو (2008-2016) عام 2015 في سنغافورة، حينها تحدث شي عن طريقين بعد الانتخابات التي كانت مرتقبة في العام التالي، إما طريق التنمية السلمية أو طريق المواجهة والانفصال والعداء الصفري بحسب معهد بروكنغز.
هذا التحذير كان بالأساس إلى الحزب الديمقراطي التقدمي ومرشحته تساي إينغ وين التي وصلت لكرسي الرئاسة عام 2016، واعترفت في خطاب توليها المنصب بأن ما حدث عام 1992 هو حقيقة تاريخية قائلة “في عام 1992، توصلت المؤسستان اللتان تمثلان كل جانب عبر المضيق (SEF & ARATS)، من خلال الاتصالات والمفاوضات، إلى العديد من الاعترافات والتفاهمات المشتركة. وقد تم ذلك بروح من التفاهم المتبادل وموقف سياسي يسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة مع تنحية الخلافات جانبًا. أنا أحترم هذه الحقيقة التاريخية”.
هنا يلاحظ أن تساي لم تشر إليه بأنه توافق أو تناوله فكرة الصين الواحدة، وبعد شهر واحد من وصول تساي إينغ-وين وDPP للسلطة قطعت بكين المحادثات الرسمية مع تايوان لأنها – أي رئيسة تايوان- لا تؤيد فكرة أن تايوان والبر الرئيسي جزء من صين واحدة، ما يعرف بإجماع 1992 بحسب صحيفة نيو يورك تايمز.
لكن في 2019، قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ ترجمة أخرى لهذا التوافق في كلمة له حول تايوان فقال “خلال العقود السبعة، توصل البر الرئيسي وتايوان إلى توافق عام 1992 على أساس مبدأ صين واحدة، ووصلت التبادلات السياسية عبر المضيق إلى آفاق جديدة. على مدى 70 عاما، تم وضع المبادئ الأساسية لـ “إعادة التوحيد السلمي” وتم وضع السياسة الأساسية لدعم “دولة واحدة ونظامان” ودفع إعادة التوحيد الوطني قدما”، وهو النظام الذي ترفضه تايوان.
رغم ذلك فإن الكومنتانغ KMT يدافع عن توافق 1992، ويدلل على ذلك بحديث رئيس الحزب إريك تشو في محاضرة بمعهد بروكنغز خلال زيارته للولايات المتحدة في يونيو 2022 قال فيه إن هذا التوافق هو “المفتاح” لانخراط حزب الكومينتانغ (KMT) مع بكين، وأن الحزب ملتزم به.
التحرك الأخير للحزب كان عبر إرسال وفد بقيادة نائب رئيس الحزب أندرو هسيا إلى جنوب الصين في 10 أغسطس 2022 “وزار الصين أيضًا في يوليو”، وقال الحزب في بيان إنه “سبب إرسالنا وفد لتقصي الحقائق في 10 أغسطس لزيارة المجتمعات التايوانية التي تدرس وتعيش في البر الرئيسي الجنوبي للصين. تهدف هذه الرحلة غير السياسية إلى التعرف على وجهات نظرهم وتقديم المساعدة”، لكن الرحلة وجدت انتقاد من جانب مجلس شؤون البر الرئيسي (MAC) ، الوكالة الرئيسية في تايوان المسؤولة عن شؤون الصين حيث أشارت إلى أن “هذا ليس الوقت المناسب لزيارة أعضاء الأحزاب السياسية للصين بالنظر إلى التدريبات العسكرية المكثفة التي تجريها بكين مستهدفة تايوان، وأن هذه الزيارة قد تؤدي إلى ارتباك في المجتمع الدولي بشأن نظرة التايوانيين إلى التهديد العسكري الصيني”.
رغم ذلك فإن كلا الحزبين، الكومنتانغ KMT المعارض والحزب الديمقراطي التقدمي DPP الحاكم رحبا بزيارة نانسي بيلوسي للجزيرة.
ماذا تمثل تايوان في الوعي الصيني؟
إلى جانب الأهمية الاقتصادية لتايوان التي تحتل المرتبة الأولى عالميًا في صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات حيث تنتج شركة تايوان لأشباه الموصلات TSMC وحدها أكثر من 90% من هذه المنتجات التي تدخل في كل الصناعات التكنولوجية المدنية والعسكرية، وتعتمد كل من واشنطن وبكين على الجزيرة في هذا المجال بشكل كبير، يمثل عودة الجزيرة للبر الرئيسي للصين أهمية كبرى في الوعي الجمعي للصين حيث يمثل نهاية ما يعرف في تاريخ الصين بقرن الذل، وهو الحقبة من 1839- 1949 التي شهدت تدخل القوى الغربية والأجنبية في الصين خلال حقبة سلالة تشينغ مع حرب الأفيون واضطر فيها التنين إلى التنازل عن هونغ كونغ وماكاو لصالح بريطانيا والبرتغال بالتارتيب، إضافة إلى احتلال اليابان لتايوان عقب هزيمة الصين عام 1895.
يدلل على ذلك ما ورد في الكتاب الأبيض الأول الصادر عن بكين عام 1993 حول تايوان، فيقول “إن تاريخ الصين الحديث كان سجلًا من الخضوع للعدوان والتقطيع والإذلال من قبل القوى الأجنبية، ووقائع نضال الشعب الصيني من أجل الدفاع عن دولته وسلامته وكرامته الوطنية، لأسباب مختلفة ، لا تزال تايوان منفصلة عن البر الرئيسي. ما لم يتم وضع حد لهذا الوضع ، فإن الصدمة التي تتعرض لها الأمة الصينية سوف تستمر وستستمر نضال الشعب الصيني من أجل إعادة التوحيد الوطني وسلامة أراضيها”.
وحتى الكتاب الأبيض الذي صدر مؤخرًا عن الحكومة الصينية يشير إلى المسألة ذاتها بالقول إن “إن حقيقة أننا لم نتحد بعد هي ندبة تركها التاريخ على الأمة الصينية. نحن الصينيون على كلا الجانبين يجب أن نعمل سويًا لتحقيق إعادة التوحيد وتضميد الجرح”.
علاوة على ذلك، فإن تايوان تمثل آخر فصول الحرب الأهلية الصينية، حيث لا تزال تايوان تحتفظ بالاسم الرسمي “جمهورية الصين” التي أسسها الكومنتانغ الذين أعادوا تموضعهم في الجزيرة بعد هزيمتهم في البر الصيني الذي خلفتهم فيه “الصين الشعبية”.
وبناء على ما سبق يمكن فهم أصل الخلاف بين الصين الشعبية وتايوان والدور الأمريكي فيه، ولماذا غضبت بكين من زيارة بيلوسي لتايوان.